02 فبراير 2011

على وقع الثورة التونسية.. مصر أولاً... والبقية على الطريق

عبد النبي العكري

      عبرت الكاتبة المصرية منى الطحناوي بالواشنطن بوست يوم الأربعاء 26 يناير 2011 تحت عنوان "هل تتطور الاحتجاجات المصرية على طريق ثورة تونس" بقولها:
"هناك صورة تفسر لماذا نزل المصريون إلى الشارع بالآلاف، وهي صورة امرأة وزوجها العامل خلال مظاهرات في المحلة الكبرى (كبرى المدن الصناعية المصرية) وهي تمسك وتلوح بالعلم التونسي، بينما زوجها يلوح برغيف خبز، وخلفهما يافطة تقول: "أمس تونس واليوم مصر".
     الحدث التونسي يفعل فعله في كل البلدان العربية بدرجات متفاوتة. لقد كسر الشعب التونسي حاجز الخوف الذي أمسك برقابه طوال 23 عاما من حكم الاستبداد في جمهورية الخوف في ظل الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. حاجز الخوف هذا يكبل الشعوب العربية كلها. بعض هذه الشعوب يعاني أكثر مما عاناه الشعب التونسي من إفقار وبطالة وإهدار للكرامة وفقدان للحرية. وبعض الأنظمة العربية أسوأ من نظام زين العابدين بن علي من حيث القمع والاستبداد والفساد. الشعب التونسي ورغم كل ذلك يتمتع بغالبيته بحياة معقولة. في حين إن بعض الدول العربية تعاني من المجاعة وتعاني من البطالة بما يتجاوز الوضع التونسي.
     في أكثر من بلد عربي انطلقت عفوياً مظاهرات التضامن مع الشعب التونسي، وهكذا تتالت الاحتجاجات الواسعة في الجزائر والمغرب ومصر والسودان والأردن واليمن، وتحول بعضها إلى انتفاضة، كما في مصر واليمن. وعمت الفرحة الشعب العربي من مراكش إلى البحرين.
 
تميز الحالة المصرية 
      توافرت لمصر عوامل وظروف جعلتها في مقدمة ركب التحرك الجماهيري على طريق تونس. وإذا كان الحدث المصري قد فاجأ النظام المعتد بنفسه أكثر من اللازم، فإن هناك عوامل متقاربة مشتركة في الحدثين وأهمها دور مجموعات التواصل الاجتماعي، ودور النشطاء الحقوقيين، والجماهير العادية في صنع الحدث.
     في التاريخ هناك مصادفات ذات دلالة. يوم 25 يناير هو اليوم القومي للشرطة، وهو يوم عطلة رسمية، حولها الشعب المصري إلى يوم غضب ضد القمع. أصر النظام المصري على تذكير المصريين بما يتعرضون له من قمع وتنكيل ومهانة على يد أجهزة المخابرات وقوات الأمن.
     أقام النظام احتفالا ضخماً قبل يوم عيد الشرطة، حيث خطب فيه الرئيس محمد حسني مبارك مشيداً بدور الشرطة وقوات الأمن التي تضخمت وتفرعت وأمعنت في قمعها. وزير الداخلية اللواء حبيب العادلي تباهى بإنجازات منتسبي وزارة الداخلية، وتباهى بالأمن والاستقرار الكاذب والمفروض بالحديد والنار. بالمقابل، وفي ظل ثورة المعلومات وشبكات الويب، والفضائيات، تصدت شخصيات سياسية وحقوقية لهذه الدعاية الفجة، وقدمت شهادات على انتهاكات الأمن، والفظاعات المرتكبة بحق المواطنين في أقسام الشرطة والسجون والمعتقلات، وعرضت مشاهد مؤلمة لهذه الفضاعات. ومع اقتراب يوم 25 يناير بدأ التحرك للدعوة للتظاهر والاحتجاج. لقد سبق أن شهدت مصر عده انتفاضات ومنها تلك التي حدثت  قبل عام بدعوة من قبل ما عرف بحركة 6 أبريل من قبل شبان الإنترنت والتواصل الاجتماعي. وقد شهدت مصر حينها تظاهرات واحتجاجات واسعة، لكن النظام نجح في احتوائها.
    كانت تلك بروفة استفادت منها قوى المعارضة السياسية والحركة الاجتماعية المعارضة. هذه المرة الظروف أفضل. الحدث التونسي بوهجه واستمراريته يلهم الجماهير. التواصل الجماهيري من قبل مجموعة 6 أبريل وغيرها من المجموعات التي تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) والمواقع الإلكترونية والبريد الإليكتروني تضافرت جهودها بالدعوة للتظاهر والاحتجاج في يوم 25 يناير. القوى السياسية هذه المرة أكثر تلاحماً واستجابة خصوصا وأنها بلا استثناء قد نكبت على يد النظام في الانتخابات العامة في نوفمبر 2010، ولم يترك لها النظام مكانا للصلح.
وهكذا تجاوبت مختلف القوى، الإخوان المسلمين، الجمعية الوطنية للتغيير (د. محمد البرادعي) والوفد وحزب الغد، والناصريين واليساريين وغيرهم إلى جانب حركة كفاية، مع الدعوة للخروج إلى الشارع. كما تجاوبت نقابات مهمة وخصوصاً نقابة الصحفيين ونقابه المحامين واتحاد الأدباء والكتاب  بدعم التحرك الشعبي.
    أما العامل الثالث في نجاح التحرك فهو أنه تمت الدعوة للتظاهر والاحتجاج في معظم المحافظات والمدن المصرية (القاهرة، الإسكندرية، كفر الدوار، السويس  الإسماعيلية وشمال سيناء وغيرها)، كما أنه طلب من المتظاهرين الانطلاق من أكثر من موقع في القاهرة ذاتها ثم الالتقاء في ميدان التحرير، وكذلك الأمر بالنسبة لسائر المدن الكبرى.
هكذا فوجئ الجميع بتجاوب الجماهير الحماسي وتوحد شعاراتها عفوياَ. لم تكن التظاهرات في الماضي لتتعدى المئات، وكان أغلبها يتم في القاهرة دون أن تتجاوب معها باقي المدن. هذه المرة ورغم حشد عشرات الآلاف من قوات الأمن والمخابرات، خرج الآلاف إلى الشوارع. وما يلاحظ خروج عائلات بأكملها. وما بدأ في بداية نهار الاثنين 25 يناير، تجمعات ومظاهرات صغيرة، تحول إلى ما يشبه الطوفان البشري، حيث فاق عدد المحتشدين في ميدان التحرير العشرين ألفاً، وواصلوا المرابطة والاحتجاج في البر د القارص.
    في ذات الوقت كانت الجماهير تحتشد في المدن المصرية الأخرى ولأول مرة في وقت واحد وبأعداد كبيرة. وقد اصطدمت بقوات الأمن وسقط أربعة شهداء في السويس، وأعداد كبيرة من الجرحى، والمئات من المعتقلين.
    المطالب التي طرحها المتظاهرون توحدت في الإصرار على تعهد الرئيس مبارك بعدم التجديد لرئاسته وعدم توريث ابنه جمال في عام 2012، كما طالبوا بحل مجلس الشعب الذي استفرد به الحزب الحاكم (الحزب الوطني الديمقراطي) في انتخابات أبعد ما تكون عن النزاهة. وكذلك حل مجلس الشورى الذي يسيطر عليه الحزب الوطني أيضاً. كذلك طالبوا بوضع حد للفساد ومحاكمة الفاسدين وتوفير فرص العمل والعيش الكريم، وتأمين التعددية السياسية الحقيقية وضمان الحريات العامة.
    كان لافتاً أن يحاصر المتظاهرون مقر الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم المطل على النيل جوار الجامعة العربية، وأن يحاصروا مجلس الشعب ومجلس القضاء الأعلى لما ترمز له من دور في النظام الحالي.
    انتفاضة الشعب المصري لم تتوقف مع حدث 25 يناير، بل تتواصل وتتوسع لتضم المزيد من القوى وينضم إليها المزيد من الجماهير وتشمل مدنا ومحافظات جديدة. كما أن مطالب الانتفاضة وشعاراتها تتطور وتتجذر. وبالمقابل فإن محاولة النظام إجهاضها سواء بالقمع أو الإظلام الإعلامي وحجب الاتصالات الإلكترونية أو إقالة وزارة نظيف ككبش فداء، لا تبدو أنها ستنجح في إيقاف الانتفاضة. المطروح الآن مصير النظام وليس بعض أدواته.
 
أخطاء جسيمة في الحساب
     حينما انعقدت القمة العربية الثانية في شرم الشيخ بتاريخ 19 يناير 2011 في ظل الحدث التونسي، تجاهل الرئيس محمد حسني مبارك الحدث تماماً في خطابه الافتتاحي، في حين إن بعض الزعماء العرب أظهروا بعض الكياسة بتأكيدهم احترام إرادة الشعب التونسي. بل إن الرئيس المصري شدد على عدم قبول التدخلات الخارجية في إشارة إلى أن ثورة الشعب التونسي بتوجيه من الخارج.
    أما وزير خارجيته (أبو الغيط) فقد سخر من الذين يشبهون الوضع المصري بالتونسي، وإمكانية انتقال العدوى التونسية إلى مصر. وعلى امتداد أسابيع من الحدث التونسي رغم تفاعلاته تحت السطح، فقد أصر مسؤولو النظام وإعلاميوه على أن وضع النظام متين، وأن ما يطرحه المعارضون تهويل وتزوير للحقائق، وحمَّلوا مسؤولية إثارة  المظاهرات  والاضطرابات تنظيم الإخوان المسلمين المحظور.
     بالطبع لا نستطيع التكهن تماماً بمسار الأحداث التي تشهدها مصر. ولكن من الواضح أن الانتفاضة الجماهيرية الحالية هي الأضخم والأعم والأشمل في عهد الرئيس حسني مبارك المديد من أكتوبر 1981، أي على امتداد ثلاثة عقود. غالبية المحتجين هم من الشباب الذين لم يعرفوا في حياتهم سوى حاكم واحد وحزب حاكم واحد، في ظل قمع مديد، واستبداد شامل، وإفقار وإذلال. هؤلاء الشباب هم جسم الحركة الجماهيرية الأساسية. هؤلاء واعون لما يجري ولا ينطلي عليهم الإعلام الغبي المعلب. فالإعلام الإليكتروني يكسر الحصار الإعلامي. وكما طرح أكثر من متحدث منهم، فليس لديهم ما يخسرونه. وكما في الانتفاضة التونسية فمن الصعب على القيادات السياسية المعارضة أن تتحكم بالحركة الجماهيرية أو تساوم عليها. الحركة الجماهيرية كما في تونس ستفرز قياداتها. الانتفاضة الجماهيرية مرشحة للاستمرار وهي ليست كسابقاتها. وحتى لو استطاع النظام قمعها بالقوة المفرطة ونهر الدماء، فقد شقت طريقا لا رجعة عنه.

ليست هناك تعليقات: