15 أغسطس 2008

الكاتب أحمد الزّبيدي ينشر أوَّل أعماله الرِّوائيَّة

غلاف الرواية

 
      عن دار الفارابي في بيروت صدرت مؤخَّرًا رواية للكاتب العُماني أحمد الزبيدي حملت عنوان "أحوال القبائل عشيَّة الانقلاب الإنكليزي في صلالة".

      تُعَدُّ الرواية العمل الإبداعيَّ الثاني المنشور للكاتب، بعد صدور عمل واحد له فقط في منتصف ثمانينيات القرن الماضي تمثل في مجموعة قصصية عنوانها "انتحار عُبيد العُماني".

      "أحوال القبائل عشيَّة الانقلاب الإنكليزي في صلالة" تُعالج انقلاب سنة 1970م، وتداعياته، ومواقف الحركة الوطنية، ودور بريطانيا، ودسائس القوى الاستعمارية ومؤامراتها لتدمير القوى الوطنية وعلى رأسها ثورة ظفار، وتعاطي القوى الاجتماعية المختلفة مع الانقلاب.

      كُتبت الرواية في غضون خمس سنوات، حيث بدأ الزبيدي كتابتها في أواخر تسعينيات القرن الماضي، وانتهى منها قبل عدة سنوات، إلا أن نشرها تأخر، كما هو الحال بالنسبة إلى أغلب أعمال الكاتب ومنها روايته "ليلة مقتل الكلب" التي انتهى من كتابتها قبل ما يزيد على خمس عشرة سنة ولم ينشرها حتَّى الآن.

     تتميَّز كتابة الزبيدي بتسليط الضوء على مرحلة غائبة من التاريخ العُماني ومُغيَّبة عنه، وهي الفترة التي سبقت عام 1970م، تاريخ قيام الدولة العُمانية الحديثة الآتية على أنقاض تاريخ حفل بأحداث جِسام عمَّت أنحاء البلاد وتركَّزت في الجزء الجنوبي منها:  ظفار. 

     ويبدو أن "المرحلة" و"الموضوع" ثيمتان مركزيَّتان في أعمال الزبيدي نتج عنهما تأخره في النشر، فمجموعته القصصية "انتحار عُبيد العُماني" المنشورة طبعتها الأولى عام 1985م في بيروت (دار الحقائق للطباعة والنشر والتوزيع) مُنعت من دخول البلاد فور نشرها، وما زالت ممنوعة إلى الآن رغم صدور طبعة ثانية لها هذا العام عن دار كنعان في دمشق، إلا أن الصحافة الثقافية المحليَّة تكتفي بإيراد اسم الزبيدي على صفحاتها وتذكر عنوان المجموعة لغرض الإيهام بأنَّ "المنع" فكرة ليست موجودة أصلاً!

    وقبل فترة نشرت جريدة "عُمان" حوارًا مع أحمد الزبيدي أجراه القاص حمود الراشدي، وقد تعرض الحوار للتشويه والحذف، رغم أنه الحوار الوحيد المنشور مع الكاتب في الصحافة المحلية التي همَّشته منذ فترة مبكرة واستمرت في تهميشه.

    وإلى جوار عبدالله الطائي يُعتبر الزبيدي رائدًا في كتابة القصة القصيرة في عُمان إذا ما وضعنا في الاعتبار المستوى الفني لكتابة القصة، حيث نشرت في فترات متقاربة مجموعات قصصية لكتَّاب عُمانيين آخرين غلب عليها النص المفتوح واختلاط الأجناس والنأي عن القصة، أو الطابع التقليدي المشوب بالمباشرة والتوثيق والتقليد والتسجيل والوعظ وخلو العمل من العمق الفني.  وإن كان الزبيدي نفسه لا يُولي أيَّ أهمية لمسألة "الريادة" لكن افتقاد الأدب في عُمان إلى تأريخ مكتوب يُلحُّ بطرح السؤال من الناحية الإبداعية البحتة إذا استثنينا الريادة الزمنية.

    ولد الزبيدي عام 1945م في صلالة، وفيها درس الابتدائية (المدرسة السَّعيديَّة)، وبسبب الظروف التي شهدتها البلاد في ذلك الوقت وتداعياتها تنقَّل بين أكثر من عاصمة عربية، فأكمل دراسته الإعدادية والثانوية في القاهرة، ثم درس الحقوق في دمشق، وعاش فترات في عدن وبغداد، منخرطًا في العمل السياسيّ الذي كان في أوجه على صعيد المنطقة والبلاد العربية، وعاد إلى عُمان في منتصف سبعينيَّات القرن الماضي.

الرِّوائي أحمد الزّبيدي

الرِّوائي أحمد الزّبيدي

    صمَّم غلاف رواية "أحوال القبائل عشيَّة الانقلاب الإنكليزيِّ في صلالة" فارس غصُّوب.

    جاءت الرواية في أربعة عشر فصلاً غير معنونة ولا مرقَّمة، وبلغ عدد صفحاتها 199 صفحة من القطْع المتوسط ذيَّلها الروائيّ بمقالتين أُولاهما بعنوان "رحيل العاشق الجميل" للكاتبة الإماراتية حصَّة عبدالله، والأخرى "وفاة مواطن" للكاتب الإماراتي  الدكتور عبدالله عمران.

    تصدَّرت الرواية العبارة التالية:  "روى لي صاحبي عن ابن عربي أنه قال:  كلُّ مشروع لا تتقدَّمه مهارة الإيمان لا يصحّ".

    تُباع النسخة الإلكترونية للرواية على موقع:  www.arabiceb
ook.com 

    يُشار أيضًا إلى أنَّ للزّبيديّ مجموعة قصصية قيد الطَّبع عنوانها "إعدام الفراشة" ستصدر في الأيام القريبة المقبلة عن دار الفرقد في دمشق.

الفصل السابع

    نشر عوض الريحة إليتيه للنسيم العليل الآتي من خلف الجبال التي طوقت المدينة عبر سهل أخضر جميل.  وظل يراقب السناجب والبواشق واللقالق وهي تحط وتروح على أفنان شجيرات مزرعته الخضراء، بينما رفع تابعه عقيرَتَه بغناء رتيب وهو يهزُّ سوطَه بين آونةٍ وأخرى للجمِال التي تقاطعت في تشكيل بديع وهي تنز الماء بالقِرَب العتيقة من البئر التي أتخمت ضروعَها بالماء المتسلل عبر عروق الأرض من أقاصي الجبال... إنه اليوم الأخير من عمر ناهز العقود.  وتتقاعد الجمال ويستريح التابع وينحر عوض الرِّيحة الأضاحي إيذانًا بتدشين مضخة الماء التي حلم بها.

   دهر يأفل، ودهر يتعثر في وجدان عوض الريحة كفرس جريح.  دهر أدمنه، ودهر جاء ينسف أشياء من صفحة وجهه الهادي الوقور.  والآن كم هو حزين وهو يُردِّد:  "هذه المضخة اقتضت ثورة داميةً كي يسمح لنا الحاكم باستعمالها.  وبالرغم من أن عوض الريحة قد محَّص، وفحص، وتعقَّب كافة الأقاويل والشائعات التي انطلقت في تلك الليلة الكبيرة في صلالة، فإنه وقد أصبح في صورة الأحداث أخذ كعادته يحاول أن يرسم حدود هذه الأحداث، وأن يقبض على مفاصلها كما كان يفعل في دغله في أيامه السالفات.  بيد أنه ما كان يقبض على مسألة حتى تلقيه على أخرى، فإذا هو كغريق تصفعه لجة وتلطمه أختُها، وتجرجره أخريات في ساحات السؤال الكبير".

   ودَّع عوض الريحة أشياءه القديمة بعينين مستسلمتين، وجرجر أذياله كالماشي على الماء صوب زُقاقٍ في دغل صلالة العجيب، تشده ذكريات، وتمرغه انفعالات، وتعصف به أسئلته التي لم يفصح عنها مرتابًا "أين الدليل من الدليل؟" هيهات ولكن:  "ما لَك يا عوض وكل هذا؟ صالح نفسك يا عوض.  أنت لم تخسر شيئًا.  أخذوا جِمالك وأعطوك مضخة ماء.  ذلك ما كنت تحلم به، فلم كل هذا الحزن؟ ولم كل هذا الغضب؟ أراك غاضبًا فلم أنت هكذا؟ أراك حزينًا فلم أنت هكذا؟ يقول الثُّوَّار إن تضحياتهم ودماءهم هي التي أرغمت الإنكليز على ذلك.  يقول الإنكليز إن حرب الثُّوَّار تدمر كل شيء وتعيق التنمية.  أنت ما تقول؟ لا يُعقل أن لا يقول عوض الريحة شيئًا.  كل صعاليك هذا الدغل قالوا شيئًا ما... أفصحوا عن انفعال ما... فلم أنت صامتٌ هكذا؟ بئر بلا قرار".

   لم تكن أحاديث عوض الريحة لعوض تفصح عن شيء ملموس.  كانت أشبه بمداخلاتٍ أو حلقات، كل واحدة تُطوِّق أخرى، ونسيجها خيوط عنكبوتية فلا يبقى أمام هذه المداخلات سوى أن تدفن نفسها في سويداء النفس كألم في القلب ينطبع... "آلام... آلامٌ... انقلابٌ وماذا في الأمر؟ هذه حكاية تتكرَّر كثيرًا وأنت تعرفها يا عوض... ثوَّار... وماذا في الأمر؟؟ هذه البلاد إن لم تثر فمن يثور؟".

    استراح عوض الريحة من بلباله هذا برهة حين صادف في ساحات صلالة مجموعة من فتيان وفتيات ذوي أصول سمراء يرقصون رقصة الشيطان.  آنَسَهُ عواء الطبل فتبشبش... شنَّف أذنه لِرَجْعِ الصخب فقدم رِجلاً وخفض أخرى.  والطبل يعوي... وعوض الريحة يدور... يدور... جاءته واحدة تدعوه، تُمايسه وتترنَّح بإغواء.  نشر أذنيه فصافحهما انفعال الطبل.  اهتزَّ جسدُه فباركته أهازيج النسوة اللاهيات.. حدّج في نهدي جارته فسال لُعابُه ودار... دار... دار وصاحبته كالمهووسة هي الأخرى تدور.  جرجرها متخابثًا حتَّى نهايات الحلبة...

    في جرنه وعلى أعواد الذرة حيث مدَّدها اختبرته:

-    النسوة يتلصَّصن.

-    أغلبهن كان هنا.

    تصالبا جسدًا واحدًا، وغطَّى على حوراهما صدى الطبل.  وفي الوقت الذي كان الشيطان يرحل من جسد الفتى الذي تقمَّصه كان صوت الطبل يهذي مهووسًا كما الجسدين المتصالبين.

-    ترى أين ذهب الشيطان؟ (داعبها مودِّعًا).

-    الشيطان يسكن فيك.

-    وكيف عرفت؟

-    يقولون...

-    وماذا يقولون؟

-    أوه.

     ناداه أصحاب الدغل من على المصطبة ضاحكين، فجاء وتربَّع على صولجانه الخشبيّ ناشرًا أليتيه.

-    ها.. ماذا لديكم؟

-    تقول السلطات الجديدة للانقلاب:  "كل شيء مباح"؟

-    كل شيء..!!

-    نعم السيارات... انتعال الأحذية... لبس النَّظَّارات... التَّدخين.

-    ها...

-    نصف أهل الدغل أضحوا سُكارى.

-    ها...

-    السلطات الجديدة قالت:  "لا فقر بعد اليوم".

-    ها...

-    المواطنون من فرط فرحتهم تخلّوا عن كل حذر وغنَّوا على مرأى المندوب البريطاني.

-    ها...

-    السلطات الجديدة تقول:  إن "كل نقود البترول ستُصبُّ هنا".

-    ها...

     أخيرًا انضم إلى أصحاب الدغل شابٌّ مجدور الوجه، عصبيُّ الحركات، غطى عينيه بنظَّارتين سوداوين وتأتأ ثملاً:

-    عاش التغيير، وعاشت السلطات الجديدة.

-    كيف؟

-    اسمع يا عوض الريحة... نحن نعرف مَن

ليست هناك تعليقات: