14 نوفمبر 2010

رسالة إلى الشرطة الملكية العُمانية حول رفض الأسماء

معالي الفريق مالك بن سليمان المعمري

المفتش العام للشرطة والجمارك

الشرطة الملكية العُمانية



معالي الفريق،

أكتب إليكم هذه الرسالة بالنيابة عن هيومن رايتس ووتش، وهي منظمة مستقلة ناشطة بمجال مراقبة أوضاع حقوق الإنسان.

أرغب في لفت انتباه معاليكم إلى قضية إيدا عبد الله خميس البلوشي، وهي مواطنة عُماني تبلغ من العمر ستة أشهر، والتي طبقاً لما لدينا من معلومات، حُرمت من شهادة ميلاد بعد أن رفضت الإدارة العامة للأحوال المدنية تسجيل اسمها الذي اختاره لها والداها. إيدا وأسرتها يقيمون في مدينة بوشر بمحافظة مسقط.

المعلومات التي تلقتها هيومن رايتس ووتش تشير إلى أن الإدارة العامة للأحوال المدنية، وهي فرع تابع للشرطة الملكية العُمانية، ينبغي أن توافق على جميع الأسماء المقترحة للمواليد قبل حصولهم على شهادات الميلاد. وتقوم الإدارة بهذه العملية بالاستناد إلى قاعدة بيانات بالأسماء المقبولة، وترفض الأسماء غير الواردة في قاعدة البيانات. المولود الجديد الذي يُرفض اسمه، يُحرم من الحصول على شهادة ميلاد إلى أن يقدم أبواه اسماً مقبولاً.

وقد رفضت الإدارة اسم "إيدا" في العاشر من مارس/آذار 2010. فقام عبد الله خميس البلوشي (رقم هوية: 0243504)، بالطعن في القرار أمام مجلس الإدارة العامة. ورفض المجلس طعنه في 30 مايو/أيار. وبعد طعن جديد من البلوشي، رفض المجلس الطلب من جديد في 11 أغسطس/آب.

طبقاً للبلوشي، فلم يتم إبداء تفسير لرفض اسم "إيدا" باستثناء أنه غير وارد في "قاعدة البيانات". وقد أخبرنا بأنه لم يتلق مطلقاً أية مراسلات رسمية من الإدارة بالرفض، وأنه لم يحصل قط على تفسير لسبب قبول الإدارة لبعض الأسماء دون أسماء أخرى.

إن رفض تسجيل اسم الطفلة ومنحها شهادة ميلاد يؤثر سلباً على حقوق الطفلة. طبقاً لما لدينا من معلومات، فعلى الأبوين إصدار شهادة ميلاد للطفل أو الطفلة قبل تلقي العلاج الطبي المجاني، ومنه التطعيمات (التحصينات) التي توفرها وزارة الصحة العُمانية. والطفل غير المتمتع بشهادة ميلاد غير مستحق لهذه الخدمات. والخدمات الأخرى التي لا يمكن للطفل الحصول عليها دون شهادة ميلاد تشمل التأمين الصحي الحكومي، والتعليم العام، وأوراق الهوية وجوازات السفر.

في الوقت الحالي - وإيدا تبلغ من العمر ستة أشهر - لم تتلق علاجاً طبياً ولا يمكن إصدار أوراق سفر لها، وهو ما منع أسرتها من السفر بها للخارج.

وطبقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل - وعُمان دولة طرف فيها - فإنه "يجب تسجيل الطفل فور ولادته ويُتاح الحق منذ مولده في حصوله على اسم، [و] الحق في الجنسية" و"على الدول الأطراف ضمان تنفيذ هذه الحقوق والالتزام بها.. لا سيما في حالة إذا أصبح الطفل غير المتمتع هذه الحقوق بلا جنسية" (المادة 7). كما أن على الدول الأطراف "الإقرار بحق الطفل في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة" و"السعي لضمان عدم حرمان أي طفل أو طفلة من حقوقهم في الحصول على الرعاية الصحية". (مادة 24).

إن رفض السماح للآباء باختيار أسماء الأطفال قد يشكل أيضاً خرقاً لحقهم في الخصوصية وحرية التعبير، مع تقييد هذه الحقوق دون وجود مبررات كافية. الحق في حرية التعبير مكفول بوضوح في المادة 29 من النظام الأساسي العُماني، وورد فيه أن "حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكـفوله في حدود القانون".

وبالمثل، فإن الفقه القانوني الدولي يدعم حرية المرء في اختيار الاسم. لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قضت في قضية في عام 1994 بعنوان "كورييل وآخرون ضد هولندا"، بأن المادة 17 [من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية] تنص على أنه يجب ألا يتعرض أحد للتدخل بشكل متعسف أو غير قانوني في حق المرء في الخصوصية، وحرمة الأسرة والبيت والمراسلات. وتعتبر اللجنة أن فكرة الخصوصية تعود على مجال حياة المرء التي يعبر داخلها بحرية عن هويته.. ويشمل هذا الحماية من التدخل المتعسف أو غير القانوني في الحق في اختيار الاسم أو تغيير المرء لاسمه".

من هذا المنطلق، فإننا نقدر لمعاليكم توفير الردود على الأسئلة التالية من حكومتكم:

• ما هي القوانين أو الأنظمة الحاكمة لاختيار الأسماء في سلطنة عمان؟

• ما هي السلطات الممنوحة لإدارة الأحوال المدنية فيما يخص رفض تسجيل الأسماء، وما هي القوانين والأنظمة أو قواعد البيانات الحاكمة لهذه السلطات؟

• إذا كانت إدارة الأحوال المدنية ومسؤولوها يتخذون القرارات الخاصة بإصدار شهادات الميلاد بناء على قاعدة بيانات من الأسماء "المقبولة" و"المرفوضة"، فهل يمكن لنا الاطلاع على نسخة من هذه القائمة، مع توضيح كيفية إعداد هذه القائمة ومراجعتها من وقت لآخر؟

• هل يُحرم الأطفال العُمانيون الذين لا يتمتعون بشهادة ميلاد من: (أ) تلقي الخدمات الطبية، (ب) الذهاب للمدارس، (ج) الحصول على أوراق هوية، (د) الحصول على جوازات سفر؟

• هل يمكن لإدارة الأحوال المدنية أن توضح لنا الآلية التي يمكن بموجبها في حالة رفض تسجيل الأسماء أن يطعن الآباء في القرارات الصادرة عن الإدارة؟ وما الخطوات التي يجب على الإدارة اتخاذها لشرح عملية الطعن هذه للمتأثرين بالقرارات ولضمان التسريع بعجلة النظر في الطعون؟

• هلا تفضلتم معالي الفريق بتوضيح كيف أن سياستكم فيما يخص تسجيل الأسماء متسقة مع الحقوق الأساسية للأطراف المتأثرة، من واقع مبادئ النظام الأساسي العُماني والمعايير الواردة في القانون الدولي؟

تتطلع هيومن رايتس ووتش - معالي الفريق - لتلقي ردكم على الأسئلة. وربما نصدر هذه الرسالة علناً يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول أو بعده، مرفقاً بها رد معاليكم إذا وصلنا قبل هذا الموعد المذكور. وسوف نستمر في مراقبة ومتابعة حالة إيدا عبد الله خميس البلوشي.

يسرني كثيراً إجابة أية أسئلة تعنّ لسيادتكم. وشكراً لكم على الاهتمام بهذا الشأن.

مع بالغ التقدير والاحترام،

سارة ليا ويتسن

المديرة التنفيذية

قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

07 نوفمبر 2010

طفلٌ يتنزَّه في مقبرة

عبد يغوث
(عُمان)

الشاعر عبد يغوث

الإهداء:
إلى أمي موزة في جوار حُورِ العِين

على سبيل الاعتذار:
"أقصائدُ هذه؟ لا...
هذه مِزَقٌ، كِسْراتٌ صغيرةٌ
فُتاتُ الورقِ كلّ يوم". أديت سودرجران


إضاءة المقبرة:

أشكُّ في أي نعيم ينتظرني
أما الشقاءُ فظلي...


شـواهد

بَكارة

أيها القلق المُبكِّر
الذي يشبه طفلاً مُبتلى بالسرطان
أريد أن أنام كما صخرة الوادي
لا تجرفها الأمطار ولا حتى القيامة!


لِسان الموت

كانت دارنا العتيقة
تطل على باحة مقبرةٍ ساجدةٍ
تحت قدَميْ جبل أصم
فكيف لي أن أفرح الآن
وأنا أحدثكم بلسان الموت
وكل مدى طفولتي
مقابرُ وجبال!


النساءُ الغريبات

طفولة مريضة
وأم مريضة
باعدت حنان صدرها
ذات شتاء مُرقعَّ الثياب
وخلَّفتني بين أيدي النساء الغريبات
الغريبات اللواتي فطمنني نبتة مُرَّة
وكانت أمي بعيدة مثل نجمة حزينة
فامتصصتُ التبغ وشفاه الأخريات
إلى أن فاض لعابي من اللهاث!


فَزع

رأيتُ ذات طفولة في المنام
امرأتين هبطتا من السماء
بذراعيْ أساطير يونانية
وكأنهما غسلتا مُهجتي
وطارتا
وخرجت أمي إلى الفناء
فوجدتْ طفلاً عارياً
من دهشة التطلع
إلى نجمتين مُفزعتين!


موقِد أُمي

أواهُ أيها الدفء البعيد
حينما سرحتني أمي على ركبتها اليسرى
ذات شتاء طيني أمام الفراشات
جوار أخي الموقد الحنون
فنمتُ مع الله كحبيب
هوى إلى روح عشيقه
النائمة في خَدَرٍ أبدي!


طفولة ُأم

يحدثُ في المساءات البعيدة
على مقعد خشبي طويل
أن أتأمل حبها عبر أوراق شجرة محاذية
وهي تتساقط كما دموعها في القلب
كأنها تحبني للمرة الأولى
غريباً ...
في زاوية على مقعد خشبي طويل
أهطلُ
كحب مريض في وحدة آلمة
لو يتسع الكرسي لكلينا لأحببتها
طوال حبي لصورة أمي
في الطفولة!


-14-

أبي يُحمِّمني عند درج البيت
والمياه تهطل كإفاقة السكران
وأنا أشْرُقُ
كأنني أركض في الزقاق
برِقَعِ الثياب
وهو يُدلِّكُ رأسي
إبطي.. عانتي
فأكرجُ بضحكة ماء
وأتأمل أهل البيت
يرمقونني بضحك عار
كان ذلك في الرابعة عشرة!


يُنبوعٌ حَجَرِيٌّ

أغنيني حجرية
لأن صوتي يسَّاقط أحياناً
كما أحجار أهْوَتها العاصفة
وأحياناً يتقاطر بتؤدةِ نبعٍ
كببتُ عليه وجهي
في طفولة مياه عابرة!


قِطارٌ غامض

أفكرُ كثيراً في السنوات الثلاثين
التي مضت كقطار
كل سنة عربة خاوية
فيفاجئني حزنٌ غامض
حين أتذكر أنني لم أكن موجوداً
على الإطلاق!


دمعة

لي دمعة في آخر الليل
تنتظرني عند طرف سريري
وتعتبُ إن غبتُ طويلاً
في أراضٍ ليست لي
وحين تلفني بملحفتها الليلية
تهيم روحي في تذكاراتٍ ماضيةٍ
وخيبة في أن لا أصبح يوما حجرا
لهم المجد حقاً
أولئك الذين ولدوا كباراً
دون دموع!


بَلادة

أتأملُ تقاذف أرجل المارة
ووداعة الأطفال والعشاق
فيذكرني ذلك بأشياء
لم تعد تخصني
وأنني ولدت هكذا
ساهماً عن العالم ببلادة
أكثر من بلادتي على هذه الطاولة!


زوايا

في زاوية ما من العالم
ينتحب طفل من الكهولة
مطوقا رأسه بذراعيه كمن يُساط
ويعلم في زاوية أخرى من العالم
تختبئ مُهجتُه كما قصيدة
دُسَّت على عَجَلٍ تحت حجر
هناك... هناك
حيث العالم طفل تكاد
تطفرعيناه من الضحك!


* من مجموعة "طفلٌ يتنزه في مقبرة" الصادرة عام 2003م في القاهرة، ويعيد موقع "جهة الشعر" نشرها في "كتاب الجهة".