22 أبريل 2008

الرجل الذي لم يحلق "شنبه" ثلاثين سنة!

شنب حافظ على تربيته ثلاثين سنة

شنب عمره ثلاثون عامًا

 

في شارع المعارض، أحد أشهر شوارع مدينة المنامة، الشارع المليء بمحال الحلويات وفنادق "الأربع نجوم والثلاث" الشبيهة بفنادق ديرة في دبي، فجأة، قرابة الثانية والنصف ظهرًا، حين كان كبد السماء عبارة عن جحيم ينصب على الأرض، وفي غمرة أخبار مزعجة وأخبار حزينة وأخبار يصبغها الدم وأخرى شخصية لا معنى لها وسط كل ذلك الاختلاط الذي يغلي في الدماغ، في تلك الساعة وذلك المكان، وبينما كنتُ أنعطف نحو فندقي البائس، فجأةً رأيتُ التمثال.
في البداية ظننته تمثالاً، لأن شاربيه بديا غير معقولين على الإطلاق، وعندما اقتربتُ منه ازدادت دهشتي وطار كل ما في رأسي؛ كان يجلس على مصطبة عالية أمام محل "مساج" تايلندي بجواره هندي اتضح فيما بعد أنه بائع البقالة الملاصقة.
هل هذا تركيب؟ سألته مشيرًا إلى أحد طرفي شاربه، فبدا عليه الضيق وحدجني بنظرةٍ مُستفَزَّة، وأجاب على الفور: لا.
- كم سنةً ربَّيت هذا الشنب؟
- ثلاثين سنة- قال والعرق يسيح على جبهته ووجهه.
كان يضع بعض المواد الكيميائية لتثبيت الشاربين وتصليبهما ورفع نهايتيهما كقرنين؛ ولطولهما لا شك أن تلك المواد وحدها لم تكف فشدَّهما من منتصفيهما بخيطين ثبتهما حول أذنيه. رأيت دمًا على أذنه اليُسرى من أثر الخيط الذي بدا كالشفرة وهو يلتفُّ حولها.
- كيف تنام؟
لم يرد. مؤكد أنه لا ينام مثلما ينام جميع الناس وإلا "تكسَّر" الشاربان وضاع مجهود ثلاثين عامًا. كان هذا تفكيرًا ساذجًا كما سيتبين لاحقًا، والأرجح أن الشمس المتعامدة فوق الرؤوس خلطت كلَّ ما في الدِّماغ. كان الأهم هو الوصول إلى غرفتي بالفندق لكن الشنب لخبط الأمور.
بثلاثة دنانير- قال وهو يشير إلى آلة تصوير وضعها بجواره على المصطبة- الصورة بثلاثة دنانير. غلت ثانية الأخبار والأفكار في رأسي. سجَّلت رقم هاتفه النَّقال، ووعدته بالعودة غدًا لأنني مشغول جدًّا الآن. ما اسمك؟ سألته وأنا أسجل رقمه في هاتفي. تحدث بعربية مكسَّرة صعبة الفهم، وفهمت منه أن عليَّ تسجيل الرقم باسم "شنب".

 

وقفة تليق بالشنب الفريد

وقفة تليق بالشنب الفريد


في اليوم التالي ذهبت في جولة سريعة إلى بعض المزارات السياحية البحرينية، ومن أجل بعض الضرورات تواصلت هاتفيًّا مع الصديق الرائع عيسى الغايب نائب أمين عام جمعية حقوق الإنسان البحرينية، ونسيت الاتفاق الذي بيننا بدافع من الانشغالات التي يبدو أمرٌ كهذا لا داعي له أبدًا في خضمِّها، لكن الشمس، من جديد، كانت بالمرصاد، فبعد خروجي من أحد مقاهي الإنترنت في الشارع نفسه، والشمس تواصل مهامَّها المعتادة رأيته في الطرف الآخر حيث لا بد أنْ أعبر متَّجهًا إلى الفندق؛ كان هناك في الشارع المعرَّض تمامًا لسياط الشمس، ولأنَّ اتفاقًا كان بيننا منذ الأمس، ولأنه سيراني أعبر أمامه، وكي لا أكون هازئًا بشاربه الذي ربَّاه ثلاثين سنة، أخرجت هاتفي واتصلت به، ورأيته يُخرج هاتفه من جيبه ويقربه من أذنه ويردُّ. أنا هنا في نفس المكان الذي التقيتك فيه البارحة- قلت له بعربية مكسرة كي أستطيع التفاهم معه! ولم يبد عليه أنه فهم شيئًا، إلا أنني فهمت أنه يريد القول إنه ينتظرني في نفس المكان! أنا هنا وراءك، تعال هنا لو سمحت لأن الشمس هناك حامية وهنا ظلّ! أردت قول هذا بتلك الطريقة الخاصة التي أسَّستها العمالة الهندية عبر وجودها الطويل في الخليج على الرغم من أن صاحب "الشنب" تركي. وفي اللحظة التي التفتَ فيها إلى الخلف ورآني كنتُ قد بلغت بقالة الهندي، وكان هذا خارجًا من دكانه، فناولته هاتفي وطلبت إليه أن يطلب إليه المجيء إلينا، مشيرًا إلى الطرف الآخر من الشارع.

قلتُ له إنني لا أريد صورة بآلة التصوير الخاصة به، وإنني سألتقط له عدة صور بكاميرتي. لا بد من رفع السعر في هذه الحالة؛ قال بتلك اللغة الصعبة الفهم. حسنا. توجَّه نحو الشارع وحسبته سيقطعه إلى الجهة الأخرى مرة أخرى، وناديته، إلا أنه واصل المشي ثم وقف واستدار ووضع يديه على خصره متَّخذًا هيئة مصارع، ومن صدره المكشوف عبر عدة أزرار يتعمد تركها غير مزررة بان شعر صدره الكثيف وسحب منه "خصلات" نحو الخارج، وأشار إلى أنه مستعد لالتقاط الصور!
ولأن شاربه فريد من نوعه ليس في المنامة فقط بل في العالم أجمع كان جميع ركاب السيارات المارة خلفه والعابرون أيضًا يلتفتون إليه، ومرت سيارة شرطة رفع أحد شرطييها يده صوبي كي أكف عن التصوير ريثما يمرَّان، وتوقفت هنيهات، ومرَّا، وعاودت التقاط الصور، ثم طلب منِّي التركي أن أسلِّم الكاميرا لصديقه الهندي وأذهب إليه ليلتقط لي صورة معه.
بعد ذلك صورت معه ونح

ليست هناك تعليقات: