08 مارس 2011

عُمان: الفكر الجمعي.. الشعب وفلسفة الاعتصام

محمد السناني
   
ألا لا يجـهـلن أحــدٌ عـلينا
فنجهلُ فوقَ جهل الجاهلينا
عمرو بن كلثوم

 
     خارج الأيديولوجيا والتنظيرات الفردية يقود الشعب العماني سلسلةَ احتجاجاتٍ نادرةٍ مبهرةٍ من صحار إلى صلالة، ومن صور إلى مسقط، مستنيراً بروحه الجمعية الناهضة من رماد الانكسار والخنوع الطويل إلى فضاء الحرية والكينونة، حيث لا وجود لمبشِّرٍ أو داعيةٍ أو بطل رومانسي. وحده الشعب يُدونُ أسطورتَهُ الخاصة المتفردة بصموده وإبائه المستعصي على التأويلات السوسيولوجية والفلسفية والأدبية، ولا يمنح أذناً لأقوال المرجفين الموالين لنظام الخوف والمهانة.

       الكلُّ، هنا، في ساحة الشعب أو ميدان الإصلاح أو ساحة التحرير،  كيانٌ قائمٌ مستقلٌّ بذاته، لذا فهو محصنٌّ ضد الاختراقات والمحاولات المتكسرة على عتبات سدِّهِ الوطني المنيع. ومهما حاول المتتبع المستقرئ لواقعية عُمان السحرية تحليل واستيعاب ما يراه أمامه من إبداعٍ استثنائي خلاق بعقلانية وموضوعية، فلن يسعه إلا متابعة فصول الرواية المذهلة، منذ خروج طاقة كونية جبارة من شبابٍ عُماني استوعب لحظتَهُ التاريخيةَ بجسارة وإرادة فذة، إلى التحام وطني بجذوة هذا الشباب المشتعل جسداً وروحاً.

      ولن يكون الدستور التعاقدي حصاناً طروادياً يختبئ بداخله المثقفون الأحرار كما ينعق الانهزاميون، بل هو مشروعٌ وطنيٌّ طموحٌ طُرِحَ على طاولة النقاش والجدل المحتدم منذ بداية العام الماضي، وتبلورت فكرتُهُ نضوجاً ووعياً عند كثيرٍ من العمانيين. هذا الدستور الحلم الذي تقاطع مع نهوض الشباب العماني لبلوغ حلمهم بوطنٍ حرٍّ كريمٍ يصون لهم كرامتهم وخبزهم الممتهنين، يطرح الآنَ وغداً على قطاعاتٍ واسعةٍ في ساحة الشعب وغيرها من الساحات والميادين في عُمان، وصولاً لكل بيت في عمان، داعياً الجميع إلى المشاركة في كتابته، والنقاش حوله حدَّ الجدل والاختلاف، بلوغاً به غاية العدالة والحق في اقتسام السلطة الشرعية قسمةً يرضي بها المواطن أولاً وأخيراً.

      لا يحقُّ لأحدٍ مهما تأسلمَ أو تلبرَرَ أو تيامنَ أو تياسر أن يدَّعي لنفسه أحقية الهيمنة على الخطاب الوطني الجديد، ولا أن يسحب بساط الوعي الجديد من تحت أقدامه خائطيه البسطاء الشرفاء الذين نفضوا سجادة الوطن العتيقة من الغبار، فتساقطت براغيثَ وعثَّةً وقملاً كاد يأكل السجادة الحافلة بموزاييك بشريٍّ مدهش من أرواحٍ فنيت في جمع خيوط الوطن المطرز بدم الشهداء وعرق الكادحين.

       لا صوتَ يعلو فوق صوت الشعب، ولا معبِّرَ عنه إلا هو نفسه، بما له من وعي جمعيٍّ بلغ ذورته على يد الجميع، مواطناً لا ينتمي سوى لوطنٍ واحدٍ هو عمان. عمان وكفى.
 
2011/3/8م
     مسقط   

ليست هناك تعليقات: