12 مارس 2008

فيروز في ليلة بحرينية استثنائية

فيروز تغني في قلعة عرادفيروز تغني في قلعة عراد 

ليل المحرّق يضيء بالصوت الملائكي

إقبالٌ منقطع النظير وأغانٍ تتقادم وتتجدَّد

     بعد سنوات من الصمت والعزلة، وفي خضم ظروف عربية تزاد اضطرابًا وحنقًا على الآمال والشعوب، يعود صوت فيروز ليُزيح قليلاً ازدواجية الانكسار وتناقضاته من أجل التجرد من كل ما هو غير إنساني، من كل ما يزرع العداوة ويمحو المحبَّة.

      الموسيقى وصوتُها موسيقى.

     بالرغم من قدم أغانيها إلا أنها تزداد جدَّةً وبقاء وتطهيرًا؛ ما زالت تُحيي الأرواح المدفونة بالمادة وأسباب التجهم والغضب والملل، وتحمي من الافتراس الجنسي الداعر الذي تنقض به وكالات القوادة العربية (الفضائيات العربية) يوميًّا على مشاهديها ومستمعيها الكرام المغلوبين على أمرهم، عبر "مغنيات" يظهر أكثرهن على استعداد تامٍّ لإكمال مهامِّ اللَّيالي والأسِرَّة، بأصواتٍ لا علاقة لها بالحناجر، إلى جوار شباب كثيرين يتناسلن وإيَّاهم يوميًّا بوفاءٍ سخيٍّ لنهيق الحمير.

     قبل حفلة الفنانة الكبيرة فيروز أمس الأربعاء على منصة مسرح قلعة عراد بالمحرّق ارتفعت أسعار التذاكر من 40 دينارًا بحرينيًّا، لتقفز إلى مئتين في السوق السوداء التي استشرت قبل حفلتها مساءً ووصلت إلى 500 دينار أمام باب مسرح القلعة.

     تحت عنوان "فيروز الليلة... للمحظوظين فقط" قالت جريدة "الوسط" البحرينية أمس إنها تلقَّت "الكثير من الاتصالات الهاتفية التي تذمرت من إقدام أحد منافذ التوزيع لتذاكر حفل المغنية اللبنانية "فيروز" على عرض التذاكر على المراجعين والمتصلين بسعر 200 دينار، مؤكدين أن هذا التصرف يؤكد صحة ما ذهبت إليه تلك الاتهامات التي وُجِّهت إلى المنافذ من أن تلاعبًا قد تمَّ في عملية البيع منذ البداية".  وقد شاع أن عمليات البيع استغلت الإقبال الكبير على شراء التذاكر، واستغل بعضهم الظروف وأخذ يبيع ليس داخل البحرين فقط بل وعند جسر الملك فهد الواصل بين مدينة الدمام السعودية ومملكة البحرين. 

     ضاق المسرح الذي يتسع لألفي مقعد بالجماهير المتعطشة إلى أغنيات فيروز، وجُلب المزيد من المقاعد، ولم يجد كثيرون مكانًا فجلسوا على المدرجات.  وبينما كان يفترض بدء الحفل في الثامنة والنصف مساء البارحة انتظر الجمهور ساعة أخرى ليلتقي بصاحبة الصوت الملائكي في التاسعة والثلث.

قلعة عراد والمدرج قبل الحفل بساعاتقلعة عراد والمدرج قبل الحفل بساعات

     وغنت فيروز "طيري يا طيَّارة طيري" و"عم يلعبوا لولاد" و"يا وطن الدوَّار"، وتواصلت فرقتُها المصاحبة مع الجمهور بأغان عن حرية الرأي رابطة بين دور الفن والواقع الذي ينشد الفن زعزعة ثقله وطغيانه بتأصيل قيم الديموقراطية ونبذ العنف، حيث غنت الفرقة "إلا ما بيصير إرهاب وتصويت"، و"حرية الرأي أحسن رأي"، و"صوّتوا للشباب يا شيخ الشباب".

    كتبت جريدة "الوسط" في عددها الصادر صباح اليوم أنه "تحت إصرار الجمهور المحتشد على مدرج القلعة المفتوح عادت فيروز 3 مرات إلى المسرح لتُغنِّي والجمهور يُصفِّق مصرًّا على استمرارها رغم انتهاء الحفل عند منتصف الليل...  وانتهت فيروز في الحادية عشرة و45 دقيقة إلا أن الجمهور رفض الخروج من قلعة عراد مصرا على الاستمرار في الاستماع إليها، فعادت من جديد ثم خرجت مرة أخرى، إلا أن الجمهور رفض الخروج أيضًا، وتحت ضغط الهتاف والتصفيق والضرب بالأرجل على المدرج عادت إلى المسرح وغنت بحماس مع جمهورها الذي كان سيبقى معها لو بقيت حتى الصبح". 

      بدأت فيروز مغنية كبيرة منذ ظهورها الأول في 1952م مع عاصي الرحباني الذي سيصبح زوجها بعد سنوات قليلة، وانطلقت بعد سلسلة من المفاجآت أبهر صوتُها خلالها أهلَها والقريبين منها وذوي الفن، ومنذ كانت في الرابعة عشرة انضمت إلى فرقة المنشدين في العهد الموسيقي الوطني في لبنان، لتنتهي بعد خمس سنوات من صقل إمكانياتها الصوتية الهائلة بالدراسة الأكاديمية، ومنذ ذلك الوقت استحوذت على قلوب الجماهير العربية بتقديم الأغاني القصيرة في زمنٍ هيمنت فيه الأغنية الطويلة من قبل المغنين العرب الكبار الذين تأتي سيدة الغناء العربي أم كلثوم في مقدِّمتهم؛ جاءت أغاني فيروز قوية، شديدة التميز ومتكاملة من حيث الصوت والموسيقى والكلمات رفقة الثنائي الجبَّار الذي قلبت وإيَّاه القواعد، وقدمت معه مئات الأغاني:  الأخوين رحباني، ليأتي الابن النادر-زياد- بعد ذلك بزمن ويُقدِّم إبداعًا لا يقلُّ استثناء.

     تأتي حفلة فيروز في البحرين بعد حفلها الأخير في دمشق بعد سنوات من الصمت واحترام الجمهور والكبرياء الخلاقة في زمن المصائب والحروب في وطنها لبنان والوطن العربي.

ليست هناك تعليقات: