18 ديسمبر 2010

المجتمع العماني ورحلة البحث عن ذات حقوقية



راشد المازم

قضايا الخليج  25-11-10
 
لم يعد مقبولاً الاكتفاء بترديد مقولة: كل شيء على مايرام، وأن قيادة الدولة قد أوفت بكل التزاماتها، وليس هناك ما يستوجب تغييرات جوهرية. ببساطة لأن، وفق هذا المدّعى، ليس هناك مطالب لدى الناس، أو بالأحرى ليس هناك حاجات مستجدّة تقتضى مثل تلك التغييرات التي يتحدث عنها البعض، غالباً يكون، بحسب التصوير السيكوباثي، خارجياً. والأخطر من ذلك كله، أن هذه الدعوى تستبطن إدانة للمجتمع بأن وعيه لم يشهد رقيّاً يستوجب التعاطي معه بحسب المستوى الذي بلغه، وما يستوجبه من استحقاقات.

ولعل من بين الموضوعات التي شغلت المواطن العماني في الفترة الأخيرة، موضوع منظمات المجتمع المدني، التي يعوّل عليها في لعب دور الرافعة للمجتمع بحيث تصبح وسيطاً نموذجياً لنقل حاجات الأفراد الى الدولة. ولاشك أن موضوع حقوق الانسان في عمان يمثّل اليوم حجر الأساس في بناء المجتمع المدني المأمول قيامه بصورة مستقلة عن هيمنة الدولة.

فقد وصف أحد الناشطين الحقوقيين العمانيين فكرة تأسيس لجنة وطنية لحقوق الإنسان بأنه (طموح مشروع)، ولكنه تحفّظ على إشراف الحكومة عليها، ويشرح ذلك بالقول (من حيث المبدأ، كل أمر في البلد هو تحت إشراف الحكومة وهذا حق سيادي لا غبار عليه، ولا أتمنى أن أرى أي منظمة أو هيئة مدوعومة من الخارج أو مرتبطة بأي شكل من الأشكال بمنظمات في الشرق أو في الغرب مهما كانت نبرتها وتوجهاتها، لأني أعتقد بأنها لن تكون مستقلة، ولطالما رأينا جمعيات راقت لها موجة مواجهة الحكومات بسبب تأثرها بالأصوات في الخارج وكان الخاسر الأول هو المواطن البسيط العادي.، لكن السؤال ما نوع الإشراف الحكومي الذي تقترحه لهذه الجمعية؟ إذا كان إشرافاً سلطوياً مهيمناً فهي فعلا ستولد ميتة..أما إذا كان إشرافاً تنظيمياً محضاً ورقابياً فيمكن الوصول إلى آلية معينة يتسع فيها هامش الحركة لهذه الجمعية..).

وقبل أن يحدد الموقف سلباً أم إيجاباً حيال فكرة جمعية حقوق الإنسان العمانية، أثار طائفة تساؤلات تعتبر، من وجهة نظر محايدة، مشروعة، وهي على النحو التالي:

1- القضايا مورد اختصاص الجمعية
2- آلية اختيار الرئيس وأعضاء الجمعية
3- كيف ستتعامل الجمعية مع قوانين الحكومة التي تتعارض وحقوق الانسان
4- الصلاحية الممنوحة للجمعية
5- مصادر تمويل الجمعية

يتم طرح هذه الأسئلة في سياق الهواجس التي تثيرها ارتباط جمعيات حقوقية بمصادر دعم خارجي، الأمر الذي يفقدها مصداقيتها، وشعبيتها، ويضعها في مقام الشك، وكذلك خضوع الجمعيات للحكومات وتوجيهاتها وتمويلها بما يفقدها استقلاليتها ونزاهتها.
هناك من يعارض الرأي القائل برفض إشراف الحكومة، على قاعدة أن دستور السلطنة العمانية لا يسمح بعمل تنظيم اجتماعي مهما كانت دوافعه ومنطلقاته وأهدافه دونما إشراف حكومي. وهنا نستعرض التشريعات الخاصة بتأسيس وعمل الجمعيات في عمان:
 
نظام إنشاء الجمعيات الأهلية

تنصّ المادة (33) من النظام الأساسي للدولة في عمان والصادر بتاريخ 6 نوفمبر 1996:
  (حريـة تـكويـن الجمعيـات على أسس وطـنية ولأهداف مشروعة وبـوسائل سلمية وبما لايتعـارض مع نصوص وأهـداف هـذا النظـام الأساسي مكـفـولـة وفقـا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون. ويحظر إنشـاء جمعيات يكون نشاطهـا معاديا لنظام المجتمع أو سريـا أو ذا طابع عسكـري ، ولايجوز اجبـار أحـد على الانضمام إلى أيـة جمعية).

وكان السلطان قابوس بن سعيد، رئيس السلطنة، قد أصدر مرسوماً سلطانياً رقم 14/2000 الخاص بقانون الجمعيات الأهلية جاء فيه:
بعد الإطلاع على النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 101/96، وعلى قانون تنظيم الأندية والجمعيات في السلطنة الصادر في أول يناير 1972م ، وبناء على ما تقتضيه المصلحة العامة، تم فيه إلغاء القانون القديم الخاص بتنظيم الأندية والجمعيات في السلطنة، وكل ما يخالف أحكام القانون المرافق أو يتعارض معها . ثم صدر مرسوم سلطاني في 13 شباط (فبراير) سنة 2000م الخاص بقانون الجمعيات الأهلية تم تعريف فيها الجمعية على أنها:

كل جماعة ذات تنظيم مستمر تتألف من عدة أشخاص طبيعيين لغرض غير الحصول على ربح مادي وتهدف إلى القيام بنشاط اجتماعي أو ثقافي أو خيري ويشمل ذلك الصناديق الخيرية والجمعيات والأندية الاجتماعية والثقافية وتلك التي تنشئها الهيئات الخاصة أو الشركات أو المؤسسـات أياً كانت التسمية التي تطلق عليها ولو كان من بين أنشطتها ممارسة الرياضة البدنية إذا لم تكن هذه الرياضة هي النشاط الرئيسي للجمعية أو النادي. واستثنت المادة (2) من المرسوم (الجمعيات والأندية الثقافية والفنية التي تنظم أوضاعها قوانين خاصة). وقد نصّت المادة (3) من المرسوم على ما يلي: (تعتبر وزارة التنمية الاجتماعية الجهة الإدارية المختصة بالنسبة إلى الجمعية)، الأمر الذي يجعل الحكومة ممثلاً في وزارة التنمية الاجتماعية هي المرجعية والسلطة العليا التي تشرف على نشاطات الجمعيات الأهلية بكل اختصاصاتها.
الجدير بالذكر أن المرسوم السلطاني حدّد مجالات عمل الجمعيات بحسب المادة (4) من المرسوم السلطاني نفسه فيما يلي:

1-  رعاية الأيتام .
2-  رعاية الطفولة والأمومة .
3-  الخدمات النسائية .
4-  رعاية المسنين.
5-  رعاية المعوقين والفئات الخاصة .
6-  أية مجالات أو أنشطة أخرى يرى الوزير إضافتها بعد موافقة مجلس الوزراء ولا يجوز بغير موافقة الوزير أن تعمل الجمعية في أكثر من مجال واحد.

وحظرت المادة (5) من المرسوم السلطاني على الجمعيات (الاشتغال بالسياسة أو تكوين الأحزاب أو التدخل في الأمور الدينيـة وعليهـا أن تنـأى عـن التكتـلات القبلية والفئوية ولا يجـوز لها:

 أ -  ممارسة أي نشاط غير النشاط المحدد في نظامها .
ب -  أن تنتسب أو تشترك أو تنضم إلى جمعية أو هيئة أو ناد مقره خارج البلاد إلا بعد موافقة الوزير .
ج -  إقامة الحفلات العامة أو المهرجانات أو إلقاء المحاضرات العامة إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من الوزارة .
د -   إرسال وفود إلى خارج السلطنة أو استضافة وفود من خارج البلاد إلا بعد الحصول على موافقة الوزارة .
هـ - السماح بلعب القمار أو تناول المشروبات الكحولية في مقارها .
و -  تقديم مساعدات إلى جهات خارجية إلا عبر الهيئة العمانية للأعمال الخيرية .

وقد أضيفت الفقرة (و) بالمرسوم السلطاني رقم 23/2007 المنشور في الجريدة الرسمية العدد رقم (837) بتاريخ 15/4/2007م .
ونصّت المادة (11): للوزارة حق رفض شهر الجمعية إذا كان المجتمع في غير حاجة لخدماتها أو لوجود جمعية أو جمعيات أخرى تسد حاجة المجتمع في مجال النشاط المطلوب أو إذا كان تأسيسها لا يتفق مع أمن الدولة أو مصلحتها أو لأية أسباب أخرى تقدرها الوزارة.
كما نصّت مادة (17):  تخضع الجمعيات لرقابة الوزارة ، وتتناول هذه الرقابة فحص تقارير تدقيق الحسابات السنوية التي تجريها تلك الجمعيات على حساباتها ، والتحقق من مطابقة أعمال الجمعية للقوانين ونظامها وقرارات الجمعية العمومية ويتولى هذه الرقابة موظفون يكون لهم حق دخول مقر الجمعية والإطلاع على سجلاتها ودفاترها ووثائقها ومكاتباتها.

كما يكون لهؤلاء الموظفين الذين يصدر بتحديدهم قرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير صفة الضبطية القضائية فيما يقع من مخالفات لأحكام هذا القانون واللوائح الصادرة تنفيذاً له وتحرير المحاضر اللازمة بها واتخاذ الإجراءات المقررة قانوناً بشأنها.

وقد عدّلت المواد بالمرسوم السلطاني رقم 23/2007م المنشور في الجريدة الرسمية العدد رقم (837) بتاريخ 15/4/2007م
وفي ضوء مراجعة دقيقة للمواد الخاصة بتنظيم عمل الجمعيات الأهلية والنوادي، يظهر أولاً بأن ثمة تخطيطاً مسبقاً لإخضاع الجمعيات لسيطرة الحكومة، وعدم السماح لها بأن تمارس وظائف مستقلة، فيما نظر آخرون الى قانون الجمعيات الأهلية العماني بأنه معوّق لقيام مؤسسات مجتمع مدني. وقد كتب سالم آل تويه مقالاً بهذا الصدد توقّف فيه في البداية عند غموض المصطلح الوارد في تعريف قانون الجمعيات العماني، والذي لا يتوافق مع مفهوم المجتمع المدني المتعارف عليه كونياً، فضلاً عن الدور والوظيفة والهوية الخاصة بالجمعيات، وبحسب آل تويه (فما من مؤسسة في عُمان إلا وأنف الدولة محشور فيها حشراً)، ما يسلبها صفة المدني حيث أنها مؤسسات (لا تُمَارِس دورها المفترض..وإن مسمَّاها الأصحّ في هذه الحالة هو "مؤسَّسات الدولة"، حالها كحال الهيئات الحكومية).

ويرى آل تويه بأن المسألة لا تقتصر على تمويل الحكومة للجمعيات، ولكن يمتد الى هوية الأعضاء (فهؤلاء أكثرهم جاءت به الدولة)، وأن الانتخاب ليس سوى (عملية تمويهيَّة داخل إطار داخل إطارٍ آخر). ويوضّح ذلك بالقول (هناك في هذه المؤسسات من يقف في الخلف ويراقب كل شيء؛ عيون السلطة بالمرصاد دائماً. ولأن هذا الأمر بدأ مبكِّراً فبعد تراكم السنواتٍ تثبت فعاليته على الميدان، وتجد المعنيين أنفسهم لا ينأون فقط عن فهم دور مؤسسات المجتمع المدني، وإنَّما يبررون مواقفهم المخزية بالالتفاف والتمويه والكذب، لأن الإنخراط في تلك المؤسسات يُلبِّي حاجات لا تُذكر مقابل التفريط الشنيع في الدور الواجب القيام به).

ويخلص آل تويه في تحليل وظيفة المجتمع المدني في عمان بأنه تمويهي، على أساس أن (مؤسسات المجتمع المدني لدينا ليس لها أي موقف نقدي فاعل تُجاه القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، ولا تؤشر على مواطن الفساد في الحكومة وتتخذ موقفًا سلبيًّا صامتًا حيالها. إنها تترهل في النهاية وينالها العطب والروتين والتكرار وينفض الناس من حولها وتصبح حلبة لسباقات المسافات الطويلة). ولذلك يطالب بـ (رفع يد الحكومة بصورة كليَّة عن مؤسسات لا علاقة لها بها على الإطلاق)، كما طالب بإعادة النظر (في قانون الجمعيات الأهلية العُماني). وساق مثالاً من الواقع العماني، حيث (إن أغلب الدعاوى المقامة بالعشرات من قبل مواطنين ضد مؤسسات الدولة المختلفة، كوزارات الصحة والإسكان والداخلية، يُحكَم فيها لصالح الحكومة ووزرائها ومسؤوليها ضد المواطنين، دون الالتفات إلى القرائن والأدلة الدامغة على إجحاف مؤسسات الدولة وتجاوزها جميع الحدود القانونية وتسلطها واستقوائها على المواطنين، وأكثر من هذا تُمارس المحاكم العُمانية دور المُخادِع ولا تُبالي بانكشاف عدم نزاهتها وعدم استقلالها عبر "تكييفها" الأحكام لصالح مؤسسات الدولة). ودعا آل تويه الى التحرر مما أسماه (مقولات مستهلَكة ومتهالكة وغير مفهومة) مثل مقولة "المواطن يُكمل دور الحكومة، أو إن كليهما يكمل دور الآخر"، وقد أثبتت التجارب أن أي مسؤول عُماني تفوَّه بقول كهذا فاجأ الأطراف الأخرى غير العُمانية وأثار استغرابها بخلخلته كل الموازين الطبيعية وظهوره بمظهر متفرد فريد يقلب المفاهيم المعقولة المتعارف عليها في بلدان كوكب الأرض. وضرب مثلاً بموقف جمعية الكتّاب العمانيين من قضيا حرية التعبير واعتقال بعض الصحافيين، حيث ناصرت الجمعية  الحكومة. ويختم آل تويه بالقول (إن هذه المؤسسات تُنصِّب نفسها معوِّقًا آخر يشد من قبضة الحكومة الحديدية ويُؤازرها، وكم من الهول والخطر في التأثير الذي يخرق الوعي ويُعطِّل الزَّمن ويُنشئ أجيالاً مخدَّرة بالحكومة وإنجازات الحكومة وأفضال الحكومة والتهليل للحكومة، وكأننا لا نستفيد من تجاربنا أبداً).

وقد اقترح ناشطون نظاماً أساسياً لجمعية حقوقية يشتمل على المجالات التالي:

ـ أهداف الجمعية:

1-تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
2- حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
3- تعميم ثقافة حقوق الإنسان المستمدة من الشريعة الإسلامية وكافة المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان .
4- العمل على تفعيل وترقية كافة الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور العماني (كما وردت في الباب الثالث من النظام الأساسي بعنوان: الحقوق والواجبات العامة المواد من 15 ـ 40).
5- إزالة كافة الانتهاكات التي قد يتعرض لها الأشخاص الخاضعين للولاية القانونية لسلطنة عمان.
8- تنمية العلاقات ومجالات التعاون بين اللجنة والمنظمات الدولية والإقليمية والمحلية سواء الحكومية أو غير الحكومية.
 
اختصاصات الجمعية

1- العمل على تحقيق الأهداف الواردة في الاتفاقيات والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان والتي أصبحت الدولة طرفاً فيها.
2- تقديم المشورة للجهات المعنية في الدولة في المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان وحرياته.
3- النظر في التجاوزات على حقوق الإنسان وحرياته، واقتراح السبل الكفيلة بمعالجتها وتفادي وقوعها.
4- رصد ما قد تثيره المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية من ملاحظات في مجال حقوق الإنسان في الدولة والتنسيق مع الجهات المعنية للرد عليها.
5- المساهمة في إعداد التقارير التي تعدّها الدولة في شأن حقوق الإنسان وحرياته.
6- التعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بحماية حقوق الإنسان وحرياته.
7- تعزيز الوعي والتثقيف بحقوق الإنسان وحرياته .
8- ترفع اللجنة إلى مجلس الوزراء كل ثلاثة أشهر، أو كلما طلب منها ذلك، تقريراً بنتائج أعمالها مشفوعاً باقتراحاتها .
9- متابعة العمل على تنفيذ التوصيات والاقتراحات من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وإزالة الانتهاكات وتفادي وقوعه .


وضع حقوق الإنسان: عمان

المواثيق الدولية
انضمّت سلطنة عُمان إلى ثلاث من اتفاقيات الأمم المتحدة الرئيسية السبع لحقوق الإنسان، وهي: "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري" (2003)، و"اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" (2006). و"اتفاقية حقوق الطفل" (1996)، وانضمت أيضاً إلى "البروتوكولين الاختياريين لاتفاقية حقوق الطفل"، بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، وبيع الأطفال، واستغلال الأطفال في البغاء والمواد الإباحية (2004).

انضمت عمان كذلك إلى أربع من اتفاقيات منظمة العمل الدولية الثمان المعنية بحقوق الإنسان، وهى: "الاتفاقيتان (29) و(105) الخاصتان بإلغاء السخرة والعمل الإجباري" (1998، 2005 على التوالي)، و"الاتفاقيتان (82) و(138) الخاصتان بمنع استخدام الأطفال والقاصرين" (2005، 2001 على التوالي).

تحفظت عُمان على أحكام بعض الاتفاقيات التي انضمت إليها، على النحو التالي:

- "اتفاقية حقوق الطفل": تحفظ عام على كل ما يرد من التزامات في الاتفاقية لا يتماشى مع القانون الإسلامي والتشريعات السارية في السلطنة، وبخاصة التي تتعلق بالتبني الواردة في المادة (21). وتحفظ عام آخر يتعلق بتطبيق الالتزامات الواردة في الاتفاقية في حدود الموارد المتاحة. وعلى المادة (7)، التي تتعلق بالجنسية، حيث كفلت منح جنسيتها للمواليد مجهولي الآباء الذين يولدون على أرضها وفقاً لقانون الجنسية. والمادة (9/4)، التي تتعلق بالتزام الدول بتوفير معلومات عن أعضاء الأسرة في الحالات التي ينشأ فيها فصل الطفل عن أبوية نتيجة إجراء اتخذته الدولة، إلا إذا كان توفير هذه المعلومات ليس لصالح الطفل، حيث طلبت إضافة عبارة ما يتعلق بـ "السلامة العامة" لهذه الفقرة. والمادة (14)، المتعلقة بحق الطفل في حرية الدين. والمادة (30)، التي تسمح للأطفال المنتمين إلى أقليات دينية بالجهر بعقيدتهم.

المواثيق الإقليمية

أما بالنسبة للمواثيق الإقليمية فقد وافقت سلطنة عُمان على "إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام"، الصادر عن مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية عام 1990، وهو وثيقة إرشادية لا تحتاج إلى تصديق. كما وافقت على "الميثاق العربي لحقوق الإنسان/ المعدل"، الذي اعتمدته القمة العربية في تونس عام 2004، لكنها لم تصادق عليه شأن معظم الدول العربية.

مؤسسات حقوق الإنسان

توجد إدارة في وزارة الخارجية تختص بحقوق الإنسان، كما انشئت مديرية عامة للمرأة، وعدد من المراكز الحكومية للتأهيل النسائي، إضافة إلى وحدات خاصة بالنوع الاجتماعي في الوزارات المسئولة في السلطنة، لكن لا توجد مؤسسات وطنية. كما تقتصر المنظمات غير الحكومية على بعض الجمعيات المعنية بحقوق النساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، مثل: "جمعية التدخلِ المبكرِ للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصةِ".

إنجازات على طريق الحكم الرشيد

1- أصدر السلطان مرسوماً في 27/11/2000 يتيح حق التصويت لجميع المواطنين فوق 21 سنة، واضعاً بذلك حداً للقيود التي كانت تستبعد القطاع الأكبر من المواطنين.
2- أدخلت الحكومة في 5/2/2003 تعديلات على قانون الانتخابات تسمح للنساء بالمشاركة في الانتخابات التشريعية اللاحقة، كما تقضي بتوسيع دائرة الإشراف القضائي على مختلف مراحل الانتخابات. وأصدر السلطان مرسوماً في 27/9/2005 يقضي بتعيين سيدة سفيرة "فوق العادة" ومفوضة لدى الولايات المتحدة. في ثاني إجراء من نوعه بعد تعيين سفيرة لعمان في هولندا سنة 1999. وحظيت المرأة العمانية باهتمام كبير في السنوات الأخيرة؛ حيث عينت في مناصب رفيعة شملت 4 وزيرات وعدد من النساء في مجلسي الدولة والشورى.
3- طورت السلطنة عام 2003 السلطات الخاصة بمحكمة أمن الدولة وتشكيلها وإجراءاتها، ووفقاً للإيضاحات الصادرة بشأن تطويرها أصبحت الإجراءات المتبعة في تلك المحاكم قريبة من نظيرتها المتبعة في المحاكم الجنائية. وقد أصدر السلطان قابوس مرسوماً سلطانياً في نوفمبر الماضي يقضي بإلغاء محكمة أمن الدولة.

الصعوبات والمعيقات

تتمثل أبرز الصعوبات فيما يلي:

1- لا توجد أحزاب سياسية مرخص لها في عُمان. ويكتفي بالجولات التي يقوم بها السلطان بصحبة كبار وزرائه سنوياً في أنحاء البلاد، والتي يعقد خلالها اجتماعات أو مجالس عامة مع المواطنين ويستمع إلى مطالبهم الشخصية وتظلماتهم لتحقيق التواصل معهم.
2- يتيح قانون الصحافة والنشر لعام 1984 للحكومة منع المطبوعات إذا كانت منفّرة سياسياً أو ثقافياً أو جنسياً. وتملك الدولة أيضاً الإذاعة المسموعة والمرئية المحلية. وتدير وزارة الإعلام تلفزيون وإذاعة عُمان. ولا يسمح بالبث الإذاعي أو التلفزيوني الخاص، كما تسيطر "شركة عُمان للاتصالات" -الوكيل الرسمي لخدمات الإنترنت- منذ العام 1997، ويرأسها وزير المواصلات والاتصالات، على مواقع الإنترنت وتعترض سبيل المعلومات قبل أن تصل من المواقع الأجنبية إلى مستخدمي الشبكة، كما أنها مخولة بحظر المواقع المحلية أيضاً.
3- ألقت قوات الأمن القبض على نحو مائة شخص في يناير/كانون ثان 2005، بينهم أساتذة جامعيون وزعماء دينيون، رداً على تنامي الدعوات للإصلاح السياسي، ورغم الإفراج عن معظم المعتقلين بعد أيام أو أسابيع فقد وجهت تهمة تهديد الأمن القومي إلى (31) منهم، وقدموا للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة في مايو/ أيار 2005، وأدين جميع المتهمين، وصدرت ضدهم أحكام تتراوح بين عام وعشرين عاماً، ثم أطلق سراحهم في يونيو/ حزيران 2005 بموجب عفو من السلطان.
4- ظلت القوانين والممارسات في سلطنة عُمان تنطوي على التمييز ضد المرأة في عدد من المجالات المهمة، من بينها الأحوال الشخصية، والتوظف، والمشاركة في الحياة العامة.

إصدارات حقوق الإنسان

معية الصحفيين العمانيين طالبت بحق الصحفي في الحصول على المعلومات.. والحلم في اصدار قانون يضمن هذا الحق
وتساؤلت صحيفة (الزمن) عن وجود صحافة استقصائية وصحافة متكاملة وأظنها معدومة في وطننا العربي؟ ناهيك عن بعض المؤسسات التي قد تفيد في مواضيع إجتماعية واقتصادية ودينية وغيرها (مواضيع الشارع) ترفض الإدلاء بها بل وتماطل الصحفي من مسؤول الى آخر متجاهلين العامل الزمني في تزويد الصحفي بالمعلومات حتى ينساها محبطا وما أكثر المواضيع التي توقفنا عن نشرها بسبب نقص المعلومة ونسيت على ملفات الاجهزة والادراج .

وقد قررت الهيئة العامة للأمم المتحدة في أول اجتماع لها في 14/12/ /1946 إن حرية المعلومات هي حق أساسي للإنسان، وحجر الزاوية لجميع الحريات التي تنادي بها الأمم المتحدة ، يقول القرار : (يعتبر حق الجمهور في المعرفة وفي الاطلاع على المعلومات من أحد أهم ركائز البناء الديمقراطي لأي دولة في العالم. كما ويعتبر حق الوصول للمعلومات أحد أهم أركان حرية الصحافة التي لا تقوم إلا عليها).
وقد أصبح حق الوصول إلى المعلومات حقا دستوريا في العديد من دول العالم وتم ترجمة هذا الحق إلى قوانين تضمن حق الصحفي والمواطن في الوصول إلى المعلومات.

في تقريره لعام 1993 أكد المقرر الخاص للأمم المتحدة حول حرية الرأي والتعبير :" إن حرية التعبير تتضمن الوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها الدولة، وتلقي إلتزامات ايجابية على الدول لضمان الوصول إلى المعلومات.

وهناك تزايد ملحوظ في عدد الدول التي تبنت إقرار تشريعات تضمن حق الوصول إلى المعلومات، وهناك الآن حوالي 90 دولة في العالم عندها مثل هذه القوانين المعروفة اختصاراً بقوانين الـ (FOIA)، وهي الأحرف الاول من Freedom of Information Act
وعلى صعيد العمل الصحفي لا يغيب عن بال أحد دور المعلومات في عمل الصحافة فالصحفي عندما يكتب خبرا أو يستنتج حكما أو يكوَن رأيا انما يستند بالاساس إلى المعلومات, فاذا غابت عنه هذه المعلومات أو جاءت منقوصة أو غير صحيحة انعكس ذلك سلبا على منتج ذلك الصحفي فكل صحفي بحاجة إلى وثائق وحسابات وأرقام وإحصائيات أو أخبار من مصادرها الأصلية.

وتأتي سلطنة عمان في المرتبة السادسة عشر بنسبة 41% حسب مؤشر حرية تداول المعلومات بالوطن العربي.
وقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في المادة (19) في كل منهما، والميثاق العربي لحقوق الإنسان في المادة (32) على أن الصحافة حتى تكون حرة يلزمها هذه الكلمات هي: حق الصحفي في التماس المعلومات وتلقيها وبثها.
وفي ملف التعبير الذي فتحته صحيفة (الزمن) بشأن ما يعانيه الصحفيون العمانيون حول رفض وعدم تعاون بعض الجهات والمؤسسات لتقديم المعلومات للصحفي، وهل وصل الصحفي العماني للنضج اللازم كي يتعامل مع المعلومة الحساسة بمسؤولية؟ وما هي المصادر الأخرى للمعلومة في حال رفض المؤسسة المعنية بإفادته؟ وردت إجابات من:

جمعية الصحفيين

البداية مع رئيس جمعية الصحفيين العمانيين علي بن خلفان الجابري الذي يرى انه لا اسباب مقنعة لهذا الرفض قائلا: ( ليس هناك من سبب مقنع لحجب مصادر المعلومات عن الصحفيين والقول بسرية المعلومات غير دقيق او هو غامض على بعض الموظفين الموكول اليهم التعامل مع تلك المعلومات وفي ظل هذا التجاذب في حق الصحفي من عدمه في الحصول على بعض المعلومات التي تتعامل معها كثير من الدول على أنها معلومات عادية وهي في فكر كثير من المسؤولين عن صنع القرار داخل بعض المؤسسات كذلك يبقى التشريع الصريح هو الفيصل لتمكين الصحفيين من الحصول على المعلومة بيسر وسهولة والقول بأن صحافتنا لم تصل بعد الى النضج المطلوب للتعاطي مع تلك المعلومات غير دقيق ايضا فهناك معلومات بعمد او بغير عمد يتم تسريبها وتتعامل معها الصحافة ووسائل الاعلام بمسؤولية كبيرة وبعدم اندفاع لمجرد تسجيل سبق او تحقيق شهره وبلدنا من البلدان التي حققت سبقا عالميا في مجال الشفافيه ومن المعيب تعامل البعض مع المعلومة بهذا الحذر الشديد فكلنا شركاء في المسؤولية والصحافة مسؤولية قبل ان تكون حريه اوسلطه ودرجة رقابتها على نفسها اكبر من رقابة الآخرين وحرصهم في الجانب الآخر أثارت جمعية الصحفيين هذه المسألة وقدمتها الى المسؤولين على صعد مختلفة ضمن حزمة من المطالب لتيسير عمل الصحفيين وفتح الأبواب لهم للحصول على حق أصيل من حقوقهم يتمثل في الحصول على مصادر معلوماتهم بدل اللجوء الى كتابة ما يشبه الغيبيات او الكتابة في مواضيع تفتقر الى المعلومة الدقيقة مما يظهرهم في شكل العاجزين عن التعاطي مع كل ما يهم بلدهم ومجتمعهم وهم من يعلق عليهم المجتمع الآمال لتناول مختلف المواضيع بحياد تام ومهنية عالية تراعي المصلحة وتكشف مواطن الخطأ وتنبه اليه.

هناك نوافذ خلفية

وشارك الزملاء من مختلف الصحف العمانية عدا ( الوطن ) التي رفض بعض صحفييها المشاركة في التحقيق مع احترامنا لهم، يقول عبدالرزاق الربيعي صحفي بجريدة (الشبيبة) ما نصّه (لإخفاء المعلومة من قبل عدد من المؤسسات أسباب عديدة من أهمها أنها ـ أعني المؤسسات ـ لاتريد أن تكون ملزمة بتبعات تلك المعلومة كأن تكون إنشاء مشروع أو مفردات برنامج فتناول ذلك في وسائل الإعلام يجعل تلك المؤسسة ملزمة بتنفيذها بينما تبقى من دون ذلك حرة في التراجع عنها أو إستبدالها بمفردة جديدة وكذلك الخوف من إنتشار المعلومة ووصولها الى مؤسسات منافسة وبذلك يمكنها إفساد ذلك المشروع بعمل مشروع مماثل وبعض المؤسسات تحاول أن تخفي المعلومة لعمل عنصر مفاجأة للمؤسسات الأخرى. والبعض يخفيها لإعلانها في مؤتمر صحفي وبذلك يضمن وصول المعلومة الى جميع وسائل الإعلام في وقت واحد أما الشق الثاني من السؤال فإن ( التعامل مع المعلومة الحساسة بمسؤولية يحتاج الى خبرة وجرأة وشوط كبير ووقت للنضج ومع ذلك هناك صحفيون عمانيون رغم قلتهم يمتلكون هذه الحساسية وأخيرا يؤكد الربيعي إنه (على الصحفي الناجح أن ينوع مصادره ويوسع دائرة معارفه وينقب عن المعلومة كما ينقب الآثاري عن اللقى النادرة فالوصول للمعلومة إن لم يأت من الباب هنالك نوافذ خلفية عديدة يستطيع من خلالها الوصول الى بغيته إذا جد واجتهد).

ومن جريدة (عمان) يقول محمد الحضرمي مسؤول الشؤون الثقافية بالجريدة مؤكدا أنه (لا توجد مؤسسات صحفية كاملة النضج، والصحفي باحث عن حقيقة ،والمعلومة من حق القارئ، مثلما هي أيضا من حق الصحفي، لكن/ لم السؤال عن المعلومة فقط؟.. الصحفي لا يبحث عن معلومة فحسب، إلا إذا وضع نفسه في موضع المخبر، وضابط شرطة، إنما هو/ باحث عن حقيقة مغيبة، وهناك أساليب صحفية كثيرة في الكشف عنها، وعلى الصحفي أن يوجد لها طريقته الخاصة في البحث عن الحقيقة.

كما أنه من الخطأ أن نحاسب الصحفي ونجلده بعتابنا، ونتهمه بالتقصير إن لم يكشف عن الحقيقة في عمله الصحفي، البحث عنها ليست من شأن الصحفي فحسب، بل من شأن المؤسسة الصحفية التي يعمل فيها، بعض المؤسسات الصحفية لا تشجع الصحفي في البحث عن الحقيقة، ولو ابتكر موضوعاً مثيراً فإن إدارة التحرير لن تجيزه للنشر، ويحدث إنشقاق بين أفكار الصحفي وبين أهداف الجريدة، وبين رؤية الصحفي وبين طموحات الجريدة، وقد تكون طموحات صغيرة لا علاقة لها بالعمل الصحفي قطعا.

الصحفي مجرد موظف صغير في مؤسسته الصحفية التي يعمل فيها، هل تتصورين أن بعض الإدارات الصحفية لا تجيز نشر عمود لزميلها الصحفي أو الكاتب!، لأنها تخشى من نفور تلك المؤسسة التي يكتب عنها، وبالتالي تحرمها من نشر إعلانات تلك المؤسسة في صفحات الجريدة، فالإعلان كما تعلمين أحد مصادر التمويل لمؤسساتنا الصحفية، لذلك لا يستطيع كتابنا أن ينتقدون انتقادا مباشرا، وكذلك لا يستطيعون الوصول إلى المعلومة المبتغاة، فنشر المعلومة من غير "مؤتمر صحفي" يعقده رئيس تلك المؤسسة هو خسارة إعلامية لذلك المسؤول.
صحف الإثارة هي التي تبحث عن سبق وعن معلومة، وفي الحقيقة لم يعد ثمة سبق في الحياة، العالم أصبح قرية صغيرة، والإنفراد الصحفي والمانشيتات لم تعد مغرية للقراء ، لأن الصحف لم تعد مصدر خبر كما كانت سابقا، وأنا كصحفي لا أقرأ من الصحف الأخبار، بل أقرأ فيها التحقيقات، والأعمدة والمقالات والتحليلات.

في عملي الصحفي لم أعمل باحثا عن معلومة، وإنما كاتب استطلاع، وعمود، وخبر، وعرض أدبي، وأجري حوارات صحفية، بعض المسؤولين يخشون من الصحافة، ويخشون من كتاب المقالة والعمود الصحفي، ويسمون الانتقاد انتقاما، والنقد تجريحا، ومثل هؤلاء لا أحاول الاقتراب منهم، ويوما ما ستظهر المعلومة، وستخرج من مخابئها السرية، وأدراجها المغلقة، وملفاتها المقفلة، لترى النور.

وحتى لو لم تنشر المعلومة، ستصبح بعد ذلك لا أهمية لها، سيتجاوزها الزمن، وستأتي معلومة أخرى أكثر أهمية منها.

ويختم الحضرمي بسؤال عن وجود الصحفي الناضج بقوله: (لا يوجد في الحياة صحفي ناضج، ومرة أخرى لا يجب أن نرمي اللوم كله على الصحفي، وفي الحقيقة لا توجد مؤسسة صحفية تامة النقاء وكاملة النضج حتى في الدول التي تدعي التقدم والحرية والديمقراطية، رأينا صحفها وأجهزتها الإعلامية لا تنقل الحقيقة كما هي، بل تجيرها لصالحها، تنقلها ناقصة ومشوهة، فكيف إذن يوجد صحفي ناضج؟ وإن وجد فأين هو؟.. هل يعمل منفردا؟.. نعم هناك صحفيون يعملون منفردين، صحفيون أحرار، لا يتبعون مؤسسة صحفية، لكنهم أيضا يواجهون عقبة النشر، ويعانون من رفض موادهم، إذ لا تجد جميع أفكارهم من يرحب بها، فتجد مقص الرقيب دائما ما يتدخل بالحذف والتعديل. هناك أيضا بالمقابل لا يوجد كاتب صحفي ناضج تماما، لابد من ثمة هوى يداخله، وهكذا حال البشر.

ومن الزميلة (الرؤية) يؤكد لنا الصحفي محمد حاردان أن سبب رفض المؤسسات والجهات تقديم معلوماتها للصحفي يعود الى (عدم الوعي باهمية الاعلام لدى تلك المؤسسات والسبب الآخر قد يكون عدم الثقة بما تقدمه ، لذا تتعلل باسباب قد تكون غير مقنعة في بعض الاحيان .
وسبب اخر - من وجهة نظري - يتمثل زعزعة صورة الصحفي العماني حيث لم تعد كما كانت في السابق مهيبة لدى المسؤولين.

ويذكر لنا حاردان موقفا حدث له حيث انه –والكلام له_(قبل ايام أجريت اتصالا هاتفيا مع شخصية كان لها مركز وظيفي مرموق بغية اجراء حوار ، ولكن هذه الشخصية اخذت تختلق المعاذير لعدم اكمال اللقاء ، متحججة بالامراض من سكري وضغط وبعض الامراض التي لم اسمع بها من قبل يبدو انها امراض كبار الشخصيات اللهم لا حسد..

على أي حال، كثيرا ما تبوء محاولات الصحفي لمقابلة شخصيات عامة بالفشل ، والامر يحتاج الى فهم اكبر من قبل المسؤولين لدور الصحفي ورسالة الصحافة.

ـ هل وصل الصحفي العماني للنضج اللازم كي يتعامل مع المعلومة الحساسة بمسؤولية؟ وما هي المصادر الأخرى للمعلومة في حال رفض المؤسسة المعنية بإفادته؟

- الصحفي العماني لديه من الوعي والنضج كغيره من صحفيي العالم ولكن اعتقد ان هناك ضوابط للتعامل مع المعلومات الحساسة اهمها البعد القانوني والمهني فهذه الضوابط هي التي اراها تحكم تعامل الصحفي مع "المعلومة الحساسة" ، والمصادر الاخرى للصحفي هي التقاط المعلومة والاستيثاق منها وربط واجراء التحقيقات مع مختلف الفئات والشرائح في المجتمع ، كما ان المنتديات الالكترونية بها مساحة كبيرة من الحرية لطرح المعلومات

أما الصحفي يوسف بن علي البلوشي وهو مراسل جريدة (الاتحاد) الإماراتية ذكر أسباب عدة لرفض المؤسسات أن تقدم معلومات صحفية قد تفيد الصحفي والقارىء الى (عدة أسباب تراها الجهة من وجهة نظرها قد يتصل بالتوقيت المناسب وقد يتعارض تصريح المسؤول بتوقيت تصريح المسؤول الاكبر منه في المنصب وايضا هناك العديد من الاسباب الاخرى التي تتعلق بالمسؤولية وايضا التحفظ وايضا قلق بعض المسؤولين ورهبتهم من الادلاء بأي تصريحات خشية التوبيخ من كبار المسؤولين ويحدث ذلك كثيرا بالوزارات اذ يخشى المديرون ومديرو العموم التصريح وذلك خشية التوبيخ من الوكلاء والوزراء ومن وجهة نظري ان الرهبة والخشية وعدم اتخاذ القرار السليم هو مايعوق اي شخص من التصريح وخاصة اذا كانت التصريحات تهم شريحة من القراء في قطاع خدمي.

وفيما يتعلق بموقف حدث له يذكر البلوشي انه –والحديث له -( نعم واجهتني الكثير من التحقيقات الصحفية التي أردت فيها من المسؤولين أن يدلوا بتصريح ولكن وجدت الرفض والكثير من الموضوعات التي عرضتها ناقصة ولكن كانت تكتمل بسد النواقص بمعالجة الموضوع ولكن كان يفضل فيها القاريء مشاركة الجهة المسؤولة.

وفي حال رفض المؤسسات فإن الصحفي له اسلوب قد يكون باستطلاع راي جهة او أخرى او المواطنين او بعرض الموضوع من جهة اخرى ولايملك الصحفي اي خيار سوى القيام بالموضوع دون المساس بموضوعيته او بمصداقيته حتى وان لم تشارك الجهة المختصة بل محاولات منه في طرق ابوابهم او القيام بعرض الموضوع ونشره كاملا ولكن مبتورا من الجهة المختصة).

وتختم وفاء سالم الشكيلية صحفية من (الرؤية) تحقيقنا حول المعلومة حق للصحفي بأن سبب رفض المؤسسات للتعاون مع الصحفي بالمعلومة هو أن (الفكرة أتت تراكمية، أولئك الموظفون تخزّنت هذه الفكرة لديهم من أقدم زمانهم وهي أن الصحفي يحب فقط أن يجمع أي خبر جديد، بغض النظر عن مدى مصداقيته. بينما نحن في عملنا تترتب علينا مسؤوليات كثيرة، وتأتي أولها مصداقية وأهمية الخبر أو الحدث) وتذكر وفاء أنها واجهت هذا الأمر المر بقولها ( أشتغلت ذات مرة على موضوع معين، ولعدم تفاعل المختصين معي اضطررت لأنحيه جانباً كما اننا نشعر بالاحراج من أولئك القلة الذين أفادونا إلا انه ولعدم توفر المادة على أكمل وجه..غلبنا على أمرنا فلم ننشرها).

وتضيف وفاء قائلة ( اعتقد بان الصحفي الان والمحب لعمله خاصة، ناضج لدرجة أنه باستطاعته تحمل كافة مسؤوليات عمله، بكافة المواضيع التي يشتغل فيها بالتأكيد لكي تظهر المادة منطقية أكثر أو ليشعر القارئ بالاندماج في قراءة المادة، فإنه يجب علينا أخذ المعلومة من الجهات المختصة،  وفي حال رفضهم الإدلاء بأية معلومة نحاول قدر الامكان التواصل مع من لهم علاقة بالموضوع)
.

16 ديسمبر 2010

مثقفون وحقوقيون خليجيون يصدرون بياناً بشأن الأحداث الأخيرة في دولة الكويت( ديسمبر- 2010م)

by Gulf Discussion Fuorm on Thursday, December 16, 2010 at 7:02pm
Your note has been created.
 خاص: GDF 
 
      تابع المثقفون والحقوقيون والمهتمون بالشأن العام  في دول مجلس التعاون الخليجي، بقلق بالغ الأحداث المؤسفة التي جرت في دولة الكويت خلال الفترة القليلة الماضية، والتي تمثلت في قيام القوات الأمنية الخاصة باستخدام العنف خلال اعتدائها على نواب ومواطنين خلال ندوة عن أهمية التمسك "بالدستور الكويتي".
    ونظرا لما لدولة الكويت وشعبها من مكانة غالية في قلوبنا، وأيضا لمكانتها الرفيعة بين دول الخليج في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان،  ولما يتمتع به الشعب الكويتي الشقيق من دستور ودولة مدنية مارست الديمقراطية على مدى نصف القرن المنصرم، فإننا نعبر عن عميق ألمنا واستنكارنا لهذه الأحداث التي لم تعهدها دولة الكويت.
     لقد جبلت حكومة الكويت على معالجة الاختلافات السياسية وفق الأطر القانونية والتي ليس من بينها استخدام العنف الذي لم تعتد عليه الحياة السياسية، لذا ومن منطلق حرصنا على الهدوء واستمرار العملية السياسية بمنهجيتها الدستورية والقانونية فإننا نعرب عن أسفنا واستنكارنا لما حصل من استخدام للعنف المفرط سواء ضد مواطنين أو نواب البرلمان الذين يمثلون السلطة التشريعية وهم مصدر السلطات كما نص على ذلك دستور عام 1962 الذي ارتضاه الحاكم والمحكوم ليكون المرجع القانوني لتسيير شئون الدولة التي نراها نموذجا متقدماً بين  دول الخليج.
     إن أسفنا لا يتوقف عند هذه الأحداث المؤلمة لنا كمثقفين بالخليج، وإنما يمتد ليشمل كل ما نشهده من تراجعات على مستوى الإصلاح الديمقراطي وحقوق الإنسان، في دول مجلس التعاون الخليجي وفي العديد من الدول العربية، حيث ارتفعت وتيرة تكميم الأفواه ومصادرة حرية التعبير عن الرأي والزج بالحقوقيين والمهتمين بالشأن العام والمدونين في المعتقلات بدون وجه حق، بما يعد تعدياً صارخاً على الدساتير والقوانين الصادرة في تلك البلدان، وانتهاكاً واضحاً للمواثيق والأعراف الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، التي وقعت عليها والتزمت بتطبيقها هذه الدول.
    إننا إذ نكرر التعبير عن أسفنا  لما آلت إليه الأوضاع بدولة الكويت، فإننا ندرك في نفس الوقت أن هذه الأوضاع ما هي إلا جزء من تحديات مسيرة التطور الديمقراطي لكل المجتمعات الحية التي تكافح من أجل ترسيخ دولة القانون ودولة المؤسسات والدولة المدنية.
     إن كافة المحاولات التي استخدمت في الآونة الأخيرة في الكويت، ومنها أسلوب التعتيم الإعلامي الداخلي لحجب معرفة الحقيقة أو سماع وجهة النظر الأخرى، وإغلاق مكاتب فضائية الجزيرة التي غطت الأحداث، لم تعد قادرة على إخفاء الحقيقة في عصر الاختراقات التكنولوجية من إنترنت وفضائيات، والتي بمقدورها استخدام كل الوسائل البسيطة والمعقدة لتغطية كل الأخبار والمستجدات في أي بقعة من أرجاء العالم.
    لذلك نؤكد على أن احترام الدساتير والقوانين والالتزامات الدولية لحقوق الإنسان، والتي تنص على حق حرية التعبير السلمي عن الرأي في الكويت وفي كافة دول مجلس التعاون، هو صمام الأمان للحفاظ على الاستقرار والأمن والسلم الأهلي، وبناء القدرة الذاتية من أجل تطوير الأوطان والدفاع عنها أمام كافة التحديات.  وفي هذا السياق نطالب بإطلاق سراح سجناء الرأي والضمير في كافة دول مجلس التعاون الخليجي، مركزين في هذه الحالة على إطلاق سراح الأستاذ محمد عبد القادر الجاسم والدكتور عبيد الوسمي اللذين يحاكمان ويسجنان بتهمة عفا عليها الزمن وخاصة في  دولة الكويت التي اعتدنا منها احترامها للدستور، وعدم سجن أصحاب الرأي والضمير، بل وتركت المجال مفتوحا أمامهم للتعبير عن آرائهم، لا أن يجرجروا – كما يحدث الآن -  في أروقة المحاكم، وكأنهم من عتاة المجرمين.
     وفي الختام نتمنى على الحكومة الكويتية أن تراجع سياساتها مع الشعب الكويتي الذي  لم يخذل الأسرة الحاكمة الكريمة في أشد أوقات الضيق، لا بل أصر على التمسك بها كعنوان لمستقبل زاهر في مؤتمر "جدة" الشهير عام 1990 إبّان فترة احتلال الكويت حين تعهدت الأسرة الكريمة بالالتزام بكافة أحكام الدستور والعمل به.
      وحيث أن إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي في الكويت هو من أولوياتنا ومطالبنا التي نتمنى أن تؤخذ بعين الاعتبار من قبل سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه، وهو الذي عودنا بدبلوماسيته المعهودة بالعمل على حلّ أعقد الأمور الإقليمية على مدى الستين سنة الماضية، فإننا نعول على حكمته في إعادة الهدوء والأمن والاستقرار إلى ربوع أرض الكويت وشعبها المعطاء.
الموقعون:
1-  الدكتور علي الديري -كاتب وناقد
2-   عبد الوهاب صالح العريض -صحفي وشاعر
3-  لميس ضيف -كاتبة صحفية
4-  أنور الرشيد -كاتب صحفي وناشط حقوقي وسياسي
5-  طاهر البغلي -ناشط حقوقي
6-  طيبة المعولي -ناشطة سياسية ومدافعة عن حقوق الإنسان
7-   سعيد الهاشمي -كاتب وباحث
8-  محمد التاجر -محامٍ ومدافع عن المعتقلين السياسيين
9-  سالم آل تويه -كاتب ومدافع عن حقوق الإنسان
10-عبدالله آل تويه -كاتب ومترجم
11-سالم موسى الطنيجي -مدون وناشط حقوقي
12-سكينة عبد الله المشيخص -كاتبة وصحفية
13- زكي أبوالسعود -ناشط حقوقي
14-عبد المحسن مظفر -ناشط حقوقي
15- زايد الزيد -كاتب
16-محمد الصميخ -ناشط حقوقي
17- الدكتورة ابتسام الكتبي -أكاديمية
18-الدكتور عبد الله الدرازي -أكاديمي وناشط حقوقي
19- عبد النبي العكري -ناشط سياسي
20- سلمان كمال الدين -ناشط حقوقي
21- علي الدميني -ناشط حقوقي
22- حمد الحمدان -ناشط حقوقي
23-عدنان الشويحان -كاتب ومدون
24- وجيهة الحويدر -كاتبة وحقوقية
25- ذاكر آل الحبيل -ناشط حقوقي
26- عقل الباهلي  -كاتب وناشط حقوقي
27- عبد العزيز إبراهيم السويلم -ناشط اجتماعي
28-عبد الرحمن فهد السويس -رجل أعمال
29- حمد إبراهيم الباهلي -كاتب سياسي
30- عبد الرحمن علي العلولا -كاتب وناشط اجتماعي
31- عبد الله الحركان -ناشط اجتماعي
32- نجيب الخنيزي -كاتب وباحث
33- ابتهال مبارك صحفية
34- عبد الرحمن موكلي
35- الدكتور أحمد عبد الملك -كاتب وإعلامي
36- عيسى الغائب -ناشط حقوقي
37- فوزية العيوني -ناشطة حقوقية
38- عبدالله الفاران -ناشط حقوقي
39- علي الظفيري -إعلامي
40- حسن دويس -صحفي
41- عبدالله الفريحي -ناشط حقوقي
42- علي محمد العنيزان -مستشار مالي
43- نشمي مهنا- شاعر وكاتب صحفي
44- عبد الله حسن العبد الباقي- كاتب وحقوقي
45- د.عبد المحسن هلال - أكاديمي وكاتب وحقوقي
46-عبد الله فراج الشريف - باحث وكاتب وحقوقي
47- أسماء المحمد ناشطة حقوقية – و إعلامية
48- عبدالرضا حسن -ناشط حقوقي
49-جليل يوسف - ناشط حقوقي
50-محمد فضل- ناشط حقوقي
51-سيد يوسف المحافظة - ناشط حقوقي
52-محمد الزامل- ناشط اجتماعي
 

تكريمٌ بالإكراه..


محمد الحارثي

       كنتُ في رمال وهيبة مساء 11 ديسمبر 2010 في أحد المُخيمات التي بالكاد يصلها إرسال هاتفي مُتقطع، فإذا بالدكتورة سعيدة بنت خاطر تتصل بي لتفاجئني بتكريم لا علم لي به من طرف "الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء" بمناسبة الأربعينية، وأن عليَّ حضور حفل التكريم الذي سيقامُ تحت رعاية (معالي الدكتور يحيى بن محفوظ المنذري رئيس مجلس الدولة) لاستلام الشهادة والدرع وهدية التكريم مساء الثلاثاء 14 ديسمبر الحالي في النادي الثقافي.
      قلتُ لها فوراً: اعذروني من قبول هذا التكريم الذي لا أستحقه، ولستُ في حاجة لجوجة إليه.
      لكن الدكتورة لم تتوقف عن دغدغتي بأنه اعتراف بمنجزي و"ريادتي" في قصيدة النثر، رغم أنني لست رائداً في قصيدة النثر ولا في قصيدة التفعيلة!.
تقطع الإرسال الضعيف أصلاً في رمال وهيبة، فأرسلتُ لها رسالة عبر الهاتف في اليوم التالي هذه فحواها النصِّية:
     "شكراً لجهدك المحمود دكتورة، بيد أنني لن أتمكن من الحضور. وتجاهلي قطعياً فكرة تكريم مرتجل لا يعنيني، ولم أكن يوماً في حاجة إليه".
     لكن الدكتورة مُصرَّة على حضوري الحفل، ولم تعبأ برسالتي الواضحة والمؤكدة لرفض ذلك التكريم. فإذا بها تجيب على رسالتي تلك بعد نحو أربع ساعات (كافية لاستشارة آخرين!)، قائلة في رسالتها الجوابية:
     "عزيزي إحنا خلاص، لا تراجع. سأرسل لك التكريم وانته حر ارميه في رمال الشرقية".
      حين قرأت رسالتها، لم أشأ الرَّد. وقلت لنفسي: بعض الصَّمتِ حِكمة يا فتى!
إلى أن عرفتُ أنني أُكرهتُ على ذلك التكريم، رغماً عن أنفي، في ذلك الحفل المزدوج بين "الأدباء المُكرمين من سلطان البلاد" و"المُكرمين من الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء"، كما ظهرت الأسماء المنشورة في جريدة عُمان في اليوم التالي صبيحة 15 ديسمبر.
٭٭
     هل هو تكريمٌ بالإكراه؟..
     هل تريد هذه الجمعية التي اعتقد البعض أنها صوت الأدباء والمثقفين في عُمان، فإذا بها لا تكتفي بمزحةِ وجودها الفقير إلى الله لتستجدي من المُحسنين شهادات ودروع وهدايا تقدمها لنا عبر حماقة مبادرتها التزلفية التي زجَّت فيها بأسمائنا وسط تكريم سُلطاني لا علاقة لنا به..
     فالجمعية هي من اختارت الأسماء المرفوعة لسلطان البلاد (كما أكدت لي د. سعيدة خاطر) ليتم تكريمها، كما اختارت أسماء من كرمتهم بـشفعة الريادة، كأنما ليُخلط، عن قصد، حابلُ تكريم بنابل آخر في كتاب "تواقيع أدبية" الذي أصدرته هذه الجمعية الأسخف من فكرة وجودها وعدمه في "الوجود والعدم" السَّارتري، لنكون نحن الضحيَّة الوجودية رغماً عنا في تكريم لا ناقة لنا فيه ولا بَولة كلب أجرب في الرُّبع الخالي.
      لحسن الحظ أنني لستُ في قائمة التكريم السلطانية، بل من "الرُّواد" المُكرَّمين -كما قالت سعيدة خاطر نائب رئيس الجمعية- بدرع وشهادة وهدية. لذلك لم تجد غضاضة في إهانتي بقبول التكريم مُكرهاً، وبحُريَّتي في رميِ التكريم في رمال وهيبة – (رمال الشرقية، وفقاً لتعبيرها المُلتزم باشتقاقات النهضة!).
لن أرمي التكريم، كما تقترحين، في رمال وهيبة النقية بكلِّ ذرة رملٍ فيها، هي جُزء حميمٌ من ذاكرتي.
     لذلك ارموا أنتم تكريمكم في مزبلة حوش الجمعية، فذاك مكانه الطبيعي في حَواشِي الطبيعة.
٭٭
    لا أريد الإطالة، لأنني لستُ مُتفيِّقاً لهذه الترَّهات التي لم يخجل هؤلاء "المثقفون" من فداحة ارتكابها بأسمائهم التي تناست أهم فعل ودور يقومون به، ليكونوا الضمير الثقافي الحَيّ في هذه البلاد. لتقصي، في آخر الزمان، نزاهَتنا التي أعلناها علناً على رؤوس الأشهاد، ولم تعد في حاجة لتأويل مواقف أو مواقف مُضادَّة لتُرتكبُ الجَرائرُ، هذه المرَّة، بأسمائنا التي تُنشر رُغماً عنا في الصُّحف.
     ولو كانت هذه الجمعية مهتمة بالمثقفين والكتاب، كما تدعي، ولو كُنتُ أحد "الرُّواد"، كما جاء في حيثيات التكريم.. لكانت أصدرت بياناً حين منعت الرقابة ديوان أبي مسلم البهلاني الذي حققته، ولأصدرت بياناً آخر حين ارتأت وزارة التراث والثقافة تكريمه هذا العام، رغم أنها هي من أقصى شعر أبي مسلم وحذفه وشوَّهه، كما يعلم الجميع.
يالها من مفارقات تدعو لضحكٍ كبُكاء بيت المُتنبِّي...
      ويالها من جرائر مَسَّتني وجرحت كرامتي بحجة تكريم أعلنتُ رفضه وعدم قبوله.
جرائر لم يعد لدي فُضلة من العُمر لأتفيَّق للردِّ عليها.
      وحمداً لله، حمداً لله وشكراً للمغاوير من صحفيي جريدة عُمان الذين أوردوا اسمي الثلاثي خطأ ونسبوني لأبٍ آخر لم يلدني، فبعض المثالب الصحفيَّة محمودة، ولله الحمد.
فقط، فقط اتركوني فيما أنا فيه وعليه. ولا تمتهنوا اسمي في بُهرج تملُّقكم الأربعيني المُزيَّف.

15 ديسمبر 2010

يا جمعيَّة الكُتَّاب والأدباء العُمانيِّين: تكريمك الاستفزازيُّ مرفوضٌ ملعونٌ مُحتَقر

    سالم آل تويّه

       أمر غريب ومريب ما قامت به جمعية الكتاب والأدباء العُمانيين بإعلانها تكريمي في الحفل الذي أقامته بالنادي الثقافي أمس الثلاثاء.
       إنني أرفض هذا التكريم رفضًا قاطعًا، وأتبرأ منه، وأعلن عدم علاقتي به، فهو يخص جمعية الكتاب وحدها، وبالنسبة إليَّ: لو رأيت جائزة جمعية الكتاب والأدباء العُمانيين هذه لأحرقتها ورميتها في أقرب سلة قاذورات، إذ –من وجهة نظري- لا تتعدَّى كونها قذارة من الناحيتين المعنوية والمادية، ولا يمكنني في أي حال من الأحوال أن ألوِّث نفسي بقبولها.
      لكن لهذه المهزلة حكاية يجب أن أكتبها هنا بيانًا لما قد يُعتقَد أنني راض به، فقد يوحي نشر اسمي في الصحف هذا اليوم ضمن قائمة "المكرمين" بقبولي بهذه السُّبَّة. ولعل جمعية الكتاب نفسها تعلم أنني قاطعتها منذ نشأتْ، فهي في رأيي ليست إلا صنيع الأمن والمخابرات لطيِّ الكُتَّاب واتجاهاتهم تحت أجنحة عيونها الساهرة على الخراب والتشويه والإرهاب والتنصت والارتزاق. وسواء فغر أحدهم فاه أم مؤخرته فهذه هي الحقيقة من أولها إلى أن يكتمل الخراب وتنجز المهمة بضراوتها المعهودة، فالثقافة والأدب في بلادنا -في نهاية المطاف- مسيطر عليهما سيطرة تخرجهما عن دورهما الطبيعي اللصيق بالمجتمع ومعارضة التشويه والدجل، وبالتالي فإن الكتاب والمثقفين قطيعٌ –مثل قطيع المواطنين المغلوب على أمره- يجب أن يُسَاق إلى منصة القرابين وتقديم الولاء والخضوع، وفي جميع الأحوال يجب أن يستظل بظل الحكومة ويتغنى بأمجادها ويفقد أدنى مقوماته المدنية من أجل عيني الخطط الخمسية والعشرية. ومع ذلك ينبغي لهذا القطيع المطيع أن يتشدق بقول العكس دائمًا. وطالما كان هذا القطيع قطيعًا، وطالما كان صنيع الأمن الذي تبين أنه عدو البلاد وأخطر من جميع الأخطار التي يتشدق بأنه يحمي البلاد منها، في هذه الحال سيستمر الخراب، ويصمت المتواطئون، وتُشترى الذِّمم تحت يافطة كبيرة طريق جحيمها مفروشة بالنيات الحسنة: الواجب الوطنيّ!.
      في تمام الساعة السابعة واثنتين وثلاثين دقيقة من ليل السبت الماضي الموافق 11 ديسمبر اتصلت بي سعادة المكرمة الأستاذة الدكتورة الشاعرة سعيدة بنت خاطر الفارسي عضو مجلس الدولة نائبة رئيس الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء. فوجئت بهاتفها، إذ طيلة السنوات الماضية ربما لم نتبادل سوى بضع كلمات ترحيبية تعد على أصابع اليد، وبرغم ذلك كانت سعادتها –غمرها الله بالسعادة- سعيدة ضحوكًا، وقد قدرت اتصالها، وقلت ما يبين رفضي بوضوح. عليَّ أن أقول الآن إن مكالمة سعادة المكرمة الأستاذة الدكتورة الشاعرة سعيدة بنت خاطر الفارسي عضو مجلس الدولة نائبة رئيس الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء كانت شديدة الغرابة. قالت إنني من "المكرمين"، ولم يكن مجديًا أن أسألها لماذا فقد قالت لأنني من الرواد!، وعندما قلت إنني من كتاب التسعينيات تحدثت عن التجديد في القصة القصيرة!. قلت لها إن هناك تحفظات بالنسبة إليَّ على جمعية الكتاب والنادي الثقافي، وطال الحديث عن قول سعادتها إن باستطاعتي قول رأيي في النادي الثقافي. وفي الحقيقة لا يعنيني إطلاقًا أن ألوث قدمي بعتبات ذلك المستنقع الذي تدير منه الحكومة خططها الثقافية. ولما وصل الحرج مداه باقتراح سعادة المكرمة الأستاذة الدكتورة الشاعرة سعيدة بنت خاطر الفارسي عضو مجلس الدولة نائبة رئيس الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء استلام القاصة بشرى خلفان "جائزتي" أجبتها بعدم إمكانية ذلك، وذلك بعد رفضي الصريح حضور استلام أي جائزة، ثم سألتني عمن أرشحه لاستلام الجائزة فقلت لها لا أحد إطلاقًا، وشكرتها بتهذيب على اتصالها، وانتهت المكالمة هنا إلى أن فوجئت أمس الثلاثاء في الساعة الثامنة وأربعين دقيقة ليلًا باتصال القاصة بشرى خلفان لتبلغني بأنها استلمت "جائزتي"!. ياله من أمر غريب وفي غاية السخف. سردت لبشرى بعض ما جرى في أثناء اتصال سعادة المكرمة الأستاذة الدكتورة الشاعرة سعيدة بنت خاطر الفارسي عضو مجلس الدولة نائبة رئيس الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء بي ليل السبت، وأنني أرفض تلك الجائزة. كنت مشغولًا ساعتها، فأعدت الاتصال ببشرى لاحقًا لأؤكد لها رفضي ورجائي أن تعيد تلك "الجائزة" إلى سعادة المكرمة الأستاذة الدكتورة الشاعرة سعيدة بنت خاطر الفارسي عضو مجلس الدولة نائبة رئيس الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء.
       استغربت من اقتراح سعادة المكرمة الأستاذة الدكتورة الشاعرة سعيدة بنت خاطر الفارسي عضو مجلس الدولة نائبة رئيس الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء بترشيح القاصة بشرى خلفان لاستلام الجائزة، وأخبرت بشرى بأنني قلت لـ سعادة المكرمة الأستاذة الدكتورة الشاعرة سعيدة بنت خاطر الفارسي عضو مجلس الدولة نائبة رئيس الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء بصراحة واضحة إنني لا أرغب في استلام بشرى الجائزة بدلًا عني ولا أي أحد ولا أرغب في استلام أي "جائزة"؛ قالت بشرى إن سعادة المكرمة الأستاذة الدكتورة الشاعرة سعيدة بنت خاطر الفارسي عضو مجلس الدولة نائبة رئيس الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء بنفسها نادت اسمي في ذلك الحفل أمس وقالت إنه بناء على رغبتي أرشحها لاستلام "الجائزة"!. هل هذا الكلام صحيح يا سعادة المكرمة الأستاذة الدكتورة الشاعرة سعيدة بنت خاطر الفارسي عضو مجلس الدولة نائبة رئيس الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء، هل هذا صحيح أم كذب؟!. ماذا يمكن أن يُفهَم من رفضي استلام تلك "الجائزة" حسبما أخبرتك بالهاتف؟!؛ هل هذا يعني أنني أرغب في استلامها؟!. إنه أمر في غاية الغرابة والاستفزاز، هل تريدون تكريمي بالإجبار؟!. إنني في غاية الغنى عن "جائزتكم" و"تكريمكم" وكل ما يأتي منكم.
        إن دور جمعية الكتاب والأدباء العُمانيين دور في غاية الريبة، فلا أجندة مستقلة لهذه الجمعية، وكل دورها لا يخرج عن نطاق المخطط له من قبل الدولة والصمت في الأوقات التي يجب فيها إعلان صوت الكاتب والمثقف المستقلين المعارضين لأي استبداد وفساد وانتهاك لحرية التعبير. صوت الكاتب والمثقف المنشقَّين عن أي صف معوج تخلقه الحكومة الفاسدة وتملي عليه دوره هو ما يجب أن يسمع من أي جمعية كتاب في العالم. وطالما تعذر إعلان هذا الصوت الحر المستقل من جمعية الكتاب والأدباء العُمانيين فإن الانتماء إليها عار؛ وهذا هو موقفي بالضبط من هذه الجمعية الإمَّعة. والغريب أيضًا أنه قبل عدة سنوات حين أرادت وزارة الداخلية المتخلفة إلغاء اسمي (آل تويّه) اقترح أحد الأصدقاء الكتاب وقتها وقوف جمعية الكتاب العُمانيين إلى صفي وأختي زوينة الكاتبة والمترجمة وتوقيع بيان يُطالب وزير الداخلية بحقنا، فأبلغت صديقي باستحالة صدور هذا البيان من جمعية كهذه، إلا أن هذا الصديق أصر وألح وقال إنه سيحاول، إلى أن تبين الأمر في اجتماع مجلس إدارة الجمعية بقولهم إنني وزوينة غير عضوين في جمعية الكتاب والأدباء العُمانيين ولهذا لا يمكن التضامن معنا، فحاول الصديق إقناعي بدفع رسوم اشتراك الجمعية، فقلت له حرفيًّا أن يبلغ مجلس إدارة الجمعية بأنني وأختي لا نعتمد عليهم في أي شيء ولو فعلنا لخسرنا قضيتنا وخسرنا أنفسنا، وأننا سنلقن الداخلية وأمثالها من المتنطعين درسًا لن ينسوه حتى آخر لعنة في أرواحهم الشمطاء، وأننا في غنى عن بيان جمعية تجبن عن أن تصدره في أي حال، وأننا إلى الأبد لا نتشرف بعضوية جمعية الكتاب العُمانيين هذه؛ فما الذي حدث الآن إذن؟. لماذا هذا "التكريم" المجانيّ وأنا لست عضوًا في هذه المصيبة؟.
      في نظري إن قبولي بـ"تكريم" و"جائزة" كهذه يعني التواطؤ ضد روح الكتابة والثقافة والمجتمع والتزامات المثقف ودوره العضوي في قول لا أمام أي انتهاك تقوم به السلطة ومؤسساتها البليدة المستبدة. ولا يمكن بأي حال من الأحوال قبول جائزة أو تكريم والصمت حيالهما والتذرع بعدم إمكانية المعارضة والتصريح بالرفض. إن هذا يعني بكل وضوح قبول ما تمليه السلطة بحجة أن التكريم جاء من جمعية الكتاب العُمانيين وليس من السلطة!، برغم أن تاريخ هذه الجمعية يشهد على أنها ليست إلا أداة تنفيذ "ثقافية!" بيد السلطة، من خلال جيل جديد من الكتاب لمعته السلطة وربته إعلاميًّا وماديًّا في البلاد وخارجها، بل إنها هيَّأته لما يليق بـ"المرحلة" الجديدة من مصطلحات ولغة تقطف من كل بستان زهرة، بما في ذلك (بستان) حقوق الإنسان وحرية التعبير.
       لقد زرع في أعماق كثير من مواطنينا عدم التحرج من قبول رشوة السلطة لهم. وبات أغلى الأمنيات لكثير من الموظفين الكبار والصغار، بمن فيهم الكتاب، أن يحصلوا على هبات مالية أو قطعة أرض. وهذا الأسلوب الدنيء في استمالة المواطنين طال –ابتداءً من عام 2006م/عام الثقافة في عُمان- الكتاب والمثقفين، وأصبحت تلك "العزائم" السنوية في بيوت الوزراء عادة يتسابق إليها كثير من الكتاب من أجل الظفر بما قد يمن به الوزير عليهم أو أحد مستشاريه، وبات صوت المثقف الحقيقي غائبًا، حتى حاقت نظرات الشزر بالقلة القليلة ممن عارضوا تلك الأساليب الرخيصة وأعلنوا انشقاقهم عن صفوفها، وهؤلاء شقوا عصا الطاعة العمياء وكتبوا ودونوا في الإنترنت وحوربوا من قبل الصحافة وأربابها القوَّادين والمرتزقة.
       والآن نتيجةً لأشباه المؤسسات تلك -جمعية الكتاب والأدباء العُمانيين، النادي الثقافي، وزارة التراث والثقافة... إلخ- نتيجة لهذا الفساد يعلو صوت النفاق والدجل وعصابة السلطة المقنعة بوجه الكاتب الطليعي والمثقف العضوي!.
كم وكم أثبت الكاتب والمثقف العُمانيان أنهما ليسا أكثر من إمَّعة وشحاذين وجبانين!.
كم وكم باتت الثقافة في بلدنا أُلهية في أيدي الصبيان والمخبرين وعبيد السلطة!.
أين هم أدباؤنا "الكبار" الذين يتشدقون بأنهم الطليعيون حاملو لواء الحداثة، وليست الحداثة في تجاربهم إلا تأثرات لغوية جوفاء تُكذِّبها ممارساتهم اليومية في نصوصهم وحياتهم وتعاملهم مع قضايا مجتمعهم. كم احترمنا كتابًا واعتقدنا أنهم "كبار" بمعنى الكلمة لنكتشف الآن أن الكلمة مقلوبة وأنهم أضأل من أن يُبصَق في وجوههم؟!. لهؤلاء لا بد من القول: أنتم، يا هؤلاء المنحطون في أرذل الطباع، أيها الخاضعون للسلطة الغاشمة، أيها المرتشون، أيها المنتفعون بالمال والأراضي والسفر، أنتم السبب الأكثر أثرًا في انهيار القيم في مجتمعنا، وفي استبداد الظلم، وفي نشوء جيل من الكتاب جاهل بأي سؤال وطني واع، لأنكم الأنموذج والقدوة بالنسبة إلى كثيرين سيأتون أيضًا، وسيتشوهون ويخضعون بسببكم. أنتم يا من تشتمون الدولة في الخفاء وتتوسَّلون لها في وضح النهار. أنتم السبب في وجود جمعية الكتاب والأدباء هذه، وما شاكلها، ولأن داخلكم مريض ومنافق ويقول عكس ما يُمارِس، فإن كتابتكم هذيانٌ وكوابيس وكآبة وموت وافتعال مرير ينبئ بإفلاس إنسانيتكم وتبنيكم لكل قضايا الكون إلا قضاياكم، ولذلك ستستبد بكم هذه السلطة على هواها وتقدم لكم عطاياها وإهاناتها كما تقدم العظام للكلاب الجائعة.
      لكل هذه الأسباب أكرر إعلاني: إنني أرفض "جائزة" جمعية الكتاب والأدباء العُمانيين و"تكريمها" المستفزين. أنا لست واحدًا من أعضائها، وحتى آخر يوم في حياتي يسوؤني أن أنتسب إليها ولا أتشرف إلا بأن أكون مستقلًّا حرًّا بعيدًا عنها بعد المشرق عن المغرب.       
 

03 ديسمبر 2010

المثقف التابع.. المثقف (الفالصو)

صبري حافظ

       استمرت القاعدة الاجتماعية التى يجىء منها المثقفون فى التنامى، حتى وصلنا مع ثمانينيات القرن الماضى إلى خريطة ثقافية واسعة ومتنوعة الخلفيات. فقد أفرزت كل طبقات الشعب وشرائحة المختلفة مثقفيها، من أعلى شرائح المجتمع طبقيا، وحتى الحضيض الاجتماعى وقاع المدينة. حيث وفر التعليم المجانى فرصة التعلم للجميع، واستطاع كل موهوب تميز بالدأب والإصرار أن يحقق وجوده الثقافى، برغم الكثير من الصعاب التى أخذت تتزايد فى وجه الطالعين من قاع المجتمع، سواء فى الريف أو المدينة.

    وخاصة بعد استقطابات زمن الانفتاح المدوّخة، التى أطاحت بمركزية الطبقة الوسطى وبمنظومة القيم الاجتماعية والأخلاقية والوطنية معها. وبعد أن قلصت الدولة إلى أقصى حد دعمها للثقافة، وهو الدعم الذى كان يصب معظمه فى صالح المثقف الحر المستقل. حيث كان هذا الدعم فى أغلب الأحيان محكوما بالقيمة، وليس بالولاء للمؤسسة أو بالدخول إلى حظيرتها.

     لكن العقود الثلاثة الماضية شهدت تآكلا سريعا فى قاعدة استقلال المثقف، وتنامى اعتماد المثقفين وبخطى متسارعة على المؤسسة فى زادهم ومعاشهم. كما شهدت تبلور الكثير من الاستراتيجيات الجهنمية التى ضيقت الخناق على المثقف المستقل، ودفعته للهجرة أو التهميش.
     ففى زمن الانهيارات العربى الذى غاب منه أى مشروع وطنى أو قومى واضح. ولم يعد لدينا فيه أولويات وطنية واضحة نطالب العالم باحترامها حفاظا على حقوقنا. وأهم من هذا كله لا يتمتع المواطن العربى بأبسط حقوقه الإنسانية فى التعبير عن نفسه ورؤاه. اللهم إلا خلسة، وفى العالم الافتراضى على الانترنت.

      وقد لا تخلو هذه المتعة من خطر ماحق يشهد عليه ما جرى لخالد سعيد فى مصر، ولطلّ الملوحى فى سوريا، ولعشرات آخرين فى بلدان عربية أخرى. فى هذا الزمن لم يعد ممكنا الحديث إلا عن استقطاب حاد بين نوعين من المثقفين: المثقف الذى يجسد ضمير أمته ووعيها النقدى الحاد، ويعبر عما يسميه رايموند وليامز بـ«بنية المشاعر» الجمعية، والمثقف التابع الذى يتماهى مع مؤسسة السلطة، ويسخر معرفته لتعزيز سيطرتها الشائهة، ويكرس زمن الانهيارات العربى ذاك بدلا من تبصير مواطنيه بسبل الخلاص منه.
      ولن أتحدث هنا عن المثقف الأول الذى يحرص على أن يكون خارج القطيع، أن يكون خارج المؤسسة، أن يكون هاويا ومزعجا للوضع الراهن والمتفق عليه، أن يكون الصوت الذى يطرح الحقيقة فى مواجهة السلطة، كما يقول إدوارد سعيد فى كتابه المهم (تمثلاث المثقف). ويدفع بالطبع ثمنا باهظا لذلك. فقد كان هذا هو النمط الأساسى الذى تعنيه الكلمة قبل أن ينتابها التشويه والتدليس كما حدث للكثير من المفردات الكبيرة فى زمن الإطاحة الجهنمية بالكثير من المفاهيم الكبيرة وتشويهها.

      وإنما سأتحدث هنا عن المثقف التابع، كلب حراسة المؤسسة، الذى تمتلئ به الساحة الثقافية العربية على امتدادها الواسع، والذى يتحمل، فى رأيى المتواضع، الكثير من المسئولية عما وصلنا إليه من انهيارات فى زمن التردى والهوان هذا. فهو الذى يسوغ هذا الهوان ويبرره ويعمل بوعى أو بدون وعى على تكريسه.
     ففى عالم يعج حسب تعبير ماريو فارجاس يوسا الفائز بجائزة نوبل للآداب هذا العام بالديكتاتوريات الكاملة، أى الديكتاتوريات المراوغة التى تبدو من فرط إحكام الاستبداد فيها وكأنها ليست ديكتاتوريات، وإنما لمرارة المفارقة ديمقراطيات «سيميولاكرات simulacra» فالصو، أى صورا شائهة تزعم أنها الأصل، وهى لا تشبه الأصل من قريب أو بعيد.

     فى هذا الزمن كان لابد أن يتحول المثقف أيضا إلى simulacrum أى صورة مزيفة ــ فالصو ــ مغشوشة للمثقف، تدعى أنها المثقف وهى لا تشبه. فهى عارية من صفات الأصل وخصائصه، ولكنها تموه على العالم بأنها مثل الأصل، بل تزعم أنها هى الأصل، والأصل منها براء. والواقع أن موضوع السيمولاكرا هذا من الموضوعات التى شغلت معظم الفلاسفة المعاصرين، وخاصة جان بودريارد وجيل ديلوز وليوتار وفريدريك جيمسون وغيرهم ممن اهتموا بالبحث فيما يسمى بالوضع ما بعد الحداثى الذى نعيشه. حيث أصبحت الكثير من المفاهيم هى مجرد أشباه مزيفه لما كانت عليه.

     ويحدد بودريارد خصائص هذه السيميولاكرا، والتى لا أجد مصطلحا يترجمها بدقة غير الكلمة العامية «فالصو»، بأنها تمثل انعكاسا ما للأصل، وهى فى حقيقة الأمر المقلوب الواقعى والفعلى له، وتزعم أنها هى الأصل وخاصة حينا لا يكون هناك نموذج متواضع عليه لهذا الأصل الذى تزعم أنها تمثله، وتنقطع صلتها بالواقع حتى تصدق وهمها عنه، وتصبح قادرة ببجاحة على تسويق هذا الوهم وترويجه باعتباره هو الواقع.

       وإذا ما طبقنا هذه الخصائص الأربعة على المثقف التابع، سنجد أنه حقيقة مجرد simulacrum أى مثقف فالصو/ زائف. حيث إنه يزعم بداءة بأنه يمثل حقيقة صورة المثقف المعروفة. فالكثيرون من كلاب الحراسة بدأوا حياتهم مثقفين بالمعنى التقليدى، بل تعرض بعضهم بسبب مواقفه الثقافية للاضطهاد والسجن. لكن هناك الكثيرين الذين اختصروا الطريق وتقمصوا صورة المثقف دون أن يمروا بمرحلة المثقف الذى يتحول فيما بعد إلى كلب للحراسة أو إلى simulacrum صورة شائهة.

        فعملية التحول من حارس للكلمة، بقيمها الإنسانية النبيلة، إلى كلب للحراسة عملية بالغة التعقيد، وتتسم بقدر كبير من المراوغة يوظف فيها المثقف الكلبى ذرابة اللسان، وبراعته فى المحاججة، كى يقنع القارئ بأنه يصدر بحق عن قناعات منطقية تتذرع عادة بالدفاع عن المصلحة الوطنية العليا. فلا يوجد أحد من كلاب الحراسة لديه الأمانة التى يصرح بها للقارئ بعدمية متناهية بأنه تخلى عن كل ما سبق أن آمن به من قيم، وأن ممارساته الراهنة عارية من قيم الثقافة القديمة، وأنه باع قلمه لمن يدفع أكثر.

     وإنما لابد له من الظهور وكأنه المعبر الأصيل، وربما الوحيد، عن قيم الحق والخير والوطنية. ومن هنا تكون خطورته ويكون زيفه معا. خاصة أنه أصبح من الصعب التمييز بين طهارة اليد، وخفة اليد، أو بين الصدق وذرابة اللسان. فالمثقف الفالصو لا يعترف أبدا بأنه كذلك، وإنما يلجأ إلى الكثير من مهاراته وذرابة لسانه للإيهام، كأى simulacrum بأنه هو الأصل. مع أنه وهذه الخصيصة الثانية للـsimulacrum مقلوب كل ما ينطوى عليه مفهوم المثقف من معان ودلالات.

      يقول إدوارد سعيد فى كتابة (تمثيلات المثقف) أو (تجليات المثقف) الذى أريد أن أذكر المشاركين فى هذا الجدل به «إن مهمة المثقف هى تفكيك التصورات الاختزالية السائدة التى تحد من إمكانيات التفكير الإنسانى والتواصل»، وليس بالقطع تكريسها كما هى الحال مع الكثيرين من مثقفى الحظيرة. فالمثقف التابع، أو المثقف الفالصو، لا يفكك التصورات الاختزالية بل يروج لها ويشارك فى اختراعها وتمويهها بمهارة.

      إنه يروج لسياسات بعينها، هى السياسات التى انتهت بنا إلى زمن الانهيارات هذا، بينما دور المثقف الحقيقى هى أن يطرح الأسئلة عن أسباب تلك الانهيارات، وعن سر تلك الانقسامات التى تفت فى بنية مجتمعنا على كل الأصعدة الاجتماعية منها والطائفية. هذا المثقف التابع يسهم فى تدجين الرأى العام، وفى تخليق الانصياع والإذعان، وتسويق ضرورة الاعتماد كلية على مجموعة صغيرة من «أولى الأمر» تدير الوطن نيابة عنهم وتفكر لهم.

      هكذا يتحول المثقف التابع/ كلب الحراسة/ إلى صوت لمن يدفع له، بدلا من أن يكون صوت الضمير الجمعى والمعبر عن «بنية مشاعر» بنى وطنه وصبواتهم فى زمن اتسعت الفجوة فيه بين بنية المشاعر الجمعية وخطاب المؤسسة وممارستها كما لم تتسع من قبل. وهذا التحول فى المثقف ابن التحول فى ممارسات السلطة أيضا، فبعد أن كانت السلطة تستخدم مع المثقف المعارض سلاح الحصار والتهميش والتجويع، أصبحت تستخدم معه أيضا سلاح التلميع والتضخيم والإغراق بالمال والجوائز. لقد استبدلت بالعصا القديمة الجزرة الذهبية الجديدة، وهى التى يسيل لها لعاب المثقف التابع ــ الفالصو الذى لم يعد للقيم ولا للمبادئ عنده قيمة.

      وكلما اغترب عن صوته، وتماهى مع صوت المؤسسة كلما أصبح عليه أن يصدق وهمه وأن يروج له، وهذه هى الخصيصة الرابعة للـ simulacrumعند بودريار بصورة يتحول معها الوهم عنده إلى حقيقة.

      ألم نقرأ مؤخرا فى سيرة مثقف من هذا النوع، طالع من قاع المجتمع المصرى، ولكنه دخل الحظيرة وساهم فى إدخال الكثيرين إلى موئلها البغيض، أنه ينحدر من أصلاب عائلات تركية، من المستعمرين القدامى، كى يبرهن على جدارته بالانتماء لطبقة السادة من المستعمرين الجدد. وهو بذلك يتخلى فقط عن أصوله، وعن دوره وعن قيمه، وعن ثقافته، ولكنه لن ينتمى أبدا للسادة الجدد، لأنه سيظل بالنسبة لهم مجرد كلب حراسة.


** منشور في صحيفة "الشروق" في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني