06 أبريل 2008

عُمان.. جنة التمييز العنصري وجهنم حقوق الإنسان

 

بقلم: الكشَّاف

 

صادف يوم (الجمعة) الموافق 21 مارس الفائت ذكرى "اليوم العالمي لمكافحة التمييز العنصري"، وقد مرت هذه الذكرى مرور الكرام على البعض الذين لم يعلموا بها إلا من خلال الفضائيات أو الصحف، ولكن ثمة أناسًا في عُمان وفي بعض الدول توقفوا كثيرًا عند هذه الذكرى، إذ تعني لهم الشيء الكثير، فهي تحل عليهم كل عام لتفجر في نفوسهم ذكريات أليمة فتحيل حياتهم إلى مرارات ومعاناة.
عندما يتردد اسم (عُمان) يتبادر إلى أذهان بعض المخدوعين أن (جميع) أهل عُمان يعيشون في (يوتوبيا) أو مدينة فاضلة من كثرة ما جملت الصورة وزوقت بوضع مختلف المساحيق والألوان عليها، وقد لعب الإعلام الرسمي دورًا بارزًا وكبيرًا في هذا الشأن، ولكن الواقع لا سيما على صعيد معاملة البشر ومدى (صيانة حقوق الإنسان) يدعو إلى الحزن والأسى الشديد، ومن هنا فإن (ذكرى اليوم العالمي لمكافحة التمييز العنصري) تعني الكثير بالنسبة إلى فئة مضطهدة ومنبوذة من العُمانيين في وطنهم، فسجل (حقوق الإنسان في عُمان) مليء بالانتهاكات والإساءة إلى بعض البشر على نحو ممنهج وممارس بشكل رسمي من قبل بعض مؤسسات الدولة، تارة باسم مقتضيات حماية الخصوصية العُمانية وصون هذه (الفرادة) التي تميز المجتمع العُماني عما عداه من مجتمعات أخرى!، ومرة باسم المذهبية الدينية التي يدعي أتباعها بأنهم (أهل الحق والاستقامة) و(الفرقة الناجية)، وتارة أخرى باسم القانون والقضاء الذي يطبق النصوص بحذافيرها تكريسًا للعدالة القائمة على تطبيق القاعدة القانونية الشهيرة "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص"!.
وحتى لا يكون ما تقدم إيراده من قبيل القول المرسل أو إلقاء الكلام على عواهنه، كما يقولون، فإن ما سيرد ذكره تاليًا من باب بالمثال يتضح المقال.

 

 مقبرة المجتمع المدني.. قلعة التمييز العنصري

مقبرة المجتمع المدني.. قلعة التمييز العنصري

 

- عُمان والتمييز العنصري:

يتبدى التمييز العنصري والتفرقة بين الناس في عُمان لاعتبارات الأصل والفصل والعرق واللون والقبيلة وطبيعة العمل الذي يمارسه الإنسان بشكل بارز وواضح للعيان، حيث إنه وبالرغم مما نص عليه "الكتاب الأبيض" أو ما اصطلح على تسميته بـ"النظام الأساسي للدولة"، وهو الدستور الذي يعد في جميع دول العالم بمثابة (أبو القوانين)، بالرغم مما نص عليه هذا من مبادئ وجيهة ومرتكزات نبيلة تساوي بين الناس وتؤكد كثيرًا من الحقوق التي يتمتع بها المواطنون بلا استثناء تحت حماية الدستور ومتابعة ورعاية السلطة القضائية والتنفيذية تطبيقًا للقوانين واللوائح والقرارات والأوامر والتعليمات التي يجب ألا تتعارض مع "النظام الأساسي للدولة" بأي حال من الأحوال، وإلا فإن عدم وجود هذا النظام يعد خيرًا من وجوده، إذ لا يتصور بحال أن يسمو أي قانون أو تعليمات على هذا النظام أو تكون لما عداه من نصوص وضعية ومكانة تعطل إعمال نصوصه.
غير أن الممارسات على أرض الواقع من قبل بعض مؤسسات الدولة ذاتها تطيح بهذه المبادئ وتسيء إلى هذه المرتكزات بشكل يجعل مما ورد في "النظام الأساسي للدولة" حبرًا على ورق، الأمر الذي من شأنه أن يهدد الوحدة الوطنية ويجعل من بعض التوجهات والرؤى الشخصية القاصرة ذات النزعات الضيقة الأفق البوصلة التي تحدد الاتجاه الذي يجب أن تسير نحوه البلاد، وذلك في تعدٍّ صارخ على النهج العام المفترض فيه تغليب المصلحة العامة والمتصور تحرره من إسار الرؤى الأحادية والمصالح الشخصية التي دلت التجارب ووقائع التاريخ على أنها ما أفضت إلا إلى الخراب والضياع.
كما أن هذه الممارسات، التي سيتم التطرق إليها، تهيل التراب على الجهود المبذولة لتجميل صورة البلاد في الخارج، لاسيما بعد إدراجها من قبل بعض مؤسسات المجتمع الدولي وكذلك الخارجية الأمريكية في القائمة السوداء التي تحوي الدول التي لم تتخذ الإجراءات الكافية والكفيلة بمنع ممارسات "الاتِّجار بالبشر"، والجميع يذكر تلك الجهود المحمومة التي تنادت مختلف مؤسسات الدولة للقيام بها لدفع تلك (الفرية) وإلقاء الكرة في ملعب الآخرين وتأكيد أن عُمان "جنة الله في أرضه" ولا اتجار بالبشر فيها!، ولا تزال هذه الحملة متواصلة فصولاً حتى الآن، ولا ينتظر أن تهدأ وتيرتها حتى يتم الحصول على (شهادة البراءة) و(صك الغفران) من المؤسسات الدولية إياها التي صدرت عنها الإدانة!.
إن من أكثر مؤسسات الدولة في عُمان ضربًا بالمبادئ السامية والمثل العليا عرض الحائط وركلاً لحقوق الإنسان وممارسة لأفعال التمييز العنصري بين المواطنين (وزارة الداخلية) التي ابتليت بمسؤولين لا يفقهون تبعات ومسؤولية (المواطنة الحقة)، إذ ما زالت تسكن أدمغتهم الصدئة وتقيم في عقولهم المريضة نزعات الإقصاء والإلغاء والتبعية، ولو كان ثمة خير في هذه الوزارة لما انهار مبناها دونًا عن جميع مباني الوزارات الأخرى السابقة عليها واللاحقة في حي الوزارات بالخوير.
وأما عما يستوطن ه
ذه العقول المتخلفة عن ركب المدنية والتحضر فحدِّث ولا حرج، وما خبر التزويرات التي حصلت في انتخابات (مجلس الشورى) الأخيرة عنا ببعيد رغم استماتة مسؤولي هذه الوزارة قبل الانتخابات وبعدها في الترويج لـ"مدى النزاهة" التي اتسمت بها هذه العملية، وتعكس هذه التزويرات في جانب منها مدى الفساد الذي يعشش في هذه الوزارة، وما هذه الواقعة إلا مثال فقط على حجم التضليل وطمس الحقائق في إحدى مؤسسات الدولة (السيادية)، وهو ما يعد في حد ذاته كافيًا وزيادة للإطاحة بمن يقف وراء ذلك ويعد سببًا وجيهًا لمغادرته منصبه قياسا بما يجري في الدول المتمدنة والمتحضرة من مكافأة المبدع ومحاسبة المقصر، ولكن إن عاجلاً أم آجلاً سيأتي الوقت الذي ستُكتشف فيه الحقائق وستفوح الروائح التي تزكم الأنوف!.
وفي الوقت الذي كان يتوجب فيه أن تسعى هذه الوزارة إلى الإعلاء من قيم التسامح والتعاضد وتقوية أواصر المواطنة واللُّحمة بين المواطنين تعزيزًا للوحدة الوطنية كما نص على ذلك "النظام الأساسي للدولة"، وكما تقضي بذلك اعتبارات قيام الدول واستمرارها واستقرار المجتمعات وتحضرها، إذا بهذه الوزارة تكرس لواقع أليم مختلف تمامًا يصب في اتجاه "التمييز العنصري" وإحياء النعرات والعصبيات القبلية عبر الإقدام على إلغاء مسميات بعض القبائل التي تعد أكثر قدمًا وعراقة من دهاقنة ما يسمى بـ"لجنة تصحيح مسميات القبائل والألقاب والأسماء" التي تتبع هذه الوزارة ويشارك في عضويتها ممثلون لبعض الجهات النافذة في الدولة والتي تتجلى مهمتها الأساسية في "تنقية الأصول والأعراق العُمانية" وصولاً إلى إيجاد "عرق نقي" يكرس ما يتسم به المجتمع العُماني من "خصوصية"!.
إن ما يدمي القلب ويبعث على التقزز والغثيان هو أن تنصب هذه ("اللجنة") من نفسها (حاكمة بأمرها) فتصدر ("توصيات") تنال مباركة وزير الداخلية تتضمن إلغاء مسميات قبائل قائمة ومعروفة منذ أمد بعيد بزعم (تصحيحها) وإجبار من ينتمون إليها إلى حمل مسميات قبائل أخرى رغم إرادتهم ورفضهم واستنكارهم الشديد لذلك، بل إن الأدهى في الأمر هو استناد هذه (اللجنة) عبر توصياتها إلى أكاذيب وأباطيل ومزاعم لا حقيقة لها أبدًا.
ورغم تفنيد وتكذيب المتضررين من هذه التوصيات الكاذبة، ورغم تقديمهم ما يدحض أكاذيب هذه الوزارة ولجنتها، "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون"، ومع أن الكذب والتزوير ممارس وبشكل رسمي هنا من قبل هذه الوزارة ولجنتها "أيتها العير إنكم لسارقون"، بالرغم من ذلك لا يلتفت إلى صراخ وصيحات المتضررين الذين تم الاستفراد بهم وظلمهم والتضييق عليهم اعتصامًا بـ"أعمال السيادة"، وكأن ما يصدر عن هذه (اللجنة) أمر لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولكن الله سبحانه وتعالى تكفل بالدفاع عن المظلومين ورد كيد الظالمين في نحورهم "ستكتب شهادتهم ويسألون".
إذا كانت (وزارة الداخلية) استنادًا إلى العقليات المريضة التي تُسيِّر شؤونها تنتهج مثل هذا النهج الفاشي، فقد كان يجدر بالجهات الأخرى الممثلة في تلك (اللجنة) وهي جهات متنفذة في الدولة أن تعترض على هذا الأسلوب المتجني والظالم، وأن تقول كلمتها لا أن يكتفي ممثلوها بالتوقيع على محاضر الاجتماعات بصرف النظر عما تتضمنه من تقرير لمصائر الآخرين عبر إساءة معاملتهم وتطبيق معايير لا إنسانية بحقهم تكرس نزعة التمييز العنصري، لا سيما وأن من بين هؤلاء الأعضاء من يعرف حق المعرفة أشخاص من تعلقت بهم تلك (التوصيات) سيئة الذكر، وأنه لا صحة على الإطلاق للمبررات التي استندت إليها هذه اللجنة البائسة في إلغاء قبائلهم!.

- التفرقة بين الناس في عُمان والتمييز العنصري بينهم باسم الدين:

لقد أكرم الله أمة العرب بالدين الإسلامي الحنيف الذي جاء به من عند الله الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والذي بفضله أخرج الله العرب من ظلم وجور الجاهلية إلى عدل ونور الإسلام، ولكنَّ تَفرُّق المسلمين شيعًا ومذاهب "كل حزب بما لديهم فرحون" أساء في بعض الجوانب في فهم الإسلام كدين سماوي خاتم جعله الله للعالمين والإنسانية جمعاء يساوي بين الناس ويحصر مجال التفاضل والتمايز بينهم في تقوى الله فقط "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم..."، ولكن عوضًا عن ذلك فإن الدين في عُمان يُجيَّر للتفريق بين المرء وزوجه ولتكريس (عدم التكافؤ بين الناس لاعتبارات النسب)، حيث إنه وتعويلاً على حديث منسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أورده مسند الإمام الربيع بن حبيب والذي ينظر إليه باعتباره "أصح كتاب بعد القرآن الشريف"، ونص الحديث الوارد في (كتاب النكاح، 24- "باب في الأولياء) هو: 315 " أبو عبيدة عن جابر قال....، وقال صلى الله عليه وسلم: " الأحرار من أهل التوحيد كلهم أكفاء إلا أربعة: المولى، والحجَّام، والنَّسَّاج، والبقَّال"، وتطبيقًا لهذا الحديث فقد أخذ بذلك "قانون الأحوال الشخصية" العُماني الذي نصت إحدى مواده على ما مفاده أنه يرجع في قضايا الزواج إلى الدين ثم العرف، وبذلك فإنه إعمالاً لهذا الحديث وتطبيقًا لما يسمى بـ"عدم الكفاءة في النسب" فإنه يمكن التفريق بين المرء وزوجه وتطليق زوجته منه بحكم القضاء والقانون إذا ما طلب ذلك أحد أولياء الزوجة يزعم أنها "تعلو في نسبها نسب من تزوجها" تطبيقًا لمبدأ "عد
م التكافؤ في النسب". ويمكن القول باطمئنان إنه وفي ظل فهم وإدراك المقاصد الكلية للدين الإسلامي الحنيف التي تؤكد عدالة الله سبحانه وتعالى ومساواته بين خلقه فيما يتصل بالخلق والأفضلية عنده، أما ما يتعلق برفع بعضهم فوق بعض درجات فإن ذلك مقتصر على مجال العلم والمال والرزق ولا شيء آخر، وتبعًا لما جاء به الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- وعمل به من مبادئ، وما جاهد في سبيل إقامته والحفاظ عليه وهو القائل "المسلمون تتكافأ دماؤهم"، يمكن القول باطمئنان إن هذا حديث مكذوب، وهو من الأحاديث التي يُبرَّأ ويُنزَّه رسول الحق والهدى والخير والإنسانية عن قولها، ولا يعد بأيِّ حال من الأحوال إنكار حديث مشكوك فيه كهذا من قبيل إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة حتى تثور ثائرة بعض المتنطِّعين فترتفع عقيرتهم وكأنه تم انتهاك حرمة من حرمات الله عز وجل، مع الأخذ في الاعتبار بأنه لا يوجد إجماع بين المذاهب الإسلامية وعلماء المسلمين على ما يسمى بـ"الكفاءة في النسب"، كما ينبغي عدم إغفال أن الكذب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونسبة أحاديث كثيرة إليه هو بريء منها، يعد حقيقة واقعة، وهو القائل "من كذب عليَّ متعمِّدًا فليتبوأ مقعده من النار". كما ينبغي ألا يفوتنا أن السنة النبوية الشريفة لم يبدأ تدوينها إلا بعد قرنين من وفاة الرسول في ظل امتناع الصحابة رضوان الله عليهم عن تدوينها حتى لا تختلط بالقرآن الكريم، وقد اجتهد بعض العلماء في القرنين الثاني والثالث للهجرة في تدوين السنة الصحيحة وتنقيتها من الأحاديث الموضوعة والأقوال المنسوبة إلى رسول الله والخالية من السنة، بل يسيء بعضها إلى مقام النبوة.
وتأسيسًا على ذلك فإن الحديث المشار إليه الذي أورده الربيع في مسنده المنوه عنه مردود وينبغي عدم الأخذ به وإن تنطع بعضهم، وفي أسوأ الأحوال يجب ألا يتعدى وجوده تضمُّن ذلك المسند إليه دون العمل به وإشهاره سلاحًا ضد "حقوق الإنسان"، وحتى لا يكون العمل به سببًا في استمرارية التطبيق السيئ لتعاليم وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومنعًا من أن يؤدي ذلك إلى المقارنة بشكل جائر بين دين الله الخالد والصادر عن رب العزة على نحو لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وبين مواثيق وعهود حماية حقوق الإنسان ومنها "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" الصادر عن منظمة الأمم المتحدة، بحيث يخلص من يجري هذه المقارنة وكأن هذه المواثيق والعهود أكثر عدالة من دين الله، وحاشا لله ولدينه أن يكون الأمر كذلك!.
ومن هنا تبرز مسؤولية من يوصفون بـ ("العلماء") في البلاد والذين تقع على عاتقهم مسؤولية تنقية ممارسات الدين من أية شوائب، وإن امتنعوا عن ذلك فما أقاموا شرع الله ولا أدوا رسالتهم كما يجب؛ إن على هؤلاء (العلماء!)، لا سيما أولئك الذين تلقوا دراسات في الخارج ونالوا شهادات علمية وبلغات غير العربية كـ"الإنجليزية" و"الألمانية" وغيرها، حتى يمكنهم الدعوة إلى دين الله والتحاور مع غير المسلمين من غير الناطقين بالعربية أن يوجهوا عنايتهم إلى مثل هذه المسائل التي تُحدِث الشرخ في بنيان الأمة، وأن يضعوا في اعتبارهم أنه إذا كان الحوار والتلاقي على كلمة سواء بين المسلمين وغيرهم في ظل "حوار الحضارات" يعد أمرًا مهمًّا وضروريًّا في الوقت الراهن، فإن الحوار ومد جسوره مع أهل الملة الواحدة، وصولاً إلى لملمة الصفوف وتقوية اللُّحمة، يعد أولَى وأكثر إلحاحًا، مع الأخذ في الاعتبار أن من ركائز الحوار الاعتراف بالآخر وعدم إصدار الأحكام الجاهزة والمعلبة كالتجهيل والتكفير والإقصاء ومصادرة فكر الآخر.
وندعو الله أن نكون في غنى عن أن نردد وراء القائل:
أيها العلماء يا مـلــــــح البلــــدْ من يُصلِحُ المِلْحَ إذا المِلْحُ فسدْ؟
بالملح نصلح ما نخشى تغيُّرَهُ فكيف بالملح إنْ حلَّتْ به الغِيَرُ
ولكننا واستشعارًا لثقل المسؤولية ورغبة في إبراء الذمة هذه دعوة لكم لتغيير هذا الوضع الشاذ وغير الطبيعي والمشوه للوجه الإنساني للإسلام، وإن لم تفعلوا فلا نملك عندئذ إلا أن نرفع صوتنا مرددين:
هذا إبلاغ لــــكم والبعث مـــوعدُنا وعند ذي العرش يدري الناس ما الخبرُ

- القانون والقضاء وحقوق الإنسان في عُمان:

إلى جانب صدور أحكام قضائية من قبل المحاكم في عُمان بالتفريق بين بعض الأزواج وزوجاتهم لاعتبارات "عدم التكافؤ في النسب" بينهم تطبيقًا لما نص عليه "قانون الأحوال الشخصية" الذي بدوره يستند إلى الحديث الوارد في "مسند الربيع بن حبيب"- كما سلفت الإشارة- فإن هناك بلية أخرى ابتُلي الناس بها في عُمان وهي ما يسمى بـ"أعمال السيادة"، ومضمونها أن ثمة أعمالاً وإجراءات تدخل في اختصاص بعض الجهات، ومنها (وزارة الداخلية)، إذا لم تتعلق هذه الإجراءات بالموظفين العاملين في هذه الجهات فإنها تعد أعمال سيادة، وبذلك فإنه وحتى إذا ما تم الاعتراض عليها من قبل المتضررين منها عبر لجوئهم إلى القضاء لإبطال مفعولها، فإن القضاء بموجب ذلك يحكم بـ"عدم الاختصاص".
لقد قام المتضررون من إجراء (وزارة الداخلية) الظالم والجائر والشائن والقائم على أكاذيب ومزاعم باطلة برفع دعوى لدى "محكمة القضاء الإداري" مفندين تلك الأكاذيب والمزاعم بالوثائق والأدلة والبراهين، وهم بقيامهم برفع تلك الدعوى قد استندوا إلى ما جاء في "النظام الأساسي للدولة" من أن حق التقاضي م
كفول للجميع، وأن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، وأخذًا في الاعتبار أن "القضاء لا سلطان عليه"، وأن "اللي يروح للقاضي يرجع راضي"، لكن مع كل أسف جاء حكم القضاء مخيبًا للآمال، حيث أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها في القضية بعدم الاختصاص، ومع التسليم بأن "العدالة عمياء"، بمعنى أنها تحكم بنصوص القانون بصرف النظر عما إذا كانت هذه النصوص محققة للعدالة أم لا، إلا أنه من المعلوم أن من واجبات القضاء تقدير ما إذا كانت القرارات والإجراءات المطعون فيها تعد من أعمال السيادة أم لا وتبعًا لذلك إصدار الحكم المناسب- خاصة وأنه لا يوجد تعريف أو تحديد لـ"أعمال السيادة" على سبيل الحصر- وليس اعتبار كل ما يصدر عن الجهة المصدرة لتلك القرارات والإجراءات "محصَّنة"، وبالتالي فإن ما يصدر عنها يعد "أعمال سيادة"، وبصرف النظر عما إذا كان قد روعي من خلال تلك القرارات والإجراءات "المصلحة العامة" من عدمها، علمًا بأن مراعاة وصيانة هذه المصلحة هما الرئيس وراء وجود ما يعرف بـ"أعمال السيادة".

المتضررون يتطلعون إلى ما سيُسفر عنه حكم الاستئناف

المتضررون يتطلعون إلى ما سيُسفر عنه حكم الاستئناف


لطالما أساءت "وزارة الداخلية" استخدام "صلاحية أعمال السيادة" في ظلم الناس والإساءة إليهم، مشهرة بذلك هذا السيف في وجوه أصحاب الحق، ضاربة عرض الحائط بكل مبادئ العدل والحق والخير والإنسانية والمساواة، وما كان لها بالطبع أن تلجأ إلى هذه الصلاحية لو أن مسؤوليها واثقون من أنفسهم ومطمئنون إلى أن ما يفعلونه هو الخير والصلاح، ويظهر من خلال استخدام هذا ("الفيتو")، وهو إن عبر عن قوة ظاهرة لدى من يُشهره في وجه غيره إلا أن باطنه يدل على مقدار الضعف و"حيلة العاجز"، وما "أعمال السيادة" إلا كلمة حق كثيرًا ما أريد بها باطل.
إن المشرع عندما أعطى صلاحية وميزة "أعمال السيادة" لبعض الجهات افترض استخدام هذه الصلاحية في إحقاق الحق وإبطال الباطل وتحقيق المصلحة العامة، وليس الإضرار بالناس وظلمهم والتعدي على حرياتهم وسلب حقوقهم. ومن هنا فإن على المشرع أن يضع الآليات والإجراءات الملائمة للتحقق من "عدم التعسف في استعمال السلطة" و"عدم إساءة استعمال الحق" من قبل هذه الجهات، خاصة وأن الأحكام الصادرة والمعولة في صدورها على أن القرارات والإجراءات المطعون فيها تعد "أعمال سيادة" تصدر باسم المُشرِّع، وبالتالي فإنه في حال عدم توخِّي هذه الأحكام تطبيق العدالة تحقيقًا للمصلحة العامة فإن من شأن ذلك أن ينطوي على إساءة بالغة إلى المشرع والزَّجِّ باسمه في صدور أحكام ليست عادلة.
كثير من دول العالم المتحضر والمتمدن تجاوزت ما يعرف بـ"أعمال السيادة"، إذ يتجه الفقه القانوني إلى أن المحاكم هي صاحبة الاختصاص في تقدير ما إذا كان العمل المعروض أمامها يعد عملاً من أعمال السيادة أم لا، فمن الحكم الصادر بتاريخ 29 يونيو 1963م قررت المحكمة الإدارية العليا في مصر أنه من المُسلّم به أن "للمحاكم سلطة تقرير الوصف القانوني للعمل المطروح عليها وما إذا كان يعد عملاً إداريًّا عاديًّا أو عملاً من أعمال السيادة". (انظر كتاب وسيط القضاء الإداري للدكتور أنور أحمد رسلان- عميد كلية الحقوق- جامعة القاهرة).
وإلى جانب ما نصَّت عليه القوانين من "كفالة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل بالقضايا" فإن "كفالة حق التقاضي لكافة المواطنين، وذلك بأن يكون لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي". (انظر كتاب القضاء الإداري والرقابة على أعمال الإدارة للدكتور محمود سامي جمال الدين- عميد كلية الحقوق في عُمان حاليًّا).
وبناءً على ذلك يحق للمرء أن يطرح تساؤلاً على "محكمة القضاء الإداري" وهو: إذا كان حكمك هو عدم الاختصاص فإلى أين يذهب المرء كي يرفع دعواه؟، أم أنه لا سبيل أمامه حينئذ إلا تمثُّل قول القائل:
إذا حُمَّ القضاء على امرئ فليس له بَرٌّ يقيه ولا بحرُ!
وقد "هاجم الفقه المصري نظرية أعمال السيادة منذ زمن بعيد، خصوصًا القرارات أو الأعمال التي كانت بعض القوانين والقرارات الجمهورية بقانون تنص على اعتبارها من أعمال السيادة، ولقد استجاب المشرع الدستوري لنقد الفقه، فنص في المادة (68) من دستور 1971م على ".. حظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء"، "وقد جرى قضاء المحكمة العليا على الحكم بعدم دستورية أي نص قانوني يحرم المواطنين من حق التقاضي".
وبهذا أصبح القاضي هو المرجع الأول في تقرير ما إذا كان العمل المعروض عليه عملاً من أعمال السيادة أم لا. (انظر كتاب رقابة القضاء على أعمال الإدارة للدكتور محمد محمد بدران- كلية الحقوق- جامعة القاهرة).
وإذا كان الأمر كذلك فإن الأمر بالنسبة إلينا في عُمان يتطلب إعادة النظر سواء على صعيد إعادة النظر في التشريعات والقوانين بتعديلها أو على مستوى وظيفة القضاء بأن تكون له كلمة في هذا الأمر تأ

ليست هناك تعليقات: