عبد يغوث
(عُمان)
الإهداء:
إلى أمي موزة في جوار حُورِ العِين
على سبيل الاعتذار:
"أقصائدُ هذه؟ لا...
هذه مِزَقٌ، كِسْراتٌ صغيرةٌ
فُتاتُ الورقِ كلّ يوم". أديت سودرجران
إضاءة المقبرة:
أشكُّ في أي نعيم ينتظرني
أما الشقاءُ فظلي...
شـواهد
بَكارة
أيها القلق المُبكِّر
الذي يشبه طفلاً مُبتلى بالسرطان
أريد أن أنام كما صخرة الوادي
لا تجرفها الأمطار ولا حتى القيامة!
لِسان الموت
كانت دارنا العتيقة
تطل على باحة مقبرةٍ ساجدةٍ
تحت قدَميْ جبل أصم
فكيف لي أن أفرح الآن
وأنا أحدثكم بلسان الموت
وكل مدى طفولتي
مقابرُ وجبال!
النساءُ الغريبات
طفولة مريضة
وأم مريضة
باعدت حنان صدرها
ذات شتاء مُرقعَّ الثياب
وخلَّفتني بين أيدي النساء الغريبات
الغريبات اللواتي فطمنني نبتة مُرَّة
وكانت أمي بعيدة مثل نجمة حزينة
فامتصصتُ التبغ وشفاه الأخريات
إلى أن فاض لعابي من اللهاث!
فَزع
رأيتُ ذات طفولة في المنام
امرأتين هبطتا من السماء
بذراعيْ أساطير يونانية
وكأنهما غسلتا مُهجتي
وطارتا
وخرجت أمي إلى الفناء
فوجدتْ طفلاً عارياً
من دهشة التطلع
إلى نجمتين مُفزعتين!
موقِد أُمي
أواهُ أيها الدفء البعيد
حينما سرحتني أمي على ركبتها اليسرى
ذات شتاء طيني أمام الفراشات
جوار أخي الموقد الحنون
فنمتُ مع الله كحبيب
هوى إلى روح عشيقه
النائمة في خَدَرٍ أبدي!
طفولة ُأم
يحدثُ في المساءات البعيدة
على مقعد خشبي طويل
أن أتأمل حبها عبر أوراق شجرة محاذية
وهي تتساقط كما دموعها في القلب
كأنها تحبني للمرة الأولى
غريباً ...
في زاوية على مقعد خشبي طويل
أهطلُ
كحب مريض في وحدة آلمة
لو يتسع الكرسي لكلينا لأحببتها
طوال حبي لصورة أمي
في الطفولة!
-14-
أبي يُحمِّمني عند درج البيت
والمياه تهطل كإفاقة السكران
وأنا أشْرُقُ
كأنني أركض في الزقاق
برِقَعِ الثياب
وهو يُدلِّكُ رأسي
إبطي.. عانتي
فأكرجُ بضحكة ماء
وأتأمل أهل البيت
يرمقونني بضحك عار
كان ذلك في الرابعة عشرة!
يُنبوعٌ حَجَرِيٌّ
أغنيني حجرية
لأن صوتي يسَّاقط أحياناً
كما أحجار أهْوَتها العاصفة
وأحياناً يتقاطر بتؤدةِ نبعٍ
كببتُ عليه وجهي
في طفولة مياه عابرة!
قِطارٌ غامض
أفكرُ كثيراً في السنوات الثلاثين
التي مضت كقطار
كل سنة عربة خاوية
فيفاجئني حزنٌ غامض
حين أتذكر أنني لم أكن موجوداً
على الإطلاق!
دمعة
لي دمعة في آخر الليل
تنتظرني عند طرف سريري
وتعتبُ إن غبتُ طويلاً
في أراضٍ ليست لي
وحين تلفني بملحفتها الليلية
تهيم روحي في تذكاراتٍ ماضيةٍ
وخيبة في أن لا أصبح يوما حجرا
لهم المجد حقاً
أولئك الذين ولدوا كباراً
دون دموع!
بَلادة
أتأملُ تقاذف أرجل المارة
ووداعة الأطفال والعشاق
فيذكرني ذلك بأشياء
لم تعد تخصني
وأنني ولدت هكذا
ساهماً عن العالم ببلادة
أكثر من بلادتي على هذه الطاولة!
زوايا
في زاوية ما من العالم
ينتحب طفل من الكهولة
مطوقا رأسه بذراعيه كمن يُساط
ويعلم في زاوية أخرى من العالم
تختبئ مُهجتُه كما قصيدة
دُسَّت على عَجَلٍ تحت حجر
هناك... هناك
حيث العالم طفل تكاد
تطفرعيناه من الضحك!
* من مجموعة "طفلٌ يتنزه في مقبرة" الصادرة عام 2003م في القاهرة، ويعيد موقع "جهة الشعر" نشرها في "كتاب الجهة".
(عُمان)
الشاعر عبد يغوث |
الإهداء:
إلى أمي موزة في جوار حُورِ العِين
على سبيل الاعتذار:
"أقصائدُ هذه؟ لا...
هذه مِزَقٌ، كِسْراتٌ صغيرةٌ
فُتاتُ الورقِ كلّ يوم". أديت سودرجران
إضاءة المقبرة:
أشكُّ في أي نعيم ينتظرني
أما الشقاءُ فظلي...
شـواهد
بَكارة
أيها القلق المُبكِّر
الذي يشبه طفلاً مُبتلى بالسرطان
أريد أن أنام كما صخرة الوادي
لا تجرفها الأمطار ولا حتى القيامة!
لِسان الموت
كانت دارنا العتيقة
تطل على باحة مقبرةٍ ساجدةٍ
تحت قدَميْ جبل أصم
فكيف لي أن أفرح الآن
وأنا أحدثكم بلسان الموت
وكل مدى طفولتي
مقابرُ وجبال!
النساءُ الغريبات
طفولة مريضة
وأم مريضة
باعدت حنان صدرها
ذات شتاء مُرقعَّ الثياب
وخلَّفتني بين أيدي النساء الغريبات
الغريبات اللواتي فطمنني نبتة مُرَّة
وكانت أمي بعيدة مثل نجمة حزينة
فامتصصتُ التبغ وشفاه الأخريات
إلى أن فاض لعابي من اللهاث!
فَزع
رأيتُ ذات طفولة في المنام
امرأتين هبطتا من السماء
بذراعيْ أساطير يونانية
وكأنهما غسلتا مُهجتي
وطارتا
وخرجت أمي إلى الفناء
فوجدتْ طفلاً عارياً
من دهشة التطلع
إلى نجمتين مُفزعتين!
موقِد أُمي
أواهُ أيها الدفء البعيد
حينما سرحتني أمي على ركبتها اليسرى
ذات شتاء طيني أمام الفراشات
جوار أخي الموقد الحنون
فنمتُ مع الله كحبيب
هوى إلى روح عشيقه
النائمة في خَدَرٍ أبدي!
طفولة ُأم
يحدثُ في المساءات البعيدة
على مقعد خشبي طويل
أن أتأمل حبها عبر أوراق شجرة محاذية
وهي تتساقط كما دموعها في القلب
كأنها تحبني للمرة الأولى
غريباً ...
في زاوية على مقعد خشبي طويل
أهطلُ
كحب مريض في وحدة آلمة
لو يتسع الكرسي لكلينا لأحببتها
طوال حبي لصورة أمي
في الطفولة!
-14-
أبي يُحمِّمني عند درج البيت
والمياه تهطل كإفاقة السكران
وأنا أشْرُقُ
كأنني أركض في الزقاق
برِقَعِ الثياب
وهو يُدلِّكُ رأسي
إبطي.. عانتي
فأكرجُ بضحكة ماء
وأتأمل أهل البيت
يرمقونني بضحك عار
كان ذلك في الرابعة عشرة!
يُنبوعٌ حَجَرِيٌّ
أغنيني حجرية
لأن صوتي يسَّاقط أحياناً
كما أحجار أهْوَتها العاصفة
وأحياناً يتقاطر بتؤدةِ نبعٍ
كببتُ عليه وجهي
في طفولة مياه عابرة!
قِطارٌ غامض
أفكرُ كثيراً في السنوات الثلاثين
التي مضت كقطار
كل سنة عربة خاوية
فيفاجئني حزنٌ غامض
حين أتذكر أنني لم أكن موجوداً
على الإطلاق!
دمعة
لي دمعة في آخر الليل
تنتظرني عند طرف سريري
وتعتبُ إن غبتُ طويلاً
في أراضٍ ليست لي
وحين تلفني بملحفتها الليلية
تهيم روحي في تذكاراتٍ ماضيةٍ
وخيبة في أن لا أصبح يوما حجرا
لهم المجد حقاً
أولئك الذين ولدوا كباراً
دون دموع!
بَلادة
أتأملُ تقاذف أرجل المارة
ووداعة الأطفال والعشاق
فيذكرني ذلك بأشياء
لم تعد تخصني
وأنني ولدت هكذا
ساهماً عن العالم ببلادة
أكثر من بلادتي على هذه الطاولة!
زوايا
في زاوية ما من العالم
ينتحب طفل من الكهولة
مطوقا رأسه بذراعيه كمن يُساط
ويعلم في زاوية أخرى من العالم
تختبئ مُهجتُه كما قصيدة
دُسَّت على عَجَلٍ تحت حجر
هناك... هناك
حيث العالم طفل تكاد
تطفرعيناه من الضحك!
* من مجموعة "طفلٌ يتنزه في مقبرة" الصادرة عام 2003م في القاهرة، ويعيد موقع "جهة الشعر" نشرها في "كتاب الجهة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق