حمود حمد الشكيلي
شهدت ولاية صحار صباح التاسع والعشرين من مارس ساعات فجر عصيبة، أجزم أنه يجوز للتاريخ تسميتها بالساعات السوداء، حيث لم يكن الأهالي يتوقعون أن يمارس عليهم الإرهاب. فقد سرد في ساحة الشعب بمسقط أحد الذين رأوا مسرحية الإرهاب المنظّم، حيث حكى كيف اقتحمت قوات الأمن بيتهم المكوّن من طابقين، متحدثا عن خطوات تكسير وتدمير قام بها رجال أمن ملثّمين بلثام أسود في بيتهم؛ بحثا عن والد المتحدِّث" الحاكي والسارد للقصة".
الوالد المعتقل من بيته وكيل متقاعد من شرطة عمان السلطانية، خدم هذا الرّجل بلده عشرين عاما في جهاز الشرطة، وقد اقتيد من بيته، مخرجا بقوّة من بين أفراد عائلته، أمه وزوجته وأبنائه، وهو البالغ من العمر خمسين عاما. أنا على يقين لو رفعت سماعة هاتف؛ لمناداة هذا الرجل وطلب منه الذهاب لأي مؤسسة أمنية في عمان، لذهب طوعا دون خوف، حيث زمن الخوف قد ولى دون رجعة.
كانت حكاية المداهمة والاقتحام المنفذة من قبل رجال عسكريين، يرتدون ملابس عسكرية زرقاء داكنة قليلا، وهي على الأرجح ملابس القوات الخاصة حكاية مقززة، بل إنها منظّمة، ومعدة سلفا، والغريب أن المعتقلين أخذوا في سيارات بيضاء من نوع " لاندكروزر" تحمل لوائح تجارية في لونها الأحمر.
إننا هنا نتساءل عن مدى صحة ما روجه الإعلام العماني في وسائله الصامتة على أحداث الشارع طيلة أربعين عاما حول وجود أناس يروعون الأهالي في منازلهم، والموظفين في مؤسساتهم، هكذا روج لنا الإعلام في الأيام الأخيرة قبل بداية فجر اليوم الأسود.
أرى إن ما تم الترويج له ما هو إلا خطة استباقية، تجيز وتحلل خطة الأمن في إنهاء اعتصام صحار المتمثِّل في دوار الكرة الأرضية، دوار الإصلاح.
أين كان هؤلاء عن ترويع المواطنين والآمنين في بيوتهم، وأولئك الذين روّعوا الناس في وظائفهم خلال الأسابيع الأربعة الماضية...؟ أليس لنا أن نرى أن هؤلاء مدعومون من قبل مخططي الفجر الأسود على ولاية صحار، وتلك القريبة منها.
يبدو أن هذه القوّة الغاشمة، أرادت تطبيق شعار" من يتجرّأ ينتصر" فكان لابد من الجرأة، لكنها لن تؤدي إلى الانتصار مطلقا، والأيام القادمة ستثبت صحة ذلك... ما حدث جاء بعد عدّة محاولات سعت إلى إنهاء الاعتصامات، ليس في دوار الإصلاح فقط، وإنما جاء لإنهاء الاعتصامات في جميع أنحاء عمان، لكن الواضح أن كل المحاولات الأمنية قد فشلت، فما استطاعوا فيما روّجوا ودسّوا من قول إن هذه الاعتصامات تروِّج للمذهبية، وما نجحوا كذلك من الضرب بين فئات الناس في أفكارهم، وما شابه ذلك. فشلوا في كل شيء، فكان أن رأوا ضرورة استخدام القوة، وهذا ما حدث، ويبدو أنهم لم يعوا أن القوة لا تنفع في زمن كهذا.
إن أحداث الفجر الأسود تذكرنا بأحداث عمانية ليست بعيدة عن العقل والذاكرة، حيث الهجوم الذي شهدته منازل من هُجِمَ عليهم من أهالي صحار والولايات القريبة منها شبيه جدا بالهجوم الذي نُفِّذ مع الذين كانوا في أحداث 2005، وقد أنصف التاريخ هؤلاء، من خلال أنهم استطاعوا أن يثبتوا أنهم ظلموا، وهذا ما أكدته كل النصوص التي سُرّدت شفويا أمام الملأ في ساحات الاعتصام، أم تلك التي كُتِبت في كتب خاصة عن القضية.
بهذا نكون قد عدنا إلى الخلف سنوات كثيرة، رغم أننا نطمح بعد كل ما تحقق عدم العودة للأيام التي مارس و يمارس فيها الأمن هجومه غير المسبب على أناس لا يملك أي جرم ارتكبوه في حق آخرين، ولا في حق الحكومة، وهذا ما صرّح به الإدعاء العام في إحدى القنوات الإذاعية مطالبا الناس بتزويدهم بأي أدلة يملكونها حول من تم اعتقالهم. إذن نحن هنا أمام اعتقال بدون أدلة، وقد لا يكون حتى ثمة شك حول من تم اعتقالهم. فما ذنب من نعرفهم واحدا واحدا بسيرهم الناصعة البياض، بل إن أغلب من تم اعتقالهم كانوا من الناصحين بالسلم والأمن في دوار الإصلاح، وهم من المنظمين، فيهم الأساتذة الجامعيون، والأدباء الذين ترددوا على الدوار كلما سمح الوقت بالمرور لأداء واجب إصلاحي فرضته عليهم حقيقة الفساد المستشري في مفاصل الدولة.
إني هنا أسأل الأجهزة الأمنية عن الجرم الذي قام به كل أولئك الذين اعتقلوا، هنا لا أذكر اسم أحد، الجهات الأمنية تعرف أسماءهم واحدا واحدا، ولها القدرة على تشويه صورة كل شريف في هذا البلد.
أخيرا قلت مع نفسي أن الإدعاء العام والمكتب السلطاني وشرطة عمان السلطانية وجهاز الأمن كل هؤلاء... لا يجرؤن على تنفيذ ما تم في الفجر الأسود على ولايات الباطنة إلا بأخذ أذن ...أو رأي حول ما تم. خاصة وأن من بينهم أناس مسكوا وظائفهم الجديدة بعد هبّة شعبية أطاحت بأسلافهم. في الجملة الأخيرة أقول إن أحداثا كهذه ليست في صالح البلد على الإطلاق، ولا في صالح سلطانها، هذا الرجل الذي أحبه العمانيون حبا عظيما، نادرا ما يحضى رئيس بحب، مثل ما فاز صاحب الجلالة بحب شعبه، عليه أن يستمع لمطالب شعبه الوفي، وأن لا يرضى على قوات تدعي حفظ الأمن بتشتيت أمن البلاد ومستقبلها الذي لا يأتي إلا بالإصلاح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق