سعود عبدالله الزدجالي
"لو استطاع الناس تنظيم شئون حياتهم وفقا لخطة مرسومة، أو كان الحظ مواتيا لهم على الدوام؛ لما وقعوا فريسة للخرافة"
إسبينوزا
إسبينوزا
(لا تكونوا كقوم موسى أتعبوا سيدنا موسى بمطالبهم حتى غضب الله عليهم وخسف بهم، وافتحوا أعينكم هناك من يفتعل الدسائس، وأنتم من المحسودين على أمنكم واستقراركم لا تدعوهم يهدموا دولتكم ويسلطوا عليكم من يضركم ولا يرحمكم ويغضب رب العاالمين عليكم، وأنتم يا شعب عمان محظوظون عندكم سلطان عادل وحكيم من أفضل حكماء هذا الزمان)
نصيحة أبوية كأنظمتنا العربية الأبوية المتعالية، يتوجهون بها إلى شعوبنا الذين احتلهم الخوف فولّد في جوانحهم أصناما هم يعبدونها، وألجأهم إلى الخرافة، وحينما وصلت إليَّ تذكرتُ قول المتنبي:
أبنت الدهر عندي كل بنت فكيف وصلت أنت من الزحام
فقلت لعلها كلمة عابرة ولكنها في حقيقتها عابرة للقارات كصواريخ الأمم التي احترمت شعوبها وعقولها وفكرها وإنسانيتها فقلت ما قاله المتنبي في مثل هذا الموقف:
طوى الجزيرةَ حتى جاءني خبرٌ فزعتُ منه بآمالي إلى الكـــــــذب
حتى إذا لم يدع لي صدقُه أملا شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
فرجعت إلى نفسي فقلت لقد قام الشيخ بواجبه بالنصيحة إلى القوم، وإن كانت النصيحة توجِد في مخيلتنا مشكلةً لا وجود لها في الحقيقة، فنحن لا انشقاق في صفنا خلف قائدنا البتة ولكنه الوهم، أو لعله امتثل لأمر النبي صلى الله عليه وسلم حين قال:
الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله. قال: لله ورسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم.
فلماذا أحسنت النصيحة للعامة القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والطالبين لحقوقهم وتركت (الأئمة) من وزرائنا الذين فتنوا المجتمع في أقدارها وأرزاقها، ولكنها الموازين أيها الشيخ قد انقلبت فتعيش الأمة الآن أزمتها التاريخية كما صورها المعري بمفرداتها البيئية البسيطة العميقة بأبعادها الفلسفية حينما قال:
إذا عيّر الطائي بالبخل مــــــادرٌ وعير قسا بالفهـــــامة باقـــــــــــلُ
وقال السهى للشمس أنت خفيةٌ وقال الدجى يا صبح لونك حـائلُ
وطاولت الأرض السماء سفاهةً وفاخرت الشهبَ الحصى والجنادلُ
فيا موتُ زر إن الحياة ذميمةٌ ويا نفس جدي إن دهرك هـــازلُ
والغريب في الأمر أنك تخلط الأوراق، وتقيس مع الفارق؛ إذ انعدمت المعاني المسوغة للقياس، فتجعل مطالبات الشعب العماني الأبي الذي رباه القائد على العزة والإباء كمطالبات بني إسرائيل لموسى، أترى هذا الشعب قال لقائده: أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون، أم أنهم قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء، أم يد الله مغلولة غلت أيديهم؟ ومن أخبرك أن الشعب في سهوله وأوديته وجباله الشم غير ملتف حول قائده، بل إن هذا الشعب وكل شعوب الخليج يدافعون عن قادتهم ويرخصون دماءهم لهم.
هل تسوي أيها الشيخ بين محاربة الفساد وأرنا الله جهرة؟ ألا تذكر معي أيها الشيخ ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء إليه جابي الزكاة؛ فإذا به يقسم الصدقات إلى قسمين: الأول له والآخر لبيت المال، فغضب النبي وصعد المنبر وعلا صوته فقال ما بال أقوام أرسلهم على الصدقات فيقول هذا لكم وهذا لي؟ أفلا يجلس أحدكم في بيت أبيه ليقول الناس له هذا لك؟ أتذكر هذا الحديث وأمثاله؟
أتذكر ما كان من محاسبة الفاروق لولاته في الدولة الإسلامية، وإرجاع أموالهم إلى الدولة كما فعل ببعض الصحابة كعمرو بن العاص وغيره؟
ولكنكم أنتم معاشر العلماء فينا كأنبياء بني إسرائيل، فكان عليك أن تجعل نفسك في موقف موسى، وإبراهيم الذين وقفوا أمام الطغاة الفاسدين الذين جعلوا أهلها شيعا يذبحونهم وأبناءهم ويستحيون نساءهم، ولك أن تنزل درجات فتجعل نفسك مع سحرة فرعون الذين وقفوا أمامه معلنين الحق (آمنا برب هارون وموسى) وأكمل قراءتك للآيات لتصل إلى قولهم (لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا)
لماذا أنتم غائبون تماما عن المشهد السياسي في العالم العربي؟ ألمّـــــا يؤذن لكم فتتكلمون؟ ولماذا تدمنون الظهور في القنوات الفضائية؟ وتجلسون للإفتاء هذا حلال وهذا حرام، وتشددون النكير على مقترفي الكبائر وشاربي الخمر؟ ولماذا تجتهدون في البحث عن الرخص وتتعمقون في الزواج والطلاق ولا شأن لكم بالدولة والدستور والعدل والمساواة وحقوق الإنسان؟ وتبينون للعامة أوقات الصلاة والكراهة وأن وقت صلاة المغرب الاختياري ينتهي بمغيب الشفق، وقد غاب الشفق، ونام الحق وانتشر الظلام والأمة ما تزال تصلي والآخرون ينهبون ثرواتها كلما طلع الشفق أو غاب.
إنكم تقفون أمام الطغاة بصمت لا نهائي مشئوم؛ لأنكم بعتموهم حريتكم وواجبكم المقدس، لقد ماتت الأمة يوم مات علماؤها، ووسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة، أين أنتم يا أصحاب البرامج والفضائيات من الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي قال عنه سفيان: من سره أن ينظر إلى رجل خلق من المسك والتبر فلينظر إلى الخليل بن أحمد، الذي رفض أن يلين لأعطيات الخلفاء وأصحاب الأموال، أين أنتم من أبي حنيفة وتلميذه أبي يوسف القاضي الذي قال للخليفة لقد حكم كتابُ الله على كتابك يا أمير المؤمنين، وأين أنتم من جابر بن زيد، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، وسعيد بن جبير الذي قتله الحجاج بن يوسف الثقفي، أين أنتم من العز بن عبدالسلام الذي حينما خرج من القاهرة تبعه الناس؟ أين أنتم من هؤلاء..؟
إننا نخلعكم تماما أيها العلماء، فعيشوا في فضائياتكم، وأدمنوا الخنوع الأبدي، لا نريد نصائحكم الباردة الباهتة، احتفظوا بها لأنفسكم، وأثروا بها برامجكم، إنني أسألكم أيها العلماء والدعاة بأنواع (طلاتكم) المختلفة الذين لم يكتفوا بالظهور في الفضائيات حتى أبدعوا لأنفسهم قنوات تستقطب أكبر قدر من الرسائل القصيرة؛ ليستحوذوا على سذاجة الشعوب وأموالهم، فبات الدعاء بالرسائل القصيرة وكأن الله تعالى واكب التطور التكنولوجي الهائل فأعد (السيرفرات) العملاقة في السماء تديرها الملائكة لتستقبل أدعية القوم، أو أولئك الذين همهم الأوحد تسجيل أصواتهم وهو يتلون الكتاب، ويأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، أو أولئك الذين امتهنوا ما سموه بالرقية الشرعية فباعوا الخرافة باسم الدين حينما خيّم الخوف في قلوبنا؟ أسألكم جميعا متى ستنتهي هذه المهازل وتعود الأمة إلى عقلانيتها وصفائها وبساطتها؟
أسألكم معاشر العلماء ومدمني الإفتاء والتفسير والفضائيات كم مرة تناولتم القمع المزري الذي خيم وجثم على أفئدة الشعب المصري السنين الطوال؟ وكم مرة تحدثتم عن ليبيا وعنجهية نظامه البربري المتعالي؟ وكم مرة ناقشتم النظام التونسي الذي حرم الأذان وأباح القهر والقمع واغتال الإنسانية في قلوب شعبه؟ وكم مرة تحدثتم عن الجزائر التي ضحت بأكثر من مليون شهيد فلما تحرر من عدوه احتله حكامه الظالمون القامعون؟ وماذا تقولون عن الأحداث في اليمن؟ وعما يدور في المغرب وراء الكواليس وسوريا؟
إننا نعيش اليوم وثنية تختلف عن وثنية الذين سبقونا في الجاهلية، كانوا يتقربون إلى أنصابهم وأوثانهم، ولكن ذبائحهم تعود بالمنفعة إليهم، فقد كانت تلكم الأوثان جامدة زاهدة، لا تستجيب لهم ولا تطلب المزيد وربما تعاطف القوم معها وأحسوا بها، ولكنهم إذا واجهوا عدوا لهم فإنهم يلجئون إلى سيوفهم وخيولهم التي لا تعرف الهوادة والخنوع والخضوع، أما وثنيتنا فهي من نوع آخر؛ فنحن نقدس أناسا من أشباهنا، إنهم يتحركون، ويطلبون المزيد، نعطيهم مقدراتنا، ونبذل لهم دماءنا، هؤلاء هم وزراؤنا الفاسدون، مدمنو الكر اسي بائعو الحريات، وفي هذا الموقف البائس منكم معاشر العلماء، وبسبب صمتكم الصارخ القاتل إزاء هذه الوثنية الصارخة يؤسفني أن أقول لكم ما قاله موسى لقومه: (إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم)
اقتلوا أنفسكم بالصمت فلا حاجة لنا إلى نصائحكم، احتفظوا بها لأنفسكم، فقد سئمنا مناقشاتكم الباردة، وبرامجكم الكثيرة التي زخرت بها الفضائيات، اسكتوا فأنتم كإعلامنا البائس الفقير، فقد قسمتم الدين إلى شطرين: الأول وهو كل الدين علينا نحن الشعوب، والآخر الصمت المبيح لكل شيء للفاسدين.
الأمة اليوم تنتفض كأسد رابض فانشر غباره وزئيره ليخنق الصامتين...
نصيحة أبوية كأنظمتنا العربية الأبوية المتعالية، يتوجهون بها إلى شعوبنا الذين احتلهم الخوف فولّد في جوانحهم أصناما هم يعبدونها، وألجأهم إلى الخرافة، وحينما وصلت إليَّ تذكرتُ قول المتنبي:
أبنت الدهر عندي كل بنت فكيف وصلت أنت من الزحام
فقلت لعلها كلمة عابرة ولكنها في حقيقتها عابرة للقارات كصواريخ الأمم التي احترمت شعوبها وعقولها وفكرها وإنسانيتها فقلت ما قاله المتنبي في مثل هذا الموقف:
طوى الجزيرةَ حتى جاءني خبرٌ فزعتُ منه بآمالي إلى الكـــــــذب
حتى إذا لم يدع لي صدقُه أملا شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
فرجعت إلى نفسي فقلت لقد قام الشيخ بواجبه بالنصيحة إلى القوم، وإن كانت النصيحة توجِد في مخيلتنا مشكلةً لا وجود لها في الحقيقة، فنحن لا انشقاق في صفنا خلف قائدنا البتة ولكنه الوهم، أو لعله امتثل لأمر النبي صلى الله عليه وسلم حين قال:
الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله. قال: لله ورسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم.
فلماذا أحسنت النصيحة للعامة القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والطالبين لحقوقهم وتركت (الأئمة) من وزرائنا الذين فتنوا المجتمع في أقدارها وأرزاقها، ولكنها الموازين أيها الشيخ قد انقلبت فتعيش الأمة الآن أزمتها التاريخية كما صورها المعري بمفرداتها البيئية البسيطة العميقة بأبعادها الفلسفية حينما قال:
إذا عيّر الطائي بالبخل مــــــادرٌ وعير قسا بالفهـــــامة باقـــــــــــلُ
وقال السهى للشمس أنت خفيةٌ وقال الدجى يا صبح لونك حـائلُ
وطاولت الأرض السماء سفاهةً وفاخرت الشهبَ الحصى والجنادلُ
فيا موتُ زر إن الحياة ذميمةٌ ويا نفس جدي إن دهرك هـــازلُ
والغريب في الأمر أنك تخلط الأوراق، وتقيس مع الفارق؛ إذ انعدمت المعاني المسوغة للقياس، فتجعل مطالبات الشعب العماني الأبي الذي رباه القائد على العزة والإباء كمطالبات بني إسرائيل لموسى، أترى هذا الشعب قال لقائده: أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون، أم أنهم قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء، أم يد الله مغلولة غلت أيديهم؟ ومن أخبرك أن الشعب في سهوله وأوديته وجباله الشم غير ملتف حول قائده، بل إن هذا الشعب وكل شعوب الخليج يدافعون عن قادتهم ويرخصون دماءهم لهم.
هل تسوي أيها الشيخ بين محاربة الفساد وأرنا الله جهرة؟ ألا تذكر معي أيها الشيخ ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء إليه جابي الزكاة؛ فإذا به يقسم الصدقات إلى قسمين: الأول له والآخر لبيت المال، فغضب النبي وصعد المنبر وعلا صوته فقال ما بال أقوام أرسلهم على الصدقات فيقول هذا لكم وهذا لي؟ أفلا يجلس أحدكم في بيت أبيه ليقول الناس له هذا لك؟ أتذكر هذا الحديث وأمثاله؟
أتذكر ما كان من محاسبة الفاروق لولاته في الدولة الإسلامية، وإرجاع أموالهم إلى الدولة كما فعل ببعض الصحابة كعمرو بن العاص وغيره؟
ولكنكم أنتم معاشر العلماء فينا كأنبياء بني إسرائيل، فكان عليك أن تجعل نفسك في موقف موسى، وإبراهيم الذين وقفوا أمام الطغاة الفاسدين الذين جعلوا أهلها شيعا يذبحونهم وأبناءهم ويستحيون نساءهم، ولك أن تنزل درجات فتجعل نفسك مع سحرة فرعون الذين وقفوا أمامه معلنين الحق (آمنا برب هارون وموسى) وأكمل قراءتك للآيات لتصل إلى قولهم (لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا)
لماذا أنتم غائبون تماما عن المشهد السياسي في العالم العربي؟ ألمّـــــا يؤذن لكم فتتكلمون؟ ولماذا تدمنون الظهور في القنوات الفضائية؟ وتجلسون للإفتاء هذا حلال وهذا حرام، وتشددون النكير على مقترفي الكبائر وشاربي الخمر؟ ولماذا تجتهدون في البحث عن الرخص وتتعمقون في الزواج والطلاق ولا شأن لكم بالدولة والدستور والعدل والمساواة وحقوق الإنسان؟ وتبينون للعامة أوقات الصلاة والكراهة وأن وقت صلاة المغرب الاختياري ينتهي بمغيب الشفق، وقد غاب الشفق، ونام الحق وانتشر الظلام والأمة ما تزال تصلي والآخرون ينهبون ثرواتها كلما طلع الشفق أو غاب.
إنكم تقفون أمام الطغاة بصمت لا نهائي مشئوم؛ لأنكم بعتموهم حريتكم وواجبكم المقدس، لقد ماتت الأمة يوم مات علماؤها، ووسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة، أين أنتم يا أصحاب البرامج والفضائيات من الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي قال عنه سفيان: من سره أن ينظر إلى رجل خلق من المسك والتبر فلينظر إلى الخليل بن أحمد، الذي رفض أن يلين لأعطيات الخلفاء وأصحاب الأموال، أين أنتم من أبي حنيفة وتلميذه أبي يوسف القاضي الذي قال للخليفة لقد حكم كتابُ الله على كتابك يا أمير المؤمنين، وأين أنتم من جابر بن زيد، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، وسعيد بن جبير الذي قتله الحجاج بن يوسف الثقفي، أين أنتم من العز بن عبدالسلام الذي حينما خرج من القاهرة تبعه الناس؟ أين أنتم من هؤلاء..؟
إننا نخلعكم تماما أيها العلماء، فعيشوا في فضائياتكم، وأدمنوا الخنوع الأبدي، لا نريد نصائحكم الباردة الباهتة، احتفظوا بها لأنفسكم، وأثروا بها برامجكم، إنني أسألكم أيها العلماء والدعاة بأنواع (طلاتكم) المختلفة الذين لم يكتفوا بالظهور في الفضائيات حتى أبدعوا لأنفسهم قنوات تستقطب أكبر قدر من الرسائل القصيرة؛ ليستحوذوا على سذاجة الشعوب وأموالهم، فبات الدعاء بالرسائل القصيرة وكأن الله تعالى واكب التطور التكنولوجي الهائل فأعد (السيرفرات) العملاقة في السماء تديرها الملائكة لتستقبل أدعية القوم، أو أولئك الذين همهم الأوحد تسجيل أصواتهم وهو يتلون الكتاب، ويأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، أو أولئك الذين امتهنوا ما سموه بالرقية الشرعية فباعوا الخرافة باسم الدين حينما خيّم الخوف في قلوبنا؟ أسألكم جميعا متى ستنتهي هذه المهازل وتعود الأمة إلى عقلانيتها وصفائها وبساطتها؟
أسألكم معاشر العلماء ومدمني الإفتاء والتفسير والفضائيات كم مرة تناولتم القمع المزري الذي خيم وجثم على أفئدة الشعب المصري السنين الطوال؟ وكم مرة تحدثتم عن ليبيا وعنجهية نظامه البربري المتعالي؟ وكم مرة ناقشتم النظام التونسي الذي حرم الأذان وأباح القهر والقمع واغتال الإنسانية في قلوب شعبه؟ وكم مرة تحدثتم عن الجزائر التي ضحت بأكثر من مليون شهيد فلما تحرر من عدوه احتله حكامه الظالمون القامعون؟ وماذا تقولون عن الأحداث في اليمن؟ وعما يدور في المغرب وراء الكواليس وسوريا؟
إننا نعيش اليوم وثنية تختلف عن وثنية الذين سبقونا في الجاهلية، كانوا يتقربون إلى أنصابهم وأوثانهم، ولكن ذبائحهم تعود بالمنفعة إليهم، فقد كانت تلكم الأوثان جامدة زاهدة، لا تستجيب لهم ولا تطلب المزيد وربما تعاطف القوم معها وأحسوا بها، ولكنهم إذا واجهوا عدوا لهم فإنهم يلجئون إلى سيوفهم وخيولهم التي لا تعرف الهوادة والخنوع والخضوع، أما وثنيتنا فهي من نوع آخر؛ فنحن نقدس أناسا من أشباهنا، إنهم يتحركون، ويطلبون المزيد، نعطيهم مقدراتنا، ونبذل لهم دماءنا، هؤلاء هم وزراؤنا الفاسدون، مدمنو الكر اسي بائعو الحريات، وفي هذا الموقف البائس منكم معاشر العلماء، وبسبب صمتكم الصارخ القاتل إزاء هذه الوثنية الصارخة يؤسفني أن أقول لكم ما قاله موسى لقومه: (إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم)
اقتلوا أنفسكم بالصمت فلا حاجة لنا إلى نصائحكم، احتفظوا بها لأنفسكم، فقد سئمنا مناقشاتكم الباردة، وبرامجكم الكثيرة التي زخرت بها الفضائيات، اسكتوا فأنتم كإعلامنا البائس الفقير، فقد قسمتم الدين إلى شطرين: الأول وهو كل الدين علينا نحن الشعوب، والآخر الصمت المبيح لكل شيء للفاسدين.
الأمة اليوم تنتفض كأسد رابض فانشر غباره وزئيره ليخنق الصامتين...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق