التسامح:
إن التسامح في الإطار الإنساني موجود في غريزة وكينونة النفس البشرية لكن تتلاشى وتتفكك قيمه الإنسانية بسبب المؤثرات والتغيرات والاحتياجات التي تجعل الإنسان يتناسى التسامح وأهميته، وهو ما يجعل العنف واللاتسامح هو سبيل وخيار المكونات الإنسانية والمؤسسية، الأمر الذي يضعنا أمام تحدي حقيقي يتمثل في إعادة النظر في علاقتنا بالآخر المختلف, يتبناه طرف جديد محايد يمتلك المصداقية والثقة.
فالتسامح لا يعني التنازل عن الحقوق ولا يعني الموافقة على الانتهاكات، بل إن التسامح كقيمة أساسية يشكل قاسما مشتركا في منظومة قيم الديمقراطية والعدل الاجتماعي والسلم الأهلي وحقوق الإنسان، الأمر الذي يجعله في قمة الأولويات التي ينبغي ممارستها كسلوك - وليس كخيار- ومنبعا للتفكير، كون الثقافة القائمة في المجتمع العربي وخصوصا المجتمع اليمني عقائدية وتقليدية حيث تلعب هذه الثقافة دورا حيويا في حياة الأفراد وتؤثر في كثير من التطورات السياسية والاجتماعية.
إن استمرار التعددية الدينية والعرقية والثقافية... في المجتمع تحتاج إلى إرادة جماعية للتعايش السلمي والقبول بالآخر كما هو - رغم الاختلاف، والعمل بقيم التسامح في المجال السياسي والديني والاجتماعي والاقتصادي.
إن مظاهر عدم التسامح وأعمال العنف والإرهاب والكراهية والاستبعاد والتهميش والتمييز تقف عائقا أمام التعايش السلمي وتؤثر على مسار البناء الديمقراطي، كما تشكل عقبات أمام التنمية. وبالتالي فإن حالة العنف والانتهاكات والممارسات الإرهابية ستبقى قائمة ما لم نحاول تأصيل قيم التسامح وممارستها بفاعلية كون التسامح يمثل قيمة أخلاقية وحقوقية ويتأثر ببقية مكونات المنظومة الثقافية والقيمية، ولا بد من الإشارة إلى أن اللاتسامح يمكن أن يكون خفيا وراء الخطاب الظاهري، وبالتالي فإن التسامح واللاتسامح يكون نابعا من داخلنا نحن حيث يعتمد ذلك على ما ترسخ فينا من الثقافة والقيم المجتمعية .
إن الأوضاع الراهنة والأزمات التي تمر بلدان العالم العربي معقدة وسوف تفضي إلى حالة من التفكك وانعدام السلم الاجتماعي، ففي اليمن، استمرار الحرب بين الدولة والحوثيين وحالة الحراك في المناطق الجنوبية وقمعه من قبل الدولة والاحتقان المتزايد في مناطق يمنية أخرى وانتهاك حقوق الغير، تعود لأسباب متنوعة ربما حقوقية أو مطلبية، إلا أنها في الحقيقة نابعة من سبب رئيسي مشترك لكل حالات العنف والاحتقان والتمييز وهو غياب التسامح، لذلك فإن الحاجة إلى تعزيز ثقافة وقيم التسامح أصبح ضروريا في المجتمع ، ترتكز أهم هذه القيم في قبول الآخر وحرية الرأي والتعبير والاعتقاد، والوقوف في وجه ثقافة التعصب وإقصاء الآخر.
اليوم العربي للتسامح:
إن هذا اليوم 2 سبتمبر من كل عام هو اليوم الذي ينبغي إحيائه والاحتفال به بالتسامح في العالم العربي، وتجسيد كل صور وقيم التسامح فعليا من خلال تجاوز كافة الأزمات في المنطقة العربية سواء الداخلية منها أو الخارجية .
وبالرغم من أن الإعلان بشأن التسامح قد حدد تاريخ الــ 16 من نوفمبر من كل عام كيوم دولي للتسامح ، إلا أن تاريخ 2 سبتمبر هو الذي حددته الشبكة العربية للتسامح كيوم عربي للتسامح، وهي تتطلع لأن تعتمده الجامعة العربية ليكون اليوم العربي للتسامح سعيا نحو هدف نبيل يتمثل في تعزيز ثقافة التسامح وترسيخ مبادئ الديمقراطية. وليكون الاحتفاء بهذا اليوم عربيا يهدف إلى إشراك الجمهور العربي والحكومات العربية ليشكل التزاما أخلاقيا بالتسامح ونشر ثقافته وتجديدها سنويا.
وانطلاقا من مسئولية الشبكة العربية للتسامح ينبغي أن يأخذ المجتمع المدني دوره في خلق مناخ شراكة لدعم الحوار ونبذ العنف الفكري والسياسي والديني والاجتماعي واعتماد مبدأ التسامح بكل قيمه وفي مختلف المستويات، ولكوننا أعضاء في الشبكة ينبغي أن نحتفل بكل الطرق المتاحة بهذه المناسبة حتى تعتمد رسميا في البلدان العربية، لذا فإن نشر مثل هذه الوثائق يعتبر مساهمة في نشر قيم وثقافة التسامح.
الشبكة العربية للتسامح:
الشبكة العربية للتسامح تجمع عربي مستقل يضم عدداً من منظمات حقوق الإنسان والمدافعين عن تلك الحقوق من أكاديميين وكتاب وصحافيين ومفكرين ومحامين، هدفها إعادة الاعتبار لثقافة التسامح والدفاع عن القيم الديمقراطية وترسيخها في الثقافة المجتمعية.
تعتمد المرجعية الفكرية والحقوقية للشبكة العربية للتسامح على الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بكامل منظومتها، وفي مقدمتها إعلان مبادئ بشأن التسامح الصادر عن منظمة اليونسكو لعام 1996 ، فضلاً عن الفكر التقدمي الإنساني والحضاري في التراث العربي والعالمي.
ومنذ تأسيس الشبكة منذ عامين يقوم مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان بإدارة الشبكة والقيام بكافة أنشطتها، وتضم الشبكة في عضويتها 35 عضوا من منظمات وأفراد يمثلون معظم بلدان العالم العربي.
وتهدف الشبكة العربية للتسامح إلى :
أولاً: العمل على مناهضة كافة أشكال ومظاهر العنف والتعصب على المستويين الرسمي والشعبي في الأقطار العربية، وإشاعة ثقافة السلم المجتمعي والتسامح والتقاليد الديمقراطية الحقيقية.
ثانياً: التأكيد على أن جوهر التسامح قائم على مبدأ الحق في الاختلاف، والدعوة إلى احترام هذا الحق، وتطبيقه على أرض الواقع، والدفاع عن استمراره والعمل على تغذية ثقافة الاختلاف ودعم جوانبها الإيجابية.
ثالثاً: الدعوة إلى توسيع هوامش الحريات العامة باعتبار أن ذلك عامل أساسي من عوامل تثبيت الحقوق الأساسية التي ترتكز عليها قيمة التسامح، وفي مقدمتها الحق في المعتقد، دينياً كان أو غيره، والحق في حرية الرأي والتعبير عنه، والحق في التنظيم النقابي والتجمع السلمي والتعددية السياسية، لذا لا بد من ترجمة تلك الحقوق على المستويين القانوني والتشريعي، والنضال من أجل تحقيقها على أرض الواقع.
رابعاً: العمل على توجيه الخطاب الديني حتى يكون رفدا أساسيا في تعميم ثقافة التسامح وقيمه، والدعوة لنبذ كافة أشكال التحريض ضد المختلِف، ونبذ التشدد والتطرف العقائدي والمذهبي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق