30 أكتوبر 2011

الأرض عندما تتكلَّم.. بو عزيزي.. قصة قصيرة

ناصر المنجي


 

      تكلَّمتِ الأرضُ بعد خَرْسٍ طويل فقالت:
      في عربته الصغيرة كان يضع قطعاً متجاوراتٍ من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يُسقى بماء واحد، وكان الدمع ماءه الوحيد، وكانوا يجرون تعبهم ويجر عربته التي تسرُّ الناظرين. ومضى زمن يجر عربته على ظهره الذي أجُرُّه على ظهري. لم يكن ينظر للنقود خوفاً من أن يرى الصورة المرسومة على ظهرها وبطنها. وكان لهم كل شيءٍ في العربة عنباً وقضباً.. وزيتوناً ونخلاً، ولم يكن له شيء سوى العربة.

     أمامه في العربة كل شيء: فاكهةٌ ونخلٌ ورمَّانٌ وطلح منضود، ولم يكن له سوى الدمع يذرفه على نخلة لم تتساقط عليه رطباً جنيّاً، ومن بطني تخرج الثمرات ليضعها محمد على عربته.

     يتساءل: كيف هي العربة مصنوعة من أخشاب أشجارٍ عديدة، والنقود التي تحمل صورة الرئيس مصنوعة من ورق الشجر أيضاً. أَلَمْ ير الرئيس كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبة كشجرةٍ طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ومحمد ينظر إلى شجري وأثماري لا إلى النقود خوفاً من أن يراه الرئيس أو أن يرى الرئيس. عيون الرئيس في النقود لا تنام أبداً.

    أشجار في أشجار تحيط به، ولكنَّ عينين متربِّصتين تنظران إليه من الورق كلَّما اشترى أحد شيئاً من العربة.

    وكنت ألد كل شيء.. فاكهة وأبّاً وزيتوناً وعنباً، وإنساناً يمضي بعربته إلى أن قيل له:

ارحل.

     ورحل رحلة أخيرة، وماتت كل الثمار والأشجار لتنبت وردة أخيرة تحمل روائح ثمار الأرض كلها.

    وكانت هذه هي وردتي الأخيرة وآخر ولاداتي في الكون وأسميتها: محمد بو عزيزي.


• من مجموعة جديدة للكاتب

nassertales@hotmail.com *

ليست هناك تعليقات: