الاحتفاء بالعثرات والمجاملة وعدم التَّميُّز ميزات معرض مسقط الدولي للكتاب هذا العام والعام الماضي والعام القادم، لذلك يأتي التخبُّط وكثرة الأخطاء تحصيل حاصل وأمورًا متوقَّعةً وغير مستبعدة على الإطلاق، وفي النهاية علينا أن نشكر المسؤولين ونحمدهم على إتاحتهم هذه الفرصة الثمينة والغالية والاستثنائية، فلولاهم ولولا جهلهم المحصَّن بالمناصب والسَّطحيَّة وعدم الوعي لما تمكنَّا من القراءة و"مشاهدة" كل هذا العدد الوفير من الكتب والفعاليات والتنظيم الرَّائع!
هل من مزاود ومنافق ودجَّال جديد يتبرع بالكتابة عن "التَّذمُّر" و"المتذمِّرين"؟
إن بعض المسؤولين يدُهم الواحدة خلقت بأكثر من خمس أصابع (وإلا لما أهَّلهم الله ليكونوا مسؤولين!)، وبعض الكتَّاب والصَّحفيِّين لا يعملون إلا عندما يتحرَّك موتور الأوامر، ولن يجيدوا الكتابة مدى الحياة إلا عندما ينخسهم المسؤول، وهم على استعداد تامٍّ للتكذيب والتزوير كي لا يفقدون حظوتهم، أو على الأقلّ- وهذا أضعف إيمانهم- كي لا ينقطع مصدر رزقهم. هذه الجملة الاعتراضية ستُفهم لاحقًا!
الملاحظ أنَّ الإقبال على المعرض كان كبيرًا، وبالرَّغم من أنَّ إحصائيات موقع وزارة التراث والثقافة لمعرض مسقط الدولي للكتاب تتوقَّف عند المعرض العاشر (1995)!، وموقع اتِّحاد الناشرين العرب (يمنحه المعرض منصة عرض مجانية) يتوقَّف تقريره عند معرض العام الماضي، إلا أن الصحف العُمانية كانت تُورد أرقامًا إحصائية لعدد الزُّوَّار والمبيعات بشكل يوميٍّ تقريبًا، إذ يفترض أن اللجنة المنظمة تقوم يوميًّا بإعداد تقرير مفصل بذلك، لكن تصفحًا سريعًا لموقع معرض مسقط للكتاب نفسِه لا يوضِّح إلا إحصائياتٍ قديمة تعود إلى العام الماضي (الدورة الحادية عشرة 2006م)، ولم يكلِّف القائمون عليه أنفسهم حتَّى عناء جمع الحصيلة الكُلِّيَّة!.
100 ألف عنوان و800 ألف زائر
استمرَّ المعرض عشرة أيام (من 27 فبراير إلى 7 مارس الجاري)، وبنهايته قُدِّر عددُ زوَّاره بـ800 ألف زائر! بينما قُدِّر عددُهم في معرض العام السَّابق بـ400 ألف زائر فقط، أي أن العدد تضاعف هذه السنة، وهذا أمرٌ- إنْ صحَّ- يعود إلى أسباب عديدة في مقدمتها افتقار البلاد إلى مكتبات ذات شأنٍ يَعتدُّ به القرَّاء الجادون، عدا المكتبات التي تبيع الأدوات المكتبية والقرطاسية وكتب الطبخ والأبراج والكتب الدينية الصَّفراء في أغلبها الأعمِّ التي تنقل وتُكرِّر وتُدافع عن أفكار مريضة وضيِّقة تقيَّأ عليها العالم؛ بالطَّبع هناك كتبٌ قليلة جدًّا في مكتبات قليلة يمكن اعتبارُها استثناءً من كل هذا.
800 ألف الرقم المنشور على أحد مواقع شبكة الإنترنت عن عدد زوار معرض مسقط للكتاب يبدو رقمًا مبالغًا فيه كثيرًا، فمعرض الشارقة مثلاً- الذي يستقطب سكان الإمارات وعُمان، فضلاً عن الخليج، والسمعة التي اكتسبها عربيًّا وآسيويًّا على مدار سبع وعشرين دورة، واحتوائه على أكثر من 100 ألف عنوان بمشاركة قرابة 700 دار نشر منها 170 دار نشر أجنبية في دورة العام الماضي- لم يصل عدد زواره إلى نصف مليون زائر؛ (وسوف يتضاعف عدد دور النشر المشاركة في معرض الشارقة للكتاب القادم (الدورة السابعة والعشرين) إلى 900 دار).
وبغضِّ النَّظر عن مستواها يُحسَب للمعرض احتفالُه بتنظيم عدد من الفعاليات من بينها أمسياتٌ شعريَّةٌ وقصصيَّةٌ وندوات ومحاضرات وحفلات توقيع كتب صدرت حديثًا لمؤلفين عُمانيين.
إن تنظيم معرض مسقط الدولي للكتاب من قبل ثلاث جهات (وزارة الإعلام، وزارة التراث والثقافة، جامعة السلطان قابوس) يحمِّله مسؤولية أكبر، الأمر الذي يعني أن مستواه لم يكن بحجم تلك الجهات. وحين يقول الموقع الرسمي للمعرض إنه تم الاعتذار لـ31 دار نشر لعدم القدرة على استيعابها فإنَّ هذا يدلُّ على القصور الكبير الذي ينبغي تفاديه وعدم تكراره في الدورات القادمة، فالمنطقي أن يتم تخصيص مساحة أكبر ودائمة للعرض تستوعب التطورات السنوية ومن ضمنها الازدياد الطبيعي لعدد الكتب والناشرين والزوار.
لم يُلتفت إلى ضرورة توسيع قاعات العرض على نحو يُجنِّب الازدحام وضعف التنظيم، ومن نتائج هذا الإهمال- على سبيل المثال- منع دخول الأطفال طلبة مدارس التربية- الحلقة الأولى (من الصف الأول إلى الصف الرابع) يومين متتابعين إلا بوليِّ الأمر، وهذه حُجَّةٌ غير مقبولة، فهؤلاء الأطفال جاؤوا عن طريق مدارسهم ولم يأتوا من بيوتهم، أي أن مدارسهم هي المسؤولة عنهم خلال فترة تواجدهم بالمعرض، فلماذا أعادتهم الحافلات التي أتت بهم إلى المعرض، لماذا أعادتهم إلى مدارسهم ثانيةً؟
مَنْ يدفع أكثر؟
كثير من أصحاب دور النشر اشتكوا من اكتظاظ القاعات والممرات، وأبدوا امتعاضهم حين سألناهم عن رأيهم في تنظيم المعرض، وخصوصًا اشتكوا من التوزيع الجديد المعتمد على الدفع، فمن يدفع أكثر يجد مكانًا أفضل: "أسعار منصات العرض بقاعة الفراهيدي اختلفت تبعاً لاختلاف موقعها داخل القاعة، وتراوحت أسعارها بين الـ200 و 400 ريال عماني للمنصة الواحدة (9 أمتار مربعة)". وبقدر ما في هذا العرض من ميزات لمن يستطيع الدفع أكثر من غيره من دور النشر بقدر ما جاءت نتائجه عكسية، فقد كان التوزيع السابق يعتمد على الدول، ولم يكن الزائر يُواجه صعوبة في البحث عن الدار التي يقصدها ما دام يعرف الدولة، إذ بمجرد توجُّهه إلى جناح تلك الدولة يبحث قليلاً ثم يجد الدار، أما في هذا المعرض فقد واجه كثيرون صعوبات في العثور على دورهم المفضلة، وبالذات أولئك الذين يزورون المعرض للمرة الأولى. ولم تحل الأرقام والرموز هذه المعضلة.
حسب الموقع الرسمي للمعرض: "خفضت مساحة (378) مترًا مربعًا بواقع (43) منصة عرض من بعض الدور المشاركة، لاستيعاب (15) دار نشر أخرى راغبة بالمشاركة، واعتذر لـ(31) دار نشر أخرى وصلت طباعتها إلى اللجنة، نظراً لعدم القدرة على استيعابها".
وبسبب فصل المعرض في ثلاث خيام/قاعات (الفراهيدي والعوتبي وابن دريد) زاد التنظيم ضعفًا، فالزوَّار يتوجَّهون مباشرة إلى القاعة الرئيسية التي اعتادوا عليها في الأعوام السابقة، وقد يلاحظون وقد لا يلاحظون القاعتين الأخريين حتى على الرغم من كونهما على ناحيتي المدخل الرئيسي المؤدي إلى القاعة الرئيسية، ونظرًا لهذا التوزيع الغريب كثيرون ظنّوا أن الكتب الأهم موجودة في قاعة الفراهيدي، وأن القاعتين الأخريين تحصيل حاصل!
كتبٌ ممنوعة
منع عددٌ من الكتب من البيع في معرض مسقط الدولي للكتاب هذا العام. وقال بعض أصحاب دور النشر إن الكتب الممنوعة وصل عددها إلى اثني عشر كتابًا، وآخرون قالوا خمسة عشر كتابًا، وآخرون ذكروا عددًا أصغر، ولم يتسنَّ التأكد نهائيًّا من صحَّة الأرقام، فأصحاب دور النشر يمتنعون عن الحديث بمجرَّد معرفتهم أن المعلومة للنشر. وقال بعضهم إن دار الجمل مُنع ثلاثة كتب من كتبها التي تنشرها بالاشتراك مع المركز الثقافي العربي. وقال بعضهم الآخر إنه طلب ورقة رسمية بالكتب التي منعتها الرقابة إلا أن هذه الأخيرة أجابت بعدم إمكانية ذلك، وأبدى آخرون استغرابهم إذ إنهم اعتادوا الحصول على تلك الأوراق من المعارض التي تمنع كتبهم، كما اعتادوا التصريح للصُّحف بذلك، وطالبوا جميعًا بعدم نشر أسمائهم خوفًا من عدم الموافقة على اشتراكهم في دورات المعرض القادمة. وحاول بعضهم التغطية على "زلة لسانه" بالقول إن معرضي الكويت وقطر منعا أكثر من 100 كتاب، وإنه "يسحب كلامه"!
وعلى النقيض تمامًا ممَّا جاء في جريدة عُمان في ثاني أيام المعرض من أن رواية "الوخز" للكاتب العُماني حسين العبري (الانتشار العربي- بيروت 2006م) بيعت خمسون نسخة منها في اليوم الأوَّل أكَّد بعض أعضاء اللجنة التنظيمية أن الناشر أحضر خمسين نسخة منها، إلا أنهم أعلموه بمنعها من البيع فالتزم ولم يخرجها من الكراتين.
وفي المحصلة تأكَّد منع الكتب التالية:
1- الوخز- رواية- حسين العبري
2- موسوعة عُمان: الوثائق السِّرِّيَّة- محمد بن عبدالله بن حمد الحارثي
3- قراءة منهجية للإسلام- كامل النَّجَّار
4- الإسلام والدَّولة- كامل النَّجَّار
5- برهان العسل- رواية- سلوى النعيمي
6- النصوص المحرمة- شعر- أبو نواس
7- للراشدين فقط- يحيى جابر
كما تأكد أن "الوخز" منعتْ في معرض مسقط العام الماضي أيضًا على خلاف ما أشيع وقتها من أنَّها مرخَّصة. وما يدعو إلى المفارقة أن أربعةً من روَّاد المعرض العُمانيين أكَّدوا أن "الوخز" تُباعُ في "كارفور" أحد المحالِّ العملاقة الشهيرة في مسقط!وقال بعض رواد المعرض وبعض أصحاب دور النَّشر إنه في كل دورة من دورات معرض مسقط للكتاب تنشأ على الفور "سوق سوداء" في حال منع أيِّ كتاب، وفي هذا العام- حسب تأكيد كثيرين بعضُهم اشترى من هذه السوق- وبعد منع "موسوعة عُمان: الوثائق السرية" تمَّ بيعها في السوق السوداء بـ100 ريال!، علمًا بأن سعرها في الإمارات 600 درهم- حسب قولهم- وأنها ستُباع في معرض الشارقة التي منعت الجزء السادس منها لاحتوائه على معلومات عن الإمارات- حسبما أشيع في معرض مسقط- والأمر نفسه بالنسبة إلى دبي التي منعت الجزء السادس أيضًا، بينما سمحت أبو ظبي ببيع الأجزاء كاملة!
"موسوعة عُمان: الوثائق السِّرِّيَّة"
صدرت حديثًا عن مركز دراسات الوحدة العربية في ستة مجلدات من إعداد وترجمة الدكتور محمد بن عبدالله بن حمد الحارثي.
وجاء في مجلة "إضافات- المجلة العربية لعلم الاجتماع": "في هذا الكتاب تم تجميع العديد من الوثائق التاريخية والمراسلات والمذكرات المتبادلة... التي يعود الكثير منها إلى الأرشيف البريطاني، وقد تمت ترجمتها للتعرف من خلالها إلى الكيفية التي كانت تنظر بها السلطات البريطانية إلى أوضاع عُمان الداخلية، وللتعرف أيضًا إلى الدور الذي لعبته تلك السلطات للتأثير على أحداثها، وخلخلة هيكلية التوازنات السياسية في عُمان، وتضمنت هذه الوثائق خلفيات تاريخية ودينية واجتماعية كانت لها آثار كبيرة في صياغة تاريخ عُمان الحديث".
توزعت وثائق هذا الكتاب "الموسوعة" على ستة مجلدات:
المجلد الأول: خلفيات تاريخية ووثائق التآمر البريطاني على الإمبراطورية العُمانية وانحسار دورها (1856م-1895م).
المجلد الثاني: وثائق فترة توازن القُوى الداخلية (1901م-1945م).
المجلد الثالث: وثائق فترة تنامي مطامع شركات النفط البريطانية (1946م-1955م).
المجلد الرابع: وثائق فترة غزو عُمان واقتلاع جذور الإمامة (1955م-1960م).
المجلد الخامس: وثائق فترة تدويل القضية العُمانية في المحافل الدولية (1961م-1965م).
المجلد السادس: وثائق فترة بداية إنتاج النفط وإعادة صياغة النظام السياسي (1966م-1971م).
"إن المرد الأساس لهذا العمل هو الرغبة في معرفة الحقائق التاريخية التي أصبحت غامضة ويشوبها التشويه، ولا يكاد يعرف عنها شيئًا حتى من أكثر الناس اطلاعًا في عُمان، بمن فيهم أولئك الذين عاصروا المرحلة السابقة....".ثمن المجموعة 160 دولارًا أمريكيًّا أو ما يُعادلها.
"برهان العسل"
صدرت هذه الرواية عن دار رياض الريِّس للكتب والنشر. ط الأولى يناير 2007م وط الثانية يناير 2008م.المؤلفة سلوى النعيمي شاعرة وصحافية سورية تعيش وتعمل في فرنسا. صدر لها خمس مجموعات شعرية، ومجموعة قصصية واحدة ومجموعة مقابلات أدبية. ولها مجموعة قصائد مختارة بالفرنسية من ترجمتها، بعنوان "أجدادي القتلة".
تُرجمت نصوصها إلى لغات متعددة منها الفرنسية والإنكليزية والألمانية والهولندية والإسبانية والعبرية.
من أجواء الرواية:
"كنتُ أصلُ إليه مبلَّلةً وأوَّلُ ما يفعلُه هو أن يمدَّ إصبَعه بين ساقيَّ يتفقَّد "العسل" كما كان يُسمِّيه، يذوقُه ويُقبِّلُني ويُوغل عميقًا في فمي وأقول له: من الواضح أنك تطبق تعاليم الدين وتوصيات كتب شيوخي القدماء:(أعلم أن القبلة أول دواعي الشهوة والنشاط وسبب الإنعاظ والانتشار، ومنه تقوم الذكور وتُهيَّج النساء، ولاسيَّما إذا خلط الرَّجل بين قبلتين بعضَّة خفيفة وقرصة ضعيفة).كيف يمكنني ألا أكون بنتَ هذا التراث؟كيف يمكنني ألا أذكّر المفكر به؟لم يكن بحاجة إلى من يذكره بتراثه. هنا كان مسلمًا بامتياز، وأنا أيضًا".
لقد قام معرض مسقط للكتاب بمنع تلك الكتب ومصادرة أفكار مؤلفيها، وسيظل يمنع إلى يوم القيامة؛ فليمنع كي يحضَّ القاعدة على العمل: كلُّ ممنوع مرغوب!
ولمن يريد شراء الرواية في نسختها الإلكترونية عليه بزيارة الموقع التالي:www.arabicebook.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق