18 أغسطس 2010

عُمان من سيِّئٍ إلى أسوأ


تتمجَّد الدَّولة الفاسدة وتغور روح الوطن


سالم آل تويّه


    عندما تتمكن الديكتاتورية من الظهور بوجه الديمقراطية، وعندما يتستر الظلم في ثوب العدالة، ويكثر عدد الجهلة والمنافقين والمهرجين واللاعبين على حبال السيرك القذر، يحدث كل شيء ويختلط كل شيء بكل شيء، لكن لا يحدث أبدًا أن يُكشَف قادةُ ألاعيبِ الزَّمانِ المُرِّ المعصورِ خمرةً مُسكِرةً لشعب بأكمله تُمارَس عليه صنوف الأضاليل والأكاذيب والنوادر.
    إذا ضرط الوزير فكل الوزارة تضرط!، وعلى هذا المبدأ الأخلاقي الكَلِيْلِي دِمْنِي في أحسن الأحوال قِسْ!. بلاد تغرق في الفساد، حاميها حراميها، قاضيها ظالمها، أمنُها أكبر خطر عليها، فإلى أين المفر؟، إلى من الشكوى؟، وما الجدوى؟.
    نجحت السلطة العُمانية طيلة أربعين عامًا في غسل أدمغة مواطنيها فيما يتعلق بكل شيء، بدءًا من السياسة وانتهاءً بالقدم التي تسبق الأخرى عند دخول المراحيض. اتخذت السلطة السياسية المؤسسة الدينية عبدًا وفيًّا لتنفيذ جريمتها في حق شعب بأكمله، وها هي النتائج الآن: خواء سيحتاج إلى أربعين سنة أخرى كي يُمحى من عقول ثلاثة أجيال تُسبِّح وتُهلِّل وتُكبِّر باسم السلطة وحمدها. استُغِلَّ الناس واستُعبدوا وخُتِمَ على وعيهم حتى أصبحوا، في المهرجانات ذات المسميات العديدة، يرقصون ويغنون ويُعرَضون على السُّيَّاح بضاعةً رخيصةً تدعو للرثاء.
    أما ما يظهر للملأ من قوم يعرب وقحطان وعدنان وطحقان ودعنان ومحمد وعيسى وموسى، ما يظهر لهؤلاء هو السياسة الحكيمة والتنمية والرَّوِيَّة والعدالة والقفزات النوعية من الجرجرة إلى القار ومن الجحال إلى الثلاجات ومن القناديل إلى اللّيتات ومن الحمير إلى السيارات، وهنا بالذات مكمن الخطر، في هذه الأسطوانة الممجوجة التي تحلو لها المقارنة حتى عندما لا تكون هناك مقارنة ولا يكون هناك من يُقارنِون أو يُقارَنون ولا من يفهمون علم المقارنة هذا الذي على كل مولود يُولَد في سلطنة عُمان أن يفهمه ويرضعه من ثدي أمه فورًا وإن كان سيُفطم بعد سنتين عن حليب أمه فعليه أن يرضع هذا العلم حتى مماته.
    عصابة اللصوص تُوجِّه الإعلام والأعمال والصحافة والمساجد والخطط والوعي. أقصى حلم يحلمه العُماني أن يُزَادَ راتبُه. هذا العُماني المسكين المغلوب على أمره ينتظر موافقة عصابة اللصوص الجهلة على زيادة راتبه!. هذا العُماني المنقوم عليه مدين لعصابة اللصوص التي هي صاحبة الأمر والنهي، صاحبة البنوك، عصابة تتاجر بالتجارة وتتاجر بالإنسان. إشاعات وإشاعات والعُماني ينتظر. منذ متى ينتظر؟. إلى متى ينتظر؟. هذه المرة كيف ستكون ضحكتهم الجديدة عليه؟. هو إنسان طيب –بشهادة السُّيَّاح وبشهادة ممارسات السلطة عليه- لذلك فقد اعتاد أن يُظلَم، اعتاد أن تضحك عليه عصابة اللصوص التي تنهب البلاد طولاً وعرضًا وعندما ينالها أحد بالنقد تُجيِّر عليه مخبريها وسدنتها ليتهموه في وطنيته وكأنهم هم الوطن!. ولكن بالفعل فما دامت المؤسسات هي هؤلاء اللصوص، وما دامت البنوك هي هؤلاء اللصوص، وما دام المواطن مدينًا لهؤلاء اللصوص، وما دام الماء والهواء هما هؤلاء اللصوص، وما دام هؤلاء اللصوص هؤلاء الجهلة هم كل شيء فهم كل شيء إذن، هم الوطن!. عاش الوطن!.
    فلماذا إذن الهجوم على حمد الراشدي وود شوين؟، لماذا الشكوى من ظلم القضاء وتبعيته وعدم استقلاله؟، لماذا تطرح أسئلة لا تنتهي بخصوص تكاليف مطار جديد لم يوضع أساسه بعد وتكلفته تجاوزت تكاليف مطار دبي؟، لماذا تقمع حرية المواطن ويمنع حتى من تسمية ابنه بالاسم الذي يريده؟، لماذا الجأر بالشكوى من وزارة صحة تخصصت في جلب الأمراض وقتل الناس وقريبًا سيُغيَّر مسماها ليصبح رسميًّا: "وزارة القتل"؟، لماذا الشكوى كل سنة من عدم استطاعة آلاف من خريجي الثانوية إكمال دراستهم الجامعية؟، لماذا يصل الأمر إلى حدِّ أن يتردد القول إن قضايا "اللصوص والمجرمين الكبار" التي يتستر عليها الادعاء العام يتجاوز عددها 2700 قضية؟... وقائمة لماذا لا تنتهي، والسؤال الآن: لماذا لماذا؟. والإجابة لماذا لماذا؟.
    زبانية السلطة ينتشرون في كل مكان، على الأرض وفي الفضاء. في الصحافة وسيارات الأجرة والمكاتب والإنترنت. موقع إلكتروني صمم خصيصًا لتنفيذ سياسات السلطة فيما يتعلق بالقضايا (الواجب) نشرها ومعرفتها والقضايا (الواجب) التستر عليها ومحاربتها. موقع به مدير عام ونائب مدير عام ووزير وغفير!، ويرعى أنشطة تكلف مبالغ طائلة ويتسلم مخبروه آلاف الريالات شهريًّا! كل ذلك لماذا؟ من أجل سواد عيون هذا الوطن اللُّعبة أم من أجل سواد عيون السلطة القاهرة وتحكُّمها في كل صغيرة وكبيرة، أم من أجل الكذب والدجل والتشويه، من أجل الانحطاط والتردي والبيع والشراء، من أجل إعدام الضمير والأخلاق والمبادئ واستخدام الأقنعة والمساحيق؟. وأعداد الذباب المتساقط تزيد يومًا بعد يوم، فلو حُورِب أولئك وفُضحوا وحُوسِبوا لما اتسع نفوذُهم، لكنهم وجدوا الأحضان مفتوحة والمبررات جاهزة، فكيف إذن لا يُشارَكُون في الدور العظيم الذي يقومون به خدمةً للثقافة والأدب والمجتمع؟!.
    الجميع يعرف أن كلًّا من الراشدي وود شوين أحدهما أسوأ من الآخر، وحتى قيام الساعة لن يصلح هذا ليكون وزيرًا للإعلام ولن يصلح ذاك ليكون وكيلاً للإعلام، كل منهما أشد جهلاً من الجهل نفسه، حتى في هذا الشهر "الفضيل"!، ولو ظهر أي منهما نصف ساعة أمام صحفيين وإعلاميين لم يعتادوا تلقين الصبيان لاستقال من تمثيل دور الفهم الوهمي الأجوف. هذان الموظفان مجرد آلتين تستخدمهما السلطة لإبادة الوعي وغسل الدماغ وقمع السؤال وتمجيد الجهل بكل الصور البرَّاقة في دولة الدعاية والإعلان؛ وعلى ذلك قِسْ، فمَنِ الوزيرُ الذي يمكن احترامُه في بلادنا؟، من الوزير الذي أصبح وزيرًا بسبب إمكانياته وصلاحيته وعدم مجيئه لاعتبارات أخرى يقوم عليها بنيان السلطة المتهالكة واعتباراتها التي ينخرها سوسها وصديدها ويجعلها تتآكل بفعل عوامل التعرية؟، من الوزير الذي أصبح وزيرًا ولَمْ يصبح مليونيرًا؟. القلة القليلة من الذين يمكن احترامهم، القلة القليلة من الوطنيين إما أنها مهمشة فاقدة الحيلة وإما أنها تتدرب على طرق النصب والاحتيال لتدخل نادي اللصوص بجدارة، وإما أنها تحدد الحلف الأقوى من أحلاف عصابة السلطة كي تبقى أكثر فترة ممكنة حتى تكتم أنفاس هذا الشعب كما يكتم أنفاسه أساتذتها أفراد العصابة العتيقون الشِّداد الغلاظ الذين سيفتتحون متحفًا يؤبنون فيه الشعب العُماني المنقرض الذي تعبر فوقه البغال والحمير واللصوص والأوغاد والسفلة والمجرمون، وهو، هذا الشعب -ما شاء الله عليه- يتحمل أكثر من البغال والحمير واللصوص والأوغاد والسفلة والمجرمين!، يتحمل الكثيرين منهم بشتى الصور والأشكال والألوان، وطالما أثبت هذا عبر العصور والدهور!.
      للدعاية والإعلان قوة توازي السلاح النووي لكن على طريقة الدعاية والإعلان طبعًا، والدليل هو الشعب العُماني المُطوَّر حسب وصفة النهضة المباركة. على الجميع أن يقولوا كنا نسافر عبر الجبال والوديان الوعرة على ظهور الجمال والحمير لكن يجب ألا يفكر أحد أن الحمير والجمال نفسها أصبحت تتبرأ من هذا الخطاب الركيك وتتمنى لو لم يركبها أحد!. على الجميع أن يقول إن الحكومة العظيمة بنت لنا شبكة طرق وشوارع عملاقة تغطي أرجاء البلاد كافة ووو لكن يجب ألا يقول أي أحد إن البنية التحتية مهترئة معرضة للخطر بسبب الصفقات المشبوهة وإهدار الملايين على الشارع الواحد أحيانًا مرارًا ومرارًا، وما يكلف مليونًا يكلف مئة مليون!. اللصوص يحتاطون بالتأكيد فلا أحد يستطيع إثبات أي شيء والأوراق تؤكد صدق كذبهم!، ثم إن الرقيب يحتاج إلى رقيب، وفي النهاية لن يوجد إلا اللصوص وحدهم. يجب ألا يكتب أحد عن الأرواح التي فقدت بسبب سوء التخطيط وعدم بناء الجسور في الوديان، وبسبب التخطيط الأشد رداءة الذي يقول كثير من العُمانيين إن شوارع أفريقيا في الستينيات كانت أفضل منه!. يجب ألا يكتب أحد شيئًا عن حكومة لا يثق فيها أحد، بل يجب أن ينال التكريم الفاشلين ويصفق الجميع لمسرحية جعلتهم جميعًا يتذوقون روعة أداء الممثلين. عندما يبنى شارع أو جسر فيجب أن تكتب الصحافة ويصور التلفزيون وتبقبق الإذاعة ويُدبِّج الشعراء القصائد ويرقص المواطنون ويهزجون ويقفزون فرحين بالسيوف والخناجر وتنشر الإعلانات الممجدة للأفعال العظيمة وينطق الحجر بالصنائع والروائع!. ياله من بلد لا يكل ولا يمل من لعبة تضييع الوقت فيما ينقله من سيِّئ إلى أسوأ.

ليست هناك تعليقات: