18 فبراير 2011

عُمان: مظاهرة الجمعة تنجح في تحقيق أهدافها برغم اندساس الأمن وكذب الإعلام

سالم آل تويّه

    وسط حضور كثيف لعناصر الأمن والشرطة أقام العُمانيون مساء هذا اليوم المظاهرة السلمية التي أطلقوا عليها "المسيرة الخضراء 2" بعد دعوات اتسع نطاقها ليشمل أطيافًا مختلفة من الشعب. وانطلقت المظاهرة في الثالثة مساء بعدد بلغ قرابة 200 متظاهر. ويبدو أن تضاربًا في التوقيت جعل الأكثرية تتأخر إلى حوالى الساعة الرابعة ليزيد العدد بعد ذلك ويبلغ قرابة 1200 متظاهر.
    وقد ساد المظاهرة سوء التنظيم واندساس عناصر أمنية بملابس مدنية استشعرت لجنة التنظيم استفزازها وتمالك عدد من المشاركين الاصطدام بها.
    وبرغم أن أهداف المظاهرة أعلنت منذ أيام، وكلها تنصب في إصلاح النظام ومحاربة الفساد والفقر والبطالة وزيادة الرواتب وتحسين أوضاع الشعب عمومًا، إلا أن كثيرًا من المشاركين قالوا إن الأمن العُماني لعب لعبته ونجح في حرف المظاهرة عن هدفها الأساس بدس عناصره الذين قال أكثر من مراقب أن عددًا كبيرًا منهم شارك في المظاهرة بلافتات تمجد السلطان ليخيَّل للعالم أن المظاهرة أقيمت لهذا الغرض وليس بسبب تفاقم الأحوال السيئة في البلاد وإهانة كرامة المواطن واستشراء الفساد وبلوغه مبلغًا مخيفًا مستنزفًا ثروات الوطن. 

    وما عزز لعبة الأمن المحتالة هذه الخبر الذي بثته وكالة الأنباء العُمانية بعد المظاهرة، إذ أبعدت المظاهرة عن مطالبها الأساس بالإيهام بأنها مظاهرة تأييد للسلطان: "مسقط في 18 فبراير/العمانية/ نظم عدد من المواطنين معظمهم من الشباب أمام حي الوزارات بالخوير مساء اليوم مسيرة شارك فيها نحو 300 مواطن رافعين لافتات مؤيدة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم/ حفظه الله ورعاه/. كما تقدم المشاركون في المسيرة ببعض المطالبات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية". وهو ما اعتبره عدد من المتظاهرين نيلًا من أهدافهم وانتقاصًا منهم وتشويهًا وتحريفًا للحقيقة، لاسيَّما أنهم كانوا قد ردَّدوا خلال المظاهرة هتافات تندد بالإعلام وتطالب بحريته. وقال بعض المشاركين في المظاهرة تعليقًا على خبر وكالة الأنباء العُمانية إنه يهزأ بهم ويخلو من المصداقية ويكذب حتى فيما يتعلق بالعدد ويسعى إلى تقليله كي لا يزيد خلال المظاهرات المقبلة، ويحصر المظاهرة في إطار ما تشهده المناسبات الإجبارية التي تحشد لها مكاتب الولاة كل ما يُلمِّع الصورة ويُبرِّقها برغم أن الصورة اهترأت منذ زمن طويل ولا يمكن ترميمها قطّ.
    وردد المتظاهرون هتافات تطالب بمحاسبة الفاسدين مثل الوزيرين "مكي" و"مقبول"، ورددوا قائلين: لا لا للفساد، الشعب يريد إصلاح النظام، لا لا للإعلام الجبان، وشعارات وهتافات أخرى مطالبة بحرية التعبير والمجتمع المدني. وقال آخرون إن حصر اسمي "مكي" و"مقبول" كل مرة يعطي انطباعًا سيئًا ليس في صالح المتظاهرين قد يفسر بأنه تمييزي عرقي، فالواجب –حسب قولهم- ذكر أسماء الوزراء والمسؤولين الآخرين أيضًا المتهمين بالفساد.
    وتراوح المتظاهرون بين عدة اتجاهات علا فيها صوت الإسلاميين أحيانًا على حساب إقامة مجتمع مدني يطالب بالحرية والمدنية وإطلاق جميع الحقوق ومحاربة كل الانتهاكات.

    وصرَّح بعض المنظمين أن الأمن نجح قبل المظاهرة في شق صفوفهم حيث انقسموا قسمين بعضهم لم يحضر المظاهرة وبعضهم الآخر أصر ولم يصغ لمطالب الأمن. وقال نبهان الحنشي أحد منظمي المظاهرة إن ضابطًا من الشرطة برتبة عقيد طلب منه أن يحدثه والمنظمين الآخرين على انفراد لكنه أصر على أن لا يجري أي نقاش إلا بحضور المشاركين الآخرين وليس على انفراد. وأضاف نبهان الحنشي أنه خلال المظاهرة استُفزَّ من قبل بعض المشاركين المريبين. وأيد قول الحنشي مشاركون آخرون تعرضوا للموقف نفسه.
    وقال سالم الكندي المعروف باسم عميد المظلومين إنه تلقى استدعاءات مزعجة عديدة من الجهات الأمنية لكنه لم يستجب لها. وحاول بعض عناصر الأمن الاتصال ببعض المشاركين والكتاب لإثنائهم عن حضور المظاهرة.
    وجابت المظاهرة الشارع الأمامي لوزارة الإسكان ووزارة النفط وصولًا حتى ما يعرف بدوَّار شارع الثقافة. وفي أثناء عودتها حدث ما يؤكد أغلب المشاركين أنه أمر متعمد قامت به عناصر الأمن المدسوسة في صفوفهم، حيث أصرَّ بعضهم على خروج المظاهرة إلى الشارع العام المزدحم بالسيارات، الأمر الذي استنفر قوات الأمن العسكرية لتتراص مانعة إيَّاهم. وقال مراقبون إن عناصر الأمن المدسوسين بملابس مدنية أرادوا إحداث بلبلة وتعطيل المظاهرة عن الاستمرار وتخويف المشاركين فيها وأولئك الذين يريدون الانضمام إليها. وهكذا انقسم المتظاهرون إلى مجموعتين: واحدة تريد التوجه نحو الشارع العام وأخرى تدعو بمكبرات الصوت لمواصلة المظاهرة باتجاه خطها المرسوم منذ البداية، خاصة أن منظميها أعلنوا قبل بدئها ضرورة عدم إخراجها عن سلميتها ومطالباتها المشروعة.
    ويرى مراقبون أن المظاهرة برغم ما اعترضها من محاولات تشويه حققت هدفها وأوصلت مطالبها إلى الحكومة، وكسرت حاجز الخوف الذي اعترض طريق المواطنين زمنًا طويلًا، واعتبروها مقدمة للمزيد من المظاهرات التي ستخرج خلال الفترات القريبة المقبلة، إذ إن الاستمرار في انتهاك حقوق المواطنين وعدم تنفيذ مطالبهم كفيلان باستمرار التظاهر وبأعداد ستزيد كل مرة حتى تبلغ الآلاف ليس في العاصمة مسقط فقط بل في جميع ربوع البلاد.
    وفي ختام المظاهرة ساد الارتباك مجدَّدًا بين مؤيد ورافض لما أطلق عليه بعض المنظمين "عريضة" ترفع إلى السلطان قابوس، فقد رأى المعارضون أن هذا الأمر سيحسب على المظاهرة وليس لها، إذ سيتطلب الانتظار واحتمال البيروقراطية والممطالة المعتادتين من قبل المسؤولين. وقام أحد المنظمين بقراءة قرابة عشرين مطلبًا تضمنتها "العريضة" تتعلق بتفعيل دور مجلس الشورى وزيادة المخصصات المالية لبعض الكليات الحكومية وزيادة عدد الجامعات ومطالب أخرى حملتها لوحات المظاهرة وهتافاتها. وأمهل قارئ العريضة السلطات الأمنية حتى يوم الأربعاء المقبل لتسليمها إلى وزير الديوان السلطاني ليقوم بإيصالها إلى سلطان البلاد وإبلاغ المنظمين بذلك وإلا –حسب قول قارئ العريضة- فإن "المسيرة 3" ستنطلق يوم الجمعة المقبل وفي أماكن حسَّاسة هذه المرة.

ليست هناك تعليقات: