عادل الكلباني
(1)
ذلك النبع البعيد في ازمنة الجفاف / يأس ينخر النفوس، تتلظى بالتيه والعطش / حسبت سنرشف قطراته باكرا، ذلك النبع البعيد / من كثرة ما حلقنا به بين الحلم والذاكرة، تركنا طفولتنا ترتع على وهج الذكريات التي اشتعلت لاحقا / من ينبش ذكرياته سابقا – ان كان للنبش تفسير وتأويل - لن يجد فيها عدا اغوار ومتاهات / لقد بزغ الفجر ... ولكن من القادر الآن ان يوزع عدالة الضياء حتى لا يتبدد في الفضاء / وينهمر السواد ثانية / والصحراء التي عشقناها من اول نظرة تطفو على السطح دائما / كحنين جاثم لا ينتهي / حيث الاصفاد العكرة والزمن الآسن / كستنا الصبر والترمل / واحتوتنا برغم كل ذلك الجفاف انفاس مشعثة بالكرامة / تبدت قاصمة كالبرق ثقيلة كالروح / ...
سبحان من سواك مقرونة بالقرابين ايتها الحرية.
(2)
شهداؤنا يشبهون النخل يموت واقفا ثمرا وظلالا / وما بينهما الأبدية / تنشر سيلها الغادق / رحمة وحياة.
(3)
أسفار الشعب التي بدأت بخطوة اولى الى الانعتاق نحو عالم جديد ، اذا لم تجد من يثبت فعلها في التاريخ كممارسة على ارض الواقع ، نرى ونسمع ونلمس ونشم عبقها ونتذوق ثمرتها ، فسوف يكون كل ماحدث ممنوع من الصرف او لا محل له من الاعراب.
(4)
ايها الوطن ... ترابك المقدس الذي صنعنا الله منه / أتينا منك واليك نعود / أترانا أجزلنا لك العطاء لو قدمنا الأرواح فداء لوجهك الكريم / ليس غير الشهداء يعلمون حقك ويرحلون اليك أنوارا وفردايس / كرامتك التي كست اللحم والعظم تاريخ عزة وكبرياء مهما أثقلنا الزيف وترنحت الخطوات / أيها المانح دون منة أو أذى / أيها العزيز في زمنك / الرفيع منا مهما خذلناك / الرحيم بنا حين نأوي إليك / ما نحن أيها الوطن إلا أوراقك / تنثرنا الأيام في فنائك العتيق الذي يشبه المسك / نحيا ونموت بروحك / تقدس اسمك الخالد / لا احد اكبر منك أبدا / مهما هتفت حناجرهم المشروخة بالذل والأكاذيب / عدا الله قيوم السماوات والأرض.
(5)
أيها الوجه الذي ران عليه الغبار والتراب زمنا / حتى ماعدت ترى تحت قدميك /من مشاهد صادمة وجارحة ... وعندما رأيتها رأي العين / ماج بك الحزن وطفرت عيناك دمعا / حتى أبكتنا مواجعك/ التي انهمرت عليك أسباب ومنايا.
(6)
بدأ يتعلم فن الحلم ويلون الطموح/ لقد غمره الفلق شروقا وخيالات / منذ تسربلت طفولته بالإقصاء والقهر / ذاكرة المساكين والفقراء / كل توبتهم احتواها الوطن / المرجأ حضنه الى إشعار آخر / ظل قريبا منهم وهم يعشقون أرضه وظلاله / مر بهم السغب وهم يرسمونه أمل للحياة / طقوسه الحب والكراهية / هذا المشهد المثقل بالجواكر حسبناها كاليقين / من يكفر بهم لا يناله الغفران / لم يسمع له صوت / لم يكن له صوت / وفي الصدور ثورة تكلم بها القرآن منذ قرون / ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) / هذه الآية حين طبقت دلالتها بزغت بها المعجزات / حين آمن بها الناس قولا وفعلا / وخرجت الى العلن من صدور الفقراء / لتصدم الذين حاولوا بسطوتهم التي ترفض الجدل / احتواء مشيئة الرب والشعب / لكن الحرية أشرقت / وانقشع الضباب.
(7)
ويبقى الوطن
فردوسنا الذي فديناه
بذبح عظيم
الوجه الأبدي
مهد الطفولة والموت
سامقا في انتظار
الرعد
والمطر الجديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق