‏إظهار الرسائل ذات التسميات هزيع الأوهام. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات هزيع الأوهام. إظهار كافة الرسائل

01 سبتمبر 2008

حملة ضد كتاب الإنترنت في عُمان.. تفاصيل جديدة في قضية الكاتب علي الزويدي

    استدعى الادعاء العام (أمس) الكاتب، ناشط الإنترنت، علي الزويدي للتحقيق على خلفية مسؤوليته عن الإشراف في منتدى سبلة عمان، وكان الزويدي قد واجه مضايقات عديدة في الفترة الأخيرة في ما يتعلق بحقوقه الوظيفية.

    والزويدي كاتب مهتم بالجوانب الاقتصادية والتنموية، وسبق أن فتح ملفات عديدة للفساد الإداري والمالي، وكعادة المتنفذين في عُمان فإنهم قاموا باختراع سببٍ لترهيب الكاتب وهو محاسبته كمشرف في قسم سياسي في منتدى على الإنترنت، ظانين بذلك أنهم ينأوون بأنفسهم عن القضية أمام الرأي العام غير أن الحقيقة مختلفة ومعروفة، فالسبب الرئيس لمطاردة علي الزويدي ومحاولة الإضرار به سببها مقال نشره في 20-3-2007 موجه لوزير المواصلات لكنه يكشف عن فساد مجموعة من المتنفذين المستفيدين مباشرة من هذا المشروع وغيره.

    وتعيش عُمان هذه الأيام حملة من التحقيقات والاستدعاءات لصحفيين وكتاب لم تتضح كافة تفاصيلها بعد، كما تعيش ارتفاعاً حاداً في وتيرة التجاهل للمطالب الشعبية يرافقه قمع بوليسي فاقد لأي بوصلة سياسية، باستثناء السير الحثيث نحو حماية الفساد والمفسدين وقمع الشعب في كل موقع ومناسبة.

  إستكمالاً للتدوينة السابقة عن التحقيق مع الكاتب علي الزويدي (بن دارس)، وردتني معلومات جديدة تؤكد ما أشرت إليه سابقاً، وتضيف تفاصيل جديدة:
قام الرئيس التنفيذي لعمانتل، وهو قادم من المكتب السلطاني أصلاً، بتقديم شكوى ضد منتدى سبلة عمان بسبب موضوع لأحد الأعضاء عن عمانتل، قام بن دارس بالسماح بنشره، واعتُبر بعض ماورد فيه إهانة وتجريح وتشهير في حق الرئيس التنفيذي.
استدعى الادعاء العام موسى الفرعي-فاكت ساوند- المشرف العام على المنتدى، ثم علي الزويدي في وقت لاحق، وتم (لفلفة ملف القضية وحفظها)، والملاحظ هنا أن الشكوى من الأساس لم تكن ضد الكاتب.

  (الخبر وتفاصيل أوفى كما هي منشورة في موقع مدونة عُماني http://omanname.blogspot.com/).

مقالة علي الزويدي

 ثوج التراب قاربت قيمته (29) مليون ريال يا وزير النقل والاتصالات

    منذ بضعة أشهر قرأنا في الصحف المحلية عن فوز شركة عمانية لتسوية أرض مطار السيب الدولي لغرض إقامة المطار الجديد عليها بكافة ملحقاته والتي تتضمن مدرج الطائرات وساحات الوقوف والمباني بكافة أنواعها. كانت المناقصة بقيمة (13) مليون و(450) ألف ريال عماني. استغرب البعض - كما استغربت شخصيا - من قيمة ذلك (التراب) المستخدم في الردم والتسوية لكن تقبلنا ذلك الرقم من أجل أن نرى مطار دوليا بكافة المقاييس سوف يستوعب أكثر من (12) مليون راكب سنويا.

    وبالفعل ما إن يعبر أحدنا الشارع البحري المتصل بشارع (18) نوفمبر إلا ويرى الشاحنات المحملة بأتربة (الكبس) لتنثر الغبار على سياراتنا وترميه على تلك المساحات الواسعة التي تم تسويتها في البداية وإزالة الحشائش، ومن ثم "كبسها" بالتراب، ومن ثم ترصينه "كومباكتنج" لارتفاع أظنه يصل إلى المتر. فاعتقدنا أنه بعد إكمال عملية الردم سوف تحصل أية شركة على مناقصة بناء المطار الدولي وملحقاته بمئات الملايين من الريالات العمانية...

أو هكذا اعتقدنا...
   بالأمس نقرأ في الصحف المحلية أنه من ضمن عشرات المناقصات هي مناقصة لـ"المرحلة الثانية" لردم أرض مطار السيب الدولي، لم نكن نعرف أن هناك "مرحلة أولى" وصلت قيمتها إلى (13) مليون و(450) ألف ريال. فقط عرفنا بالأمس أن هناك "مرحلة ثانية" بقيمة زادت بأكثر من مليوني ريال عماني على قيمة المرحلة الأولى. كيف ذلك؟

    بالطبع الصحف المحلية تناقلت خبر المناقصات (الضخمة) دون تحليل ودون تمعن في الأرقام التي لا يقبلها عاقل ولا مهندس يعرف مصطلح Value Engineering (هندسة القيمة) وهي احتساب كافة مكونات التكاليف بشكل هندسي دقيق ومن ثم إضافة الربح عليه Profit Margin. حيث لم تستطع عقولنا أن تستوعب أن أرضا يتم كبسها سوف تكلف خزانة المال العام ما يقارب (29) مليون ريال عماني تم دفعها على مرحلتين.  لم نستطع أن نعرف أن "النكالات" ولا "الشاحنات" التي تحمل الأتربة من أراضي عمانية إنما سوف تنقل ترابا بقيمة (29) مليون ريال؛ بالطبع المناقصة لا تشمل التراب فقط وإنما تسوية الأرض ونقل التراب وترصينه

    لما قرأت خبر "المرحلة الثانية" لردم أرض مطار السيب الدولي تذكرت "جحشة" جدي مسعود - طول الله عمره. كانت تلك الجحشة تحمل "الثوج" الذي اخترعه الانسان العماني في قديم الزمان فاستخدمه لحمل ونقل الأغراض والأشياء قبل أن تأتي "البيك
أب" أو "السكس ويل" أو الشاحنات أو "التريلات". الثوج - لمن لا يعرفه - هو وسيلة صنعها العماني من خوص النخيل وخاطها بخيوط من ألياف النخيل لينقل على متنها الأشياء مثل التراب أو السماد العماني أو الرطب أو التمر أو أية أغراض بحاجة إلى نقل من منطقة لأخرى.

    كانت "الجحشة" تحمل "الثوج" المحمل بالتراب عندما يتطلب الأمر نقله لغرض البناء بالطين، ذلك الثوج والذي يمكن أن يتسع لمتر مكعب من التراب كان يباع برخص التراب نفسه. ولم يكن جدي أو من عملت معهم في صغري يتقاضون أرباحا من "مناقصات" أصبحت غير معقولة. ربما يحصل جدي على ربع ريال في اليوم كاملا بدون أن يكون هو وجحشته قد نقلا كميات من التراتب تكفي لبناء "صفة" أو "غرفة" بأكملها.

    عندما ارتفعت الأسعار قالوا لنا أن هذه الأسعار هي نتيجة الغلاء المستورد من الخارج، حيث ارتفعت الأسعار بالخارج نتيجة عوامل كثيرة؛ من بينها ارتفاع أسعار النفط وقلة الانتاج في بعض الدول وزيادة الطلب على السلع وانخفاض الدولار، وغيرها من الأعذار التي نقبل بعضها ونرفض بعضها الآخر..

    لكن هل يستطيع أن يقنعنا الوزراء الموقعون على الاتفاقيات بالأمس (سواء أحمد مكي أو الدكتور خميس العلوي) بأن اتفاقيتي ردم أرضية مطار السيب الدولي والتي وصلت إلى (29) مليون ريال إنما هي بسبب ارتفاع الأسعار؟

التربة عمانية 100%..

    هذه التربة وهبها لنا المولى عز وجل، وما أكثرها.. بل أن بعضها تأتي من مخلفات الشارع الدائري الجديد الذي يتم إنشاؤه في الوقت الحالي، ناهيك على الأراضي والأودية الشاسعة بالسلطنة التي تخلف هذه الأتربة و"ببلاش"..

أم أن العذر سوف يكون في تكلفة الشاحنات وتكلفة الديزل وتكلفة قطع الغيار لنقل تراب مجاني أو رخيص؟

كيف لنا أن نستوعب أرقام هاتين المناقصتين يا وزير النقل والاتصالات لردم أرضية وتسويتها بمبلغ قارب من الـ(29) مليون ريال؟ وكما يبدو فإن سعر المتر المكعب للتراب وصل إلى (ريالين ونصف)....

ولو استخدمت "ثوج" جدي مسعود و"جحشته" لما وصل المبلغ إلى مليون ريال عماني. أقولها بكوميديا "دانتي اليغييري"، من الأدب الايطالي كما تعرف يا معالي الوزير...

http://www.omania2.net/avb/showthread.php?t=102558

* منقول من مدونة سعيد جداد/أبو عماد http://jadad.katib.org/node/68

31 أغسطس 2008

تطورات لصالح حرية التعبير في عُمان.. جمعية الكتاب والأدباء تخرج عن الحظيرة الرسمية وتدين استجواب الصحفيين

مسقط- الزمن: سحبت جمعية الصحفيين العمانية بيانا بعد دقائق من صدوره يستنكر استجواب بعض الصحفيين في الفترة الاخيرة بينما اكدت الجمعية العمانية للكتاب والادباء بيانها الخاص بها .
واصدرت جمعية الصحفين البيان ثم بعد دقائق عادت واتصلت لتطلب سحب البيان لأن تطورا يبدو "ايجابيا" حدث باتجاه الموضوع.
واجتمعت الجمعيتان أمس وبالتنسيق بينهما لاصدار بيانين منفصلين في نفس التوقيت وتم ارسال البيانين الى الصحف  لكن جمعية الصحفيين تراجعت بعد صدور البيان بدقائق . بينما اكد ناصر بن محمد البدري رئيس جمعية الكتاب والادباء ان الجمعية مصرة على بيانها بعيدا عن قرار جمعية الصحفيين . وابدى اسفه لقرارها "الاحادي" وبدون اي تنسيق.
وعبرت جمعية الكتاب في بيانها عن اسفها لتعرض بعض الكتاب الصحفيين للاستجواب في الآونة الاخيرة وقالت الجمعية ان هذا الاستجواب يتسبب في خسارة كفاءات تحتاجها الدولة لتجويد الاداء وتحسين الانتاج على حد تعبير البيان .
واكدت على جملة من الحقوق المشروعة التي حفظها النظام الاساسي للدولة لجميع العمانيين دون تمييز ومنها  التأكيد على حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير وفق ما نصت عليه المادة 29 من النظام الاساسي للدولة .
وعدم المساس بحرية الصحافة والطباعة والنشر والتأكيد على إيلاء كرامة الانسان وحقوقه اهمية خاصة . حيث لا قيد على الحرية الا المزيد منها ، وفق ما نصت عليه المادة 31 من النظام الاساسي للدولة .
ولم يصدر اي بيان او تصريح من جهة رسمية حول الموضوع .

 http://www.azzamn.net/news_details.php?id=16363&dt=&st=published

26 أغسطس 2008

سالم الكثيري وحرية الكتابة المصادرة.. والفساد على طول البلاد وعرضها

    مقال بعنوان "عمَّال ميناء صلالة يستنجدون"، منشور في جريدة الوطن بتاريخ 5/7/2008م للكاتب سالم الكثيري، كشف الظلم المسكوت عنه الواقع على عمَّال ميناء صلالة، كان الحدث الأبرز هذا الأسبوع، بعد شكوى تقدَّمت بها وزارة القوى العاملة من خلال الادعاء العام في صلالة.  
    كما جرت العادة لا تنشر صحفنا الحكومية- حكومية وخاصَّة جميعها ينظر بمنظار الحكومة ويعتاش عليها- مثل هذه الأخبار، ويقتصر نشرها على المنتديات وبأسماء مستعارة، الأمر الذي يبقى عرضة لشتى التوقُّعات، مثلما حدث في هذا الموضوع حال نشره في موقع منتديات "سبلة عُمان" يوم السبت الماضي 23/8/2008م.  ورغم ذلك أصبحت المنتديات وكتَّابها المصدر الوحيد للمعلومة واستقصائها ومتابعتها، وهو ما شكَّل ضغطًا كبيرًا على السُّلطات، وهو أيضًا ما فعل فعله هذه المرَّة وأثمر ضغطًا فعَّالاً أدَّى إلى غلق باب هذه القضية، ولو كان الحظُّ سيئًا وأحكم الكتمان أطواقه حول القضية فلنا أن نتوقَّع المصير الذي ستؤول إليه ويؤول إليه الكاتب سالم الكثيري.
    تحت عنوان "قضية سالم الكثيري نكسة لأعداء الحرية ودعاة الظلام" كتب الكاتب "أبو عماد" على موقع مدونته "سعيد جداد/ أبو عماد
http://jadad.katib.org/node/64":  "لم يكن التاسع عشر من أغسطس لهذا العام 2008م يوما كبقية أيام الخريف حيث تتبرج ظفار بثوبها القشيب وألوانها الزاهية وتتلحف بالضباب ويتغشاها الرذاذ الأخّاذ بنسماته، متخللا أوراق الشجر ورؤوس الهضاب، على أنغام الموسيقى الشرقية وليالي مهرجان صلالة الصاخب، إذ إن التاسع عشر من أغسطس لهذا العام كان مختلفا ومميزا عن كل أيام أغسطس الماطرة ليس للكاتب العماني سالم الكثيري فحسب بل ولكل عمان ومثقفيها وكتابها وقرائها، ففي هذا اليوم توقف التاريخ في عمان ليسجل على صفحاته ملحمة التدافع بين النور والظلام، وبين الحق والباطل، وبين حرية التعبير وتكميم الأفواه، ملحمة دارت رحاها تحت زخات رذاذ الخريف ونسماته، وعلى تراب ظفار الطاهر،
ففي هذا اليوم تعرض الكاتب العماني سالم الكثيري الذي تجرأ وكسر قاعدة الصمت الرهيب وانتقد مؤسسة حكومية أدمنت الاستهتار بحقوق العمال البسطاء وأمعنت في التعنت وغض الطرف عن انتهاكات خطيرة لحقوقهم، وصمَّت آذانها عن ضجيج الشكاوى وضربت بها عرض الحائط ، بل وأقدمت على تفاهمات من تحت الطاولة مع الشركة التي تدير ميناء صلالة  لتخفيض أجور العمال حتى يتساووا مع غيرهم من العمال المسحوقين في شركات الهوامير".

    هذا يعني أن من يجب استدعاؤه للتحقيق هم المسؤولون في ميناء صلالة ووزارة القوى العاملة وعلى رأسها وزيرها وليس الكاتب سالم الكثيري الذي نؤازره قلبًا وقالبًا في حقِّه في فضح جميع الانتهاكات أمس واليوم وغدًا.
     
    أحد كتَّاب منتديات "السبلة" تساءل في بداية بروز قضية الكثيري يوم السبت الماضي:  هل ستتدخَّل جمعية الكتَّاب؟ 
    انتهى الأمر الآن! لكن الأحداث الماضية أكَّدت أنه لا بد أن يتعلق الموضوع بالمريخ كي تتدخَّل جمعيَّة الكتَّاب أو جمعيَّة الصَّحفيِّين، أو لا بدَّ أن تأتي أوامر من الحكومة كي تدين الجمعية لصالح الحكومة!
    إن التاريخ يعيد نفسَه وسيعيد نفسه مرَّاتٍ ومرَّاتٍ في بلد تُصادَر فيه الحرية، يُصادر فيه الفكر، تُصادَر فيه أدنى حقوق الكاتب.  جمعيَّة الكتَّاب وقفت متفرِّجة عندما جرت أحداث تمثيليَّة محاكمة عدد من كتَّاب موقع "سبلة العرب" السَّابق، وحُوصِر الكتَّاب في قفص الاتِّهام، وبدلاً من التَّحقُّق على الأقلّ ممَّا كتبوه عن مجموعة مسؤولين حصَّنتهم السلطات بسبب مناصبهم، جُرجِروا وخُوِّفوا حتَّى أجبروا واضطروا اضطرارًا إلى تقديم اعتذارات شفهية ومكتوبة. 

    لم يُساءل ولا مسؤول واحد! وهكذا أُقفلت المحاكمة على تلك الأحكام الإرهابيَّة الغريبة المضحكة المبكية، وباستثناء الإدانات الفردية في موقع "منتديات فرق" آنذاك لا أحد أدان الاستفراد بكتَّاب لا يملكون مدافع ولا رشَّاشات ولا سلطات بل أقلامهم فقط:  لا جمعيَّة الكتَّاب ولا الإعلام ولا الصحافة ولا يحزنون.  حتَّى "يحزنون" لم يتحرَّك! وارتفعت راية الشِّعار الغابويّ:  البقاء للأقوى! وأُقفلت "السبلة" القديمة، ثم عادت بشكل آخر محاط بالحذر والتَّوجُّس، فقد حقَّقت المحاكمة أهدافها بامتياز باذخ، لكن، الآن، واليأس تلو اليأس أقام وتوالد بين ظهرانينا، عاد كتَّاب المنتديات العُمانية ليكتبوا من جديد عن "البلاء" المستشري على طول البلاد وعرضها دون حسيب ولا رقيب، وكأن الحسيب والرَّقيب لا يعملان إلا عندما يتعلَّق الأمر بالكتَّاب، بمن يفضح الجرائم والمجرمين، وكأنَّ مسؤولين كبارًا- وهم أساس البلاء- لم يسرقوا ولم ينهبوا ولم يُخرِّبوا ولم يظلموا ولم يُعرِّضوا مستقبل البلاد والأجيال القادمة لأخطار واستنزافات بدأ حصادها المُرُّ منذ زمن.
  
    كم مسؤولاً ومسؤولاً في بلادنا فلت من العقاب؟
    ملف الفساد في الحكومة ينتفخ وينفجر ويتقيَّح وتفوح رائحته.  أن تكون وزيرًا أو مسؤولاً كبيرًا سببٌ كافٍ جدًّا لتدخل نوادي المليونيرات والظَّلَمة، ومن يعترض، من يقول الحقَّ، من يكتب و"يشوشر" ويفضح فإن السلطة له بالمرصاد، وسوف يندم ويُلقى به في غياه

09 مايو 2008

وزارة الداخلية العُمانية وممارسة التمييز العنصري.. رؤية دينية اجتماعية ثقافية



بقلم: الكشَّاف


لا تزال المهزلة مستمرة، والمقصود بالمهزلة هنا ما أقدمت عليه وزارة الداخلية في سلطنة عُمان عبر اللجنة المنبثقة عنها والمسماة بـ"لجنة تصحيح مسميات القبائل والألقاب والأسماء" بإلغاء مسميات بعض القبائل، وإجبار المنتسبين إليها على التسمي بمسميات قبائل أخرى، في خطوة تنم عن الاستكبار والاستعلاء على فئة من أبناء الشعب تكريسًا لمبدأ "رعايا لا مواطنين"، وتأكيدًا لنزعة التمييز العنصري والإعلاء من قيم العصبية القبلية التي تنتهجها هذه الوزارة، في إصرار واضح لا مواربة فيه على إحداث شرخ في جسم الوحدة الوطنية، والتعدي الصارخ على حريات الناس وحقوقهم، من خلال طمس هويات بعض الفئات في المجتمع وتفتيتها وتذويبها باعتبارها- وفقًا لمخططات هذه الوزارة- مجرد أتباع يجب أن يتبعوا ويلحقوا القبائل التي ألغت قبائلهم كي يحملوا مسمياتها، وهو ما يؤكد الرغبة في تأكيد (فوقية) بعض القبائل و(تسيدها) على القبائل الأخرى، ما يعني بالنتيجة أن المعيار الذي تحتكم إليه هذه الوزارة في معاملة البشر والنظر إلى الناس هو (الانتماء القبلي)، الأمر الذي يتناقض ويتصادم مع مبادئ الشريعة الإسلامية السمحاء وغيرها من الشرائع، بالإضافة إلى تعارض ذلك مع القوانين والنظم ومن بينها (النظام الأساسي للدولة) ومواثيق واتفاقيات وعهود حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة وسائر المنظمات الدولية التي تُعد سلطنة عُمان عضوًا فيها، كما يدل هذا الفعل البدائي الرجعي على خلل في الفطرة السليمة لدى من يقفون وراءه، وينم عن قصور أخلاقي يتجسد في استباحة الآخر والحط من كرامته تحت تأثير تضخم الذات والشعور المفرط بـ(الأنا)!

ومن نافل القول التأكيد أن ذلك منافٍ لمبادئ الدين الإسلامي الحنيف ومناهض لتعاليمه السمحة التي تؤكد وحدة الأصل الإنساني مصداقًا لقول الحق سبحانه "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير"

(الحجرات:١٣)، وقوله سبحانه "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً" (النساء: ١)، وقد قرر سبحانه ذلك من أجل تحرير المجتمع الإنساني كله من الاحتكام الخاطئ إلى المعايير المصطنعة في النظر إلى فئات الخلق والحكم على أقدار الناس؛ يرى الدكتور مصطفى الرافعي في مقال له بعنوان "الإسلام والمساواة" منشور على الإنترنت، ويعد مبدأ المساواة- الذي ضربت به (وزارة الداخلية) ولجنتها سيئة الذكر عرض الحائط- من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها الدين الإسلامي الحنيف، إذ إنه بعكس كل من ادعى أنه من نسل ملائكي نقي وكل من تصور أن دمه أزرق نبيل وهو أرقى من بقية الشعب- كما تصور أعضاء اللجنة الأشاوس- جاء الإسلام ليساوي بين جميع البشر في المنشأ والمصير، فإلى جانب الآيات المتقدم ذكرها والتي تفيد هذا المعنى، يقول تبارك وتعالى: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً" (الإسراء: 70)، والتكريم هنا يشمل جميع بني آدم وليس مسؤولي تلك الوزارة ولجنتها. وهناك الكثير من الآيات القرآنية التي تؤكد المساواة بين الناس وتنفي التمايز بينهم لأية اعتبارات سوى التقوى، وما التفسيرات المغلوطة التي يؤمن بها بعض أنصاف العقلاء وذوو الفهم الناقص لمقاصد الدين الحنيف من أن الناس درجات ومقامات كما جاء في بعض آيات القرآن من قبيل "ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات" (الزخرف: ٣٢) سوى قصور في الفهم الصحيح، إذ المراد بذلك هو ما يتعلق بأمور الدنيا المتمثلة في حض كل واحد من الرزق الذي وهبه الله إياه، بدليل أن قال الله تعالى في قرآنه "أَهُم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا ورحمة ربك خيرٌ مما يجمعون" (الزخرف:٣٢)، ومعنى ذلك أن الله قدر لإنسان أن يكون غنيًا وقضت مشيئته سبحانه أن يكون آخر فقيرًا، وأن يكون أحد صحيحًا وأن يكون آخر مريضًا...إلى آخره، أما التفاخر بالأنساب و(الدرجات) فذلك من دعوى الجاهلية، وقد تبرأ النبي- صلى الله عليه وسلم- ممن يفعلون ذلك، فأين أعضاء (اللجنة) الأشاوس بصنيعهم المتعجرف ذاك مما يقوله الله؟!.

وبدوره فقد بين رسول الهدى والعدل والإنسانية موقف الإسلام من هذه المسألة. وأكدت أقوال الرسول وأفعاله ذلك، فها هو (ص) يقول في خطبة حجة الوداع: "أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى". ويقول: "الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى". ويقول: "إن الله قد أذهب بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرهم بآبائهم، لأن الناس من آدم وآدم من تراب وأكرمهم عند الله أتقاهم". ويقول: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم". وبذلك يتأكد أن المساواة مفروضة فرضًا في الإسلام، إلا أنه وبدلاً من أن تضطلع وزارة داخلية سلطنة عُمان ولجنتها تلك بالدور الواجب اضطلاعهما به، وهو جمع المواطنين على كلمة سواء ونبذ أسباب الفرقة والتباغض بينهم، وتعمل بما أمر الله به مصداقًا ل
قوله تعالى "الذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور" (الحج: ٤١)، أو تستشعر مخافة الله القائل "ولا يجرمنكم شنئان قومٍ أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب"(المائدة: ٢)، وقال تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تتقون" (النحل: ٩٠)، إذا بها وفي إصرار فج تستبيح لنفسها الاستهتار ببعض المواطنين والاستهزاء بهم مشرعة الأبواب لحدوث الفتن وشيوع التنابز بالألقاب والمهاترات في مجتمع قبلي يقدس القبلية وتشكل القبيلة فيه قطب الرحى "كانت الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها".

وعوضًا عن تفادي مثل هذا الوضع الشاذ وغير السوي إذا بها تفعل العكس، ولا تكتفي بذلك وإنما تصر على السير في هذه الطريق، بالرغم من محاولات إثنائها عن ذلك، بحيث ينطبق على صنيعها هذا قول الحق تبارك وتعالى: "وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد" (البقرة: ٢٠٥،٢٠٦)، والفساد والإفساد في الأرض غاية الظلم، والظلم فيه طرفان ظالم (وزارة الداخلية ولجنتها تلك وكل من له صلة بهذا الأمر من قريب أو بعيد) ومظلوم (معشر المجني علهم الذين تم إلغاء مسمَّيي قبيلتيهم القديمين والمعروفين قبل عدة عقود من الزمن والذين يملكون الوثائق والمستندات والحجج والبراهين المؤكدة لذلك والتي تدحض مزاعم وأكاذيب لجنة وزارة الداخلية ومن تم الاعتماد عليه في الإدلاء بتلك الأكاذيب والمزاعم). وظلم الإنسان للإنسان قد يكون فرديًّا أو جماعيًّا، ولكن الظلم الأخطر هو الذي تقف وراءه (جهة رسمية)، لأن المظلوم والمجني عليه والمسلوب حقه عندئذ لا يستطيع الدفاع عن نفسه ولا يمكنه التظلم، ويزداد الأمر سوءًا إذا كان هذا الظلم ممارَسًا من قبل (جهة سيادية) ترفع سيف (أعمال السيادة) في وجه المظلومين المعتدى عليهم. وقد حذر الله سبحانه من الركون إلى الظالمين بأي شكل من الأشكال "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تُنصرون" (هود: ١١٣).

وانطلاقًا من أن العدالة- التي لم تتحقق للمتضررين المجني عليهم بالرغم من لجوئهم إلى كافة الوسائل والإجراءات القانونية والمشروعة، بما في ذلك رفع دعاوى لدى القضاء- تعني- وفقًا لما أورده الدكتور مصطفى الرافعي في مقال له بعنوان "الإسلام والعدالة" منشور على الإنترنت- "القواعد القائمة إلى جانب قواعد القانون الأصلي مؤسسة على وحي العقل والنظر السليم وروح العدل الطبيعي بين الناس". كما أن الشرائع القديمة استقت مبادئ العدالة من هذا المصدر الذي هو العقل وشعور العدل في النفس، والعدل يعني تمكين صاحب الحق من الوصول إلى حقه من أقرب الطرق وأيسرها- وهو ما لم يتأت للمجني عليهم في حقهم- والعدل أو العدالة واحدة من القيم التي تنبثق من عقيدة الإسلام في مجتمعه، فلجميع الناس في مجتمع الإسلام حق العدالة وحق الاطمئنان إليها، عملاً بقول الله تعالى "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نِعِمّا يعظكم به إن الله كان سميعًا بصيرًا" (النساء:٥٨).

والعدل في الإسلام لا يتأثر بحب أو بغض، فلا يفرق بين مسلم وغير مسلم، كما لا يفرق بين حسب ونسب، ولا بين جاه ومال.. بل يتمتع به جميع المقيمين على أرضه من المسلمين وغير المسلمين مهما كان بين هؤلاء وأولئك من مودة أو شنآن، يقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوَّامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قومٍ على أن تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعملون"(المائدة: 8)، فالعدل في الإسلام ميزان الله على الأرض، به يؤخذ للضعيف حقه وينصف المظلوم ممن ظلمه، وفي الحديث القدسي "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا"، وأبواب السماء مفتوحة أمام الإمام العادل وأمام المظلوم على السواء؛ يقول عليه الصلاة والسلام: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم"، فالله سبحانه وتعالى يجيب دعوته، وينصف من يستغيث به، ويدفع عنه مظلمته. بل أباح للمظلوم فوق ذلك الدعاء على الظالم والتشهير به وقول السوء في حقه حتى يرجع عن ظلمه، مصداقاً لقول الله تعالى "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا مَن ظُلم وكان الله سميعاً عليما" (النساء: ١٤٨).

لقد دعا الإسلام إلى عدالة اجتماعية شاملة ترسيخًا لفكرة العدل كمبدأ، وتنمية لها كسلوك، لأن العدل هو أهم الدعائم التي يقوم عليها كل مجتمع صالح، فالمجتمع الذي لا يقوم على أساس متين من العدل والإنصاف مجتمعٌ فاسدٌ مصيره الانحلال والزوال". (انتهى الاقتباس من المقال المشار إليه للدكتور مصطفى الرافعي).

وقد كان رسول العدل والرحمة والمساواة أعدل الناس وأرحمهم بعباد الله، وبعد أن انتقل (ص) إلى الرفيق الأعلى اقتفى أصحابه نهجه وساروا على سنته في تثبيت دعائم العدل وأركان المساواة، فها هو التاريخ يحدثنا عن (الفاروق) عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأنه تقد
م له في مجلس القضاء الإمام علي- رضي الله عنه وكرم وجهه- مع خصم يهودي وقعت خصومة بينهما، فنادى عمر عليًّا قائلاً له: "تكلم يا أبا الحسن"، بينما نادى اليهودي باسمه المجرد من الكنية، فإذا بعلي يغضب، فقال له عمر: "أتغضب يا علي لأني أسوي بينك وبين خصمك؟" فأجابه علي قائلاً: "كلا، ولكني غضبت لأنك كنَّيتني فعظَّمتني ولم تفعل ذلك مع خصمي"!.

إن المرء عندما يتوقف عند هذه الحادثة، ذات المغازي والدلالات العميقة، وتمر بخاطره أطياف العنصريين لا يملك إلا أن يردد وراء شاعر الأندلس الكبير (ابن عبدون) وهو يهزأ مما وصل إليه حال "ملوك الطوائف" من تشرذم وتسابق على تحقيق (المصالح الخاصة) على حساب الوطن الواحد:

سحقًا ليومك يومًا ولا حملت ....... بمثله ليلة في مقبل العمر

كما أن قصة جبلة بن الأيهم ملك بني غسان معروفة ومشهورة مع الأعرابي الذي داس على طرف ثوبه غير متعمد، فلطمه جبلة، فحكم عمر بأن يقتص الأعرابي من جبلة تحقيقًا لمبدأ المساواة، ولكن جبلة وهو الملك لم يرض بهذا الحكم خاصة وأن خصمه شخص عادي، ولم يكن الإسلام قد تمكن من قلب جبلة بعد، ففر هاربًا من تنفيذ الحكم وعاد إلى النصرانية مرتدًّا عن الإسلام.

ولكن قرارات وزارة الداخلية الجائرة والظالمة لا يمكن إبطالها حتى من قبل القضاء الموكل إليه تطبيق العدالة والمساواة بين الخصوم، وضمان مراعاة الطرف الأضعف في الخصومة، بسبب تحصين أعمال وأفعال هذه الوزارة وإسباغ صفة (أعمال السيادة) عليها، وهو مبدأ- في ظل إساءة استخدامه من قبل من أعطيت له هذه الميزة في ظلم الناس وسلب حقوقهم وانتهاك كرامتهم والتعدي على حرياتهم تمامًا كما فعلت (وزارة الداخلية) ولجنتها سيئة الذكر- يغدو أمرًا "باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب"، وما (أعمال السيادة) إلا كلمة حق كثيرًا وكثيرًا جدًّا ما أريد بها باطل، و"من يأمن العقوبة يُسئ الأدب"!.

والظلم مرتعه وخيم ومصير الظَّلمة هو الخسران المبين، لاسيما إذا استعان من وقع عليه الظلم بجبار السموات والأرض وخير الناصرين، وجأر بالدعاء مستنزلاً السماء لعنات ومستمطرًا إياها نقمات ضد من ظلمه مصداقًا لقول الحق تعالى: "ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنًا كبيرًا"(الأحزاب:٦٨).

ولنتدبر ونمعن التفكير في هذه الحادثة من التاريخ، إذ لا تخلو من العبرة والعظة، وتتلخص الحادثة في أن "الفضل بن يحيى البرمكي" وهو أخو هارون الرشيد من الرضاعة ومُؤدِّب الأمين، وقد تُوفِّيَ سجينًا بالرّقة سنة 808م، وكان مقربًا كثيرًا من البيت العباسي وله حظوة كبيرة عند هارون الرشيد، وكان يأمر وينهى ويستشار في كل صغيرة وكبيرة، وقد حقق شأوًا عظيمًا بحكم المنزلة التي نالها لدى البلاط العباسي، وتمر الأيام وتمضي إلى أن كان يوم وجد فيه (الفضل بن يحيى) نفسه مع ابنه سجينًا في قعر زنزانة رطبة معتمة، ومن خلف القضبان ووسط الظلمة الموحشة يناجي الابن أباه بصوت باكٍ حزين: يا أبتِ أبَعْدَ الأمر والنَّهي صرنا إلى هذه الحال؟! فيرد الأب بصوت متحشرج ينم عما يعتمل في صدره من أسًى وفجيعة: يا بُنيَّ لعلها دعوةُ مظلومٍ سرتْ بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله!.

فهل يتعظ الظلمة والعنصريون من موقف كهذا أم أنهم معصومون من الوقوع في مثل هذه المآزق والمواقف؟ ما الذي يدعوهم إلى الاطمئنان بحيث يظلون في غيهم سادرين "وقالوا لن تمسّنا النار إلا أيامًا معدودة قل أتخذتم الله عهدًا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون" (البقرة: ٨٠).

أنتم يا هؤلاء بفعلتكم الشائنة هذه مَنْ ظلمتم الناس وأثرتم الفتنة "كانت الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها". ولا يغرنَّكم المناصب التي تحميكم والكراسي التي أنتم تتيهون بالجلوس عليها، فلستم إلى الله أقرب!.

إن المناصب لا تدوم لأهلها إن كنت في شكٍّ فأين الأوَّلُ؟!

وحتى إن تطاول بكم الزمن وعشتم زمنكم وزمن غيركم، فلا بد يومًا أن تغادروا هذه الحياة حتى وإن لم تضعوا ذلك في حسبانكم:

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته لا بد يومًا على آلة حدباء محمولُ

ثم ماذا سيكون وضعكم ومصيركم هناك عند رب العزة وأعناقكم تنوء بدعوات المظلومين والمقهورين، هل ستشفع لكم مناصبكم؟ وهل ستغني ("أعمال السيادة") التي استبحتم بها ظلم الناس وغمط حقوقهم من الله شيئًا؟ وهل ستنفعكم انتماءاتكم القبلية وأوضاعكم الاجتماعية التي بموجبها سخرتم من عباد الله وأنكرتم عليهم حقهم في الحياة الحرة الكريمة؟ "فإذا نُفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون"(المؤمنون:١٠١). يقول الرسول (ص): "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبْر. قالوا: وما الكِبْرُ يا رسول الله؟ قال: الكِبْرُ بَطْرُ الحقِّ وغمطُ النَّاس"، وبطر الحق أي إنكار الحق وجحده، وغمط الناس أي ظلمهم، وهو تمامًا ما فعلته (وزارة الداخلية) ولجنتها سيئة الذكر. ويقول (ص): "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، و"الدين المعاملة"، وهؤلاء رأوا في أنفسهم الكمال والأفضلية- بالرغم من بشريتهم- وأنكروا على المتضررين حقهم في أن يكونوا أنا
سًا موفوري الكرامة كما أمر الله ودعا الرسول، ويقول النبي (ص) أيضًا: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقصون من أجورهم شيئًا، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقصون من أوزارهم شيئًا".

ويعد ما أقدم عليه هؤلاء العنصريون الاستئصاليون من الأفعال المستهجنة ذات الآثار السلبية المتوالدة والمتناسخة التي عقَّدت حياة من تعلقت بهم من المجني عليهم، بحيث تعطلت مصالحهم وتوقفت شؤون حياتهم، بل إنه حتى (الموتى) من هؤلاء لم يسلموا من النتائج المأساوية لهذه الفعلة، وكأن لسان هؤلاء يقول: "حتى على الموت لا أخلو من الحسد".

إن ما أقدمت عليه تلك الوزارة ولجنتها ليس له تفسير سوى شعور من يقف وراء ذلك بالتفوق العرقي على سواهم من البشر، واعتبار الآخرين- بدعوى ادِّعاء التفوق العرقي و الإيمان بنزعة التمييز العنصري والعصبية القبلية- مجرد حشرات تدب على الأرض، وبالتالي- وفقًا لهذه النظرة- يجب تقرير مصير هذا الآخر نيابة عنه عبر وضعه اجتماعيًّا في منزلة يجب عليه ألا يتخطاها حتى لا يتساوى مع من وضعه في تلك المنزلة "... النظريات التي تنادي بتفوق عرق على بقية الأعراق يمكن تسكينها تحت الخانة التي يقيم في أعلاها الشيطان، لأن نظرة الجنس المتفوق في أصلها الديني نشأت على أن الشيطان رأى نفسه أعلى شأنًا من مخلوق آخر وتعالى عليه وتكبر، ومن هذا المنطلق نشأت نظرية ثقافية تدعو أو تدَّعي أن عرقًا من الأعراق يعد متفوقًا، كما كان مثلاً لدى الفكر النازي الذي رأى أن العرق الآري عرق نقي ومتفوق ويجب أن يسود، ولا يكفيه أن يسود فقط بل من حقه إبادة غيره من الأعراق الأقل شأنا. نفس النظرية تلقى رواجًا في الفكر الديني المتطرف عند الصهاينة الذين يعتقدون أنهم شعب الله المختار وأنهم "أبناء الله وأحباؤه"، وبقية الأجناس البشرية لا شأن لها، بل لا حاجة لها أن تكون أصلاً موجودة على سطح الكوكب، وهذه ثقافة أهم عنصر من عناصرها له بعد ديني تمَّتْ أدلجته وإلباسه القداسة التي تحميه من أن يعرض على الحوار العقلي، وبالتالي تحصنه من أن ينكشف زيفه أمام الآخرين، فهي- أي هذه الثقافات التي تقوم على اعتبار الآخر حشرة يجب سحقها- تعاني عقد نقص وشعورًا بالفوقية تستبيح من خلاله كل المحرمات، متخذة لنفسها مبررات عقائدية، وعلى هذا المنحى نشأت الطبقية حتى تحت هرم الثقافة الواحدة التي قسمت المجتمع كما هو عند الرومان مثلاً إلى سادة لهم كل شيء، وعبيد ليس لهم أي شيء سوى السياط تلهب ظهورهم والسيوف تطيح برؤوسهم بسبب أو بغير سبب.

ولعل كل الحضارات التي قسمت المجتمع إلى طبقات على هذه الشاكلة تكون بذرت بذلك بذور موتها، لأن أية ثقافة تقوم على ازدراء الآخر وإلغائه هي ثقافة كراهية مصيرها الموت إن عاجلاً أم آجلاً... وإذا استمرت ثقافة الكراهية تعمل عملها فإن حركة التاريخ لن تكون في مصلحة الأقليات، وذلك هو دأبها، ولهذا فإن ما يجب الترويج له وإحياؤه هو العناصر الإنسانية للثقافة التي تكون قادرة على التواصل والحوار بعيدًا عن الإلغاء والتعالي وادعاء التفوق" (سيف محمد المري- مجلة دبي الثقافية- العدد (27) أغسطس 2007م).

إن فعلة (وزارة الداخلية) الشائنة تعد خطيئة بكل المقاييس، فمن شأن ما فعلت تشويه سمعة عُمان في المحافل الدولية والإساءة إلى سجلها في مجال حماية واحترام حقوق الإنسان، كما أن الإصرار على هذه الممارسات العنصرية بذريعة (أعمال السيادة) كفيلٌ بأن يدعو إلى التساؤل عن مدى حقيقة ما يصوره الخطاب الرسمي من أن كل شيء في البلاد بالنسبة إلى معاملة الإنسان على ما يرام، ومن ذلك ما تحدث به أحد كبار المسؤولين يومًا عندما قال ما مفاده لن تجد حرية أو احترامًا للفرد كما هو موجود عندنا، وإنه لا يوجد مكان في العالم تحترم فيه خيارات الفرد مثلما عليه الحال في عُمان، ولكن فعلة تلك الوزارة ومن مالأها تدعو إلى الشك في مدى حقيقة ذلك، ولا يملك المرء إزاء وضع كهذا إلا أن يتساءل عما إذا كانت هذه الوزارة- جراء ما تفعله بحقوق الناس وحرياتهم وكرامتهم- في حد ذاتها (دولة) داخل الدولة! وما إذا كانت لها أجندتها الخاصة في رسم سياسة البلاد؟! وإن كان الجواب بأن الأمر كما يتم التصريح به رسميًّا، فإنه يتوجب عندئذ محاسبة ومعاقبة من يريد تلويث سمعة البلاد وإهالة التراب على الإنجازات المتحققة.

متى يبلغ البنيان يومًا تمامه إذا كنت تبني وغيرك يهدمُ؟