13 مايو 2012

زوينة آل تويّه تترجم للناشئة

بلومزبري تنشر ترجمة رواية "ما رأيكم في شكلي الآن؟" للأسترالية رندة عبد الفتاح
 
 عن دار بلومزبري-مؤسسة قطر للنشر صدرت مؤخراً الترجمة العربية لرواية "ما رأيكم في شكلي الآن؟" لكاتبتها رندة عبد الفتّاح ومترجمتها زوينة آل تويّه.
   "ما رأيكم في شكلي الآن؟" الحائزة جائزة الكتاب المُميَّز للناشئة بأستراليا، رواية من 399 صفحة من القطع المتوسط، تخاطب الناشئة من خلال شخصيتها الرئيسة أمل عبد الحكيم. أمل، أسترالية المولد فلسطينية الأبوين، في السادسة عشرة من عمرها، تتمتع بشخصية مرحة وجريئة. عندما تقرّر ارتداء الحجاب تبدأ رحلتها الحقيقية في صراع الهوية، حيث عليها أن تثبت لمن حولها أن الحجاب ليس مجرد قطعة قماش، وأن تواجه القوالب الجاهزة والأفكار المسبقة عن الإسلام والمسلمين في مجتمع غربي يُضلِّله الإعلام والسياسة. هذا الصراع يضعها أيضاً في مواجهة نفسها ومبادئها وأخلاقها لتعيد التفكير في علاقتها بذاتها وبجارتها العجوز اليونانية السيدة "فاسيلي"، وزملائها في مدرستها الأسترالية "مكلينز جرامر" وعلاقتها بالناس من حولها.
   بلغة جزِلة وأسلوب فكاهي سلِس وبسيط، يبتعد عن الصخب والاستعراض، ويناسب عمر أمل، تدخلنا رندة عبد الفتاح إلى عالم المراهقة على نحو شائق، وتسبر حياة أمل وأصدقائها آدم وجوش وإيلين وسيمون وياسمين وليلى، بشكل يجعل القارئ يحترم تجربة هذه المراهقة العربية في مجتمع غربي، فهي في النهاية تمرّ بتجارب قد يمر بها أي مراهق في أي مكان بصرف النظر عن الجنسية أو العرق أو الدين، فعلى الرغم من الخلفيات العرقية والدينية واللغوية المختلفة لأصدقاء أمل وغيرهم من شخصيات الرواية، يتجلَّى العنصر الإنساني على نحو مؤثر في العلاقة بين الجميع. وهكذا تصل أمل إلى قناعة وإيمان راسخين بأن قرارها ارتداء الحجاب يبقى قراراً شخصياً محضاً، وعلاقة خاصة بينها وخالقها، وأنها بسبب هذا القرار توصلت إلى معرفة ذاتها أكثر وإلى معرفة الجميع من حولها بشكل أفضل يبتعد عن النزق والحكم الجاهز.
    وُلِدت رندة عبد الفتاح في أستراليا لأب فلسطيني وأم مصرية. وتعيش في "سيدني" مع أسرتها حيث تعمل في المحاماة. وقد حظي كتاباها "عشرة أشياء أكرهها في نفسي"، و"حينما كانت للشوارع أسماء" بتقدير كبير من القُرّاء والصحافة. ونُشرت كتبها في أكثر من خمس وثلاثين دولة. تعدّ عبد الفتاح من أهم كُتاّب أدب النشء والشباب ومن أكثرهم نجاحاً.
مقطع من الفصل الأول
(1)
     داهمتني الفكرة بينما كنت أتمرَّن على جهاز المشي الرياضي في البيت، وأشاهد حلقة في مسلسل "فريندز" تُعرَض للمرة التسعين.
    إنه ذلك المشهد الذي ترتدي فيه "جنيفر أنيستون" ثوبَ عروسٍ بشعاً في حفل زفاف صديقها السابق. الكل يهزأ منها وتودُّ لو تهرب وتختبئ. ثم فجأةً تواتيها الشجاعة لتقفز فوق المنصَّة وتغني أغنيةً ما اسمها "كوﭙاكابانا"، أيَّاً ما يكون معناها. أقول لكم، إن هذا المزيج من الحماسة والقوة والاقتناع هو ما جرى في عروقي لحظتها. ضغطت زرَّ الإيقاف للطوارئ، ووقفتُ ببنطالي "الأديداس" القصير والـ"تي شيرت" الذي يحمل صورة "ويني ذي ﭙو"، مأخوذةً تماماً بذلك المشهد. كان ذلك أشبه بأن أخطو إلى خارج غرفة، مغلِقةً الباب ورائي؛ لأخطو إلى غرفة أخرى. في دقيقة واحدة كان ذلك آخر شيء في عقلي، ولكن الآن، وبعد أن تدفقت الشجاعة في داخلي، شعرت بأن الأمر صائب بشكلٍ لا يُصدَّق.
     كنتُ مستعدةً لارتداء الحجاب.
   ذلك صحيح. "ريتشل" في "فريندز" هي التي ألهمتني. سوف يعقد الشيوخ مؤتمرات طوارئ.
   كان ذلك في الرابعة وثلاثين دقيقة بعد ظهر الأمس. إنها الآن الثالثة وعشرون دقيقة صباحاً، وأنا متمدِّدة فوق السرير، أحاول فهم ما إذا كنت مستعدةً حقّاً للمضي في قراري، بينما أشاهد شخصاً في التلفزيون يحاول إقناعي أنني أستطيع -بتسعة وأربعين دولاراً وتسعةٍ وتسعين سنتاً- شراء فتّاحة علب قادرة على تقطيع البطيخ.
    لا أستطيع النوم من ضغط فكرة ما إذا كنت أمتلك الجرأة لفعل ذلك. أن أرتدي الحجاب؛ غطاء الرأس، طوال الوقت. "حجاب بدوام كامل"؛ هو ما أُطلقه أنا وصديقاتي المسلمات على الفتيات اللاتي يرتدين الحجاب طوال الوقت، وهذا يعني أن ترتديه الفتاة عندما تكون في حضرة ذكورٍ ليسوا من أفراد أسرتها الصغيرة. "حجاب بدوام جزئي"؛ مثلي، نرتدي الحجاب كجزء من زيِّنا في المدرسة الإسلامية أو حينما نرتاد المسجد.
    بقيت أربعة أيام من إجازتي المدرسية. أربعة أيام لأقرر ما إذا كنت سأبدأ الفصل الثالث في مدرسة "مكلينز جرامر" فعلاً بحجاب بدوام كامل أم لا. ينبغي أن تعرفوا الآن أن فكرة دخولي المدرسة مرتدية الحجاب تجعل شعر أنفي ينتصب.
وفي هذه المرحلة ربما ينبغي أن تعرفوا أيضا أن اسمي أمل محمد نصر الله عبد الحكيم. يمكنكم أن تشكروا أبي وجدي لأبي وجدي الأكبر على هذا. نعتتني المعلمات بالبطيئة في الروضة؛ لأنني كنت آخر طفلة تتعلم أن تتهجَّى اسمها.

ما أجمل هذا الحب!

   عادل الكلباني       


لو يتفجر حزن من عينيك

لو يتفجر دمع من عينيك

وأغرق في حزن أسود

***

من يخرجني

من ينقذني

من يشرع في مد يديه إلي

ويمسح عني كل آهات الدنيا

***

كل خطواتي انزلقت

في ذكرى الأمس

وغياب الأمس

لن أحيا وحيدا من دونك

تكفيني الذكرى

***

وظلك مرسوم في روحي

منذ اخترقت القلب بنظرتك الأولى

آه.. من نظرتك الأولى

     ومن كلمتك الأولى

     ومن بسمتك الأولى

     ومن لمستك الأولى

     ومن قـُبلتك الأولى

***
أضرمت النار في قلبي

وظلت مسعورة لم تطفئها كل مياه الدنيا

والدنيا تعبرني

وجوه وجراح ومواقيت

***

لا ظل مرسوما في الذكرى غيرك

لا حب إلا حبك

ولا درب إلا دربك

بك أصبح وأمسي

وأموت وأحيا

***
إذا قارنت بك نساء الدنيا

لا أحد منهن تساوي روحك

فقلبك كبياض الثلج

معجون بالطيبة والتقوى

***
أشتاق إليك وأنا قريب منك

وأشتاق إليك وأنا بعيد عنك

وأشتاق إليك غاضبة مني

وأشتاق إليك ناسجة لي فرحاً

في بيتي كالعيد

***

لو يسري قلق في أعماقي

وأحاول أن أحجبه عن عينيك
أتكلم عن شعر

عن قصة

عن حادثة تروى

كي أهرب منك

لئلا تلمس روحك أحزاني

***

أتيت إليك عطشا

منك أستمطر السحبا

***

واخضرت براري القلب

بفيضك

غزير الحب والقربى

***

سأسكب أكثر الأشواق غدقا
إلى أن يصفو

وجهك الأجمل

وتزهر في أرضك

ملحمة عشق لا تُنسى

***

وحدي جئتك بلا صخب

عدا قلم وأشواق

مبتسما

وفي القلب حنين

يرسم الحبا.

***

هنا في قلبي زرعت زهرتك الأولى

مازال اللون الأخضر يكسوها

وأضواء  الطيف كربيع

دائم تسافر فيها
إذا جاء الصيف اخضرت

وإذا جاء الشتاء

اخضرت في دمي  أكثر

***

في القرية لا نعرف إلا فصلين

صيف وشتاء

في القرية كمقنيات تروى

حكايات عشق كبرى

***

أنا وإياك
أول من خط لهم

سورة عشق

وسيرة حب

ومعنى

***

من أهداني هذا الشوق

من علمني عشقاً لا يهدأ

يا ربي.. ما أجمل هذا الحب

          ما أجمل هذا الحب

10 مايو 2012

أكثر من 250 منظمة مدنية توقع نداء تضامنيا مع الخواجة ورجب في بروكسل

عبدالعزيز طارقجي: عبدالهادي الخواجة ونبيل رجب من رموز المدافعين الحقوقيين الأبطال في عالمنا العربي.. سطرا أروع مواجهة برأيهما الحر وكلمتهما العظيمة لينتصرا على رمز الظلم والاستبداد الديكتاتور حمد بن عيسى آل خليفة
الناشط الحقوقي نبيل رجب يحمل صورة رفيقه المسجون عبد الهادي الخواجة قبل أن يلقي زبانية آل خليفة القبض عليه هو أيضًا.. البقاء للخواجة ورجب ورفاقهما.. الزوال لآل خليفة ونظامهم غير الشرعي الذي يرفضه البحرينيون وسيقتلعون شره

وقع أكثر من 250 منظمة مدنية وحقوقية من العاصمة البلجيكية بروكسل، نداءاً تضامنياً مع الناشطين الحقوقيين المعتقلين لدى السلطات في البحرين عبدالهادي الخواجة ونبيل رجب.


ووقعت المنظمات المشاركة في المنتدى المدني الذي نظمه الصندوق ألأوربي للديمقراطية وحقوق الإنسان في بروكسل خلال الفترة من 7إلى 8 مايو وحضره مسؤولون أوربيون تضامنوا مع الحقوقيين البحرينيين المعتقلين.
وأبدت المنظمات والمشاركون في المنتدى تضامنهم مع الناشط الحقوقي عبد الهادي الخواجة ممثل منظمة "فرونت لاين" للشرق ألأوسط، المضرب عن الطعام منذ ثلاثة اشهر والمحكوم مدى الحياه من قبل محكمه عسكرية.
كما تضامنت المنظمات مع ورئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان نبيل رجب المعتقل قبل أيام من قبل السلطات.
ولازالت 4 نساء بحرينيات معتقلات لدى السلطات على خلفية تعبيرهن عن رأيهن بشكل سلمي.
ومن جانب أخر أعلنت الجمعية الفلسطينية لحقوق الإنسان(راصد) تضامنها مع الناشطين عبد الهادي الخواجة ونبيل رجب وطالبت السلطات البحرينية بالإفراج الفوري عنهم دون قيد أو شرط .
وقال رئيس الجمعية (راصد) الناشط الحقوقي عبدالعزيز طارقجي: إن عبدالهادي الخواجة ونبيل رجب من رموز المدافعين الحقوقيين الأبطال في عالمنا العربي ، فقد سطروا أروع مواجهة برأيهم الحر وكلمتهم العظيمة لينتصروا على رمز الظلم والإستبداد الديكتاتور حمد بن عيسى أل خليفة .
وأضاف : إن ما يقوم به ملك البحرين ونظامه من أعمال إرهابية بحق شعب البحرين المظلوم لايختلف عما يقوم به الإحتلال الإسرائيلي لشعبنا في فلسطين لذلك من واجبنا المهني والإنساني والأخلاقي والوطني والعربي أن نكون سنداً إلى جانب أهلنا في البحرين لحين رحيل هذا الديكتاتور ونظامه ، والحرية لأخوتي وزملائي عبدالهادي الخواجة ونبيل رجب وإن شمس الحرية هو بقريب .

05 مايو 2012

تجّارنا والثقافة العمانية

يحيى الناعبي

    كم تأثرت بمقال للصديق القاص محمود الرحبي عنوانه "تجارنا والوجه القبيح للمال"، وطريقة الاستجداء للتبرع في ميزانية جمعية الكتّاب والأدباء، والذي لا نفع منه في وجه من لا وجه له في الخير لهذا البلد، وحقيقة ذلك التقديم يا صديقي محمود ليس له داع فما يحدث في هذا المجتمع هو عمى للبصيرة وليس للبصر، فلكل مجتمع هويته التي يفخر بها ما عدا هذا المجتمع الذي نعيش فيه، حيث نال نصيبه من التشوه بما لا يدع مجالا للحسد، وأنت تذكر أمثلة مثل العويس والبابطين والماجد والغرير والفطيم والكثير منهم ناهيك عن الجوائز التي تصرف من قبل الآخرين في غالبية الدول الخليجية والذين يمثلون فئة التجار، تشجيعا للثقافة والمثقفين بمختلف الأجناس الأدبية، في حين وما يدعو للسخرية لدينا تجّار من الفئات الثرية جدا بمنأى عن هذه المشاريع الإنسانية التي تخدم البشرية جمعاء وليس فقط المجتمع العماني إن كانوا على عداء مع هذا المجتمع، والغريب في الأمر أن فئة منهم تنحدر من سلالة ثقافية يشهد لها التاريخ والمؤلفات بدورها في اثراء الثقافة العمانية في مراحل مختلفة من مراحل عمان التاريخية، في حين استغل أحفاد تلك السلالة أجدادهم لنيل الثروات تحت البروباجندا المرسومة "كان جدي"، فتولوا المناصب ونصبوا فخاخ الأموال في حساباتهم، كما اهتم البعض الآخر بتجميع المال بمظلة المنصب السياسي، واستطاع أن يتحايل على مقدّرات البلد المادية من أجل التحويشة المليارديرية، وطبعا تعج الأقاويل وتتداول بين أفراد المجتمع حول تلك النخبة المشرّفة في التسابق لتحويل أموال الدولة إلى جيوبهم الخاصة، مشاركين ما يفيض منها ذويهم والمقربين من الخواص.
    الغريب في الأمر أن رأس الهرم السياسي في الدولة من المهتمين جدا بتراث وثقافة هذا المجتمع، ورسم مع معالم النهضة الأولى لعمان الركائز الأساسية للحفاظ على تراثه وثقافته، وأعلن عدم مصادرة الفكر ذلك الذي تعتبره هذه الفئة من ألدّ أعدائها، فكان من جلالته أن وازن في كثير من الأمور، وترك مؤسساتها ضمن الإطار المتوازن، لا يغلب طابع على آخر، وهذا الجانب يمثل دورا تنويريا بحيث يضع الخيار في متناول الفرد بحسب ثقافته ووعيه، بل إن الجميع يشمله الاطلاع قبل أن يختار. لكن هذه الفئة من التجّار التي من أولى مصالحها تأطير المجتمع ضمن قالب تجهيلي لا يهتم سوى بجملة بائدة "أنا وبعدني ود الشايب"، وهم يضحكون عليه من منابرهم التي تمثل الدرجة العاشرة من فئة السياسي المحنّك، ولكن الزمن أراد أن يكون معهم لأن المجتمع ضحك عليه بتقاليد لم تكن ذات يوم جزءاً أساسياً من  نضاله على مر التاريخ.

   كم آلمني منذ فترة قريبة من العامين وأثار حنقي عندما علمت بأن مؤسسة خاصة من احدى الدول المجاورة، أتت إلى وطننا العريق لتجمع منه المخطوطات التي لم يتم طباعتها، بحيث تتكفل هي بذلك في حين تجّارنا لاهون بالكيلومترات الشاسعة في الأراضي، وسرقات المال العام، والتناحر بينهم نحو تقسيم الكعكة، والبلد سوف يغسل تاريخه ويعاد نشره بألوان غير التي نقشها على صخرة التاريخ.

04 مايو 2012

تجار عُمان.. وسفور الوجه القبيح للمال

الكاتب محمود الرحبي
محمود الرحبي
 
    إن إخفاء الوجه القبيح للمال غدا سمة عصرية مألوفة وضرورية لدى معظم رجال الأعمال في العالم، وذلك بأن يتبرعوا بسخاء لإحياء وتفعيل مناشط ثقافية وفنية وترفيهية واجتماعية وإنسانية، وبصورة بدت عجيبة ومحمومة وتنافسية، حتى إنه بلغت كمية المبالغ التي تبرع بها  بعض الأثرياء ما يساوي ميزانيات دول بأكملها.
 
   لماذا يفعلون ذلك يا ترى؟ في رأيي ثمة أسباب كثيرة من أهمها أن المال بطبيعته قبيح ومربوط بالجشع والاحتكار والشره والتنافس، فلا بد بالتالي من زراعة مساحات خضراء حوله، مساحات عطرة يمكن لأريجها أن يخفي ولو قليلا  نفاذ تلك الرائحة العطنة.
 
   في بلادنا المسألة تخضع لاستثناءات كثيرة. حتى أولئك الذين استفادوا من سخاء الدولة، بل كانوا يوما ضمن أركانها، وغدوا أثرياء ومترفين ومنعمين، عندما يأتي الأمر للتبرع، حتى بالقليل القليل من المال، ترى أياديهم مغلولة، وأصابع راحاتهم  منقبضة.
 
   لم أسمع  إلا فيما ندر عن تاجر عماني، وما أكثر تجار عمان وأثرياؤها، بأنه تبرع بقسم يسير من ماله على وقف نشاط ثقافي أو فني أو حتى ترفيهي، إلا من ندر منهم ورحم ربه،  وإذا تبرع فإنه مرات معدودة، وذلك لانتفاء نية قصد الاستمرارية، بيد أن هذا المشروع لن يكتب له الاستمرار بدون وقوف المال إلى جانبه طويلا، ورعايته كما يرعى الشجر المثمر.
 
   أذكر أني زرت مرة مؤسسة العويس، صاحب جائزة العويس الثقافية الشهيرة، كنت أحسب بأن تبرعات صائد اللؤلؤ الثري تقتصر على الجائزة وقيمتها المجزية فحسب. ولكني انبهرت حين علمت  بأن  سخاء التبرع عنده  يمتد إلى مشاريع كثيرة ضمنها مكتبة عامة للطلبة والقراء والباحثين، مزودة بمقهى مجاني، ناهيك عن الكثير الكثير من المدارس والمنح ومما لا حصر له من تبرعات تركت الناس يلهجون باسمه وبحسناته حتى بعد رحيله بسنين. وقد أصبحت الآن جائزة العويس ترعى نفسها بنفسها، حيث أوقفت –مع الوقت- لنفسها مشاريع استطاعت بموجبها، ليس أن توظف الكثير من القوى العاملة فحسب، إنما  أن تدعم كل مشاريعها المقبلة وتفرعت الجائزة بسبب هذه الأرباح. ورغم أن الجائزة  اكتفت بأرباحها لكن بقي اسم العويس- صاحب الفكرة والنية– خالدا بخلود الجائزة، ومقترنا ذكرها بذكره، ومشعا  إلى جميع أنحاء العالم العربي. وذلك من خلال جائزتها القيمة ماديا ومعنويا. هكذا تكون الحسنة بعشر أمثالها حتى على الأرض، فالخير الذي تتضاعف حسناته عشرات المرات يغدو مع  الزمن لانهائيا، وحسناته لانهائية في عدها دنيا وآخرة.
 
   وعلى سبيل مثال العويس، وثمة أمثلة عربية كثيرة: مؤسسة كومار للتأمين في تونس، وبنك الوفاء في المغرب، ومؤسسة شومان في الأردن.. إلخ. وليس هذا المقام  المناسب للحصر. ولكني أطرح تساؤلا ملحا، يدور في أذهاننا منذ عشرات السنين، وهو  أين أمثال هؤلاء في بلادنا؟.
    سيكون من المجحف طبعا إنكار العديد من أصحاب الأعمال الذين يتبرعون في السر، ولكن أين هم أصحاب المشاريع الخالدة الولودة، ذات الرحم الخصبة التي تتوالد خيراتها بدون انقطاع أو توقف. فجمعية الكتاب والأدباء على سبيل المثال لا الحصر – وأنا عضوا فيها- تستصرخ  بصمت، بأن ليس في خزينتها ما يكفي لإحياء مؤتمر ثقافي ذي شأن، أو لدعوة مثقف هو صديق لعمان ومحب لتاريخها وحاضرها، مع عدم إخفاء الجهد المضني الذي يبذله رئيسها محمد العريمي، ورؤساء وإداريون سابقون لهذه الجمعية الدائر أعضاؤها  كل سنتين.
 
    ثمة وجوه كثيرة للمال، هناك من يحسن ثروته بالذكر الحسن والتبرع والإنفاق اللامحدود. هناك من  يسرح ماله في الخير وسد الحاجات بأنواعها، ولكن بالمقابل هناك من يقبضه كل القبض، ويدفنه كما تدفن الجثث.
   ما يحتاج إليه كل عمل معرفي أو ثقافي هو ما يحتاج إليه تاريخ المكان وتصريف طاقاته في حقول البحث والعمل والإبداع والنماء المعرفي المتكامل. ما تحتاج إليه المناشط الثقافية هو ما يحتاج إليه الوعي، وما يحتاج إليه الوعي هو ما يحتاج إليه العقل، وما يحتاج إليه العقل هو ما يحتاج إليه الرضيع في مهده.
   هناك حكمة عمانية قديمة ترى أن البخيل إذا اغتنى فجأة فإنه يحتاج إلى  أربعين عاما حتى يظهر غناه عليه، ويحتاج إلى أربعين عاما أخرى حتى يظهر غناه على غيره.. ولا بد أن هذا المثل الساخر يقصد به الأغنياء البخلاء، والمثل يشتد ويمتد ويتمادى في سخريته حين يجعل هؤلاء الأثرياء يستمتعون بغناهم وهم في أراذل العمر،  ثم يستمتع غيرهم بغناهم حين يتحولون إلى عالم الغيب.. وإلى جانب هذه الحكمة هناك مثل عماني  ساخر يقول: "مال البخيل ياكله العيار". والمثل لا ريب يقصد به البخيل الغني، فصفة البخل لا تطلق عادة إلا على صاحب مال، أي البخيل بماله، ولكن كان جزاؤه أن يسلط على هذا المال المقبوض والمدفون فتى أو صبي عيار عابث،  يظهر فيما بعد، أي بعد أن يوارى صاحب المال التراب، أو ربما قبل ذلك بقليل، أي أن ما كان (مدفونا من مال يظهر فجأة بسفور ويبذر ويعبث به بدون حدود، وصاحبه مدفون أو في طريقه إلى الدفن) وربما ذلك القدر المنتقم يبرز نكاية بصاحب المال البخيل. وعقابا على قبضه وبخله. فما أكثر القابضين أموالهم في بلادنا، وما أكثر العيارين الذين ينتظرون بفارغ الصبر.
 
   كتب الكثيرون عن هذا الأمر. وأبرز من أتذكره في هذا السياق الأستاذ أحمد الفلاحي الذي أفرد  لهذا الموضوع أكثر من مقال، داعيا وحاثا أصحاب المال أن يدعموا جميع حقول المعرفة في بلادنا، وأن يتبنوا جوائز ويوقفوا مجالس خير ومنفعة عامة، ولكن كل ذلك لم يلق استجابات واضحة، فخزائن المعرفة والبحوث والأدب ظلت فارغة تستصرخ بصمت، بينما خزائن المال تصرف بسخاء في الهواء الطلق.

مقنيات... ذاكرة النخل والماء

عادل الكلباني

لمقنيات فيضان من التاريخ والأحداث والذكريات، سُميت بهذا الاسم كما يقول الرواة لكثرة قنواتها المائية، فيها فلج (المحيدث) في الحاجر، عينه تنبجس من أم الفلج ويسقى به نخيل الفالق بساتين وضواحي.... وفلج (المُـدق) عينه تتفجر من أم الفلج في صلب الوادي ويمتد تقريبا لمسافة كيلو متر واحد ويسقي نخيل البلد حتى تصل حدود سواقيه البصرة وشاط، وفلج (القرواني) في الجناة يتدفق مخترقا غابات النخيل في روعة تدعو للدهشة من فن نحت السواقي للعمانيين القدامى إذ إن هذه التقنية الهندسية في الحفر تجعل المياه تسيل بانسيابية على مستويات وحدود منضبطة لا ثغرة فيها للسهو والخطأ.
***
ومما يزيد علامات التعجب والفخر في (الجناة أو الجنة كما يقول أهلها) كيف استطاع العمانيون القدامي زراعة هذا الكم الضخم من النخيل! في امتداد عمودي وافقي يجتاحك فردوسها من كل جانب ويغريك بمنظرها البديع، وإذا هفت نفسك الى نضرتها داخل ظلالها المعتقة برائحة النخل والتراب والماء والمشي على قدميك خصوصا إذا بدأت رحلتك الخضراء من مدخلها في الوادي الذي تقبع بالقرب منه شجرة (زام) ضخمة تفرد أحضان ظلالها كأم رؤوم فإنك ستقطع ما يقارب نصف كيلو متر تقريبا أو أكثر تسيح بعينيك في مداها الأخضر عن يمينك وشمالك تنوس فيها أشجارها الباسقات تعانق الضياء والمطر بالثمر النضيد.

***
وتسمى مقنيات (النبهانية) ربما لأن أحد ملوك النباهنة، الملك النبهاني فلاح بن محسن قبل أربعمائة سنة تحديدا في 792هـ، جعلها في أيامه مركزه، وبناؤه للحصن الأسود الذي سماه تيمنا بابنه الأسود-  الحية لغة- فوق قمة جبل عتيد يحيط بالبلد من كل اتجاه يسيل الوادي تحته مباشرة نادرا ما نضب رغم سنوات القحط والجفاف، يعد فكرا استراتيجيا عبقريا لفن العمارة العمانية في استيعاب الجغرافيا لفهم الطبيعة في بعديها الزمني والمكاني وتطويعها فيما يخدم أهداف وتطلعات عمرانهم الراقي المتمثل في بناء هذا الحصن العظيم الشامخ تاريخ وحضارة.
***
تنقسم مقنيات إلى قريتين، أنصفهما الوادي كضفتين: حاجر وجناة.

قرية الحاجر وأشهر أمكنتها: (شاط، البصرة، المجيديرة، المقصورة، حارة غور النجوم، الجفيرات، حارة الصرندحة، الغبب، الفالق، بيت الجبل، بيت السيح، طوي العروس، طوي السحناة، المقاطع، طوي النخل، طوي سلام) - والطوي هنا البئر أو المزرعة.

قرية الجناة أو الجنة عند اهلها. لا أعرف لماذا رفعوا قديما ألف الجنة؟ وأشهر أمكنتها: (حصن الأسود، البدعة، معقل المطيري، صعبة، القرين، الطيخة، الناحي، البداع، العويرض، الخبة، السليل، الحارة، طوي الظاهر).
-----------------------------------------------------------------------------------
قصيدة الحاجــــر

الفجر يبدأ في وجهك
ويسافر نوراً ومرايا
**
يتجلى عطفك في نخلك
ونقطفه ثمراً وهدايا
**
مازال العصفور يغني
وصغاراً كنا نرقبه
ونقذفه بالأحجار
أولاداً وصبايا
***
أشجار المانجو شاهدة
والموز والليمون
وسماء ترسل أمطارا
يتدفق سيلاً وسواقي
***
مأ اجمل أيام الجدة
قصص وحكايا
وقمرا يزهر في الليل
يذرذر ذهباً في السعف
وينير طريق الماشي
***
طفولة عمري قد مرت
في أرضك
على دربك
وتهادى شوق وتحايا
***
شجرك.. ما أروع شجرك
ينهض طفل من غفوته
ويسابق لعبته في ظلك
ويشربك من فيض الذكرى
أزمنة في  حب الحاجر
***
محجور عشقك في صدري
محجور
محجور
محجور
***
لو عاش في قلبي آخر
آه.. من هذا الآخــــــر
أتعبني وعذب  دنياي
ذكراه.. تسطع في الحاجر 
روحاً وريحان وحنيناً
يراوح
أمكنة لا تنسى
******************************
قصيدة الجناة أو الجنة عند أهلها

لماذا رفعوا ألفك  في الماضي
ربما دلعا منهم... فللبلدان أسماء دلع أيضا
جنة أهلك
وجنة دارك
ومن زارك تلتحف عينيه باللون الأخضر
فطيبتك صافية كالماء
ونفوسك خضراء كالعشب
وأرضك أسفار للعشق
وضواحيك كالغابات
 باسقة بالنخل
***
مروج سواقيك القادمة
من فلج القرواني
يمام هارب إلى حضنك
من أصقاع الأرض
***
من اليوم سأكتبك الجنة في حرفي
وسأرسمك الجنة  في لوحة أشعاري
***
حفيف أشجارك يغريني بالظل
ورفيف طيورك يحلق بي في العالي
علني أنهمر قطرة مطر في عينيك
***
أفيضي علي من لحنك
فكل ما فيك دافق بالأشعار
***
ارويني كأساً من شهدك
 سنغـني مع نخل الذكرى
فقد فاض النبع الرقراق
عُشاقاً
عُشاقاً
عُشاق.

01 مايو 2012

وثامنهم كلبهم...


عادل الكلباني

إلى أحمد الزبيدي... أيضا

   سأبحث عن مصحة فما أعانيه لا يستطيع فرزه والشفاء من هلوساته الا طبيب نفسي، هذه التصرفات التي اراها كل يوم من كل الوجوه تجعلك تمتعض وربما تحاول ان تنتحر بمقص، هل سمعتم عن انسان انتحر بمقص؟، سأقص كل شيء من الذاكرة الوجوه والتاريخ والذكريات، وسألقي بها في المهملات، لم اناقش احدا في الامر حتى الآخ ابو الغالية  الذي لم ألتقه منذ خمسة شهور الا بالرسائل، عالم افتراضي الكل يسبح فيه بحمده، هذا الانسان فقط اذا جمعنا لقاء تناقشنا عن الثقافة والادب، عن المثقفين في عمان الذين كانوا احد الاسباب التي ألجأتني مؤخرا للمصحة، لا تستعجلوا سيأتي دور هؤلاء المذبذبين لاحقا، المهم ان لا احد في هذا البلد مهتم بثقافة  او ادب، عدا هذا الآخ الذي تمر اشهر ولا اراه.

***

    ضربت  موعدا للعيادة النفسية، وفي الصباح الباكر دخلت المستشفى مباشرة اليها، ماذا لو رآني أحد من البلد؟ ....  خبر عاجل، خبر عاجل، عادل  تجنن (هيقولوا ما لايمه فيه وهم يسخرون بشماتة) (احنا قلنا هيتجنن) من قراءة الكتب والكتابة التي لم  يحصد منها  الا الكره والضغينة، خاصة من بشر امقتهم، وامقت تجبرهم واستعلاءهم الفارغ على الناس، خشومهم في السماء لكنهم لن يخرقوا الارض ولن يبلغوا الجبال طولا، وليس لهم فضل على احد (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى).

***

    جلست في قاعة الانتظار لم يكن غيري فيها، كان عند الطبيب مواطن يشكو الكآبة والضيقة والغضب، لو تحافظ على اخذ الدواء باستمرار لما تكررت هذه الحالة النفسية التي تعاني منها قال الطبيب له وهو يكتب وصفة اخرى للمريض، طافت في ذاكرتي حالة المواطن المسكين، في المنزل يخشى الزوجة من نظرة او بسمة او خطأ او نسيان، في المسجد يخشى الإمام من أن يراه متقدما او متأخرا في الصف، في المكتب يخشى الحكومة من ان يخونه لسانه الثرثار ويورده المهالك، فابتسمت... لم يكن الفاصل بيننا الا باب الطبيب المفتوح على القاعة، اعاد الطبيب النصح كرة اخرى للمواطن، وهو يدلف خارجا من الباب، وبعد فترة سمعت احداهن تناديني وانا  انظر اليه وهو يغيب بعيدا في الزحام، نهضت واتجهت صوب الطبيب، واغلقت الباب ورائي، ألقيت السلام عليه ونظر الي نظرة تعجب عن الباب المغلق ربما، وعندما رد السلام قلت له: من فضلك دكتور انا  ضربت موعدا معك منذ اكثر من شهر، وارجو ان يتسع صدرك لي، ولقد اغلقت الباب ليكون حديثا بين صديقين، قبل ان اكون مريضا بكل الامراض النفسية التي عرفها ابن سيرين في احلامه او فرويد في نظرياته، سأقص عليك باختصار بعض من المواقف التي مرت في حياتي، كحياة عامة لمجتمع، لعلك تفكك الاحداث، وتجد لي في باطنها ما يؤدي الى الخلاص.

(1)

    احدهم التقاني كالثور الهائج يهدد ويتوعد ويزمجر لأن كتابا صدر لي العام الماضي اساء اليهم كما يعتقد، دون تمحيص او معرفة للحقيقة، وعلى حماقتي ووقاحتي ولا اسمح لمخلوق بأن يسيء إليّ دون وجه حق، الا اني لم اعامله بالمثل. امتصصت صدمته كالاسفنج وهدأت خاطره وهو يفح بالغضب كأفعى رضت على الرأس ولم يبق منها قبل خروج الروح عدا الناب والسم.

(2)

هذا الرجل الذي كنت اوقره واحترمه في الطفولة بل كنت اعتبره مثلا في حياتي، حتى اني كنت اقلده في اكثر تصرفاته التي كان يقوم بها استهزاء وسخرية بالآخرين، فجفاج(1) لا يرى غيره في الشهامة و الشجاعة - بالصوت العالي طبعا-، هذه الشخصية لعبت دورا سلبيا في  حياتي، فحين توالت الايام انكشفت الحقيقة ساطعة كالشمس، للأسف لم يكن له  دور بارز في اصلاح المجتمع ومساعدة الناس كما يدعي في اراجيفه بل على العكس تماما لم يكن له موقف او مبدأ في حياته، الا مصلحته الشخصية، ما يقوله اليوم ويحلف عليه بأغلظ الأيمان ينقضه غدا بكل برود، ليعيد تشكيل نفسه  كالحرباء حسب الفصول والمواقيت.

(3)

    في السابق كان لي كالعنصر الذي لا يمكن الاستغناء عنه، لم اصاحب انسانا في حياتي مثله، اشتاق واحن اليه  اذا سافر او غاب احس ان الدنيا خالية بدون هذا الرجل، لكن ولله الحمد اتأقلم مع أحزان الجرح والغياب، لا اقول ان ذلك لن يترك اثرا في نفسي المأهولة بالخيبة والخيانة والانكسارات، ولكن سيكون كأثر لحريق ضار في الجسد منذ عهد بعيد، وما تبقى منه الآن بعد لسعة  النار سوى وشم للذكريات.

(4)

    معادلة صعبة ومعقدة هذه الحياة، فالانسان الذي كنت تعتبره مهما في حياتك يتحول امام عينيك بمواقفه واسلوبه وتصرفاته كي يسلخ جلده متحولا الى انسان آخر لا يمت بصلة لما كان يقوله ويدعيه سابقا وينسلخ منها، ويمارس عكس الحب والحنين الذي تكنه في قلبك له اثر هذا المسخ المتحول اليه، لا يمكن بأي حال من الاحوال لمثلي بالطبع ان يطيقه او يهضمه او يستوعبه، بل سيحدث ما هو طبيعي في مثل هذه الحالة، ان ترمي بكل اسماله وذكرياته وآخر احترام له في اقرب برميل للزبالة.

(5)

    لقد حزنت من تصرفات هذا الرجل وكيف تحول اخيرا الى مهرج او اراجوز، لا شوقا اليه او حبا فيه كالسابق ولكن ابكي خسارة العمر الذي مر مع فزاعة  كهذا مفتون به حتى الهوس دون موقف او مبدأ للذكر في دنياه.

(6)

     ادعى فارسهم – وهو لا يقرأ في السنة كتابا- أن  بمقدوره أن يكتب عشرات الكتب كالتي اكتبها، وكاتب مغمور مثلي يمارس أبجديات الكتابة كشفاء له من هذا التشظي والتمزق الذي وصل منتهاه يمارس نحت الالم والحزن والضياع و العذابات تفجيرا لما في نفسه من قلق يعتريه ويسكن فيه... كي يهدأ ربما، بعد ان يرسم من دمه صورا لدمار يتكرر على مستوى الإنسان والوطن...، ثم يأتي هذا الشبيه الذي لا ينقصه الا قرنان فوق  رأسه، ويدعي ذلك لحاجة في نفسه، فستلعن نفسك والثقافة المقرفة ألف مرة التي اوصلتك لأن يتندر عليك مخلوق كهذا.

(7)

    من مفارقات الكتابة وجحيمها ان صدمني ابو نظارة  بسيارته في الشارع، وحين قلت له (الحبيب تراك دعمتني) قال لي (انت ما تسوالي ادعمك)، وهذه ليست زلة لسان بالطبع، فالعقل الباطن لهذا  الغر وما فيه من تراكمات موروثة بالدونية للآخرين يجعله ينظر الي كحشرة، بشر يعانون من الشيزوفرينيا مخلوطة بالبرانويا ويصدرونها لاجيالهم  في جيناتهم بمتوالية هندسية وراثية تدعو للدهشة والاستغراب،  لكن والحق يقال ان ابو نظارة الذي لا تفوته صلاة في المسجد ويرحل الى  العمرة كل اسبوعين جاء واعتذر وطبعا قبلت اعتذاره...  لكن ليس بمقدوري البتة ان انسى قوله ما حييت، بينما احدهم حين يلاقيني يأخذني بالأحضان والخشوم وبسمته تملأ الوجه وحين يروغ  كالثعلب عني ويجتمع بأخلائه يحرضهم ضدي ويكيل ما يحلو له من تصغير واحتقارات.

 (8)

    في حفلة حضرتها في فندق مع بعض الشعراء دخلنا البار والمرقص، كانت كؤوس البيرة والخمر تفوح في المكان. (موه تشرب ابو الشباب) قال احدهم  ونحن نجلس على طاولة قريبة من الراقصات، قلت له (نسكافيه) بصوت عال لكن من الضجيج والصخب والرقص لم يستلم الرسالة، اقتربت من اذنه وصرخت فيها (نسكافييييييييه)، ابتسم  صاحبنا، ولم يعلق، خاطبته بأنني رجل يمشي اصلا كالسكران – بحكم الاعاقة – فكيف اذا اغرورقت عيناه بالخمر؟ فضحك كثيرا، متذكرا ربما بأني اخمع كالضبع، خرجنا من البار الساعة الثانية عشرة فجرا، وافترقنا عند باب الفندق، عندما وصلت الى الشقة، ذهبت مباشرة للوضوء ابسمل واحوقل واستغفر الله واصلي العشاء قصرا سفرا موجها وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا وما انا من المشركين.

----------------------------------------------------

1) الفجفاج: كثير الكلام المتباهي بما ليس فيه.
2) مثل عماني... الذي يخلط لك الحديث دون رابط، فيصبح كلامه غيرمفهوم.