29 فبراير 2008

يوم مولدي

اليوم هو عيد ميلادي. تلقائيًّا كل مرة أتذكَّر أغنية ملك العود فريد الأطرش التي كتبها الشاعر الشقي كامل الشناوي؛ تقول الأغنية: "جئت يا يوم مولدي/جئت يا أيها الشَّقي...". لا أتذكر الباقي. ومرت الأيام وملأتني قراءة رواية أمين معلوف "القرن الأول بعد بياتريس" بزهو أعلم أنه يُريد أن يمحو زلَّة الحزن ليس أكثر، حتَّى إنني لم أعد أتذكر كثيرًا أغنية الأطرش، بل أصبحت أردِّد لنفسي ولبعض القريبين منِّي ما كتبه معلوف عن مواليد شباط/فبراير: "ذلك الشهر الحنون الذي ولد فيه قلَّة من النَّاس"!. هل هذا الأمر صحيحٌ يا أمين؟

أعمار تهنِّئها النَّارأعمار تهنِّئها النَّار

إنه هزيع الأوهام. في الحقيقة أنا لست متأكِّدًا من أنَّني وُلدت في هذا الشهر أصلاً. تقول أمِّي إنني وُلدتُ قبل ولادة ناصر بن سليمان، وبالتدريج فهمت منها أن التاريخ يوافق هذا الشهر، وقالت إنها تحوز شهادة ميلادي، ومنذ سنوات كلَّما تذكَّرت سألتُها. البارحة وبالمصادفة البحتة سألتُها مجدَّدًا، سألت زينة فنقلت إليَّ الإجابة: "الشهادة غايبة من سنة سكتوا"!. اعتقدت أن أمي طالما خلطت بين أوراق إخوتي وورقتي تلك التي كنتُ متيقِّنًا من عدم وجودها، لذلك وعندما آن الأوان الضروري لاستخراج جواز سفر ذهبت إلى مستشفى إبرا وقابلت طبيبًا أحمق ففحص أسناني وأعطاني ورقة مدَّتْ عمري سنة أخرى.

البارحة سألت أمِّي مصادفة، إلا أن إيميلاً مهنِّئًا من منتدى فرق ذكَّرني بميلادي: اليوم. الإمكانية الإلكترونية تُصيب بالاضطراب أحيانًا؛ التكنولوجيا وليس البشر، إذ-كما لدى أغلب العُمانيين- يُحتفَلُ بعيد الميلاد الأول فقط، وكي أبقى وفيًّا لهذه الخصلة اعتبرت التاسع والعشرين من شباط/فبراير عيدًا لا يتذكَّره حتَّى صاحبُه، وما كرَّس لهذا أن شباط الحنون ثمانية وعشرون يومًا فقط، وكل أربع سنوات فقط يطول يومًا واحدًا؛ فكرةٌ حنونٌ أيضًا بالنسبة إليَّ أن يختفي تاريخ مولدي ثلاث سنين ويظهر في الرابعة. حقًّا إنه امتياز لا يتوافر إلا لمن وُلدوا في هذا اليوم. نصف ساعة ويبدأ مارس الفاتك؛ إذن فقد بلغت السادسة والثلاثين. على أعتاب الأربعين يبدو العُمر في منتصفه، لكن، وقياسًا على قاعدة مرة كل أربع سنين يبدو المستقبل مُنارًا بشمعة سوداء.

قلت إن طبيب مستشفى إبرا الأحمق ارتكب تلك الهفوة التي أقرَّتها وزارة الداخلية في جواز سفري وأضافت تواريخ تفصيلية كاذبة. مستشفى إبرا وطبيبه "طيزين في سروال" كما يقولون، فبعدها مباشرة ذهبت إلى مسقط لأستخرج للمرة الأولى في حياتي جواز سفر. هذه قصة طويلة بدأ بها اكتشافي المبكر لعنصرية وزارة الداخلية، لكن الآن، وتقديرًا لهذا اليوم الذي سيختفي ثلاث سنين ويظهر في الرابعة، سأتناسى ذلك اليوم الحقود وأُودِّع سنة أخرى في هذا الوطن الأجرد.

على خير وحنين عابر تُصبحين أيتها السنة المنصرمة. في مستشفى "اللعنة" ولدتُ، وأتعجَّب كيف سمَّوه مستشفى "الرحمة". مع ذلك سأضحك من أعماق قلبي، وأبذل النُّكاتَ والغرامَ والشُّموعَ والموتَ القصيرَ لأصحو على عام جديد م... لن أضيف سطرًا آخر. بقيت خمس دقائق. إلى اللِّقاء بعد أربع سنين.

ليست هناك تعليقات: