20 فبراير 2012

قبلة على جبين أحمد راشد ثاني في قبره

ظبية خميس

أوصى بك الريح,وشذرات العدم.
الشاعرة ظبية خميس
صرنا بلا وداع نفترق,الصدفة تبلغنا عن نهاياتنا.
حتى الحزن والرثاء والدموع كأن لا حق خاص لنا فيها,فى أمة تحتضر,ويسبق موتها وعود حياتها القادمة.
رمت الرحيل,إذن يا أحمد راشد ثانى فى ظهيرة نهار لا زال يبدأ عام جديد معه.لا زال فى أوله ولكنك رحلت فختمته ليكون آخر الأعوام.
كل شىء يعدنا للوداع وحتى أحاديث الذكريات ووعود قادم قريب نصنع فيه المزيد منها على أرض كلما إقتربنا منها,تبتعد.
نتوهم مستقبل ما,نستريح فيه من ضناء كوابيس مشينا بها.نتوهم شيخوخة آتية فإذا بها النهايات والجبال على أكتافنا لا تزال.
أكثر من ثلاثين عام كتبنا فيها .تقابلنا وتودعنا بأمل جغرافية تحملنا ونحملها.تزورنى فى القاهرة لتقول عودى:تغير المكان والزمان.عودى فشباب اليوم يشبه تمرد شبابك بالأمس.عودى:صار لنا مكان للقصيدة والكلام وربما حرية فى الأوطان.عودى,وسأمنحك الكثير من الكتب.أعود فتقول لى :لا بيت لى بعد!شبت يا ظبية ولم يمنحونى بيت بعد.أفكر ببيت لأولادى فقلبى معطوب وبيتى إحترق ولا بيت لى سوى القصيد والكتب.أقول لك نشترى شققا معلقة فى السماء كاالغرباء فى الشارقة وتكون جارى,ونتفق.
تتحمس يا أحمد للثورات والعرب,تعيشها بالأمل وأقول لك ذلك دم يراق,ويراق,ويراق!
تكتب بحمى من يريد أن يبصر كل شىء دفعة واحدة.تنشر كتبك مجتمعة.الشعر والنثر وسرد المستشفى والذاكرة وخورفكان وحيوات شعراء وشاعرات الأمس وتحن للخضر وإبن ماجد والفراهيدى والنخل والبحر والرمل ,وتحن لأبويك  الذين دفنتهما بيديك.
تحتمى بطفلتك الكبرى وهج وتحن لطفليك فى هولندا وتستقبل طفلا جديدا بحلم الغد.وكلهم تيتموا اليوم وتيتمنا معهم وتيتمت أرض بأكملها أنشدتها شعرك وكلماتك فى حياة كاملة.تسرع بالكتابة وتضيف إلى الرصيد روايتين وتنشر مجموعتك الكاملة وأقول لك:إهدأ يا أحمد قليلا!لكنك تسرع أكثر وكأنك تعلم أن الموت يخاتلك ويترصدك!
كتبنا يا أحمد فى بلاد الكتابة فيها ذرو ريح!
بلاد لم تر مانراه ولم تصغى لنا وعاملتنا كغرباء متطفلين على سيادتها.بلاد ترى حرثنا البحر والرمل,لا تعلم أجيالها رصيدنا ولا حروفنا ولا ذاكرتنا التى إختزنت المكان والناس والحب وبدايات الأحلام.كل ذلك الشعر ,كل ذلك النثر,كل تلك الرؤى,كل ذلك الشوق والتوق لبلاد لم تقرأه بعد!


حلقت يا أحمد باحثا عن الحياة والشعر والأصدقاء والتجوال إلى المغرب تارة ولبنان تارة أخرى فمصر وثايلاند وبلاد كثيرة ذهبت إليها بوريقاتك وأقلامك وقصائدك وعدت إلى المكان الأول,وكان يضيق ويتسع لمزيد من الغرباء.يمحو العربية ويستعين بأبناء العالم الجديد,محولا,أمثالنا إلى ديكور مناسبانت منسى.وكنت تراقب يا أحمد وقد صار تعبك أكثر وكذلك تأملك.
وحيدا كنت يا أحمد,فقد إنفرط العقد منذ زمن طويل.أتذكر كم كنت تحب الماغوط,وسركون بولص,وعلى عبدالله خليفة,ومظفر النواب,وبورخس,ويوسف خليل.
أتذكر كيف كنا ندعوك الطفل المعجزة,وأول أمسياتك الشعرية وأنا معك فى النادى السياحى عام 1981.أتذكر أمك وأبيك يطرقان باب بيتى فى الشارقة بحثا عنك وقد غادرتهم فى خورفكان,فأذهب للبحث عنك وأجلبك لهما فى الشارقة.أتذكر مكتبتى التى سطوت على نصفها وأنت تلتهم الكتب والشعر فى سنوات التكوين.أتذكر رفقتك المبدعة مع كثيرين تساقطوا من حياتك كورق الخريف وبقى منهم الفنان حسن شريف الذى رأيته بعد ربع قرن عبرك منذ عام تقريبا.
رايت يا أحمد إضمحلال من ظننا أنهم كبار فتحولوا إلى خرق باهتة رغم تلميعها.كنت أتسامح معهم غير أنك إزدريتهم حتى النفس الأخير,ويستحقون!لم يعودوا رفاقا بل ذكرى ذلك وتدنت نفوسهم فيما تعاظمت أسماءهم!
إعتدت الوداعات المتأخرة يا أحمد والتى تأتى بعد فجأة وذهول الغياب.هكذا ودعت أعز أصدقائى فى السنوات الأخيرة وعلى التوالى:محمد الحسينى وثريا نافع وأحمد إسماعيل وأم صفاء والجميل إبراهيم أصلان وقبله عدلى رزق الله وكثر غيرهم.أما أنت يا أحمد رفيق البدايات فقد أملت النفس أن تكون هناك بعد أعوام الشتات الطويلة لتؤنس عودة حرضتنى عليها وتكاد تكون الصديق الوحيد من رائحة ذلك الزمان وها أنا أراك أرتحلت ولم تطق صبرا!
ماذا أراد جيلنا يا أحمد؟وماذا ترك؟على غيرنا أن يكتشف ذلك أما نحن فقد أنجزنا شىء مما نريد.
فلترقد بسلام فى قبرك,فى تراب وطنك ,وقريبا من ضلوع أمك وأبيك وأجدادك فنحن ندرك أن ما كان تحت الثرى كان دائما لنا,رغم كل ذلك الذى أخذوه منا فوق الثرى.

20-2-2012
القاهرة


عشرة عمر مع الكتاب
كتبتها ظبية خميس
للشاعر والباحث أحمد راشد ثاني مع الكتاب حكايا طويلة، تبدأ فصولها الأولى في سكيك خورفكان، حينما صادف الولد الصغير الذي كانه أحمد راشد أول كنوز المعرفة، وسط أكوام مهملات مدرسيه العائدين في الإجازات إلى بلدانهم، وتلقى هدية عمره من أبيه الذي كان يعود من رحلاته البحرية ببعض الأسفار التراثية ويظل يقرأ فيها.
ومنذ ذلك الحين في أوائل السبعينات من القرن الماضي، عاش أحمد برفقة الكتاب، وتحولت العلاقة بينهما إلى عشرة عمر طويلة، كان أول قطافها ديواناً شعرياً لشاب لم يكمل الـ20 من عمره، وتوالى حصاد الرحلة ليصل إلى أكثر من 16 كتاباً، مرشحة للمزيد في الأشهر المقبلة، منوعة بين الشعر والسرديات والدراسات المعنية بالتراث الشفاهي الإماراتي.
ويرى راشد ثاني أن الكتاب يعد أحد ملامح حياته اليومية منذ فترة طويلة، إذ يصاحبه كقارئ أولاً، ثم كمهموم بإيصاله إلى سواه ثانياً وكاشفاً عن نفائسه عبر عمله في عدد من المكتبات في إمارات الدولة، فقد أسس مع رفاق له مكتبة خورفكان، ثم مكتبة كلباء، وعمل في مكتبة الشارقة المركزية، ثم المجمع الثقافي في أبوظبي، لتستقر به الرحلة حالياً في دار الكتب الوطنية.
عن البدايات
ويروي راشد ثاني لـ«الإمارات اليوم» بداياته مع الكتاب وهو لم يكمل الـعاشرة في فريج خورفكان القرية المدينة، قائلاً «كان المدرسون عندما يهمون بالعودة إلى أوطانهم لقضاء الإجازة، أو انتهاء عقودهم ،يرمون في زبالة العودة الصحف والمجلات والكتب التي لا يستطيعون حملها معهم، كانوا يرمونها هكذا ببساطة، أما أنا فكنت أسبح في تلك الزبالة، جامعاً كل ما توافر لي من تلك الأوراق، وعائداً بها ركضاً إلى البيت أكدسها». وتكون تلك الأكوام من الأوراق التي جمعها الصبي في حوش بيته مؤنسه في محبسه، خصوصاً عندما كان أهله يحرمونه من الخروج خوفاً عليه، إذ فقدت الأسرة ولداً قبله وآخر بعده «هناك حين كنت ذلك وتحت الشريشة (شجرة) غالبا، تعرفت إلى أفضل إدمان أصبت به على الإطلاق وتمرنت على أفضل موهبة، أفضل قدرة، أفضل ما تعلمته في الحياة: قراءة الكتب، التفكير مع القراءة، الحياة في القراءة، والموت أيضاً».
وكما أتى بحر خورفكان بأمواج أساطير ترسخت في وجدان أحمد راشد ثاني، منحته ذلك أيضا بعض الكتب التي جلبها والده ـ من بومباي تحديداً ـ خلال أسفاره المتعددة، ومن أهمها «سيرة عنترة» في نسختها الشعبية، وٍ«فتوح الشام» للواقدي و«رياض الصالحين» و«تنبيه الغافلين والرحمة في الطب والحكمة» وغيرها. ويقول « كان أبي يقرأ كثيراً ويتهجد. ويرفع صوته منشداً الأدعية. هذا عدا عن تلاوته القرآن».
ومازال المبدع الإماراتي يحتفظ ببعض تلك الكتب التي جمعها من مهملات مدرسيه، إضافة إلى الفرائد ـ على حد تعبيره ـ التي ورثها عن والده، لاسيما «سيرة عنترة» التي صور نسخاً منها لبعض المكتبات في الدولة، ومخطوطة أدعية، وديوان الشاعر اليمني المتصوف عبدالرحيم البرعي الذي كان يحتفظ به والده من أجل ترديده في حفلات الموالد.
ويقرأ راشد ثاني ديوان البرعي، ويتعلق بسحر أشعاره، خصوصاً بعدما عاين وقعها على والده وأصحابه في حلقات الذكر، وكان ينشد تلك الأشعار للنساء اللاتي يجتمعن عند أمه في بعض الأماسي، يفصل ذلك قائلاً «قرأت ببطء في الديوان، وسمعت ورأيت أبي وغيره يتمايلون على وقع هذه الأناشيد، مطلقين بين الفقرات صرخات لا تصدر إلا عن روح مشقوقة، وكنت أتلوه وأتدرب على مسرحته بيني وبين نفسي، إذ اكتشفت أن للتدريب نتائج، وكثيراً ما كانت تجتمع النسوة عند أمي وكنت أقرأ لهن، فيبكين بمرارة، كنت أتلذذ بالبكاء المنهمر في أثناء إنشادي، وكأنه نوع من التشجيع والإعجاب».
بين الأول والجديد
كان أول إصدار للشاعر ديوانه «سبع قصائد من أحمد راشد ثاني إلى أمه التي لا تعرفه» عام ،1981 ويعتبره صاحبه تجربة عامية متقدمة عن كثير مما يقدم حالياً في العامية الحديثة. وقال «لا أحكي ذلك ترويجاً لتجربتي الأولى التي أقدرها بكل ما فيها، لكنني أرى في بعض الأشعار المطروحة حالياً دليلاً على التراجع، والارتداد الثقافي لدى بعض المبدعين»، مشيراً إلى أن التجربة العامية الإماراتية القديمة تميزت بحداثة أكثر مما يطرح حالياً، مدللاً بشكل خاص على نضوج التجربة القديمة بقصائد الشاعر راشد الخضر الذي وصفه بـ«الشاعر العظيم».
وتوهجت بعد «سبع قصائد» وجوه راشد ثاني المتعددة، ليطل على قرائه بصور شتى، فبعد الشعر العامي، تتوالى مؤلفاته في أكثر من مجال، فمن دواوين لشعر التفعيلة إلى قصيدة النثر، مروراً بنصوص مسرحية ومقالات ودراسات وبحوث مشغولة بلملمة التراث الإماراتي، وصولاً إلى أحدث كتبه «على الباب موجة» الذي صدر العام الجاري. وكشف أحمد راشد ثاني عن أنه يعمل في الفترة الحالية على مجموعة من السرديات، تنتقل بين أكثر من عالم، يجمع بينها الهم اليومي وتفاصيل الحياة البسيطة بكل ما فيها، موضحا أن «على الباب موجة» يُعد مفتتحاً تتتابع فصوله في أعمال مقبلة.
 حكاء

يضم كتاب «على الباب موجة» نصوصاً سردية، يرتحل فيها أحمد راشد آل ثاني إلى أبعد من أمواج الصبا على الساحل الشرقي، راسماً بخيال حر عالماً خاصاً، يجمع بين «ظلام الطفولة ونورها» وخشونة الواقع مغزولة ببراءة المكان، ويروي راشد ثاني في كتابه ذكرياته في خورفكان، عن الولد الذي كان «يتسكع مع البحر والجبل»، وعلى الرغم من البحر الملامس لشرفة بيته، لم يتعلم السباحة. وعن الصبي الذي كما قرأ الكتب، تأمل طويلاً في مفردات المكان، لتنقش في روحه، وتفتح مسالك ودروباً خاصة في وجدانه.
وتُعرّف موجات الكتاب الست «المعترض، المديفي، باب الجبل، باب البحر، غربان وملائكة وأفلام، وفي ذمة النسيان»، القارئ أكثر بأحمد راشد ثاني، وتقوده إلى حكاء مرهف، يسرد بشاعرية مرهفة، ويروي تجربة حية، قاسى فيها صاحبها واستمتع، من دون ادعاء، أو محاولة لإخفاء تفاصيل قد يخاف مبدعون كثيرون التحرج من التطرق إليها، بينما يحكيها راشد ثاني بجسارة مبدع حقيقي.
يقول راشد ثاني في «على الباب موجة» عن دراجة أرسلها له والده «هدية من أبي لي.. دراجة انطلقت بها.. تنقلب علي وأنقلب عليها في دروب الحي المتربة، دراجة هدية من أبي الغائب الذي تذكرني، والتي جعلتني مميزاً لأول مرة في حياتي، مميزاً عني وعن أطفال الحي، أطفال الغبار أقراني مرتفعاً عنهم بدراجة.
دراجة جعلت من لم يكن يتودد لي يتودد. وتركب البنات أمامي، فتشتعل انعطافات السكيك في عيني ويركبن خلفي ويحضنني أحضاناً كنت أبحث عنها، يحضنني خشية من السقوط، أما أنا فأنطلق.. إذاً ما أجمل السقوط، ما أروعه بين أحضان البنات».

نتاج

«سبع قصائد من أحمد راشد ثاني إلى أمه التي لا تعرفه» عام .1981
«أغاني البحر والعشق والنخيل» إعداد، .1982
«دم الشمعة» شعر .1991
«يالماكل خنيزي ويا الخارف ذهب» شعر عامي، .1996
«قفص مدغشقر» نص مسرحي .1996
«ابن ظاهر» بحث توثيقي .1999
«خافة الغرف» شعر، .1999
«العب وقول الستر» نص مسرحي، .2002
حصاة الصبر، إعداد، .2002
«دردميس» إعداد، .2003
«جلوس الصباح على البحر» شعر، .2003
«إلا جمل حمدان في الظل بارك» إعداد، .2005
«يأتي الليل ويأخذني»، شعر، .2007
«رحلة إلى الصير»، بحث، .2007
«أرض الفجر الحائرة»، مقالات، .2009
«على البحر موجة»، نصوص، .2009


http://dhabiya.maktoobblog.com/
لسانُ البئر المقطوعُ
أنتَ أنا الذي لم يعبرْ
الذي ظلَّ غريقاً في الطُّوفان
الذي ظلَّ أنينا، وظلاً
على شفةِ البحر•
أنت الذي لم يتكوَّر كصخرةٍ
لم يُنلْ كقِطاف السرقةِ
لم يقفْ كحائطِ المنتهى
لم يحتطْ كبئرٍ في جحرٍ
لم يُحوِّل النجمةَ إلى مخدّةٍ
ولا النبعَ إلى صنبورٍ
لم يرحلْ
لم يعدْ بالرحلةِ
لم يعدْ والرحلة
على ركبتَيهِ
تنثرُ رُمَّانَ المجهولِ،
وتقرأُ الرملَ بالأجفان•
لم يعدْ بالثلج ويضعه
كالقميصِ على الصحراءِ،
وبالصحراءِ التي جَالَسَها
على مائدةِ المنفى
وشربَ معها اليأسَ•
لم يعدْ
كذلك،
لم يعدْ يشربُ
من فمِ الغابةِ،
ولا يأكلُ من وليمة العصفور•
الأنثى كَسَرتْ سُرّتَهُ،
وأَرَاقتْ فَمَهُ•
قام عليه الماءُ، والرملُ
الذي يشربُ الماءَ•
قام عليه المشهدُ،
وإبرةُ العين
باعدتِ السماءُ بين نجومِهَا
على رأسِهِ،
وتحطَّمَ البحرُ
الأمواجُ التي على الشاطئ
من شظايا حطامِهِ،
الرَّمُل الذي بنتْ الحسناءُ
خيولَ أحلامِها ، منهُ
من بقايا دَمِهِ،
وأقواسِ غيابِه•
أغاني القواقعَ،
وطيورُ الجزيرةِ،
ولسانُ البئرِ المقطوع

ليست هناك تعليقات: