31 يناير 2011

علي بن ماجد اسْتَقِلْ رجاءً

الاثنين، يناير 31، 2011

عمّار المعمري

      لا أعلم إن كان قد فات على حكومة العمانية توزيع قرنين لكل مواطن؛ حتى يؤكدوا للعالم أنها تتعامل مع قطيع من التيوس والنعاج, هل إلى هذه الدرجة تعتقد الحكومة أن المواطن غبي؟ وهل إلى تلك الدرجة لا يفهم ويعي جيداً سبب ظهور ذلك البيان حول خلية التجسس فجأة بعد أن تم تجميد إصداره إن لم يكن إلغاء أمر نشره بأوامر عليا لا نعرف من أي طابق أتت؟ خاصة إذا ما علمنا والعهدة على العصفورة التي أخبرتني أن الأحكام صدرت في حق المتهمين بخلية التجسس منذ وقت قصير وبالطبع لم تحوي أحاكم بالإعدام وأنهم يقضون عقوبة خيانتهم لوطنهم في سجن داخل جهاز الأمن الداخلي يدعى بالسجن الأسود بمسقط, هل أقول لكم المزيد أم ألتزم الصمت؟ هل سيحاكمون مرة أخرى مثلما أشار البيان؟ هل تريدون معرفة من كان يرأس اللجنة التي أصدرت الأحاكم حتى تعرفوا كيف أنكم كنتم خارج حساباته وحسابات من جعلهم أيدي يمنى له؟ شخصياً لست أقيم وزناً للسواعد اليمنى فحتى باليد اليمنى تمسح المؤخرات إلا أن الجميل والمحزن في نفس الوقت من كل ذلك أنكم الآن فقط لستم خارج حساباتهم بل أصبحتم ذلك المرض والورم السرطاني المخيف الذي قد ينهش جسدهم في أي لحظة والظريف أنها حتى الآن ومن فترة بسيطة تستعين بالمتزلفين كتاجر حرية التعبير عن الرأي موسى الفرعي ومن على شاكلته هو تاجر ليس إلا والشواهد كثيرة حول هذا الموضوع إلى جانب موضوع إستعانة الأجهزة الأمنية له في إجهاض مواضيع الفساد ومناشدات التظاهر وتسيير المسيرات والمطالب الشعبية والتعبير عن السخط العام وفي هذا تفاصيل كثيرة لن أوسخ أعينكم هنا وأكتفي أن أستشهد بما قاله المتنبي:
      ما يقبض الموت نفساً من نفوسهمُ ... إلا وفي يده من نتنها عود
     أتسائل معكم ببراءة هنا لماذا تواجد السلطان في صحار؟ ولماذا عاد بعد نشر الخبر بسرعة؟ ولماذا تضمن الخبر تحديداً للدولة والجهة التنفيذية التي قامت بالتجسس؟ قد لا يكون المزاج رائقاً كفاية في ذلك اليوم الذي فيه أمر بنشر الخبر, وربما هناك من كدره من أبناء الجالية العمانية الإنفصالية المتمشيخة على ولاية أبوظبي, المكابرين على ما أقترفوه, وعلى هويتهم الأصلية, وعلى التاريخ, بالطبع كل هذه الأشياء هي كنزة تدفئني قليلاً من برد فصل عمان الوحيد فصل "يجب أن لا تعرف يامواطن" نسجتها لي بنات أفكاري وتساؤلات بريئة كالطفل الذي يسأل أمه وأباه كيف أتيت.
      هل علينا مزج خناعاتنا بقناعاتنا بعد أن نسمع خبر إعلان إلقاء القبض على خلية التجسس من وكالة أنبائكم ونلتف في هذا الوقت حول قيادتنا الرشيدة ورجالها المصطفين من عند الله كما تدعي؟ هل علينا ذلك حقاً؟ وهل علينا أن نصمت بفرح ونصفق لحكومتنا وما فعلته من إنجاز كبير هي لا تستحقه؟ الجميع يعلم أن إيران هي من قام بكشف الخلية كعربون صداقة في لعبة ديبلوماسية سياسية المواطن لا يملك فيها سوى الصفر. إذاً لما كل هذا الكذب؟ خاصة وإننا أمام جو عربي محتقن يغلي كاشفاً ما تحت كريمات الأساس وألوان المكياج التي تخفي ما فعله المشيب وعوامل التعرية نتيجة الفساد ومؤكداً في نفس الوقت إلى عدم صحة نظرية إنقراض زمن الثورات وإنتهائها.
      يجب على الحكومة الآن أن تعترف بخطئها لشرعيتها الذي هو بالتأكيد المواطن العماني فقط لا غير ولا شريك له ولا يوجد غيره, عليها أن تعترف بتقصيرها وأنها لم تكترث للخطر القادم من الخارج, وبأنها أشغلت أجهزتها الأمنية في الركض وراء أوهامها وما تعتبره خطراً داخلياً أو أخطاراً داخلية للانكتفي فقط بالخطر الخارجي لنجد من يخون هذه البلاد من الداخل لصالح الخارج, سنوات طويلة وهذه الخلية تعمل وتنخل لتنقل, ألم تعتقدوا بوجود الخطر الإماراتي؟ تلك الدولة التي تعلم جيداً أن هدمها وفنائها بيد جارتها عمان, وأنها لن يكون لها قامة إذا ما قام المارد العماني بقيادة واعية بمصلحة البلاد ومواطنيها, إلى جانب مشكلة الهوية والمرجعية وإرث زائد الذي جعل من عمان وصي لم يحسم أمره بعد والكثير الكثير من الأشياء على حساب كرامتنا لنصمت ونقول حكمة قائد مظفر ونصدق لنصفق ويردد البعض في قرارات أنفسهم: ذاته مصونة. وكأن من شدة تطبيق ما حوى النظام الأساسي للدولة بتنا نصرخ: خففوا من حقوقنا إقمعونا قليلاً لنشعر بما يشعر به مواطني دول الورع البارد. في عمان هناك شيئان اسمهما لا يعكس معناهما هما كلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس والجبل الأخضر بالداخلية. إذا كانت الدولة لا تحترم دستورها على الأقل بشكل نسبي كبير فيعني هذا عدم إحترام مواطنيها فمن الطبيعي أن نفوسنا وقراراتها لا تحترم من يجب عليها أولاً إحترام الدستور فإذا كان هناك إحتراماً من قبل المواطنين فهو بالتأكيد نتيجة خيال أو خوف وسأتطرق لهذه النقطة لاحقاً.
     مما تقدم, أعتقد أنه حان الوقت لتقديم المسؤولين إستقالتهم على ذلك التقصير أو محاسبتهم وعلى رأسهم بالتأكيد علي بن ماجد المعمري هو وباقي رؤساء الأجهزة الأمنية لتقصيرهم الجالع في خدمة وحماية هذا الوطن وأمنه وإستقراره, وتعريضهم البلاد لتهديد خارجي سرح ومرح فترة طويلة داخل البلاد دون أن تشعر به الأجهزة الأمنية فهي مشغولة بالأهم باحثة عن خطر وهمي هنا وحبكة أمنية مفبركة تخيف الناس هناك وفلان كتب وعلان نشر وزيد قال وعبيد يفكر وتقول إنجاز وواجب قمنا به وخطر أزيح بشق الأنفس وإستبسال وطنطنة وياليل يا جامع على الحب قلبين وريس بوش وتفريق أخ عن أخيه ومشيخة وقبيلة والبلاد على خير ما يرام. كيف بالله عليكم بلاد تملك 3 أجهزة أمنية إستخباراتية عدد منتسبيها أكثر من عدد منتسبي القوات المسلحة ولا تعلم عن خلية تجسسية تمارس عمليات في البلاد منذ عقدين تقريباً؟ أتعلمون؟؟!! بعد أن تم كشف خلية التجسس بشكل "لا رسمي" أقام علي بن ماجد إجتماعاً بقادة المكتب وبعض ضباطه وخطب بهم مهدداً وواعداً بالويل والثبور وهرسه كهرس البذور إذا ما تم الكشف عن أي شخص من منتسبي المكتب السلطاني متورط بتلك الخلية, يا ترى بماذا تنبئكم نفوسكم بعد أن علمتم ما قام به؟ بالتأكيد إلى التقصير الداخلية والخارجي وعدم إهتمامه بإحتمالات الأخطار الأمنية ليس فقط على السلطنة بل حتى من داخل المكتب السلطاني هو يحاول اللعب في الوقت بدل الضائع صحيح أن هناك من ينتصر ويفوز في الوقت بدل الضائع ولكننا في النهاية نصفق للعب الإحترافي والإبداعي والجميل وتخالجنا مشاعر الرضى فمثل ما قال البردوني في مشهورته:
وأقبح النصر نصر الأقوياء بلا فهم .. سوى فهم كم باعوا وكم كسبوا
 أدهى من الجهل علمٌ يطمئن إلى ... أنصاف ناس طغوا بالعلم واكتسبوا

     بالتأكيد هذه تعتبر فضيحة أمنية أخرى من فضائح هذا النظام المتصنم والمتأله على مواطنيه والذي لا يكترث سوى بالكذب على الناس فتونس ليست بعيده عنا فذلك النظام من حيث الخطاب الرسمي هو الأقرب لكم وتلك الأرقام والنتائج والإحصائات خلال شهر بخرت كذبة صدقها مخترعها, كان يسلي نفسه ويمليها ويسلي من تحته حتى صدقوها هم أيضاً وبقدرة قادر أصبحت كذبة هو نفسه كذبها ومن كان يرددها كذبها ومن كان يطبل على إثرها كذبها ومن صدقها أيضاً على مضض كذبها أنموت لتنشدون كبريائكم ونفقد كرامتنا؟   
      صدقاً يا إخوان من المحزن جداً أن نعرف مآسينا وأن نتأملها إلى حد الألم مقرين بوجود المستعمر السري أصنام عمان, ونقول لأنفسنا "بعد غدٍ تعود لابد أن تعود" حقيقة لا أعلم لماذا السيّاب يعتقد بأننا سنستفيق لتملئ روحنا نشوة البكاء بالتأكيد هو الآخر طليعي خائن فحتى البكاء والشكوى حرام فلا نهاية لذلك ولا إعتراف وندخل في عملية تنظيرية تبريرية نخدع فيها أنفسنا وغيرنا, فتلك المشكلة المتجسد في رجال متصنمين ورجال يدعون التصنم وشباب يسجدون ومنهم يبحثون عن بقعة سارحة لم يسبقهم إليها أحد بين ظلال الأصنام الكثيرة ومن المحزن أيضاً -ولا أستحي أبداً أن أقولها- أن الكثير من أبناء هذا الوطن يعرف أن عُمان ماهي إلى إمتداد لفناء قصر السلطان ليخنع المواطن أو يسكت وربما يتسلق ويتملق وقد يتصرف على أساسها بنوع من الحتمية والحدية, أعلم أنه وصف مجحف ولكن في نفس الوقت لا تنقصه الحقيقة فكروا فيها قليلاً ... فناء كبير مزرعة لا وطن وبروج عاجية ومجموعة من الأصنام بجوارها الكهنة والساجدين وويل للكافرين وصدق من قال : مأساتنا عشق الطغاة كأننا لم ننسى بعد عبادة الأصنام.
       قد يصمت الإنسان عن قول الحقيقة مدغدغاً صدره بالكثير من السخط المكتوم وقد يغرف من بحر الخيال ما يكفيه قوت كرامة يومية يبحث فيها عن ذاته لا يعلم كيف يجاريها وسط أكوام النذالة الحكومية العمانية الصنمية القاتله لكرامة المواطن وحقوقه,  ولكن إلى متى؟ هل تصدقون لو أخبرتكم أنه وبرغم كل تلك التغيرات في العالم وفي الثقافة والعلم والتطور وكل شيء يحدث لا زالت حتى يومنا هذه الكتابة في الإنترنت والتعبير عن الرأي بحرية هو قيد أمني في عمان؟ الحق أصبح قيداً أمني صدق أو لا تصدق!, هل تتتخيلون وتصدقون هذا؟ إذاً من الطبيعي أن نجد خلية تجسس لصالح الإمارات تعمل منذ سنوات فهم لاهون بأوهامهم ومخاوف من يسقطهم بسلاح حق, لكن بصراحة لا أخفيكم سعدت عندما علمت وتأكدت من هذه المعلومة بنفسي من خلال موقف من المواقف, فسعادتي وتفاؤلي نابع من هذا التطور الكبير في عقليات أصنام عمان, فبعد أن كان قيد قانوني وأمني أصبح أمني فقط وسننتظر 20 سنة أخرى ليكون مجرد ملاحظة تدون في قاعدة بيانات جهاز الأمن الداخلي و20 بعدها ليكون حق دستوري إنساني لانقاش ولا جدال فيه وهيس يا مواطن لا تملك من معنى المواطنة شيء,هذا هو الحال في حق بسيط جداً فما بالكم بحق العدالة الإجتماعية وتوزيع الثروة وتولي المناصب العامة. هو هكذا دائماً خوف السلطة الفاقدة لشرعيتها من الكلام وحتى التي لا تعترف بخطأها وفسادها الفاجة ريحتها أيضاً تخاف من الحقيقة التي لا تريد للشعب أن يسمعها ويقرأها ويعرفها بحرية فهاؤلاء الرجل المتصنمين تحت جناح السلطة هم بلا شك نتيجة خيال, قوتهم تأتي من الآخرين الذين هم أنتم فأنتم فعلياً أقوى منهم بدنياً فمنكم الغالبية أو لنقل كلكم رضختم لإرادة تلك الأصنام ووظفتم قوتكم لإطاعتهم وقسم آخر من الناس صمت عندما شاهدكم ترضخون لهم وهلم جرا فلذلك تقوم تلك السلطة الفاسدة بمقاومة من يقوم بالتعبير عن رأيه ومن يتحدث بحرية ويفضحه فسادهم كونه يهدم هذا الوهم والخيال وهم السلطة عبر ما يؤديه تعبيره بأي طريقة كانت من تشكيل وتغيير للوعي الجمعي وتغيير في مفاهيم الناس وهذا الذي حدث في تونس ويحدث الآن في مصر فلو قال مثلاً كل رجال الشرطة في عُمان بأن المفتش العام للشرطة والجمارك من صباح اليوم الفلاني ما هو إلا فراش لدى الملازم صنقور لسبب من الأسباب مهماً كان –مع إحترامي لفراريش الشرطة وصناقرها- فسيكون بالتأكيد فراش لدى صنقور بالطبع إذا أعملوا ذلك بدنياً عبر عدم إطاعة أوامره ولهذا نجد أن التعبير عن الرأي قيد أمني بسبب خوف السلطة من زوال هذا الخيال وتغيّره, فلا أنذهل لو عرفت أنه تم إكتشاف خلية تجسس تعمل منذ سنوات فخلية التجسس ليست هاجس يخيف الأصنام تهدد وجودهم وعدم خنوع الناس لهم فلا أستغرب لو ظهرت عشرات من الخلايا, الأصنام من وزراء عمان ومسؤوليها ليسوا أذكياء إلى تلك الدرجة حتى يفكروا بهذه الطريقة ولكن نشاطهم بقمع كل متحدث كأثيم أثوم هو عمل فطري نتيجة الخوف لا أكثر فيأتيك مثلاً أحد المتصنمين –هكذا من لامكان أو زمان- ليقرأ فرقانه في حضرة كتّاب وحيه وأبنائه وجماعته والساجدين تحت ظله طوعاً أو جبراً من أبناء قرية حفتون المحتلة من المستعمر المحلي وباقي أرجاء المعمورة, بالتأكيد قد نفض "مدواخة" من غليون الشميلية الشناصي تم إعادة إستيراده له من إحدى إمارات ساحل عُمان كان لابد أن يدخنه بعد أن أوجع رأسه وأضاق صدره كلام ورأي أحد الكافرين به قائلاً وهو يرفع هاتفه النقال التي تحوي صورة ذلك الكافر به وبأصنامه: نحن نبني وهذا يهدم. أو هكذا قال ويعني من عبارات التخوين وعدم الولاء ترديداً, فالعبارات التي قالها لم تك من الوحي المقدس فأمر كتّابه أن لا تدون حتى لا تختلط بوحيه ويعرف من يعرف ممن سجد له ليكفر هو الآخر أو يشجب وربما يستنكر أو حتى يمتعض في قرارات نفسه ويعتصر ثم يصمت بل يخرس ويأكل تبن -أعتقد أنها أبلغ-. شخصياً أنا أسعد وأبتهج لو حصل لي هذا الموقف ويشعرني بالبهجة لإعتبارات كثيرة أهمها أن صوت من كفر قد وصل وبدأ يزعجه ربما إلى حد ما ولا أقول أنه أخافه لكن أقول أن الحقيقة مرة وبالتالي لابد على الصنم أن يحذّر ويزمجر وربما يهدر ويقول ما قال من عبارات التخوين وعدم الولاء وكأن التاريخ قد نسي كيف أن أباه وغيره الكثير من الغيورين على الوطن مثلما عرفنا وأخبرونا والعهدة على الراوي وبصراحة هذا الراوي مجحف وإنتقائي لم يخبرني أن جدي سجنه سعيد بن تيمور ذات يوم ولماذا سجنه حتى أفخر بذلك قد يكون الراوي نسي هو الآخر مثلما نسى التاريخ بأنهم قدّموا مصلحة الوطن واختاروا عمان ورموا وراء ظهورهم ولاء سلطان ذاك الزمان ليكون ما أراده سلطان هذا الزمان, فهل يمكن أن نقول عنهم الآن أنهم خونة خانوا سلطانهم آن ذاك؟ فالنعترف هناك مشكلة في وضع المفاهيم وتحديدها, أترغبون مشاهدة حركة الديمنو تدهسكم مثلما تندهس باقي الإنظمة الآن بنعال شعوبها بعد أن خلقت ذلك الخيال الزائل والزائف؟ أعتقد أن عليك أن تستقيل يا أبا غانم أنت وباقي من معك فالدرب تسعك بمن معك مع إني متأكد أن هذا الدرب لا تعرفه ناقتك ولا بعيرك ولا يعرفه أي وزير عماني آخر فلو كنتم تعرفونه لما تركتوه أجرداً ولرصف وزفت وسفلت ولشبعنا منيه منكم بأنه من منجزات النفضة المفبركة.

       لن أطيل لأعيد وأزيد ما قلته سابقاً في هذه الحكومة الفاسدة ولكن هو قول لمقادر بلغت وأحداث استجدت أو لأكون دقيقاً أحداث لم تتغير لتغير شيء مما عرفناه عن هذه الحكومة المتمصلحة الفاسدة حكومة اللصوص حكومة سلطنة أصمت تنهب هكذا هم يريدونها فلا عجب أن نرى ما يريدون أو ما خلقوه مجسداً في النشرات والمؤشرات والكتب والدوريات التي تصدرها مراكز الدراسات الإستراتيجية حول العالم عن السلطنة وأتحدث هنا بالطبع عن التي لا يسمح لعيني الموطن مشاهدتها حيث أن تلك المراكز أجمعت على وصف المجتمع العماني وعلاقته بخارطتها السياسية بأنها مجموعة من القنوات الرسمية والغير الرسمية والإيقونات الشخصية المتنفذة من جماعات المصالح في مجتمع مفتت تنظيمياً وتلك القنوات هي الوسيط بين المجتمع والنظام السياسي وكأننا لازلنا في زمن العشائرة والقبيلة وبندقية بوفتيلة وبشت شيخ القبيلة لكن بنسخة مطورة قليلاً حتى نثبت تلك الخصوصية التي حتى الهواء افي بلادنا لمستنشق ختم بها.

     أخيراً ... أهديك هذه القصيدة لماجد المجالي التي بالتأكيد ستزيح بعض من الإنزعاج على هامش الصورة الباكية على كرامة عُمان المفقودة والذي سيصلني من عُمان إلى عمّان بسبب غضب إجتماعي عائلي نتيجة ما كتبته هنا ونشرته قد تحركه أنت أو أحد عبيدك فإذا أحببت أن تُري عبّادك وسجّادك صورتي من خلال هاتفك مرة أخرى أتمنى أن تكون تلك التي أخذت في لحظة أعزف فيها بآلة التشيلو لحن الكفر بك وترانيم مواطن عُماني يحاول أن يعيش حراً لا ذليلاً مثلما أذللت أهله وشعبه حتى تكتمل الصورة لعشّاقك فاعلم أن الأرض باتت ترفضك. 
تلظت عبرتي ودم اغترابي
فألقيت السلام على ترابي
وسرت مضيعاً ما بين نفسي
بها يشكوا اغترابي لقترابي
انا أهواك يا وطن المآسي
فمع من كان يا وطني احترابي
عذابٌ غصة ودم جريحٌ
يمز دماً ويمعن في التهابي
وكنت أريده شعراً مصفى
وهم سجنوا عِذابي في عَذابي
أنا يا ليل ملتحف سمائي
ومفترش مع البلوى ترابي
فما قُطرية لمحت فؤادي
أن الوجع الخليلي المؤابي
أنا أبن اللد وأبن القدس قسراً
ولست أقيم وزناً للذبابِ
بلادي زجها بالديْن لص
وسلمها المتاجر للمرابي
ومزق ليلها قلبي وروحي
وأحرق شيب باطلها شبابي
سرابات الديار قتلن روحي
سرابُ في سراباً في سرابِ
فما عمري بأرضاً لا تراني
بها يشكوا إغترابي لغترابي
وذي داري أنا منها وفيها
ويكشف حالها سر اكتئابي
وذا وطني غدى كأرق أنثى
تفر من اغتصاباً لاعتصابي
بلادي لا أخاف بها عقابا
لأن حياتها اقسى عذابي

30 يناير 2011

الاستعراض الدوري الشامل: 166 توصية لسلطنة عُمان

الكاتب: GIHR: AR   
الأحد, 30 كانون2/يناير 2011 03:27

 
       ناقشت سلطنة عمان حالة أوضاع حقوق الإنسان فيها أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل على هامش الدورة العاشرة يوم 26 يناير (كانون الثاني) الحالي، ضم الوفد  العماني 35 شخصاً، ترأسه معالي يوسف بن علوي بن عبدالله وزير الشؤون الخارجية.
     قدم تقرير فريق عمل الاستعراض الدوري الشامل سعادة السفير شهاب ماضي المندوب الدائم للمملكة الأردنية لدى الأمم المتحدة بصفته أحد أعضاء الترويكا ( الأردن وإسبانيا وبوركينا فاسو).
    اعتمد فريق عمل الاستعراض الدوري الشامل تقرير السلطنة يوم الجمعة الفائت الموافق لـ 28 يناير (كانون الثاني) 2011،  بلغ عدد التوصيات المقدمة 166، وافقت سلطنة عمان على 104 منها، إضافة إلى 50 توصية قررت إخضاعهم للدراسة، بالمقابل رفضت السلطنة 12 توصية مقدمة من بعض الدول الأعضاء بمجلس حقوق الإنسان والمراقبين بالأمم المتحدة.
    ومن بين أهم التوصيات التي ستخضعها سلطنة عمان للدراسة:  الإنضمام لباقي الصكوك الدولية كالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، سحب التحفظات على عدد من مواد المعاهدات الدولية التي إنضمت لها السلطنة، كالمواد 9 ، 15 ، 16 من إتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، موائمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية خاصة المتعلقة بحرية الرأي والتعبير،  تفعيل دور اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بما يتماشى مع مبادئ باريس الخاصة بالمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، ثم الانضمام لهيئة التنسيق العليا للمؤسسات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان ICC  ،  تقديم دعوة مفتوحة لنظام الاجراءات الخاصة بالأمم المتحدة،  إلغاء نظام الكفالة.
    من جهة أخرى، تعد أبرز التوصيات التي رفضتها السلطنة:  الإنضمام للبروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية و الخاص بإلغاء عقوبة الاعدام،  منح المرأة العمانية جنسيتها لأطفالها، إعطاء حقوق للمثليين جنسياً، ضمان حرية تأسيس الجمعيات ودعم نشاط جميع المنظمات غير الحكومية.
   جدير بالذكر أن سلطنة عمان هي الدولة العربية السابعة عشرة التي تخضع لآلية الاستعراض الدوري الشامل، حيث تقدمت الدول العربية التالية لهذا الاجراء ابتداءاُ من الدورة الأولى عام 2008: البحرين، الأردن، تونس، مصر، لبنان، موريتانيا، جيوبتي، السعودية، الجزائر، الإمارات، العراق، الكويت، المغرب، اليمن، قطر، ليبيا.
منقول من موقع معهد جنيف لحقوق الإنسان

بيان تأييد من منتدى المجتمع المدني الخليجي للانتفاضة المصرية الباسلة

      تابع منتدى المجتمع المدني الخليجي الأحداث الجارية بمصر العزيزة، ونعرب عن تأييدنا لانتفاضة الشعب المصري النابعةِ من إرادته الحيَّة بعد أن سُدَّتْ جميع وسائل التغيير في وجهه من قبل آليات النظام السياسي وفي ظل احتكار للسلطة طوال 32 عاماً.
     ونؤكد أن انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، وقبلها انتخابات مجلس الشورى، وانتخابات الرئاسة، كلها مُزوَّرة كما أجمع على ذلك كافة المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني المصري، وأن الانتخابات جرت  فقط لإضفاء شرعية شكلية على استمرارية النظام.
     إن 32 عامًا من حكم مبارك و قبلها قرابة ثلاثين عاما بما يتجاوز الستين عاما من حكم العسكر أدت بالنهاية إلى انهيارٍ شاملٍ لمصر شعباً وبلداً؛ حيث نُهِبت ثروة البلد وأفقر شعبه وقام النظام العسكري بإذلاله ومصادرة حقوقه الأساسية وحرياته العامة باسم لا صوت يعلو على صوت المعركة.
    لذا ندين القمع الشديد الذي تم به التعامل مع الاحتجاجات الجماهيرية المصرية وما ترتب عليها من استشهاد العشرات وجرح الآلاف واعتقال المئات. ونذكر هنا أن عنف السلطة تسبَّب في استثارة الجماهير، وأدى إلى عمليات تخريب ليست في صالح الانتفاضة، وتعتبر خسائر للشعب المصري، ولا شك لدينا بأن من يقوم بالنهب و السلب هم جزء من النظام لكي يوصل رسالة بأنه هو من يستطيع أن يحفظ النظام، بدليل تهريبه للمجرمين والمسجلين خطراً من السجون. ونؤكد أن النظام هو من فتح السجون لترهيب الجماهير وتخريب تلك الانتفاضة الشعبية المباركة.
    كما نعلن تأييدنا لانتفاضة الشعب المصري في إحداث تغيير ديمقراطي حقيقي وشامل يمثل قطيعة كاملة مع النظام الاستبدادي الآيل للسقوط إن شاء الله في القريب العاجل، ويؤسس لنظام ديمقراطي تعددي يصون مصالح الشعب وحقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
    وندعو قوى الشعب المصري كافة إلى التكاتف والتوافق والتوحد على آلية للانتقال من النظام الاستبدادي إلى النظام الديمقراطي، ونُحيِّي توحد الأحزاب الوطنية ومنظمات المجتمع المدني والقوى المجتمعية، وخصوصا الشباب، في هذا التحرك الوطني.
   وندعو الأنظمة العربية إلى عدم دعم النظام الاستبدادي، وإلى احترام إرادة الشعب المصري.
   ونطالب الدول الأجنبية بعدم التدخل في شؤون مصر.
   ونوجه الدعوة إلى جميع الشعوب العربية وقواها الديمقراطية لدعم انتفاضة الشعب المصري.
            المنسق العام
            أنور الرشيد


26 يناير 2011

موجز أعدته المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وفقًا للفقرة (15) ج من مرفق قرار مجلس حقوق الإنسان 5/1

مجلس حقوق الإنسان
الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل
الدورة العاشرة
جنيف، ٢٤ كانون الثاني/يناير - ٤ شباط/فبراير ٢٠١١
موجز أعدته المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وفقًا للفقرة (15) ج
من مرفق قرار مجلس حقوق الإنسان 5/1
عُمان*

هذا التقرير هو موجز للور قات( ١) المقدمة من ٧ من أصحاب المصلحة إلى عملية
الاستعراض الدوري الشامل . وهو يتَّبع هيكل المبادئ التوجيهية العامة التي اعتمدها مجلس
حقوق الإنسان. ولا يتضمن التقرير أية آراء أو وجهات نظر أو اقتراحات من جانب
مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ولا أي حكم أو قرار فيما يتصل بادعاءات
محدَّدة. وقد ُذكرت بصورة منهجية في حواشي ﻧﻬاية النص مراجع المعلومات الواردة في
التقرير، كما ُأبقي قدر الإم كان على النصوص الأصلية دون تغيير . أما الافتقار إلى معلومات
عن مسائل محددة أو إلى التركيز على هذه المسائل فقد يعزى إلى عدم تقديم أصحاب
المصلحة معلومات عن هذه المسائل بعينها . وتتاح على الموقع الشبكي للمفوضية السامية
لحقوق الإنسان النصوص الكاملة التي تتضمن جم يع المعلومات الواردة . وقد روعي في إعداد
هذا التقرير أن دورية الاستعراض في الجولة الأولى هي أربع سنوات.
__________
* لم تُحرَّر هذه الوثيقة قبل إرسالها إلى دوائر الترجمة التحريرية بالأمم المتحدة.
A/HRC/WG.6/10/OMN/ الأمم المتحدة 3
Distr.: General الجمعية العامة
8 November 2010
Arabic
Original: English
A/HRC/WG.6/10/OMN/3
GE.10-17169 2
أولا - المعلومات الأساسية والإطار
ألف - نطاق الالتزامات الدولية
١- لاحظت مؤسسة التواصل العالمية أن عُمان صدقت على اتفاقية القضاء على جميع
أشكال التم ييز ضد المرأة، وإن سجلت عليها أربع تحفظات . وأبرزها التحفظ على المادة ٩
.( المتعلقة بحق المرأة في نقل جنسيتها إلى أبنائها( ٢
٢- وأوصت الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء، فرع مسقط، عُمان بأن تصدق على العهدين
.( الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية( ٣
باء - الإطار الدستوري والتشريعي
٣- أفادت مؤسسة التواصل العالمية بأن عُمان تعتمد نظاما قانونيا واحدا تندمج فيه
صكوك القانون الدولي عقِب التصديق عليها في القوانين الوطنية . وتضم القوانين ال عُمانية
سمات القانون المدني والقا نون العام والشريعة ( ٤). وأوصت مؤسسة التواصل العالمية بمراجعة
النظام الأساسي للدولة لتوضيح بعض مجا لات الغموض، وبخاصة فيما يتعلق ب تنازع القوانين
وتعارض الاختصاصات ( ٥). وأوصت مؤسسة التواصل العالمية الحكومة بأن تباشر مشروعًا
لمراجعة وتوحيد قوانينها وأنظمتها انطلاقًا من منظور لحقوق الإنسان وبغرض التمكين
.( القانوني لشعبها( ٦
ثانيًا - تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها على أرض الواقع
تنفيذ الالتزامات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسا ن، مع مراعاة القانون الإنساني
الدولي المنطبق
١- المساواة وعدم التمييز
٤- لاحظت الجمعية ال عُمانية للكتاب والأدباء أن النظام الأساسي للدولة والقانون
الوطني يتضمنان أحكامًا تكفل المساواة لجميع المواطنين وتحظر التمييز، بما في ه التمييز على
أساس نوع الجنس . ولكن الجمعية لاحظت أن قانون الجنسية لا يزال يطرح مشا كل في هذا
الصدد بحيث لا يجيز إلا للرجال المتز وجين بأجنبيات، وليس للنساء المتزوجات بأجانب، نقل
الجنسية إلى الأبناء . وعلى غرار ذلك، يمكن للأجنبيات المتزوجات من عُما نيين اكتساب
A/HRC/WG.6/10/OMN/3
3 GE.10-17169
الجنسية ا لعُمانية بسهولة أكبر بالمقارنة مع الأجانب المتزوجين من عُمانيات. وعليه، أوصت
.( الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء بتعديل قانون الجنسية لتحقيق المساواة في هذا الصدد( ٧
٥- وأفادت مؤسسة التواصل العالمية بأن المعوقين محرومون فيما يتعلق بإدماجهم في
الحياة العامة والمدارس والعمالة، ولا سيما في القطاع الخاص . وقد أعلنت الحكومة عن
مشروع للإدماج في المدارس في إطار خطة التنمية الراهنة لفترة خمس سنوات، ولكنه واجه
تحديات مالية ومن حيث الموارد البشرية، ما أدى على ما يبدو إلى تعليقه. وعلاوة على ذلك،
فإن بعض الخدمات غير متاحة عمليًا للمعوقين. ولا يحظى المعوقون في المناطق الواقعة خارج
العاصمة بما يجب من الرعاية والعناية . وذكرت مؤسسة التواصل العالمية إنه ينبغي للحكومة
أن تضع استراتيجية لتوجيه خدمات الدعم نحو إدماج المعوقين وأن تتخذ التدابير اللازمة
لزيادة الوعي وتكفل إنفاذ نظام تخصيص حصة في التوظيف للمعوقين المنصوص عليه في
.( قانون العمل( ٨
٦- وأشار مركز عُمان لدراسات حقوق الإنسان وصندوق تمكين ل لتنمية إلى أمر إداري
أصدرته في أيار /مايو ٢٠٠٦ وزارة الداخلية بتغيير اسم آل تويه إلى الحارثي، وهو اسم قبيلة قوية في عُمان . وقد ترتب على هذا القرار نعت آل تويه بأﻧﻬم "أخدام" قبيلة الحارثي، مما حط مكانتهم وقدرهم في سياق اﻟﻤﺠتمع ال عُماني وتسبب في تعرضهم للتمييز ( ٩). ولاحظ صندوق تمكين للتنمية أن آل تويه، وإن أعلمتهم وزارة الداخلية في كانون الأول /ديسمبر ٢٠٠٩ بأن قرارها لم يعد قائمًا ، لا يزالون يعانون إذ حُرموا حق استعادة اسمهم الحقيقي .
واُفيدَ بأن الإدارة العامة للأحوال المدنية التابعة لشرطة عُمان السلطانية لا تزال على ما يبدو تبقي على تسجيلهم باسم الحارثي، كما أفيد بأﻧﻬم يواج هون عراقيل بيروقراطية لاستعادة .( اسمهم الحقيقي( ١٠
٢- حق الفرد في الحياة والحرية وأمنه الشخصي
٧- أوصت مؤسسة التواصل العالمية الحكومة بأن تتخذ تدابير قانونية وإدارية لإنشاء بيئة
تتوافر فيها الحم اية للنساء والأطفال من العنف . وأوصت مؤسسة التواصل العالمية على وجه
الخصوص بتنفيذ نظام يشجع الضحايا على الإبلاغ عن الاعتداءات ويحميهم وُأسرَهم ويردع
الجناة عن ارتكاب الاعتداءات . وينبغي أن تسجل الشرطة الشكاوى المتعلقة بالعنف القائم
على أساس نوع الجنس وتحقق ف يها وتلاحق الجناة قضائيًا على النحو المناسب . وأوصت
مؤسسة التواصل العالمية كذلك بتدريب موظفي إنفاذ القوانين على العمل مع ضحايا
.( الاعتداء والعنف، ولا سيما النساء والأطفال( ١١
٨- ولاحظت المبادرة العالمية لإﻧﻬاء جميع أشكال العقاب البدني للأطفال أن العقاب البدني
.( للأطفال مشروع في عُمان وأن لجنة حقوق الطفل قد قدمت توصيات في هذا الصدد ( ١٢
وأشارت المبادرة العالمية إلى أن الأحكام المناهِضة للاعتداء والعنف في النظام الأساسي
A/HRC/WG.6/10/OMN/3
GE.10-17169 4
للدولة ( ١٩٩٦ ) وقانون العقوبات ( ١٩٧٤ ) وقانون الإجراءات الجنائية ( ١٩٩٩ ) لا تُفسَّر
على أساس أﻧﻬا تحظر العقاب البدني في تنشئة الأطفال . وليس العقاب البدني، على ما يبدو،
مشروعًا في نظام السجون ( ١٣ ). وشددت المبادرة العالمية على أهمية حظر جميع أشكال العقاب
البدني للأطفال في جميع الأوساط، بما في ذلك البيت، وحثت الحكومة على أن تسن قوانين
.( لتحقيق هذه الغاية على سبيل الأولوية( ١٤
٩- وأوصت الجمعية ال عُمانية للكتاب والأدباء بأن تُقدَّم معلومات وبيانات واضحة عن
ظاهرة الاتجار بالأشخاص في عُمان وبأن تعمم الدولة بجميع اللغات وعلى جميع قطاعات اﻟﻤﺠتمع
المعرضة لخطر الاتجار، ومنها المهاجرون، معلومات بشأن وسائل الحماي ة من الاتجار بالأشخاص،
من قبيل الخطوط الهاتفية المباشرة والمآوي . وينبغي اتخاذ تدابير الحماية على الصعيدين الوطني
والدولي، بما في ذلك مع البلدان الأصلية للضحايا . وأوصت الجمعية ال عُمانية للكتاب والأدباء
كذلك باعتماد أحكام قانونية مناسبة لحماية خدم البيوت، إمّ ا من خلال باب خاص في قانون
العمل أو قانون منفصل لحمايتهم . وتكتسي هذه المسألة أهمية خاصة في ضوء معلومات مفادها
.( أن جزءًا كبيرًا من الأشخاص اُلمتاجَر ﺑﻬم ينتمي على ما يبدو إلى هذه الفئة( ١٥
٣- إقامة العدل وسيادة القانون
١٠ - أشارت الجمعية ال عُمانية للكتاب و الأدباء إلى أن النظام الأساسي للدولة يضمن الحق
في سبيل انتصاف قانوني، ولكنها لاحظت أن القانون المتعلق بالمحكمة الإدارية (المرسوم
٩٩ ) يستثني بعض القضايا من ولايتها، ومنها القضايا المتعلقة بالأفعال السيادية / السلطاني ٩١
والمراسيم السلطانية والمسائل المتصلة با لجنسية وبالشؤون القبَلية . ونظرًا لهذه الاستثناءات، فإن
كثيرًا من قرارات وزارة الداخلية لا يخضع للمراقبة القضائية، على غرار ما حصل في
شباط/فبراير ٢٠٠٨ عندما التُ مس من المحكمة الفصل في قرار بتغيير الاسم العائلي لأفراد
إحدى القبائل إلى اسم قبيلة أخرى. وأوصت الجمعية ا لعُمانية للكتاب والأدباء بإخضاع جميع
قرارات السلطة التنفيذية للمراقبة القضائية كي يتاح للمواطنين سبيل انتصاف في حالة صدور
.( قرارات تعسفية تنتهك حقوقهم في مجالي حقوق الإنسان والحقوق المدنية( ١٦
١١ - وأشارت الجمعية ال عُمانية للكتاب والأدباء إلى أن الن ظام الأساسي للدولة ينص على
استقلال القضاء والحق في محاكمة عادلة، ولكنها لاحظت أنه لا يزال ثمة بعض التحديات
التي ينبغي معالجتها من أجل الممارسة الكاملة لهذا الحق على أرض الواقع . ولاحظت على
وجه الخصوص أن هيئة الادعاء العام لا تتمتع بالاستقلال اللازم، بل تخضع للإشراف المباشر
للمفتش العام للشرطة والجمارك، ما يجعل هيئة الادعاء العام خاضعة لتدخل السلطات
التنفيذية. وعلى غرار ذلك، تفتقر مهنة المحاماة للاستقلال حيث تنظمها لجنة تابعة لوزارة
العدل، تتولى مسؤولية إصدار تراخيص المحامين وتتلقى شكاوى بشأن سلوكهم المهني .
ولاحظت الجمعية ال عُمانية للكتاب والأدباء كذلك أنه يجوز احتجاز المتهم مدة تصل إلى ٣٠
يومًا قبل مثوله أمام قا ٍ ض. وبالإضافة إلى ذلك، يجد المتهمون أنفسهم في موقف ضعف إزاء
A/HRC/WG.6/10/OMN/3
5 GE.10-17169
هيئة الادعاء العام إجرائيا وعمليا . وعلى سبيل المثال، لا يُوفَّر أي مترجمين فوريين متمرسين
.( لمن لا يتكلمون منهم اللغة العربية( ١٧
١٢ - وأوصت الجمعية ال عُمانية للكتاب والأدباء بفصل هيئة الادعاء العام عن السلطة
التنفيذية وبمنحها استقلا ً لا تام ًا. وعلى غرار ذلك، ينبغي استقلال المحامين استقلا ً لا كام ً لا عن
وزارة العدل، وينبغي إنشاء جمعية مهنية تتولى شؤ وﻧﻬم. وينبغي تقليص مدة الحبس الاحتياطي
إلى يومين، ينبغي بعدها مثول المتهم أمام قا ٍ ض للفصل في مسألة تمديد احتجازه. وعلاوة على
ذلك، ينبغي إنشاء لجنة لاستعراض ظروف المحاكمة وإجراءاﺗﻬا لضمان عدالة المحاكمات .
.( وينبغي أن تقدم هذه اللجنة بعدئذ تقريرًا بشأن استنتاجاﺗﻬا إلى مجلس الشورى( ١٨
١٣ - ولاحظت مؤسسة التواصل العالمية أن عُمان قد اعتمدت نظامًا للمحاكم المدنية في
عام ١٩٩٩ . وحتى ذلك العهد، كان القضاة يُختارون من مجموعة من خريجي الشريعة .
ولم يكن هؤلاء القضاة دائمًا على دراية تامة بأثر الاتفاقيات الدولية على الولا ية القضائية
والحق في التقاضي والتقييم القانوني لملفات القضايا المقدمة إليهم ( ١٩ ). وأوصت مؤسسة
التواصل العالمية بتدريب القضاة والمحامين العاملين في عُمان في مجال حقوق الإنسان و تعريفهم
.( بأثر الالتزامات الدولية على تفسير القوانين الوطنية( ٢٠
٤- الحق في الخصوصية والزواج والحياة الأسرية
١٤ - أفادت مؤسسة التواصل العالمية بأن قانون الجنسية ال عُمانية يلزم المواطنين ال عُما نيين
بالحصول على إذن خاص إذا أرادوا الزواج بمواطن أجنبي . وقد يعرِّض عدم الامتثال لهذا
القانون شخص ًا للحبس و /أو إﻧﻬاء عمله و /أو فقدانه للجنسية . وقد أوصت المؤسسة بم راجعة
.( هذا القانون( ٢١
١٥ - وأشارت مؤسسة التواصل العالمية إلى أن الأمهات لا يجوز لهن نقل جنسيتهن إلى
أبنائهن إذا كان الابن بلا أب أو بلا جنسية . وعلاوة على ذلك، لا تزال حقوق الإقامة في
عُمان للرجل غير ال عُماني المتزوج من عُمانية تتوقف على حيا زته لعقد عمل هناك . ويواجه
الأبناء منذ بلوغهم ١٨ سنة نفس المصير، ما يمس أيضًا حقوقهم في إرث أمهاﺗﻬم ، ك مواطنين
أجانب، باستثناء مواطني البلدان الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، ويعانون من عدة قيود
.( فيما يتعلق بالتملك في عُمان( ٢٢
والرابطة الدولية للمثليات والمثليين بأن عُمان (ARC) ١٦ - وأفاد ائتلاف منظمة آرك
.( لا تزال تفرض عقوبات جنائية للممارسة الجنسية بين بالغين متراضين من نفس الجنس ( ٢٣
وأوصى الائتلاف بحثِّ عُمان على مطابقة قوانينها مع التزامها بالمساواة وعدم التمييز ومع
التزاماﺗﻬا الدولية في مجال حقوق الإنس ان، وذلك بإلغائها لأي أحكام قد يجري تطبيقها
.( لتجريم الممارسة الجنسية بين بالغين متراضين من نفس الجنس( ٢٤
A/HRC/WG.6/10/OMN/3
GE.10-17169 6
٥- حرية الدين أو المعتقد، وحرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي، والحق في
المشاركة في الحياة العامة والحياة السياسية
١٧ - لاحظ المركز الأوروبي للقانون والعدالة أن النظام الأساسي للدولة يكرس الإسلام
بوصفه الدين الرسمي للدولة والشريعة الإسلامية باعتباره أساس ا لتشريع. وفي الوقت ذاته،
ينص على حرية الدين طالما أن الممارسة الدينية لا تتعارض أو تتنافى مع التعاليم الأخلاقية
أو ا لنظام العام . كما ينص النظام الأساسي للدولة على الحق في التجمع وعلى حرية إنشاء
جمعيات على أسس وطنية "لأهداف مشروعة وبوسائل سلمية "، ولكنه اشترط أيضًا أن
.( تتدخل الدولة لتمنع "كل ما يؤدي للفرقة أو الفتنة أو المساس بالوحدة الوطنية"( ٢٥
١٨ - ولاحظت الجمعية ال عُمانية للكتاب والأدباء أن النظام الأساسي للدولة ينص في
المادة ٢٩ منه على حرية الرأي والتعبير "في حدود القانون "، وفي المادة ٣١ على كفالة حرية
الصحافة والطباعة والنشر "وفقًا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون ". وحرية التعبير
تواجه تحديات يطرحها تنفيذ قوانين لا تحميها بالقدر الكافي . وتحتفظ الحكومة بسلطات
تقديرية واسعة فيما يخص ممارسة هذه الحرية، ويعود بعض القوانين التي تنظم هذا اﻟﻤﺠال إلى فترة
ما قبل صدور النظام الأساسي للدولة ، ولا تتماشى ومبادئه . ويشمل هذا قانون عام ١٩٨٤
.( المتعلق بالمطبوعات والمنشورات، الذي يخول لوزير الإعلام حظر أي منشور دون تعليل( ٢٦
١٩ - وأوصت الجمعية ال عُمانية للكتاب والأدباء بمراجعة القانون المتعلق بالمطبوعات
والمنشورات، بالتشاور مع الصحفيين والكتاب ومنظمات اﻟﻤﺠتمع المدني ذات الصلة، وذلك
بغرض تعديله وإلغاء لجنة المطبوعات والمنشورات وح ذف الأحكام المتعلقة بعقوبات الحبس .
كما أوصت الجمعية بحذف الفقرة ٤ من المادة ٦١ من قانون الاتصالات، التي تتضمن أحكامًا
عامة تُجرِّم بعض الأفعال المتصلة بالنشر الإلكتروني وتخل بالتالي بحرية النشر . وأوصت الجمعية
كذلك بعدم السماح بالحبس الاحتياطي للكتّاب خلال فترة التحقيقات المتعلقة بكتاباﺗﻬم
.( ومنشوراﺗﻬم. وختامًا، أوصت الجمعية بسن قانون بشأن حرية الحصول على المعلومات( ٢٧
(١٩٨٤/ ٢٠ - ولاحظت مؤسسة التواصل العالمية أن القانون المتعلق بالمنشورات ( ٤٩
والأنظمة المتعلقة بوسائط الإعلام بحاجة إلى تعديل، وبخاصة فيما يتعلق بمسألة إصدار أحكام
بالحبس، التي تجعل الصحفيين ومؤسسات وسائط الإعلام تحت رحمة السلطات الحكومية
وتؤدي بالتالي إلى الخوف والرقابة الذاتية ( ٢٨ ). وقد منع هذا بدوره الصحافة من ممارسة الدور
اللائق ﺑﻬا في ضمان المساءلة والحصول على المعلومات . وبالإضافة إلى ذلك، لوحِ ظ أن شروط
الترخيص لوسائط الإعلام الخاصة يعوزها الوضوح وتفرض قيود ًا مجحفة ( ٢٩ ). وأوصت مؤسسة
التواصل العالمية بمراجعة هذا القانون وبإلغاء الأنظمة القائمة التي تقيد بلا مبرر إنشاء وسائط
.( الإعلام الخاصة وعملها( ٣٠
٢٠٠٠ )، وإن كان / ٢١ - وأفادت مؤسسة التواصل العالمية بأن قانون الر ابطات ( ١٤
يخضع حالي ًا للمراجعة، لا يزال يلزم الرابطات بطلب الترخيص كتابيًا قبل ممارسة أي نشاط،
A/HRC/WG.6/10/OMN/3
7 GE.10-17169
بما في ذلك عقد الاجتماعات السنوية العامة، التي يحضرها ممثل للحكومة . ويعيق هذا تنفيذ
القرارات ومرونة عملية صنع القرار داخل المنظمات غير الحكومية وا لرابطات المهنية .
ويستغرق الحصول على الموافقة لإنشاء الرابطات أو الجمعيات سنتين في المتوسط وقد
يستغرق عشر سنوات في بعض الحالات . ويستنزف هذا عزيمة وموارد أصحاب الطلبات
ويدفع بعدد منهم إلى سحب طلباﺗﻬم أو التخلي عن مشاريعهم ( ٣١ ). وأوصت مؤسسة
التواصل العالمية بمراجعة القانون لجعله أقل تقييدًا وتعقيد ًا. وأشارت المؤسسة إلى أن ه ينبغي
للسلطات أن تعتبر منظمات اﻟﻤﺠتمع المدني وسيلة للتنمية وقاعدة للعمل على صعيد اﻟﻤﺠتمعات
المحلية وتجسيد ًا لمسؤولية المواطنين ومساءلتهم. وينبغي أن يتعلق عنصر أساسي من عناصر
مراجعة هذا القان ون بإتاحة إمكانية الحصول على الأموال العامة لزيادة توطيد العملية
.( التشاركية وروح المساءلة في اﻟﻤﺠتمع( ٣٢
٢٢ - وأوصت الجمعية ال عُمانية للكتّاب والأدباء الدولة بأن توفر الدعم لمنظمات اﻟﻤﺠتمع
المدني بإنشاء صندوق خاص بطريقة لا تمس استقلال تلك المنظمات . وينبغي تأكيد استقلال
منظمات اﻟﻤﺠتمع المدني وعدم التدخل بتاتًا في أنشطتها . وأوصت الجمعية ال عُمانية للكتاب
والأدباء كذلك بإﻧﻬاء إشراف الحكومة المباشر على منظمات اﻟﻤﺠتمع المدني والرابطات المهنية
.( والنقابات وبمراجعة قانون الرابطات بمشاركة جميع منظمات اﻟﻤﺠتمع المدني بغرض تعديله( ٣٣
٢٣ - ولاحظت الجمعية ال عُمانية للكتاب والأدباء أنه لا توجد أي وثيقة تضمن لكل فرد
حق المشاركة في الانتخابات العامة وتضع معايير وشروطًا لهذه المشاركة . وثمة فقط نظام
أصدره وزير الداخلية تشرف على تنفيذه لجنة يرأسها الوزير، الذي يجوز له حلها أو تغيير
أعضائها دون إبداء أسباب هذا الإجراء . ولوحظ أيض ًا أنه لا توجد أي وثيقة تضبط هيكل
وصلاحيات الهيئة التمثيلية (مجلس الشور ى). كما لاحظت الجمعية ال عُمانية للكتاب والأدباء
التناقضات القائمة بين الأحكام التي تنص على أنه يجوز لكل ال عُمانيين التصويت والترش ح
وأخرى تنص على أنه لا يجوز إلا ل لعُمانيين بالمولد الترشح وتستبعد بالتالي المواطنين ال عُمانيين
اﻟﻤﺠنسين. وعلاوة على ذلك، لوحظ أن سن التصويت في الانتخابات حُدد في ٢١ سنة رغم
.( أن سن الرشد قانونًا هو ١٨ سنة( ٣٤
٢٤ - وأوصت الجمعية ال عُمانية للكتاب والأدباء بتعديل النظا م الأساسي للدولة ليضمن
الحق في الترشح والمشاركة في الانتخابات؛ وبتوضيح هيكل وصلاحيات الهيئة التمثيلية
وعلاقاﺗﻬا مع الكيانات الدستورية الأخرى . كما أوصت الجمعية بسن قانون ينظم
الانتخابات وإنشاء هيئة مستقلة للإشراف عليها . وأوصت كذلك بأن يُخفَّض الحد الأدنى
لسن التصويت في الانتخابات إلى ١٨ سنة؛ وبأن تُرسَم الدوائر الانتخابية بطريقة تكفل
.( المساواة في التمثيل وتسمح لممثلي الشعب بأداء مهامهم في ظل ظروف تتسم بالمساواة( ٣٥
A/HRC/WG.6/10/OMN/3
GE.10-17169 8
٦- الحق في العمل وفي ظروف عمل عادلة ومواتية
٢٥ - ذكرت مؤسسة التواصل العالمية أن عُمان قد انضم ت إلى منظمة العمل الدولية
ووقعت على اتفاقياﺗﻬا ( ٣٦ ). ورغم ما قطع من أشواط كبيرة على درب الوفاء بأحكام
اتفاقيات منظمة العمل الدولية ومبادئ حقوق الإنسان وصكوكها، لا يزال ثمة عدد من
التحديات. وعلى وجه الخصوص، لم تشكل النقابات بعد أي اتحادات شاملة للقطاعات،
ويعود ذلك أساسًا إلى عدم وجود تفاهم كاف بين أرباب العمل والمستخدمين بشأن أهمية
وقيمة هذه الاتحادات ( ٣٧ ). ولا يسمح القانون للنقابات بتنظيم أنشطة على الصعيد المحلي
أو الإقليمي أو الدولي دون موافقة الاتحاد العام للنقابات، الذي لم يقدم الدعم الكافي
للجهات الرئ يسية المنضوية تحت لوائه ( ٣٨ ). وأشارت مؤسسة التواصل العالمية إلى أنه ينبغي
تشجيع الاتحادات الشاملة للقطاعات وتقييد نفوذ الاتحاد العام للنقابات . وينبغي لكل من
.( الحكومة وأرباب العمل بذل مزيد من الجهود لإدماج القوة العاملة الأجنبية في اﻟﻤﺠتمع( ٣٩
٢٦ - وأوصت الجمع ية ا لعُمانية للكتاب والأدباء بتعديل قانون التأمين الاجتماعي لضمان
الدعم المالي للباحثين عن عمل؛ وبمراجعة الطريقة التي يجري ﺑﻬا تحديد الحد الأدنى للأجور؛
.( وبتعزيز استقلال النقابات( ٤٠
٧- الحق في التعليم وفي المشاركة في الحياة الثقافية للمجتمع
٢٧ - لاحظت الج معية ا لعُمانية للكتاب والأدباء أن التعليم شكل محور التركيز الرئيسي
للجهود الوطنية منذ بدء العهد الجديد في عام ١٩٧٠ ، وأنه قد أتيحت فرص كبيرة للتعليم
لكلا الجنسين . كما أتيحت فرص متكافئة في مرحلة لاحقة في مجال التعليم العالي والدراسات
الجامعية على الصعيد الوط ني ومن خلال مِنَح /بعثات للدراسة في الخارج . غير أن الجمعية
العُمانية للكتاب والأدباء انتاﺑﻬا القلق لأنه بتزايد عدد خريجي الثانويات تتناقص الفرص المتاحة
لهم لمتابعة دراساﺗﻬم الجامعية . وأوصت الجمعية بإدراج نص يكفل التعليم باﻟﻤﺠان حتى سن
السادسة عشرة في النظام الأساسي للدولة وبزيادة المنح/البعثات المخصصة للدراسات الجامعية
لضمان التطوير المتواصل لمستويات المعرفة الوطنية؛ وبتركيز التعليم بقدر أكبر على التنمية
.( البشرية الشاملة للمواطنين العُمانيين( ٤١
٢٨ - وأفادت مؤسسة التواصل العالمية بأن النظام الأساسي للدولة يعل ن أن العربية هي
اللغة الرسمية . غير أن المؤسسة لاحظت أن عُمان قد وهبت إحدى عشر ة لغة هي لغات
الشعوب الأصلية، لم يجر تجسيدها في أي منشورات أو بلاغات رسمية . وتندثر القنوات
والهياكل التقليدية التي تعتمدها الأسر لنقل هذه المعارف الخاصة، وذلك بسبب عدم وجود
آليات داعمة تابعة للدولة و بسبب حرص الدولة على توطيد العربية بوصفها الأداة الرئيسية
للتواصل. وأشارت مؤسسة التواصل العالمية كذلك إلى أن المنهج الدراسي الوطني لا يتصور
تدريس هذه اللغات التي تتكلمها الشعوب الأصلية، ولو داخل مناطق مستهدفة . وقد أثيرت
A/HRC/WG.6/10/OMN/3
9 GE.10-17169
٢٠٢٠ ، ولكنها رُفِضت - هذه المسألة خلال وضع استراتيجية التعليم الوطني للفترة ٢٠٠٦
على أساس أﻧﻬا ﺗﻬدد الوحدة والهوية الوطنية . وذكرت مؤسسة التواصل العالمية لزوم قيام البلد
بوضع سياسة واستراتيجية وطنية بشأن لغات الشعوب الأصلية لتمكين مواطنيه من التمتع
بحقوقهم وللحفاظ على جذوره م التراثية وإتاحة إمكانية مواصلة الإدماج من خلال تعلُّم
.( هذه اللغات( ٤٢
٢٩ - وأفادت مؤسسة التواصل العالمية بأن مجلس التعليم العالي يمنع الجامعات العامة
والخاصة، بما في ذلك الجامعات الأجنبية العاملة في البلد، من تدريس العلوم السياسية في
.( عُمان. وأوصت برفع هذا القيد( ٤٣
ثالثًا - الإنجازات وأفضل الممارسات والتحديات والمعوقات
لا ينطبق.
رابعًا - الأولويات والمبادرات والالتزامات الوطنية الرئيسية
لا ينطبق.
خامسًا - بناء القدرات والمساعدة التقنية
لا ينطبق.
Notes
1 The stakeholders listed below have contributed information for this summary; the full texts of all
original submissions are available at: www.ohchr.org.
Civil society
ACHRS Amman Center for Human Rights Studies*, Amman (Jordan)
ARC/ILGA Joint submission by ARC International, ILGA and ILGA-Europe*
ECLJ European Centre for Law and Justice*, Strasbourg, France
GIEACPC Global Initiative to End All Corporal Punishment of Children, London
(United Kingdom)
OSWL Omani Society for Writers and Literati Muscat, Oman
TDF Tamkeen Development Foundation , Yemen
TGCC Tawasul Global Connections Center, Oman
2 TGCC, pp. 2–3.
3 OSWL, para. 4.5.1.
4 TGCC, p. 4.
5 TGCC, p. 4.
6 TGCC, p. 5.
7 OSWL, para. 6.
8 TGCC, p. 3.
9 ACHRS, pp. 1–3 and TDF, p. 5. See cases cited in TDF.
A/HRC/WG.6/10/OMN/3
GE.10-17169 10
10 TDF, p. 3. See also ACHRS, p. 3.
11 TGCC, p. 3.
12 GIEACPC, p. 1.
13 GIEACPC, p. 1.
14 GIEACPC, p. 1.
15 OSWL, para. 10.
16 OSWL, para. 7.
17 OSWL, para. 8.
18 OSWL, para. 8.6.
19 TGCC, p. 4.
20 TGCC, p. 5.
21 TGCC, p. 5.
22 TGCC, pp. 2–3.
23 ARC/ILGA, p. 1.
24 ARC/ILGA, p. 2.
25 ECLJ, section 1.
26 OSWL, para. 4.
27 OSWL, para. 4.5.
28 TGCC, p. 2.
29 TGCC, p. 2.
30 TGCC, p. 2.
31 TGCC, p. 1.
32 TGCC, p. 2.
33 OSWL, para. 5.4.
34 OSWL, para. 9.
35 OSWL, para. 9.5.
36 TGCC, p. 4.
37 TGCC, p. 4.
38 TGCC, p. 4.
39 TGCC, p. 4.
40 OSWL, para. 3.
41 OSWL, para. 2.
42 TGCC, p. 5.
43 TGCC, p. 5.__

هل تمتدُّ عدوى الثورة التونسية إلى كل الأقطار العربية الرازحة تحت وطأة الدكتاتوريّات؟


22 يناير 2011

الحُبُّ والوطن.. الكَدَرُ والهجرة في رواية "بن سولع" للكاتب علي المعمري

سالم آل تويّه

    عن دار "شرقيات" في القاهرة صدرت مؤخرًا رواية جديدة للكاتب العُماني علي المعمري حملت اسم "بن سولع"، وتعتبر الإصدار الثامن للكاتب بعد أربع مجموعات قصصية وثلاث روايات.
    صدرت هذه الرواية بعد صدور رواية المعمري الثالثة "همس الجسور" بثلاث سنوات، وهي فترة زمنية أطول من الفترات الزمنية الفاصلة بين أي كتاب وآخر أصدره الكاتب سابقًا، إذا استثنينا السنوات الأربع الفاصلة بين روايته الأولى "فضاءات الرغبة الأخيرة" الصادرة عام 1999 وروايته الثانية "رابية الخطار" الصادرة عام 2003، فبعد صدور مجموعته القصصية الأولى "أيام الرعود عش رجبًا" عام 1992 لم يتوقف الكاتب زمنًا طويلًا وأصدر بعد عام واحد فقط مجموعته القصصية الثانية "مفاجأة الأحبة"، لتتوالى إصداراته بعد ذلك بمعدل كتاب كل سنتين.

بين "همس الجسور" و"بن سولع"
    وبرغم تجربة المعمري في النشر البالغة ثمانية عشر عامًا إلا أن روايتيه الأخيرتين على وجه التحديد تبرزان خصوصية عوالمه السردية وتكادان تتميزان تمامًا عن إنتاجه السابق عليهما. هناك أكثر من سمة تجمع بين روايتيه الأخيرتين ("همس الجسور" الصادرة عام 2007 و"بن سولع" الصادرة مطلع هذا العام)، فالاثنتان تدور أحداثهما خارج موطن الكاتب، حيث تدور أحداث "همس الجسور" في إسطنبول و"بن سولع" في لندن، ويحضر الوطن عبر التاريخ المستدعى من خلال الشخصيات ومرجعياتها المتعلقة بقضايا وطنية لم يعف عليها الزمن تمامًا ولم تمح من الذاكرة بعد، لكنها تعتبر من القضايا المسكوت عنها التي يراد لها أن تزول في الماضي.
    وفي الروايتين يقوم السارد العُماني بسرد حركاته وسكناته في إسطنبول ولندن، مجريًا، في الوقت نفسه، مقارنة بين ما يحدث هناك وما يحدث في وطنه. وفي الروايتين يقيم السارد، وهو الشخصية المحورية، ارتباطًا حميمًا بفتاة تسفر عنه علاقة حب وزواج في نهاية المطاف. ولعل الصواب لن يُجانبنا إذا اعتبرنا "بن سولع" الصادرة حديثًا تطويرًا لـ"همس الجسور"، ليس بسبب ثيماتهما وخطوطهما العريضة المشتركة فحسب، بل لأن علي المعمري، باعتباره روائيًّا، يقطع شوطًا أبعد في الاشتغال على كتابته السردية، ويبدو مهمومًا كثيرًا برسم شخصيات واضحة المعالم وسياق يتصاعد حتى يبلغ ذروته.
    هناك في "همس الجسور" يتوازى السرد ويتقاطع ويتداخل بين مدينة إسطنبول وظفار، بين كوبا وعُمان، بين عهدين. وهنا في "بن سولع"، وفي قلب مدينة لندن، يبسط الكاتب مشكلة واحات البريمي مثار النزاع القديم بين سلطنة مسقط وعُمان وإمارات ساحل عُمان والسعودية، وبالتأكيد تأتي وكالة الجراد والمستعمرون الإنجليز في رأس حربة الفتن لرسم زمن ومكان جديدين يقتلعان جذور أي وئام مستقر. ويستدعي الكاتب فترات تعود إلى القرن الثامن عشر أحيانًا، وتتراوح أحداثها بين الشد والجذب في صراع مراكز القوى ومن يحالفه النصر ومن يعد العدة لتعويض الخسارة.
    وفي الروايتين لا يكتفي الكاتب بمعالجة التاريخ القديم المسرود بموازاة المضارع، بل يحاول ربط الزمنين بالشخصيات نفسها، عبر مفاجآت يُظهرها الاستغراق في القراءة، كما هو الشأن –مثلًا- مع "خلفان" في "همس الجسور" و"ميثاء العُمانية" في "بن سولع"، وكذلك مع "علي الزمان" في الأولى و"سريدان/بن سولع" في الثانية.
    وعلى عكس ما يُقال عن كتب علي المعمري عادةً فإن شخصيته تحضر بقوة شديدة طيلة صفحات سرده، وتكاد تصر على رسم ملامحه وحركاته وخفة دمه التي يُصعِّدها السرد إلى حد يجعل القارئ لا يتمالك نفسه من الانفجار في الضحك أحيانًا، وهو ما يشير إلى تعمد الكاتب ووعيه إياه في أثناء انهماكه في الكتابة. لكن لعل هذا الأمر لا يتضح لأي قارئ، بل لأولئك الذين يعرفون علي المعمري فقط!، أو أولئك الذين قرأوا جميع كتبه. هنا يمكن إيضاح المقصود بالتذكير بالآتي من أجواء "بن سولع": "مقهى نو بروبلم"، "غابة النسيان"، "القطّ حمران"، "بومبوم"، "قرحة العافية"، "العشبة الخضراء"، "الأرملة السوداء"... إلخ.
    هذه الملاحظة تنبني تباعًا كلما تقدم القارئ في القراءة، بحيث إن الأمر يغدو غير قابلٍ للتجاهل، وهو ما قد يشكل عائقًا في المستقبل، إذ قد يُحْدِثُ اضطرابًا بنيويًّا في الشخصية يُراوِح موقعَ الكاتب بين مسار شخصية الرواية وسيرته الذاتية (سيرة الكاتب)، فضلًا عن أن الشخصية تصبح استنساخًا لسابقتها. دون أي داع لتكرار الإشارة سوف يتضح هذا الأمر حين الحديث عن "بن سولع".
   
سريدان الحرسوسي وميثاء العُمانية
      سريدان بن فطيس الحدرة الحرسوسي هو الشخصية المحورية في رواية "بن سولع"، وهو طالب درس البكالوريوس في جامعة لندن قبل سنوات، ويعمل الآن على إنجاز شهادة الماجستير في الجامعة نفسها. "هذا إذًا صباح الثامن عشر من نوفمبر عام 1977م. نهار المدينة زمهريرًا كان وكثيف الضباب... وكنت حينها أقف على زاوية تقاطع شارع كروميل رود مع شارع كلوستر رود بقلب لندن، بالقرب من محطة مترو الأنفاق، بانتظار الآنسة ميثاء العُمانية، زميلتي في الكلية، كي نقضي يومًا حافلًا مترافقين" (ص 9). هكذا يبدأ الفصل الأول، ومنذ الصفحة الأولى تبدأ علاقة سريدان وميثاء العُمانية في التشكل. وبفضل بحث سريدان عن مصادر تدعم بحثه المتعلق بمشكلة البريمي يخبرنا منذ الصفحة الأولى في الفصل الأول عن دور ميثاء العُمانية: "... وقد بادرت بدعوتها إلى الغداء عرفانًا لجميلها، بعدما ساعدتني في العثور على شخص من الواحات، وأقنعته بمقابلتي وإجراء حوار مطول معه، في أمر يعد في غاية الأهمية بالنسبة لمستقبلي الدراسي. وكان علينا بعد التسوق والغداء أن نعرج على مستشفى الأميرة جريس القريب من متحف الشمع "مدام توسو" بشارع بيكر، لزيارة رجل الواحات، دين بن ليّه –الملقب بود السهيلة- حيث يرقد مريضًا في ذلك المستشفى. وثمة قرابة تربط دين بن ليّه بالآنسة ميثاء العُمانية" (ص 9).
    ينصب السارد فخاخه للقارئ ليفاجئه بعد ذلك بما استأنس حضورَه دون أن يعلم كنهه أو يقيم اعتبارًا لما قد يكون مستترًا خلفه. السارد يختار الزمن المناسب للكشف عن تفاصيل خبَّأها طويلًا بين السطور، كما هو الحال في علاقة ميثاء بـبن ليّه، إذ في أولى صفحات الرواية يكتفي سريدان بالقول إن "ثمة قرابة تربط دين بن ليّه بالآنسة ميثاء العُمانية" (ص 9)، ولا يكشف تلك القرابة الملتبسة لبسًا شديدًا إلا في الصفحة 216، ففي هذا الإيضاح ("ثمة قرابة") إبهام معلوماتي وإعتام سردي يتولى زمن الرواية إضاءتهما بطريقة هي الأخرى تحتاج إلى إضاءة الزمن التاريخي وليس زمن الرواية فقط. يفعل المتن هذا عبر حيثيات لها اعتبارها الزمني الثقافي المربوط على نحو لا فكاك منه بروح المكان المتأصِّلة في شخوصه. ستنار هذه العتمة حين يأتي الحديث عن جذور ميثاء العُمانية ذات السبعة عشر عامًا، الشخصية غير العادية التي تكشف الأحداث عن غرابة ولادتها في البريمي من أب يتعرض للاغتيال الخطأ في وقت كان الهدف المقصود هو سيده حاكم البريمي. ميثاء العُمانية سليلة بن طنَّاف المغتال خادم حاكم البريمي وسائق سيارته تنقلها تطورات أحداث مشكلة البريمي مع سيدها وأخته للعيش في بيروت. ثم تنتقل إلى لندن للدراسة، وتشاء الظروف أن تشترك في بعض محاضرات الجامعة وسريدان. ومن هنا تبدأ حكاية حب بين الاثنين.
    لنعد إلى سريدان.
    طالب عُماني يدرس في سبعينيات القرن الماضي في لندن!؛ هذا وضع قد لا يخطر على بال. نعم، سنصدق أن ميثاء العُمانية (يقول السارد سريدان "العُمانية" بالرغم من جنسيتها "الإماراتية"!) عبر استقرارها في بيروت انتهى بها المطاف -دون غرابة مستفحلة- في لندن، لكن كيف الحال بالنسبة إلى سريدان المقبل من جدّة الحراسيس؟!. سريدان الحرسوسي يسرد السبب: "لقد قادتني حالة من الشغب والرفض والتمرد إلى لندن، عندما جاء إلى بيتنا زائر هو الميجر لفتننت تيم كندي، وكان هذا الميجر مهمته إعداد طياري حرب يقودون سربًا من طائرات الجاكوار لحماية أرجاء الوطن... وفي واقع الأمر أن كل من يختارهم الميجر لفتننت كندي لا بد أن يكونوا أبناء شيوخ القبائل، وعلية القوم، ومن لهم صفات بدنية وعقلية لا يعرف مقاساتها إلا هو. ولا أعرف لماذا وقعت عينه عليَّ، وتم اختياري من دون امتحانات للانضمام إلى سرب طائرات الجاكوار، والتدريب بقاعدة غلاء الجوية العسكرية" (ص 26).
    سريدان البالغ من العمر 27 عامًا الآن يعود القهقرى إلى الماضي قبل أن يبدأ دراسة البكالوريوس، أي –بالتقريب- إلى وقت كان على مشارف العشرين في وطنه عُمان: "وكانت أفكاري لا ترتاح للحياة العسكرية، ولا حتى تتقبلها. وكنت يومها متعلقًا بدراسة تاريخ العالم المعاصر"! (ص 27).
    من أين تأتَّى كل هذا الوعي لسريدان؟. الزمن هنا له اعتبارات قوية لا يمكن تجاهلها سواء أبالرواية تعلق الأمر أم بالتاريخ، لأن الاثنين يتطابقان هنا. بالنسبة إلى شخصية سريدان المتجذرة أصولها في العزلة والماضي السحيق (الذي تنبع صفته هنا من المكان) تتفاقم المبررات الفنية وتنتكس وتنتكص. لكن لنترك هذا الأمر الآن وفيما يأتي ونستمر في الإصغاء إلى صوت سريدان:
    "وذات مساء قائظ، عندما انتهينا من درس فصل الرادارات، توجهنا إلى كانتين ومطعم القاعدة، المخصص للطلاب الضباط المرشحين الجدد، وكنت أقف في الطابور منتظرًا وصولي لبوفيه الطعام، وإذا بالرقيب شنين يضع يده على كتفي ويأمرني بتقديم التحية العسكرية له. لقد أخبرنا من سبقونا إلى هذه القاعدة العسكرية أن الرقيب شنين لا يظهر في القاعدة الجوية غلاء إلا نادرًا، وهو معد لمهمات خاصة... لقد جحظت مقلتي خوفًا من وجهه الصارم حين طلب مني اتباعه، قائلًا بصوت آمر مسموع –ورائي- إلى نادي كبار الضباط" (ص 26، 27). في نادي كبار الضباط يقابل سريدان "المستر جيفري، المستشار في لجنة اختيار الكوادر السياسية في الوطن، والعالم في سلوك الحيوانات المعرضة للانقراض في الصحراء... ثم عرج بالحديث عن سبب هذه المقابلة، وإلى مانفيستو يحمله بيده به معلومات مهمة تخصني، دُوِّن فيه كل ما فعلته أو لم أفعله... وحينما سألني المستر جيفري عن التخصص الذي أنوي القيام به بدلًا من ضابط مرشح في سلاح الجو أجبته على غير هدى، لندن. أريد أن أدرس التاريخ السياسي بكلية دراسات التاريخ السياسي لشرق الجزيرة العربية في جامعة لندن وكلياتها. وبالذات في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية. ومن ذلك المكان، من نادي كبار الضباط بقاعدة غلاء الجوية، وبعد تلك المقابلة بثلاثة أيام أعفيت من الرهن الذي أوقعني به الميجر لفتننت تيم كندي في تلك القاعدة، ووجدت نفسي بين ليلة وضحاها أتمخطر وأتنطط في شوارع قلب لندن، بفضل عون المستر جيفري، منتسبًا لكلية دراسات التاريخ السياسي لشرق الجزيرة العربية" (ص 29، 30).
    وضع سريدان إذن ليس وضعًا عاديًّا أبدًا.
    يقول عن حياته أيام "قاعدة غلاء العسكرية": "لقد كانت حياتي التي عشتها تلك الأيام تشبه حياة أي فرد في فمه ملعقة من ذهب" (ص 26)؛ وتؤكد حياته في لندن ذلك بغرابة شديدة لا تصفو صورتها قطّ، فهو يصف ماركات الملابس –مثلًا- بدقة شخص لا علاقة له بجدة الحراسيس وبن سولع!، لكن يبدو أنه انغمر في الحياة المدنية إلى درجة مكنته من معرفتها على هذا النحو!. كما يصف حال أخته التي تتصل به هاتفيًّا من مسقط بالفقر والكفاف في أحسن الأحوال، لذلك يبدو الفرق شاسعًا حين تنتقل وزوجها للسكن في أحد مساكن الأجانب في مسقط ("كانت الرسالة الأولى من شقيقتي الكبرى، تخبرني فرحة بتركهم بيتهم القديم في حلة المدبغة بمسقط المدينة، وانتقالهم لسكن جديد بمرتفعات القرم، في بيوت الأجانب، من موظفي شركة تنمية نفط عُمان المُسرَّحين من الشركة هذا العام... ذلك الجحر الضيق الصغير الذي عشنا فيه حينما كنا نقيم معهم في مدينة مسقط" ( ص 236). وهذا يجعل "ملعقة الذهب" ماضيًا بحتًا شديد الغموض، لأنه حين يتحدث عن عودته إلى لندن -بعد تركه (عمله) في عُمان وتقديم استقالته- يتحدث عن وضع اقتصادي أقل شأنًا بكثير: "بينما طوال فترة إقامتي في دار زوج شقيقتي الكبرى لم نتذوق السلطة، ولا يوجد أصلًا طبق سلاطات ومقبلات على (العزاف)" (ص 57). "... أنتما الاثنان طلاب، وأعرف أن مصروفكما قليل..." (ص 106). "وحينما أعيتني الحيلة قدمت استقالتي، وشرعت بالسفر بما معي من نقود بسيطة جنيتها من عملي، وساعدتني شقيقتي الكبرى في تدبير تذكرة السفر، وبعدها حصلت على منحة دراسية في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في برنامج دبلوم الدراسات العليا قسم التاريخ السياسي المعاصر" (ص 322). ألا تتضارب المعلومات بين ما جاء في الصفحة 26 وبين ما تلاها؟. هل للأمر علاقة بماضي سريدان الغامض المروي بصيغة تنفصل عن كل ما روي قبله؟.

تفاصيلُ وأزمانٌ وخيطٌ مشدود
      في سياق تجربة علي المعمري الروائية يتضح الجهد المبذول في كتابة هذه الرواية، ليس فقط من ناحية عدد صفحاتها البالغ 439 صفحة، بل من نواح أخرى أبرزها الشخصيات والأحداث ومسارها طيلة زمن الرواية.
    يولي السارد اهتمامًا كبيرًا حتى بأدق التفاصيل ولا يفوت فرصة يشبع فيها نهمه من سرد المعلومات: "إذا بصوتينا وكأننا جوقة تطلب من النادل الواقف بجوار طاولتنا زجاجة شمبانيا ماركة جون برينيون" (ص 88). "وكنت أضع زندي على كتف كريستي، مستمعًا لأول معلومة تقولها، وهي تشير إلى الحانات والمطاعم وصالات الموسيقى، بأن أماديوس موتزارت عزف في أندية هذا الحي فترة من الزمن، ثم أشارت إلى شارع (دين) وقالت إن كارل ماركس لجأ إلى هذا الشارع في القرن التاسع عشر، واستأجر شقة ليكتب ويبحث نظرية تبنتها روسيا، وأصبحت دولة العمال والبوليتاريا قائمة في الاتحاد السوفيتي على مبادئ نظريته. وأثناء ما كنا نقطع شارع (بولند) أشارت إلى مبنى به يافطة زرقاء كتب عليها "في هذه الشقة الصغيرة ولد الشاعر الإنجليزي وليم بليك". ثم أضافت أن في هذا الزقاق –وهي تشير إلى داخله- مضى الشاعر تشلي ردحًا من الزمن" (ص 151، 152). "كانت تحمل في صينية فضية زجاجة من الكريستال الأيرلندي، وبها ويسكي معتق ماركة "وايت مكيه"، وكأسان من نفس الكريستال البلوري، وصندوق صغير من الخشب مطعم بالعاج...."! (ص 410). "وجدت بريقًا خاصًّا يخطف بصري ومغناطيسيًّا يشد يدي إلى ماركة لورد جون"! (ص 241).
     في الوقت الذي يسرد فيه سريدان حكايته في لندن يعيد ترتيب حكاية مشكلة البريمي زمنيًّا، ذاهبًا بالقارئ إلى الرمل والإنجليز والقبائل والمشيخات المتناثرة في الصحراء والحروب القذرة. أسماء وشخصيات كثيرة في "بن سولع"، أكثر من تلك التي تحمل الخطوط العريضة بين أطراف الصراع، تفرعات وتفاصيل وتفاصيل تفاصيلها تستغرق صفحات بأكملها تسهب في سرد أحداث قيام دبي واتحاد الإمارات، وتفاصيل عن دول الخليج الحديثة والمُستحدَثة وحكامها، عن سعيد بن تيمور وشخبوط بن سلطان وزايد بن سلطان وبن عطيشان وسباع بن نطلة وبن سعود، عن السير مالكوم كامبل وبن غبيشة وبن كبينة ومحمد صالح بن كلوت ووليفريد ثيسجر الذي يحضر سريدان محاضرة له في جامعة لندن: "... من سيحاضر بهذا السيمنار رحالة إنجليزي، لعب دورًا كبيرًا في إثراء المعلومات والبيانات المهمة، وكشف عن الأماكن الاستراتيجية لوكالة الجراد، في قيامه برحلات تجسسية واستطلاعية مهمة، تحت مسمى مكافحة الجراد، شملت إثيوبيا وكينيا والسودان والصومال وأهوار العراق، وصحراء الربع الخالي، حينما كان موظفًا رسميًّا في وكالة الجراد، ويدعى لدى البدو بمبارك بن لندن "ثيسجر" الذي قام بقطع الربع الخالي بالجزيرة العربية، من مدينة صلالة وحتى مدينة أبو ظبي...." (ص 307، 308). وحسبما هو واضح في المقتبس سابقًا يعبر السارد في بعض الأحيان عن وجهة نظره في ما يحدث، وفي ما يتعلق بالشخصيات ومرجعياتها، ويتبنى قناعة تختلف عن السائد والمُروَّج له. يقول في سياق آخر: "... ووقف الفلسي مع من وقف من وجوه قبائل عرب البريمي في وجه الغزاة. ولم يبع ذمته كما باعها بعض رموز الواحات بثمن بخس" (ص 220).
وفي "بن سولع" شخصيات أكثر من أن تحصيها هذه القراءة، شخصيات مريبة وأخرى مسالمة، شخصيات رئيسة وأخرى ثانوية، شخصيات تشارك في صنع الأحداث الآن وأخرى أبلت بلاءها في الماضي أو محقت صورة الماضي للأبد ورسمت تاريخًا خلخلت فيه مصائر شعوب.

الجنس والحب والماريوانا
       في الفصل التاسع ينفصل سريدان عن الزمن الحاضر ويذهب إلى الماضي من خلال سرد ميثاء العُمانية حكايتها وحكاية مولدها في البريمي. وفي الفصل الثالث عشر يتمادى سريدان الراوي أبعد في الماضي، أبعد من صحراء البريمي وجدة الحراسيس مسقط رأسه، بمعلومات غزيرة صفحة بعد صفحة، في أعماق الربع الخالي، وفيما حوله وقربه، حتى نكاد نوقن بتيهه الكلي هناك وانقطاعه عن أن يعود إلى جادة الطريق.
لعل ما يسبب هذا التيه عدة عوامل منها غزارة المعلومات التي ينكب سريدان على قراءتها ودراستها لغرض إنجاز بحثه العلمي، ومنها أيضًا تعاطي الكحول والماريوانا والحشيش!.   
    برغم وجود سريدان في لندن لغرض الدراسة إلا أنه مولع بالشرب والجنس والمتعة وتدخين الماريوانا ولفافات الأرملة السوداء. يجد الوقت الكافي للدراسة والمتعة، بل وحتى لتربية قط يطلق عليه اسم "حمران"!. يتعرف إلى نساء عديدات من بينهن بروين زوجة جاره الإيراني محمد مصدّق، وكريستي الفتاة الإنجليزية التي يقابلها في حانة "تيس"، وميثاء العُمانية. هنا مفهوم ملتبس للحب؛ سريدان البدوي المقبل من الصحراء لا يعرف الوفاء هو الآخر، ويخلط في ممارسته بين الحب والجنس: "سحبتني مويجات السيجارة المحشوة في وادي النساء، ورمتني إلى أسئلة لا منتهية كان جواب واحد لها في ذهني تلك اللحظة وهو أنني لا يمكنني الاستغناء عن واحدة منهن في الوقت الراهن. فكل واحدة منهن تمتاز بميزة فريدة من نوعها، تختلف وتناقض ميزة الأخرى. هذه العُمانية أحبها حبًّا جمًّا، وجارتي الإيرانية أشتهيها، وأرغب في جسدها كل لحظة، منذ ليلة دعوة المفاجآت ولحظات الإفراج عنها من سجنها. أما الويلزية ذات النمش الذي يغريني على جسدها فإنني أستعذبها وهي تتكلم وتستمع، وتتناقش في كل أمور الحياة، بل إنها تصدق ببراءة كل ما أقوله لها. ولا أريد أن أكسر خاطرها في أمور تريدها مني"! (278). كما هو الحال هنا هذا الأمر يشكل منغِّصًا يشعر به سريدان أحيانًا عندما تستفحل ممارساته الجنسية مع جارته بروين وكريستي وفتاة أخرى يلتقي بها في سهرة ببيت كارن. تتمادى ممارسات سريدان حتى تبلغ الازدواجية والانفصام.
في الصفحات الأولى للفصل الأول يعلم القارئ أن سريدان يسعى إلى توثيق علاقته بميثاء العُمانية ويغتنم كل المواقف مهما كانت من أجل أن تتطور الأحداث في صالحه: "وكنت أضع في صينيتي ما تضعه ميثاء العُمانية من طعام في صينيتها بعناية فائقة، تشعرك بحس خاص في انتقاءاتها لوجبة غذائية صحية كاملة. ومن لحظتها أصبت بداء رغبة الجذب والانجذاب بالآنسة ميثاء العُمانية. ومن لحظتها تمنيت مرافقتها بشكل مستمر ودائم. وكنت أتحين فرصة لقائي بها في أي وقت من الأوقات. وكنت أدعو، وأتمنى، في كل لحظة من لحظاتي، أن يمنحني القدر فرصة ويجمعني بها لقاء منفرد...." (ص 15). "انتهزت فرصة حلقة المناقشة في المساق الحر لشد انتباهها نحوي" (ص 16). "كنت أثناء ذلك أحاول جادًّا إطالة الحديث معها قبل كل شيء، هو لا غيره، شوقًا ولهفة للقياها" (ص 21).
بن ليّة نسيب سباع بن نطلة حاكم البريمي. وكما هو الحال في التشويهات الملحقة بالحدود بين عُمان وإمارات الساحل يكتسب وضع الناس وضعًا شبيهًا، وبالتالي يتعلق الأمر بميثاء العمانية أيضًا: "... يتحدث عن بيت بن ليّه ويقول إن طرفًا من هذا البيت اتجه بولائه لزايد بن سلطان، أما الطرف الآخر فقد حافظ على علاقات متوازنة مع بقية أطراف القوى والقبائل التي لها علاقة بواحة البريمي، ولكن ميوله وعواطفه معروفة من قبلنا، وكلها تنصب في ولائها إلى سلطان مسقط وعُمان...." (ص 206)؛ هذا ما يقوله السير البروفيسور مالكوم كامبل المشرف على دراسة سريدان الحرسوسي في جامعة لندن. "معروفة من قبلنا"، أي من قبل المستعمرين الإنجليز. وهكذا يوحي السرد ضمنيًّا أن حكاية ميثاء العُمانية معروفة (من قبلهم أيضًا)!. لا يتطرق سريدان إلى هذه المسألة، ويوحي إلينا نعته ميثاء بـ"العُمانية" بأنها كذلك برغم أنه يشير إلى الدور الإماراتي الضليع حتى في قدوم بن ليّه وأخته وميثاء إلى لندن. هل يتعلق الأمر هنا أيضًا بوجهة نظر السارد من التاريخ والحاضر؟، أم يتعلق بمواطنين يحملون جنسية ويعترفون بأخرى غيرها؟!.
لنعد إلى الحب مجدَّدًا.
يكاد لا يمر يوم دون أن يلتقي سريدان وميثاء، وشغفه بها يزداد كل يوم، لكنه، في الوقت ذاته، يمارس الجنس مع أخريات في الليل، وفي النهار يلتقي بها وكأن شيئًا لم يكن باستثناء وخز الضمير المؤنب بين فترات متباعدة، وخز لا يرافقه إيمان ولا فعل يلغي سببه، على الرغم من أن الأمر بلغ شوطًا بعيدًا بين سريدان وبين نفسه: "... وقارنت بينها وبين كريستي وجارتي السيدة الإيرانية، فوجدت كافة موازين قوى الجذب تميل للآنسة ميثاء العُمانية دون شك. وكان كل ذلك يصيبني بألم ووخز في الضمير، بسبب ما أفعله من وراء ظهرها، لكنني كنت أتصبر على أمري، مرددًا بين نفسي بأن علاقتنا لم تتضح بعد" (ص 139). ويبدو أن الأمر برمته غير واضح تمامًا بالنسبة إلى سريدان، برغم كل ما يسرده ويقوله بخصوص ميثاء العُمانية: "لأول مرة أعرف اسم أبيها وأمها. فأنا أعرفها بأنها ميثاء العُمانية، وأضفت لها لقب الآنسة قبل ذكر اسمها حين أناديها، ولن أغيره إلا بعد أن يبتان الخيط الأبيض من الخيط الأسود" (ص 143). لا يبين "الخيط الأبيض من الخيط الأسود" إلا بعد سلسلة أخرى من التأنيب والممارسات المتناقضة التي تهيمن فيها صورة الدنجوان المستهتر ("... دروب أوصلتني للحالة التي أصبحت عليها بين ليلة وضحاها "دون جوان" في عالم المرأة".... (ص 267))، الأمر الذي يحتاج تجاوزه إلى الانتقال من حال إلى حال آخر: "وبعدما انتهت مكالمتي بميثاء حل بي الندم على ما أقوم به مع جارتي بروين، وأصابني من جراء ذلك الندم كآبة ما عهدتها فترة إقامتي في هذا الشارع الذي قطنت به ما يقارب السنة. وقبل أن أخرج أشعلت نصف سيجارة قامت بحشوها كريستي منذ فترة وتركتها ساكنة بمنفضة السجائر، وبدأت مجاتها ترخيني وتحيل لوعتي وندمي إلى التفكير جديًّا بقطع العلاقة بيني وبين بروين مصدق نهائيًّا...." (392). "... إنها عاهرة، أنا أعرفها... ومعظم من سيأتي صبايا عازبات، ويتمنين إقامة علاقات مع شاب في مثل سنك، وسوف أدبر لك طريقة مع واحدة منهن هذه الليلة. تمنيت، وأنا أعانقها، مودعًا في طريقي إلى محطة كلوستر للأنفاق، ألا أتعرف على فتاة من أجل علاقة الجنس، فأنا أحاول التخلص من هذه العلاقات بعدما اتضح لي أن مصيرها باطل، ويجب أن تنصب مجهوداتي على تطهير نفسي من أدران تلك العلاقات العابرة التي خضتها مضطرًّا في هذه المدينة. وأصبحت الآن أؤسس عالم الحب مع الحبيبة ميثاء، وأهيئ نفسي لعالم الولاء والالتزام لمن ستكون شريكة حياتي" (ص 393). "أما النقطة الأخرى، والتي لها علاقة مباشرة بقرار نقلي من تلك الشقة الصغيرة، فهي السيدة بروين مصدّق، الجارة التي تحولت علاقة الجنس معها إلى حالة مرضية" (ص 400). وقرار الانتقال هذا الذي يحتمه قراره الارتباط بميثاء يودعه بسهرة في شقة صديقته كارن يتعرف خلالها إلى "نادين": "كانت المرأة التي صدمتني بكتفها تدعى نادين، جذورها العميقة من هولندا، لكنها ولدت وتربت وترعرعت في مدينة كايب تاون بجنوب إفريقيا. كانت نادين مكتملة الأنوثة، وهي بكل المقاييس تنتمي إلى حوريات الجنة على الأرض، ويالها من صدفة عجيبة حصلت لي معها بعدما شربنا نخب تعارفنا، ومجت معي مجات عديدة من سيجارة لفتها كارن من العيار الثقيل، وحشتها بعناية فائقة قبل حادثة الاصطدام، إذ قالت لي وهي شبه مسطولة إنها كانت صديقة لشخصية عُمانية مرموقة تعمل في مهن خطرة، ومنها مهنة تجارة البترول في السوق السوداء، بين عُمان وجنوب إفريقيا. ومهنة تجارة الأسلحة بينه وبين شريكه المستشار الأحمر، الذي يدعى السلطان الأبيض في بريطانيا، ويعمل معززًا مكرمًا في سلطنة عُمان" (ص 406).

التاريخ المسكوت عنه
       تمتلئ رواية "بن سولع" بمعلومات تعتبر ممنوعة ومحرمة في بلدان الخليج. إن ما يذهل أشد الذهول أن الاستعمار هو من يكتب التاريخ في نهاية المطاف، فهو المنتصر، وليس اندحاره إلا تكتيكًا يشبه الكر والفر في مصطلحات الخطط الحربية، إذ إنه زرع عملاءه ونصبهم على رؤوس الأشهاد، وفي اللحظة التي يستشعر فيها انحرافهم عن ما رسمه لهم لا يتوانى عن الانقلاب عليهم بأقرب المقربين إليهم، بحيث إن أولئك وهؤلاء لا يعدون كونهم دمى تحرك من بعد. ويزداد ذهولنا كلما أوغل سريدان في استحضار التاريخ الذي لم يستحل جثة ولم يمت برغم رائحة فساده وعفونته، حتى كأن الحاضر ليس إلا غطاء تذروه ريح البحث لتنكشف تلك الحفرة السحيقة المعوقة لأي تطور حقيقي أو نوايا تنموية سوية مبنية على شعور وطني لا تشوهه المصلحة الشخصية والتحالفات الدنيئة. بل إن سريدان يمضي أبعد في استشعار تشويه يطال حتى أرواح الناس: "والواقع أنني أرى في ميثاء الحلم الذي أود تحقيقه في حياتي، بعدما تعافيت من جراح وكسور نتيجة تجاربي السابقة. لقد حاولت كثيرًا أن أحقق حلمي في الوطن لكن للأسف الشديد، وأنا أتكلم بحرقة ومرارة أصابتني في الحال، حلمي لا يمكن تحقيقه في مكان موبوء بداء ألمَّ ببشر في يدهم تكمن سلطة الأمر والنهي، وهم يرون ما الأصوب والصحيح في تنفيذه، أما الآخر فهو دومًا العدو اللدود لهم، وعلى خطأ في كل ما يفعله ويقوم به من أعمال وتصرفات تخالف أوامرهم" (ص 387).
     لنلحظ هنا أن سريدان كف عن استعمال ذاك النعت: "العُمانية". في الواقع لقد كف قبل الآن أيضًا، إذ يبدو أنه يمضي باتجاه الحب منسلخًا تدريجًا عن استحضار الوطن بصيغه المعتادة. 
    وبرغم إيلاء سريدان السارد التفاصيل وتفاصيلها دقة شديدة، بكل ما تحتويه من مكان وزمان وأسماء شخصيات، إلا أنه يدخل في وصف غامض لظروف عمله القديم في عُمان. واضح أنه يسرد تفاصيل تجربة مريرة، ولعل هذا السبب المباشر في قراره الهجرة نهائيّاً عن عُمان. هذا الأمر يرتبط مباشرة بالتحول الحادث في حياته: ارتباطه بميثاء وتألمه من ماضي حياته في عُمان. هذان العاملان تدخل في أثنائهما تفاصيل أخرى مثل: الشعور بالاستقرار في لندن بعد الانتقال إلى شقة تجمعه بميثاء، حصوله على منحة مجانية لإكمال دراسته حتى إنهاء الدكتوراه، زيارة عُمان وما وجده فيها.
    طيلة السرد يتطاير نقع غبار الصحارى وثياب البدو وأصوات المؤامرات والحروب والتحالفات وعيش تاريخ جديد رسمه الاستعمار وقادته الذين يلونون حدود "الدول" وهم سكارى، ويختلط كل ذلك الماضي المستعاد بالدرس والتحليل بذكريات السارد وتاريخه الشخصي وسيرته وما يحدث في أثناء يومه: "الخطوط البنفسجية والزرقاء، والمناطق المحايدة التي رسمتها وأبرمتها بريطانيا مع الدولة العثمانية، في ترسيم حدود وأراضي دول شبه الجزيرة العربية، برها وبحرها" (ص 156، 157)؛ "... ومن جراء تلك التقسيمات الحدودية غرقت تلك البلدان والأقطار في نزاعات مستديمة، ومشاكل صعبة وقاسية جعلتها تدفع أثمانًا باهظة على فعلة قام بها اليهودي البريطاني الشاذ بيرسي كوكس، ونفذها على تلة من رمال وتراب الصحراء، وبركة من مياه الخليج والبحر. إنه ذلك الرجل الأبيض المخمور، والعميل السري للمخابرات البريطانية ولوكالة الجراد...." (ص 158).
     يسرد سريدان سيرته للعمّة حمدة وميثاء قائلًا إنه "يتيم الأب والأم، وإن لي شقيقة كبرى ترعاني وترعى إخواني، وقد تركنا جدّة الحراسيس موطني الأصلي منذ أواسط الستينيات، ونعيش الآن في مسقط العاصمة العُمانية...." (ص 142). طيلة السرد يتصل سريدان بأخته والعكس لكن لا تحضر شخصيات أخرى من أسرته. "رجعت بي جرعات الويسكي أبعد، حيث ولدت تحت خيمة من الشعر، غزلتها أمي مع جاراتها البدويات، ونصبها أبي بمساعدة رفاقه من رجال البادية لتكون مسكنًا يسترنا، ومأوى يحمينا من تقلبات وتغيرات الطقس... وكانت تلك الخيمة تهب عليها الرياح من كل الجهات، بل تقتلعها إذا كانت الريح صرصرًا. وكنا صغارًا ، نصحو ونغدو بين كثبان الرمال وحياة الصحراء الفطرية، نلعب ونلهو مع العقارب الصفراء الصغيرة، وجعارينها الزرقاء، وخنافسها السوداء، ويعاسيبها الخضراء، ونرقب تساقط قطرات الماء، من أطراف إبر شجر السمر، في أوعية نضعها منذ الليل وحتى الصباح، لنجمع مياهًا نشربها... وفي يوم جاء إلى الجدة من يهتم بالبيئة وتوابعها ومشتقاتها، ومن يهتم بالجيولوجيا وما في باطن الأرض، ومن يهتم بالنباتات والحيوانات والزواحف والقوارض، لكنهم تناسوا البشر الذين يعيشون على أرضها. ثم جاء بعدهم رجال وكالة الجراد البيض، وجلبوا معهم عمالًا ومعدات بغرض استخدامات تخص عالم شركات التنقيب عن النفط، فانقلبت الحياة رأسًا على عقب، واختلط في الجدة الحابل بالنابل، حتى وصل الحال إلى اقتلاع أطناب الخيمة التي غزلتها أمي ونصبها أبي" (ص 129، 130).
     تقتلع الريح الخيمة فيعيد البدو نصبها من جديد، لكن الاستعمار يقتلع التاريخ من جذوره فلا يعود كما كان قطّ، ومع ذلك فمن ذا الذي يقتلع الذكريات من أعماق سريدان المعرض للانقراض هو الآخر بأصله العرقي ولغته؟: "... وتجسدت أمام عيني سنوات الطفولة بين عالم الوضيحي أو بن سولع. وقارنت، وأنا أرتشف كأس الويسكي، بين تلك السلاحف المهددة بالانقراض وبين حيوان آخر أيضًا على وشك الانقراض من موطنه الأصلي عُمان، حيوان يسميه العرب المها العربية...." (ص 130). يكن سريدان/بن سولع حبًّا كبيرًا لمسقط رأسه جدة الحراسيس ويتذكرها بعنفوان وحنين واعتزاز، بل إنه ينفعل خلال سهرة عشاء في مطعم لبناني بشارع العرب "إجوارد رود" ويقول: "... فقمت أرقص كما يرقص البدو رقصة العارضة والعيّالة مخالفًا لرقص بقية أهل بادية الشام الذين يشاركونني على المسرح رقص أغاني البدو...." (ص 385). دمج السرد الزمن الماضي في الزمن الحاضر ومراوحته بينهما يسفر في النهاية عن اتخاذ سريدان قرار الهجرة. إن التاريخ في الحقيقة ما زال حاضرًا، وبقدر ما يغدو مقروءًا ومُحلَّلًا بقدر ما هو حاضر حالٌّ كأنما لم يكتسب صفته خالية من الشوائب.
    لعل بحث سريدان في موضوع مشكلة البريمي، وفي تفاصيل قيام دول الخليج الحديثة، والنتيجة التي أصبح عليها الحال في وطنه، بدورهما يتم فحصهما الآن في دولة غربية هي أساس بلاء وطنه؛ هذه مفارقة تفقد صفتها بأسرع مما قد يُتخيَّل، وذلك لفرط ما صارت أمرًا مسلَّمًا به وغير مستغرب. تاريخ المنطقة يظهر قطيعًا من البدو والقبائل والصيادين طالما تطاحنوا في حروب بدائية في نهاية الأمر أدت (وأودت) بهم إلى أن ينقلوا الأحداث نفسها -بنسخة طوَّرها الاستعمار- إلى أحضان البترول والحداثة المفتعلة. تاريخ من الحكام المرضى بالبخل والجهل والدكتاتورية والتعذيب ينتجون نسخًا هم ربّوها أساسًا، فلا يبدو الفرق إلا في التفاصيل الصغيرة حيث يكمن الشيطان. ومن كثرة التفاصيل يكاد عدد الشياطين يعصى على العدّ!.
     إذن فقد حسم سريدان الحرسوسي أمره وقرر الهجرة. الهجرة تعني مفارقة الوطن. ولا يفارق الوطن إلا من تضطره إلى ذلك أسباب قاهرة. سريدان يعيد أكثر من مرة ذكر السبب الرئيس الذي دعاه إلى الهجرة؛ إنه الوطن نفسه، فالسبب نابع من تجربته السابقة المريرة وتخوفه من تكرارها. إنه لا ينفك ينتقد أوضاع بلده، وطالما ربط هذا النقد بإقباله على الزواج، فحين يخطب ميثاء من "العمة حمدة" مباشرة يصارح هذه الأخيرة: "لقد أصبت بخيبة وانكسارات في الروح عندما بدأت حياة العمل في وطني، وظننت أن الحالة عابرة ولن تستمر ببلادنا، لكنني وبعد تقصي المستقبل في كثير من الأمكنة من بلدي بان لي استحالة الخلاص من تلك الأوبئة الضارة التي سكنت نفوس من تعاملت معهم طوال فترة حياتي العملية في عُمان. نعم يا عمتي حمدة لقد عاد بعض منهم من الخارج ومعه مشاريع يريد أن يحققها بعدما فتح الوطن أبوابه لعودة المهاجرين من أبنائه، وفي الواقع كانت تلك المشاريع برَّاقة، ولكن في جوهرها أمور ساذجة" (ص 387 و388). نقد شديد يوجهه سريدان إلى مظاهر التحديث في وطنه؛ يقوض كل المتعارف عليه فيما يتعلق بالتحديث والتنمية الوطنية وبناء الدولة العُمانية المعاصرة. يواصل سريدان مفنِّدًا الحجة المتداولة المعهودة: "وكي يحقق بعض منهم مشاريع كان يستخدم قوته وعنفه وكل السبل المشروعة وغير المشروعة في تنفيذها، حتى ولو كانت طريقة تحقيق مشاريعه سوف تؤذي وتؤدي إلى هلاك الآخر. لقد بكرت الأطماع والأنانية والحسد في وصولها ونموها، وحلت في تربة نفوس من سولت له نفسه أن يكون طاغيًا وباغيًا، لا تهمه مصلحة البلد، ولا مستقبل الوطن، أكثر ما يهمه نهب المال العام، وجمع الألقاب قبل اسمه، مثل دكتور، وشيخ، وسعادة، ومعالي، و... إلى آخره" (388).
    برغم الالتباسات المحيطة بظروف سفره إلى لندن ودراسته فيها تبدو المعرفة سببًا آخر مضافًا إلى أسباب قرار سريدان الهجرة إلى بريطانيا بشكل نهائي وشعوره باستحالة تغير الأوضاع المزرية في  بلده. إنه "... القبلي المنتمي لكيانات مغلقة وغارقة في آفات الجهل والتخلف والمرض...." (ص 39) الذي يعرف ما لا يعرفه مواطنوه، يعرف المحرم والمسكوت عنه والحقيقة المرة في مقابل معرفة أولئك بالأكاذيب والتلفيقات والتزوير. دائمًا يلعب المستعمر دوره القذر بازدواجية لا تهمها مرجعيتها المنفصمة وافتعالها الحياد غير الإنساني. المستعمر يكذب ويصدق، بنقائضه المتعددة يجرح ويداوي ويصبح مأوًى بديلًا. يقول سريدان نقلًا عن مصادره الإنجليزية: "... ففي عام 1965 أدرك المسؤولون بعيدو النظر في لندن أنه يجب أن يقوم اتحاد ما في المستقبل بين هذه الدويلات لكي تبقى على قيد الحياة في هذا العالم...." (ص 346). "لقد كانت السياسة في الشارقة دائمًا مسألة فظَّة، حيث نجا الشيخ خالد عندما انفجرت قنبلة في مجلسه عام 1970، وعندما جاء أخوه، البالغ من العمر 28 سنة من رأس الخيمة حيث كان يعيش في المنفى، لتهنئة خالد على النجاة، اعتقل في الحال بتهمة تدبير المؤامرة!
     وإذا كان هناك من يشك في تدخل بريطانيا المباشر في مثل هذه الأمور فليتأمل القصة التالية من عُمان، حيث نُحِّي السيد سعيد بن تيمور عام 1970: كانت عُمان في ذلك الحين دولة مغلقة تقريبًا، لا يُعرَف عنها إلا القليل. لكن الأحداث في البلدان المجاورة أدت إلى بعض الاهتمام بعُمان نفسها. وهكذا بحثت وكالة رويترز للأنباء عن مراسل غير متفرِّغ في مسقط، ووجدت مرادها في شخص زوجة مسؤول بريطاني كبير بين موظفي السيد سعيد. وذات يوم سمعت هذه السيدة، التي كانت خبرتها في الصحافة تكاد تكون معدومة، أنه تمت تنحية السلطان سعيد، وأن ابنه السيد قابوس قد نُصِّبَ سلطانًا جديدًا. فقامت بكتابة تقريرها بحرص. ثم أعادت صياغته من جديد بلغة البرق، وذهبت إلى مكتب شركة كيبل آند ويارلس بجانب السفارة الهندية في مسقط. وهناك قضى المسؤول البريطاني معها بعض الوقت في الثرثرة، ثم تناول منها التقرير الذي أرادت أن ترسله إلى رويترز، وقرأه ببطء ثم أعاده إليها قائلًا: "لقد بكَّرت قليلًا. غدًا وليس اليوم"! وبالفعل أوقظ السلطان سعيد من نومه غداة اليوم في قصره في صلالة، ونُقِلَ على عجلٍ إلى طائرة بريطانية كانت في انتظاره لتأخذه إلى المنفى في بريطانيا، كي يتمكن ابنه من أن يتولى الحكم" (ص 347، 348).
     "قالت نادين: السلطان الأبيض هو من دعاني، وكان يتخفى تحت مسمى المستشار، لكنه في واقع الأمر اليد الطولى في عُمان، بل يشرف على أجهزة الأمن كلها، وكنت أراه كأنه هو السيد الحاكم، وقد لقبته بورصة المال العالمية بهذا الاسم؛ لأنه واحدٌ من مئات أثرياء وأغنياء العالم، بحكم تجارته الرائجة للماس، وبيعه نفط عُمان في الأسواق السوداء، وأيضًا ممارسته لتجارة الأسلحة. وهو يحيي دومًا حفلات خاصة وماجنة لخاصَّته من العُمانيين. وكان من ضمن أولئك المحليين الذين حضروا تلك الليالي الحمراء شخصية بادرتني بالإعجاب حينما قدم لي هدية طقم ماس لا يقدر بثمن، من أجل أن أقضي معه ليلة حمراء في يخته الفخم الراسي في نادٍ بحري لليخوت، خاص بعُلِّيَّة القوم، ويقع في بندر الجصة. وحينما صببت لها كأسًا آخر من الويسكي، وأشعلت لها لفافةً من لُفافاتها المحشوة، قالت لي وهي تناولني اللفافة: كنتُ أسمع أولئك الحثالة من البشر في تلك الليلة المسقطية ينادونه بالمافيوز زي...." (ص 407).
 
الواقعي والفنتازي
الغلاف الخلفي لرواية "بن سولع"
      ماضٍ وحاضرٌ مستلبان مأخوذان من غير أهلهما ومتصرف بهما من قبل هذا (الغير)؛ ماضٍ وحاضرٌ يبعثان الكدر في روح بن سولع؛ هذا على نحوٍ عامٍّ، أما على نحوٍ خاصٍّ فالأسى ربيبٌ مرفوضٌ لا يستطيع بن سولع نسيانه لكنه يسعى إلى الفكاك منه، ولا يتأتَّى له هذا إلا بالابتعاد عن مصدره، ألا وهو الوطن المستلب دائمًا، أي اختيار الهجرة ومغادرة مبعث الألم. مبعث الألم هو تجربة بن سولع العملية في مسقط حين أنهى دراسة البكالوريوس في لندن وعاد ليعمل في وطنه. مرارًا يسرد بن سولع بمرارة ما اكتشفه وعاشه وشاركه فيه. لا يُفصِح سرده عمَّا كان يقوم به على وجه التحديد، لكن القارئ يلاحظ اختلاف لغة سرده هنا عن لغته المعتادة في ما سبق، فالخطاب يتحول من واقعية مريرة إلى فنتازيا مفاجئة يتخذ منطوقُها الشفرة والرمز والإيحاء في عرض محتواه: "... وحينما عدت إلى عُمان كي أشارك في بناء وطني بانخراطي في سلك التدريس، اكتشفت أن التاريخ الذي عليَّ تدريسه للطلاب يختلف عن التاريخ الذي درسني إياه الأساتذة والمدرسون في جامعة لندن، بل كلفت بتدريس مادة اللغة الإنجليزية البعيدة كل البعد عن حقل تخصصي في نفس المدرسة التي أعمل بها، وفشلت للمرة الثانية في تحمل المسؤوليات. وتقدمت باستقالتي لكنهم رفضوها وحولوني موظفًا منتدبًا في هيئة حماية النفوس...." (ص 51).
      كدر تجربة العمل في "هيئة حماية النفوس" يرافق سريدان في لندن، ويخلف في نفسه نفورًا من العودة إلى الوطن. في الصفحة 321 يعود بتفاصيل أوفى إلى تلك التجربة المرة. هنا يبدأ سرد الفنتازيا الرمزية: "... ومن ثم نقلت موظَّفًا لهيئة شبه وهمية، تديرها مجموعة صغيرة من البشر، ويطلق عليها جماعة مكافحة عنف المتخيل، وهي تابعة لهيئة تدعى الهيئة الخاصة لحماية النفوس. وكانت الاستفادة الوحيدة بعد تلك التجربة القاسية هي عودتي لمقاعد الدراسة، هربًا من ذلك الواقع المرير. لقد كانت مهنتي الأخيرة في غاية الغرابة، وهي مهنة مهينة لمن هم مثلي، فكل يوم تأتيني جماعة مكافحة العنف المتخيل بتقارير بها بيانات ومعلومات دقيقة، وفي غاية الأهمية، عن بشر يعيشون عالمهم في طيِّ النسيان وشبعت منهم ديدان المقابر، ويطلبون مني أن أقوم خطيًا بتعبئة تلك البيانات والمعلومات في دفاتر كبيرة وثقيلة، وحينما أنتهي من ذلك يأتي أحدهم ويقوم بحملها إلى حيث لا أدري، وحيث لا أعرف ماذا يفعلون بتلك الدفاتر الغليظة ذات التجليد الأنيق" (ص 322).
     في البداية يظن القارئ أنه عرف مهنة سريدان الموجعة في هيئة النفوس لكن هذا يتمادى في وصفٍ مُلْغِزٍ يخرج عن إطار المعقول ويرتبط بقسوةٍ تُمارِسها "مجموعة من البشر" (وهذا يمنحنا إمكانية تخيل العكس بالقول مثلًا: مجموعة من الحيوانات!) على مجموعة من الأموات!.
     إن وصف سريدان يتمادى أكثر في إظهار قسوة "هيئة حماية النفوس"؛ إنه يريد وصف الأكثر ألمًا: التعذيب: "لقد تفوقت جماعة مكافحة العنف المتخيل على الإمبراطور الفارسي كسرى الأول بن داريوش الأول في اختراع لذة التعذيب، التي جعلوني أحياها في هيئة حماية النفوس، ولو كان ذلك الإمبراطور حيًّا لكافأني على خلق لذة مختلفة عن اللذات التي عرفتها البشرية، ولوضع لها مكافأة مادية كبيرة حينما كان يفعلها في 486-465 قبل الميلاد، برغم أن اللذة التي أذاقوني إياها كانت لذة مشاهدة متعة التعذيب، التي أحظى بها كل يوم. ولك أن تتخيلي تلك الأطنان من الدفاتر التي أبدأ بكتابتها خطِّيًّا وتعبئتها منذ الساعة السابعة صباحًا حتى الثانية والنصف ظهرًا من كل يوم، وأنا أقرأ وأنقل تلك البيانات والمعلومات المهمة من تقارير العسس على أموات طواهم التاريخ في بحور النسيان، وضاعوا من الذاكرة. ولك أيضًا أن تتخيلي أن الهمجية التي تعم تلك المجموعة طاغية وباغية، وهي تنهى وتأمر ويؤخذ بصدق تقاريرها على أعلى المستويات...." (ص 322). إن الأمر لا يتعلق بأموات إذن وإلا فعلى من يقع التعذيب؟!. يبدو أن من يستمتعون بالتعذيب يفعلون ذلك حين يُحوِّل تعذيبهم من يعذبونهم أمواتًا أو أشباه أموات، لأنهم يستحيل أن يتلذذوا ويشبعوا هذه الخَصْلة فيهم إن لم يشعر ضحاياهم بتعذيبهم وتلذذهم به. قبل أن يصل بن سولع إلى سرد لذة التعذيب هذه، وقبل أن يبدأ في سرد التفاصيل أصلًا، وبالتحديد بعدما أخبر ميثاء بأنه سيسافر إلى عُمان ليقرر هناك القرار الحاسم في حياته، في تلك الأثناء قال سريدان: "طلبت مني ميثاء ألا أتحدث بالألغاز، وأن أوضح مقصدي" (ص 321)، وبعدها مباشرة يسرد حكاية "هيئة حماية النفوس". هل فهمت ميثاء مقصد سريدان؟!. لا يتضح لنا عدم فهم ميثاء. إن المتن الروائي هنا يجعل شخصيتي سريدان وميثاء تتواطآن ضد القارئ. ولأن الأمر يتخذ صيغة ملغزة، ولأن زمام السرد بيد سريدان أصلًا فقد تكون ميثاء هي الأخرى ضحية أيضًا حالها حال القارئ!، فالسارد يستطيع أن يُظهِر أو يخفي ما يريده، وبهذا المعنى فما يدرينا بردة فعل ميثاء وما إن كانت فهمت مقصد سريدان أم لا؟!.
     لن نعتبر هذا التواطؤ لذة يشعر بها سريدان من جراء إبقائنا –نحن القراء- في منطقة اللغز المغلقة المتعلقة بـ"هيئة حماية النفوس"، برغم إدراكنا أن سريدان المتألم يتلذذ أيضًا –كما قال هو نفسه- لكن على نحو لا يتحدَّد بصورة كاملة، ويغلفه الهذيان والارتباك، فهو مجبر على التلذذ بمتعة التعذيب فـ"هذه المجموعة لا تريد مني أذنًا أسمع بها سوى "نفذ"، ولا عينًا أرى بها كي أقول هذا أحمر وهذا أخضر، سوى أن أنقل وأكتب، ولا لسانًا ينطق بالحق، سوى أن أصمت وأسكت" (322).
    مهما حاولنا وبذلنا قصارى جهدنا فلن نستطيع معرفة حقيقة هذه الهيئة. إن سريدان يجبرنا على موافقته على استيعاب هذا الألم دون أن نخوض في غمار التفاصيل، تمامًا كما فعل مع ميثاء التي لا نعرف رد فعلها بعد سرد هذه الحكاية. وبرغم أن عدة تكهنات تحاصرنا وتجبرنا على استخلاص نتائج متناقضة تخص شخصية سريدان إلا أننا سندور حول الدائرة نفسها؛ على سبيل المثال إن استطاعة سريدان تقديم استقالته ومن ثم السفر، أي النجاة من "هيئة حماية النفوس" تتنافى والطغيان والبغي اللذين وصف بهما أعضاءها، إلا إن كان هؤلاء يأمنون أن لا يبوح سريدان بسرهم، وهو ما يبدو عليه الأمر فعلًا، لكن ليس بشكل حازم، فسريدان يبوح بأمر هذه الهيئة لحبيبته ميثاء وكذلك لعمتها حمدة. وربما لهذا السبب يتعرض للاختطاف والتحقيق حين عودته المؤقتة إلى عُمان: "وقرأت النتيجة الختامية بعدما اقتدت للتحقيق ذات ليلة، حينما قامت مجموعة من مرتادي حانة الفلج بخطفي، وطلبت مني الانصياع لأوامرها، وعدم المقاومة. وقاموا بوضع عصابة على عيني كي لا أرى أين يريدون أخذي من حانة فندق الفلج. وحينما أزاحوها عن عيني واجهت ثلاثة شبان عُمانيين يحيطون برجل إنجليزي عجوز ومتهالك، ويبدو أنه شاذ جنسيًّا ورائحة الكحول تنبعث من فمه، ويلبس ملابس مدنية، فأخذ يمطرني بأسئلة ما دارت في الخاطر ولا في البال تخص دراستي والحياة التي أعيشها في مدينة الضباب". هنا ستتضح أجوبة أسئلة عديدة أبعد من هوية الهيئة وطبيعة عملها وعمل سريدان فيها، خاصة إذا ما عدنا إلى الخلف وربطنا بين المعلومات السابقة وهذه المعلومات فيما يتعلق بالإنجليزي الشاذ!. علينا نحن أيضًا أن نحذو حذو سريدان ونلتزم الحذر!. بل قد يكون الأجدى أن لا نتمادى في تقصِّي هذا الشأن، وأن نتمتع –عوضًا عن ذلك!- بحس دعابة يختلط بالجد على طريقة سريدان نفسه حين يتحدث عن قطه حمران مثلًا: "لقد قلب القط الصغير حمران حياتي رأسًا على عقب، أكثر بكثير مما قام به رجال وكالة الجراد، حينما قلبوا الصحراء، زيفًا وزورًا، رأسًا على عقب...." (ص 304). 
     هكذا يصبح مفهومًا تمامًا ما استقر عليه رأي سريدان/بن سولع: الهجرة. هذا الهاجس يكبر حين يقرر الزواج من ميثاء. لعله قبل هذا الارتباط كان يعيش حالة الكدر تلك دون أن يتوصل إلى أي قرار، لكن حسمه أمر الزواج يقطع حيرته بتأكيد قرار الهجرة. إنه من هول ما خلفته في أعماقه تجربة عمله وعودته الأولى إلى وطنه يكاد ينفي حتى صفة الإنسانية عن المتسببين في (توريطه)، وأكثر من هذا يستخدم النعوت الغليظة القاسية: "لقد تراوحت أفكاري بين أن أكون مواطنًا مهانًا، مهضومة حقوق مواطنته في وطنه، وما بين حالة نزع هذه المواطنة التي جسدها على الأرض عميل وكالة الجراد... وأن كثيرًا من الأفكار التي راودتني تشير إلى أنني لن أنتمي إلى الأرض التي ولدت بها وترعرعت على ترابها، حيث تتكاثر وتنتمي لها تلك العينات من البشر، الذين هم في الواقع لا أعرف لماذا يطلق عليهم هذه التسمية البريئة...." (ص 390، 391).
     يتضح أخيرًا السبب الرئيس لربط بن سولع قرار الهجرة بميثاء.
     تقدمت فيما سبق الإشارة إلى أصل ميثاء العرقي، فهي سليلة بن طنّاف خادم سباع بن نطلة حاكم البريمي، "أما أمي غريبة فيُقال عنها إنها صوقرية بيضاء بياض قرطاس الورق، وتعني كلمة صوقرية، أو صوكرية، في لغة قاموس سوق تجارة الرقيق أنها حرة، وأصلها من جزيرة صوقرة، لكنها وقعت في السبي، وبيعت في سوق النخاسة، وقام بشرائها وهي طفلة سباع بن نطلة من سوق النخاسة والعبيد بواحة البريمي" (ص 234). وإذا عدنا إلى الخلف سنتذكر أن عبيد بن باروت صديق بن سولع العُماني الأسود البشرة الذي أصبح طيَّارًا حربيًّا وجاء لزيارة صديقه سريدان الحرسوسي في لندن وهو في طريقه لإكمال دراسته العسكرية في الولايات المتحدة؛ "التحق عبيد بن باروت معنا بسرب مقاتلة الجاكوار، واجتاز شروط اللفتننت ميجر تيم كندي في اختيار عناصر من يخدمون كضباط في الجيش، وكل ذلك تم عن طريق والده مولى سيد من سادات مسقط الكبار...." ( ص 96). "... إن والدته ماتت كمدًا حينما ذهبت تخطب له فتاة من القرية التي تعيش بها، وردها أهل الفتاة باحتقار قائلين لها أنت لست من هدمتنا، ولا من ملتنا، فكيف نزوج بنتنا لعبد من عبيدنا. اذهبي للجحيم أنت وابنك الضابط الطيار" (ص 76). عبيد بن باروت بدوره يستدعي الماضي من الزاوية الوثيقة الصلة بميثاء العُمانية أيضًا: "وعلى حين غرة سألني صديقي عبيد بن باروت بهدوء، وهو يرتشف من كأس بيرة الجينيس، ويعتدل في جلسته كأنما جلس بعد سجود في صلاته، إن كنت سأذكر في بحثي المرتقب سوق النخاسة والعبيد في واحة البريمي، أم سيكون بحثي فقط منصبًّا على الصراعات السياسية والاقتصادية من طرف شركات البترول الأجنبية. وعقب قائلًا: ألا تعتقد بأن تجارة العبيد كانت مصدر دخل وثروة اغتنت من ورائها شخصيات بارزة ما زالت تعيش بيننا؟ بل هناك قبائل متخصصة في هذه التجارة، هل ستتطرق لها؟... عن الموالي والعبيد والخدم... ورجوته عدم الخوض في هذا الموضوع أمام الآنسة ميثاء العُمانية...." (ص 112). وقبل هذا كان عبيد بن باروت قد قال لسريدان: "... إن حالتك يا صديقي تشبه حالتي، غير أن الأدوار هذه المرة مختلفة، ويبدو لي أن فتاتك من البشر الذين أنا منهم. وجذور العبيد واضحة في دمها ولونها، وربما كل شيء بها هو صنيعة العبيد، وبغض النظر عن لون بشرتها الفاتح. وأنت أدرى مني بمن يقترن بالعبيد في عُمان... وهذه ربما هي الحالة الوحيدة التي تفرق الخيط الأبيض من الخيط الأسود عن المشكلة التي تخصني وراحت ضحيتها أمي، الله يرحمها برحمته الواسعة، جراء التفرقة العنصرية التي نحياها كمواطنين سواسية في عُمان... لأن زوجتك من العبيد، وهي بلا شك من طبقة الخدام والموالي. ثم صمت واعتدل في جلسته كأنه يريد أن يصدر أمرًا وقال: هل تظن أن الحياة هناك تشبه الحياة هنا" (ص 107)؛ لا يضع سريدان علامة استفهام في نهاية السؤال، ولعل الاستفهام الاستنكاري هنا يتعمد عدم وضع علامة الاستفهام من قِبَل عبيد بن باروت موجهه الأساس، فكأنه في النهاية يسرد خبرًا ولا يطرح سؤالًا ولا ينتظر إجابة. لهذا السبب إذن يقول سريدان/بن سولع: "كان مشينًا تمسك البعض من أبناء وطني بمعتقدات وعادات عصور العبودية التي يحرمها الدين ويرفضها المجتمع البشري جملة وتفصيلًا. فما بال وضعي ووضع ميثاء لو قدر لنا العيش في مجتمع يفرق بين الأبيض والأسود، وما بين الذكر والأنثى، في أمور ساوى بينهم الخالق، والشرائع والقوانين الوضعية من قبل وحتى الآن"؟! (ص 391).
             
  

17 يناير 2011

مئات المواطنين العُمانيين في مسيرة تطالب بوظائف للعاطلين وزيادة الرواتب ومراقبة الأسعار والقضاء على الفساد

سالم آل تويّه

  
     وسط حشد أمني مشدد وتغطية إعلامية مكثفة انطلقت عصر هذا اليوم "المسيرة الخضراء" في حي الوزارات في مدينة الخوير بالعاصمة العُمانية مسقط. وقد تجمع مئات المواطنين وحمل بعضهم لافتات ورددوا هتافات تطالب بزيادة الرواتب وتوفير الوظائف وتخفيض الأسعار ومراقبة جشع التجار.
     جابت المسيرة حي الوزارات وتوقفت عند بعض الوزارات، مثل وزارة النفط والغاز حيث ردد المتظاهرون هتافات تتساءل عن مصير النفط والغاز في البلاد، كما توقفت أمام وزارة الخدمة المدنية. وحمل بعض المتظاهرين على الأكتاف، ورددوا هتافات عالية، وصفقوا بأحذيتهم.
     وفي تغطية صحفية مكتوبة نشرتها الناشطة حبيبة الهنائي ذكرت أن التظاهرة بدأت قبل الرابعة عصرًا، منطلقة من أمام وزارة الإسكان، وسط حشد أمني مشدد رافقته تغطية إعلامية مكثفة. وكتبتت حبيبة الهنائي في موقع منتديات الحارة العُمانية: "في تمام الساعة الرابعة والنصف طالب أحد المسئولين من الجهاز الأمني بإبراز الموافقة الرسمية لتنظيم المسيرة ونصح الشباب بعدم الاستمرار في المسيرة لعدم شرعيتها. رغم ذلك قرر الشباب البدء في المسيرة، لكن بعد مسافة قصيرة قام رجال الأمن بقطعها ونصح الجميع بعدم المواصلة قبل أن تضطر قوة مكافحة الشغب في التدخل".
      وحمل بعض الشباب لوحة كتب عليها: "الغلاء يلتهم أحلام البسطاء.. راقبوا التجار". كما ردد متظاهرون آخرون قائلين: "أين وعد الأربعين؟.. لا مكي ولا مقبول" في إشارة واضحة إلى عبد النبي مكي وزير الإسكان ومقبول علي سلطان وزير التجارة.
    وحمل متظاهرون آخرون لوحات تطالب بمكافحة الفساد.
   تأتي هذه التظاهرة السلمية في خضم استياء شعبي متعاظم من سوء إدارة البلاد للأوضاع الاقتصادية المزرية، حيث يكثر الحديث عن أعداد عاطلين عن العمل يتجاوز الربع مليون عاطل من الشباب والخريجين، وفي ظروف يعاني فيها كثير من المواطنين من الفقر والعوز، ويفتقرون إلى نظام تأمين اجتماعي كفؤ يقيهم ما وصلت إليه الأحوال من غلاء فاحش في أسعار الغذاء والسكن والحاجات الأساسية.
    وبعد سنوات من شعور المواطنين العمانيين بالضيم وتجاهل الحكومة لمطالبهم دعا بعضهم قبل أيام إلى تنظيم هذه المسيرة. وتم تبادل خبر إقامة المسيرة عبر الأبردة الإلكترونية ورسائل الهواتف المحمولة. ودعا بريد إلكتروني إلى احتشاد أكبر عدد ممكن من المواطنين كي تحقق المظاهرة أهداف، وأعلنت هذه الدعوة أن أهداف المسيرة تتمثل في الآتي:
1 - رفع الرواتب المتدنية وزيادة الحد الأدنى للأجر للقطاعين العام والخاص.
2- زيادة معاشات التقاعد والضمان الاجتماعي وزيادة رواتب العسكريين والشرطة (الجنود ) لضمان حياه كريمه للأسر العمانية.
3 - توفير فرص أكثر من الوظائف للخريجين والباحثين عن عمل.
4- زيادة نسبة التعمين للوظائف الكبرى.
5 - مراقبة المراكز التجارية والتجار تجنبا لزيادة الأسعار في حالة زيادة الرواتب وفرض عقوبات عليهم لأي مخالفة تصدر منهم.
6 - تفعيل دور جهاز الرقابة المالية للدولة في مراقبة الأموال التي تصرف على المشاريع في الدولة.
7- زيادة صلاحيات مجلس الشورى لأن الصلاحيات الحالية إشرافية وغير رقابية.
    الجدير بالذكر أن أحد الوزراء كان قد صرح قبل أيام بإعفاء المقترضين من سداد أقساط القروض إذا كانت دخولهم الشهرية تقل عن 150 ريالًا!، وهو تصريح عده كثير من المواطنين استفزازًا لمشاعر الشعب العُماني، ووصفوه بأنه "عار" أن يصدر من دولة نفطية، خاصة في الوقت الحالي الذي تقترب فيه أسعار برميل النفط من 100 دولار، فهل تعد 150 ريالًا راتبًا أصلًا في بلد تنعدم فيه الخيارات ولا يستطيع فيه المواطن أن يستأجر سكنًا كريمًا ويوفر حاجاته الأساسية حتى بضعف هذا الراتب؟.
    وقال مراقبون: إن هذه المظاهرة التي يطلق عليها العُمانيون اسم "مسيرة" تجنبًا لاستفزاز مشاعر الأمن تأتي بعد انتظار طويل عانى خلاله المواطنون من ارتفاع وتيرة الضغوط الاقتصادية عليهم، ونالهم الضيم والتجاهل من وزراء حكومة هم أصحاب اليد الطولى وهم المسؤولون وهم التجار في الوقت ذاته، وهم في الحقيقة المسؤولون المباشرون عن ما يحيق بهذا الشعب من ظلم وجور وجشع.
    وعلق مراقبون آخرون بالقول: إن عُمان البلد الخليجي النفطي الذي يكاد لا ينطبق عليه وصف "خليجي" المرتبط بالثروة والغنى وارتفاع الدخل عادة، فينما اترفعت أسعار رواتب الموظفين أكثر من مرة في بعض بلدان الخليج، بل وأربع مرات أحيانًا لم يتم التعامل مع معاناة العُمانيين إلا بالقطارة وكأن ثروة البلاد مقتصرة على أثريائها ووزرائها فقط، ناهيك عن المشكلات الاجتماعية كالفقر والسرقة ونشوء العصابات والدعارة التي كانت اسبابًا مباشرة لزيادة أعداد العاطلين عن العمل وضعف الرواتب.
    ورأى مواطنون ومراقبون أن الحل الأمثل والفعال بالنسبة إلى العُمانيين هو انتهاج المظاهرات وسيلة تعبير سلمية للمطالبة بحقوقهم وتشكيل جبهة ضغط على الحكومة كي تلتفت بجدية إلى مطالبهم المشروعة. وقالوا إنه لا مبرر إطلاقًا من تهويل إقامة المظاهرات وتصويرها وسيلة خارج نطاق القانون، فالمواطنون واعون ولا ينشدون التخريب ومطالبهم ومظاهراتهم سلمية ومشروعة وتكفلها كل مواثيق حقوق الإنسان، وهي وسيلة معروفة في جميع بلدان العالم.
    وقال أحد المتظاهرين: خلال السنوات الماضية ماذا تحقق إلا الانتظار؟ لم يحصل أي أحد على حقه إلا بعد أن خرج في مظاهرة، والدليل على ذلك ترقيات المعلمين قبل سنوات التي لم تلبى إلا بعد مظاهرة خرج فيها أصحاب الحق للمطالبة بحقوقهم.
    وتساءل بعضهم عن الصرف غير المحدود على المسؤولين وإهمال القضايا الاقتصادية التي ستشكل في المستقبل القريب أزمة لن تستطيع الحكومة السيطرة عليها إن لم تنتبه إلى ذلك الآن.  

* الصورة نقلًا عن تغطية الناشطة حبيبة الهنائي في موقع "الحارة العمانية".

15 يناير 2011

منتدى المجتمع المدني الخليجي يرفض لجوء الرئيس المخلوع بن علي إلى أراضي دول الخليج العربي

    تابعنا بشكل متواصل خلال الأسابيع الماضية مجريات الأحداث في الجمهورية التونسية الشقيقة من تطورات وأحدث لقبت بالانتفاضة الشعبية المباركة ضد الدكتاتورية التي رزحت على صدر الشعب التونسي طوال العقود الماضية. 
    إن هذه الانتفاضة المباركة، ودماء الشهداء الأبرار الذين سقطوا على يد الدكتاتورية البغيضة، لم تذهب هدرا ودون مردود ولا طائل وإنما ها هي الدكتاتورية تجر أذيال الخيبة والانهزام الواضح أمام إصرار وتضحيات الشعب التونسي. 
    إن حركة التاريخ واحدة بالنسبة للدكتاتوريات في جميع أنحاء العالم وفي مختلف العصور فنتيجتها السقوط الحتمي طال الزمن أو قصر فهي تسقط بالنهاية كنتيجة حتمية للتسلط والقهر والاستبداد والفساد ، ومن هذا المنطلق، ومن هذه النتيجة المباركة نحيي الشعب التونسي الشقيق على هذا الحدث التاريخي الذي سطروه على صفحات التاريخ بمداد دماء الشهداء ونحيب الثكالى وأنين الجرحى وصياح الأطفال الذين فقدوا آباءهم في هذه الانتفاضة المباركة التي كان نتيجتها إشراق شمس الحرية على الشعب التونسي وبزوغ فجر جديد تتطلع له كل الشعوب العربية التي لا تزال ترزح تحت بساطير الدكتاتورية، ومن ذلك ما تواردته الأخبار حول لجوء الدكتاتور المطرود والهارب من وجه العدالة الإنسانية المدعو زين العابدين بن علي إلى المملكة العربية السعودية التي استقبلته ووفرت له الملجأ الآمن في هذه الاستضافة التي أصبحت على ما يبدو عرفا باستضافة الدكتاتوريات المطرودة من شعوبها من الدول المحيطة حتى غدا خليجنا مقبرة للدكتاتوريات المهزومة، من عيدي أمين إلى نواز شريف إلى برويز مشرف وغيرهم العديد ممن طردوا من شعوبهم، ناهيكم عن ما ستخلفه تلك الاستضافة من عدم استقرار بالعلاقات بين المملكة العربية السعودية وبين تونس الجديد، لذا نطالب وبكل شعور بالمسؤولية بأن لا تسمح المملكة العربية السعودية باستضافة الدكتاتور المطرود بالخليج خصوصا وأن الحليف الاستراتيجي للدكتاتور المخلوع الجمهورية الفرنسية قد تخلت عنه وعن استقباله بأراضيها ، وأن تنأى المملكة العربية السعودية بنفسها عن أمر لن يجر عليها إلا نقمة شعوب اكتوت بنار سياط الديكتاتورية، كما إننا نعبر وبكل فخر واعتزاز عن عدم رضانا وعدم موافقتنا على أن تطأ قدم المدعو زين العابدين بن علي الذي لا تزال يده تقطر من دماء الأبرياء أرض دول الخليج العربية. وفي الختام لا يسعنا إلا أن نتقدم للأخوة في تونس الشقيق بأحر التهاني، ونسأل الله أن يتقبل شهداءكم الأبرار ويسكنهم جناة الخلد إن شاء الله.
منتدى المجتمع المدني الخليجي
المنسق العام
أنور الرشيد
 باريس 15 يناير 2011  

01 يناير 2011

نصر حامد أبو زيد: الإنسان والعالِم.. من قُحافة الميلاد إلى قُحافة الممات

يقدم الباحث العماني هنا أول كتاب كامل عن المفكر الراحل، يتتبع فيه مسيرته الحياتية والعلمية، ويعرض في سلاسة ووضوح باهرين أكثر أفكاره تعقيدا وكثافة، كاشفا عن إضافاته الفكرية والمنهجية، وعن مشروعه العلمي الكبير، فضلا عن الجوانب الإنسانية الحميمة في شخصيته فنشعر مع الكتاب حقا بفداحة الفقد وحرارة الوداع. (مجلة الكلمة).

عبدالله آل تويّه


     «أنا أحب الحياة وأتمنى قبل أن أموت أن أنظر في عيون أحبائي وأقول لهم وداعاً»
     «يكون الإنسان حيّاً فقط عندما يكون عقله يقظان”(1)
     «لا أريد أبداً أن أعطي انطباعاً بأنني ضد الإسلام، أنا بعيد عن ذلك. ولا أريد أيضا أن أعطي انطباعاً بأنني سلمان رشدي جديد. أنا لست كذلك. إن أسوأ ما أخشاه هو أن يعتبرني الغرب ناقداً للإسلام. هذه الصورة ليست دقيقة بالمرة. أنا معلم وعالم ومثقف وباحث. إن دوري هو إنتاج المفاهيم. إنني أتعامل مع القرآن بوصفه نصّاً موحى من الله إلى النبي محمد. ذلك النص وصل إلينا بلغة البشر، اللغة العربية. بالنظر إلى أبحاثي أنا ناقد للخطاب الديني الإسلامي. [من ضمن أهدافي] هو أن أظهر كيف تستخدم المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الدين من أجل الوصول إلى السلطة. إن كتاباتي تهدد بعض أولئك الذين يوظفون تلك السلطة. ومع ذلك فأنا أعد نفسي مسلماً. ولدت مسلماً، وتربيت مسلماً، وأعيش مسلماً، وإن شاء الله سأموت مسلماً” (2) .
     «إذا نظرت إلى المجتمعات العربية والإسلامية، فإنك سترى غالباً أن كل الحكومات جاءت إلى السلطة من دون اختيار الناس لها. وستجد – في الغالب - نظاماً عسكريّاً وعوائل مالكة عفا عليها الزمن ]واقفة[ على رؤوس الشعوب، أو حاكماً ورث السلطة من سلفه. وفي بعض الأحيان تطل السلطة الحاكمة الجديدة باسم جديد ومظهر حداثي: كل ما عليك فعله –في هذه الحالة- هو أن تنبش بأظافرك في قشرة هذا الاسم والمظهر الحداثي الجديدين وسترى نفس الوجه القديم مخبّأً تحت القشرة. العقلية القبلية لا تزال حية وفي أتم عنفوانها. القاعدة هي الطاعة. إن كل مؤسساتنا -السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأكاديمية- ذات بنية سلطوية. إن عليك إما أن تنتمي إلى اليمين وإما إلى اليسار- وبالتالي فإن عليك أن لا تعصي قاعدة قبيلة المثقفين التي تنتمي إليها أيا كانت. إنها حالة مزرية».(3)
     “بقدر ما أنا ضد الأصولية الدينية أنا ضد الأصولية في أي نظام فكري آخر ... العلمانية قد تكون أصولية، الليبرالية قد تكون أصولية، أي ادعاءً بامتلاك الحقيقة ضد أي ادعاء آخر مماثل أعتبره شكلاً من أشكال الأصولية ... عليّ أن أقول إنني أتعلم الكثير من طلابي، أنا أشجع طلابي على أن يكونوا نقديين لأفكاري. إنه من دون هذا النقد المتواصل لن تتطور الأفكار. لا أريد من طلابي أن يقلدوني، لا أريد أن أكون إماماً. أنا عالم وأي نتيجة أتوصل إليها من المفترض فحصها... وكم أكون سعيداً حين أرى في رسائل طلابي للماجستير والدكتوراه نقداً لأفكاري. أنا أشجعهم على ذلك. لا أحد يستطيع ادعاء المعرفة المطلقة وإلا سنخلق أصولية أخرى»(4) .

المحتوى:
(1)    من القرية إلى الجامعة: الشاعر والمفكر
(2)    في المنهج
(3)    «المعنى» و«المغزى» في القرآن: حرية المعتقد وإنسانية المرأة
(4)    القرآن: الله والإنسان في اتصال: جامعة ليدن تكرم أبو زيد
(5)     أبو زيد وأركون والعلماء المسلمون والغرب يواصلون الدرس القرآني
(6)    أبو زيد يعيد التفكير في القرآن: القرآن من «النص” إلى «الخطاب”
(7)    العلماء المسلمون يعيدون التفكير في تراثهم: الإصلاحيون وإسلام البداوة
(8)    الدولة الدينية والديكتاتورية والفساد والمثقف والمواطن
(9)    «التفكير في زمن التكفير»: أبو زيد يهزم مكفريه
(10)    أبو زيد ونقد الغرب
(11)    رؤية العالم في القرآن: وضوح أم غموض؟
(12)    رحيمة وابتهال وبدرية وكريمة وآيات ومحمد
(13) أبو زيد كما عرفته
* * *

      الكتابة عن الموت صعبة جدّاً وقاسية ومؤلمة. الكتابة عن رحيل أبو زيد أكثر صعوبة وأكثر قسوة وأكثر إيلاماً. سيكون من الصعب إن لم يكن من المستحيل قول كل شيء عن لحظة وفاة أبو زيد في الخامس من يوليو 2010م في القاهرة. لقد كان خبر وفاته مفاجئاً وفاجعاً ومؤلماً إلى أبعد الحدود، ذلك أنه غادر الحياة باكراً جدّاً جدّاً ولم يفرغ بعد من كتابه الأخير حول نظريته الجديدة في التأويل القرآني: القرآن: من النص إلى الخطاب. ناهيك عن مشاريع فكرية أخرى عن القرآن كان أهمها مشروعه الكبير المشترك مع زميله وصديقه الدكتور علي مبروك - أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة - لتأسيس المعهد الدولي للدراسات القرآنية في إندونيسيا، ومشروع ترجمة الموسوعة القرآنية الصادرة في هولندا مؤخرا إلى اللغة العربية. ومع رحيل أبو زيد يكون العالم الإسلامي والغربي قد خسرا واحداً من أهم علماء القرآنيات والإسلاميات العلمانيين وأبرزهم اليوم في العالم قاطبة. لكن خسارة الوطن العربي ومصر على وجه الخصوص لنصر حامد أبو زيد كانت متواصلة في حياته وحتى مماته. لقد كان تكفيره في عام 1993م واتهامه بالردة أكبر تشويه وتزييف للوعي العام حول كتاباته وأفكاره وبحوثه العلمية، عن القرآن بصفة خاصة والتراث الإسلامي بصفة عامة. ولأن العالم العربي لا يقرأ ولا ينتج معرفة، فقد كان كافياً وَصْمُهُ بالمرتد والكافر في عام 1993م، من قبل الإسلام السياسي ومشايخ كلية دار العلوم في جامعة القاهرة، لقتل صورته الحقيقية التي حُجِبَ أكثر تفاصيلها عن الوعي العام بل وكذلك النخبوي.
     اليوم، بعد رحيل عالم القرآنيات الأميز والأبرز في العالم، الصورة لا تزال مشوهة ومفبركة ومزورة عن نصر حامد أبو زيد. لكنْ هل تحققت أمنية أبو زيد في النظر إلى عيون أحبائه وتوديعهم قبل الرحيل الأخير؟ إنني أشك في ذلك كثيراً، ذلك أن المرض الفجائي الذي ألم به لم يمهله طويلاً كي يقول وداعاً. غادر أبو زيد إندونيسيا إلى مصر قبل انتهاء مهمته هناك التي كان من المفترض أن تنتهي في نهاية يونيو الفائت. هل أحس باقتراب موعد الرحيل؟ هل أراد أن يكون أقرب إلى قُحافة - مسقط رأسه - من أي مكان آخر ليُوارى الثرى هناك؟ لكن المؤكد هو أن صديقه علي مبروك يعرف تفاصيل كثيرة عن حيثيات ما جرى في حياته في الأسبوعين اللذين سبقا رحيله إلى عالم الملكوت. ويكفي هنا اقتباس ما له دلالة في هذا السياق من كلام الدكتور علي مبروك، ويالها من دلالة! فحتى علاج أبو زيد في مصر تدور حوله استفهامات كبيرة!: «لا أستطيع الحكم على أي كلام طبي، ولكن عندما تركته لأول يوم في المستشفى كانت حالته لا بأس بها، فقط لحظات قليلة يبتعد فيها ثم تصبح حالته على ما يرام. وعندما جئنا من المطار كان يتحدث مع السائق بشكل طبيعي جدّاً. لا بد لي من الإشارة إلى أن الخدمة الطبية في مصر سيئة فعلاً، يكفي أننا قضينا عشرة أيام في المستشفى في حالة عدم يقين. لم نكن نعرف مما يعاني نصر بالضبط. الأطباء كانوا يضعون فروضاً ويختبرونها، وكل فرض يقومون باختباره ليومين أو ثلاثة أيام،. قيل إنه يعاني من فيروس، وقيل جلطات صغيرة في الرأس ومالاريا والتهاب سحائي. يبدو أن الانهيار الذي أصابنا في كل المناطق لم يستبعد المجال الطبي.” ويضيف علي مبروك: «لم يدخل أبداً في غيبوبة. حتى الفترة التي انفصل فيها عن العالم، كان ما يزال يتحرك ويفتح عينيه،وجسمه كان يقوم بكل وظائفه الحيوية. أتصور أن معدل الانهيار في إندونيسيا كان أقل منه في مصر، على الرغم من تعاطيه للأدوية التي كان يفترض أن تساعد جسمه على مقاومة الفيروس. عبرت للطبيب عن هذه الملاحظة، ووافقني، بدون أن يعلق أو يفسر. دوماً كان يقال لنا إنه ما دام الجسم قد دخل في منطقة الفيروس فعلينا أن نتوقع أن تظل حالته هكذا لشهرين أو ثلاثة، وعندما يشفي لا يمكن التنبؤ كم سيخسر من قدراته العقلية والذهنية. وقيل لنا إننا نحتاج إلى وقت. أصبت باليأس من كل هذا الكلام. والآن لا أعرف هل يتعلق الأمر بأنه بدأ العلاج متأخراً، أم بالتأخر في القدرة على تشخيص المرض، ولا أعرف أيضاً تفسير الفيروس، هل هو صحيح أم لا”.(5)
     إن تصريحات علي مبروك حول مرض صديقه وكيفية تشخيص حالته من قبل الأطباء تسحب مصداقية الخبر – على الأقل حتى هذه اللحظة - الذي قيل فيه إن موت أبو زيد كان نتيجة فيروس غامض! وكيفما كان من أمر مرض أبو زيد فإنه ليس من المرجح التحقيق في السبب الرئيس لوفاته – المرض - في مصر ولا حتى مساءلة الأطباء الذين فشلوا في تشخيص حالته لعشرة أيام متتالية، لأن التحقيق الذي قامت به مصر كان ضد أبو زيد منذ البداية. كان ذلك هو التحقيق في إيمانه وكتاباته وفكره في محكمة الأحوال الشخصية في القاهرة في 1993م، ومن ثم إعلان التكفير والردة والتفريق بينه وبين زوجته الدكتورة ابتهال يونس - أستاذة الأدب الفرنسي في جامعة القاهرة - في 1995م، الأمر الذي أجبره على الرحيل مرغماً إلى هولندا. إن تشييع جثمان أبو زيد ظهر ذلك اليوم الحزين جدّاً في الخامس من يوليو الفائت إلى مقبرة القرية في قُحافة كان كاشفاً ودالاًّ على مقدار التشويه والتزييف الذي ألحقه الخطاب الديني بفكره في مصر، التشويه والتزييف اللذين لاحقا أبو زيد حتى قبره. بسبب هذا الخطاب شُيِّعَتْ جنازة أبو زيد «وسط إقبال متوسط من ذويه وأهالي المنطقة، كما خلت الجنازة تماماً من أيِّ شخصيات عامة أو مسؤولين أو وفود رسمية”.(6)
     حقّاً فما كان يخشاه أبو زيد أن لا يشيع جثمانه في مصر باحترام يستحقه أي مسلم غادر إلى الرفيق الأعلى. كان أبو زيد قد أوصى زوجته الدكتورة ابتهال يونس – في وقت مبكر من الحياة في المنفى - بعدم إرسال جثمانه إلى مصر لو وافته المنية خارجها: «كل مصري أعرفه يتوق إلى أن يدفن في تراب مصر. لكنني أخبرت ابتهال أنني إذا مت في المنفى أن لا تعيد جسدي إلى وطني. نتيجة للإعلان الرسمي للمحاكم المصرية بتكفيري، أشعر وكأن أمي نبذتني. كيف يمكن أن أنام في سلام في حضنها بعد أن عاملتني بشكل ظالم؟”(7). وعندما شاهد أبو زيد الإهانة التي وجهت إلى جثمان الشاعر نزار قباني في 1998م، حين وقف الإسلامويون كتفا إلى كتف لمنع دخول جثمان قباني إلى المسجد للصلاة عليه، قام بتأكيد طلبه لزوجته: عدم إرسال جثمانه إلى مصر لو وافته المنية خارجها. ومع أن جثمان أبو زيد لم يهن بالطريقة التي كان يخشاها، إلا أن توديعه إلى قبره في قحافة لم يكن يليق بمقامه الكبير على الإطلاق.
     انتقل أبو زيد إلى الرفيق الأعلى بعد 15 عاماً من المنفى الاختياري في هولندا، مخلفاً نتاجاً نوعيّاً وفيراً في حقل الدراسات الإسلامية والقرآنية باللغتين العربية والإنكليزية. كان جرح أبو زيد من وطنه غائراً وعميقاً جدّاً بحيث إنه زار مصر بعد سبع سنوات فقط (2002/2003م) من رحيله إلى المنفى. وخلال الثماني سنوات المنصرمة زار أبو زيد مصر عدة مرات، وألقى فيها عدداً من المحاضرات بدعوات من أصدقاء ومؤسسات. ولعل أبرز تلك الزيارات كانت مؤخراً إلى مكتبة الإسكندرية حيث ألقى هناك سلسلة من المحاضرات عرَّف فيها بآخر بحوثه وإنجازاته العلمية. وعندما وصل إلى هولندا بصحبة زوجته في أكتوبر عام 1995م رفض اللجوء السياسي والجنسية اللذين عرضتهما عليه الحكومة الهولندية، ورفض تقديم نفسه ضحية، لأنه يعتبر نفسه واحداً من أبناء أمة منكوبة بالكامل. كان أبو زيد مدركاً منذ البداية للسياق التاريخي الذي يمر فيه العالم العربي الذي يرزح تحت سلطة الدكتاتورية والفساد، وأن صراعه في مواجهة الخطاب الديني الإسلاموي في مصر وخارجها هو أحد تجليات تلك الدكتاتورية وذلك الفساد. ومنذ اللحظة الأولى لوصوله إلى ليدن Leiden– وصل قبل ذلك إلى إسبانيا وألمانيا - انخرط في عمل دؤوب لتجديد الفكر الإسلامي. إن اختياره لهولندا وجهة جديدة للحياة بعد التكفير والحسبة ذو دلالة مهمة بالنسبة إلى الفكر الإسلامي، فجامعة ليدن واحدة من أعرق الجامعات في أوروبا وتأسست في 1575م، كما أن بها-مدينة ليدن- واحداً من أعرق المراكز الأكاديمية في الدراسات الإسلامية الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى سنة 1593م، وهو الأعرق في أوروبا على الإطلاق. وهناك في هولندا كان في جعبة أبو زيد الكثير ليقوله عن القرآن والفكر الإسلامي.
     اليوم ونحن نتذكر أبوزيد يكون لزاما أن نتذكره إنساناً وعالماً معاً. لا تدَّعي هذه المقالة تقديم قراءة نقدية في كتابات أبو زيد، فقراءة نقدية لكتاباته تستدعي الغوص عميقاً في بنائه الفكري الشاهق، وهو ما لا تقوم به هذه المقالة. وبالرغم من ذلك سأحاول هنا موضعة فكره - القرآني على وجه الخصوص - في سياقه المعاصر والإطلال على سيرته الذاتية لمحاولة الربط بين أبو زيد الإنسان والعالم. إن هذه المقالة، بالنسبة إلى كاتبها، وفاء وعرفان لأبو زيد العالم والمفكر والباحث والمثقف والكاتب والإنسان والمواطن والصديق.

الهوامش:


(1) Abu Zayd, Nasr Hamid. Islamic Cosmology and Quranic Exegesis, p. 7 وقد قام كاتب هذه السطور بترجمة هذه الدراسة إلى العربية وستنشر الترجمة بالتزامن مع هذه المقالة تحت عنوان “علم الكونيات الإسلامي والتأويل القرآني”. كما أن كل الترجمات الواردة في هذه المقالة هي للكاتب وقد قمت بترجمتها بتصرف واختصار. ولن أشير إلى أماكن نشر دراسات أبوزيد الإنكليزية لأن لا علم لي بمعظمها فقد حصلت على كل مقالاته ودراساته الإنكليزية منه شخصيا.وبعض من تلك الدراسات منشور على موقعي جامعتي ليدن والإنسانيات.
(2)Abū Zayd, Nasr with Esther R. Nelson, Voice of an Exile: Reflections on Islam (Westport, Connecticut:
Praeger, 2004), 11.
(3)170السابق ص
(4) http://www.resetdoc.org/story/00000021258 من حوار مصور مع أبو زيد نشر عقب وفاته على الموقع التالي:
(5) انظر أخبار الأدب، العدد 886، الأحد 11 يوليو 2010.
(6) اليوم السابع http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=250043&SecID=94&IssueID=0


http://www.alkalimah.net/article.aspx?aid=3298