سعود عبدالله الزدجالي
في كتابه البراجماتية بيّن وليم جيمس موقف أصحاب النزعة العقلية من الفيلسوف الإنجليزي هربرت سبنسر؛ بسبب غموضه حسبما يدّعون، ومزاجه الجاف والرتيب الممل الذي يشبه إلى حد التطابق نغمة الآلة الموسيقية التي تدار باليد على وتيرة واحدة، وللغموض الذي يكتنف كلَّ أفكاره، ولكن على الطرف الآخر من هذا الموقف؛ فإن نصف إنجلترا تريد دفنه حال موته في كنيسة ويستمنسر كحال غيره من العظماء.
علام يستحق هذا التبجيل كله من الجماء الغفير رغم ما نُعت به من العقليين؟ (المذهب العقلي عند الفلاسفة هو المذهب الذي يقابل المذهب التجريبي الذي يعتمد الحواس في العلم).
وللإجابة عن هذا التساؤل المنولوجي الذي قد اعتلج فينا لتوه؛ فإن صاحب البراجماتية يرى أن ضجيج الحقائق والوقائع كان يصلصل مدويا في كتاباته، وهذا القرب من الواقع هو السبب الرئيس لهذا التبجيل والاحترام ليثوي بعد موته في كنيسة من الكنائس.
أحيانا كثيرة كنا نحاول البحث لاهثين عن هذه الوقائع والحقائق؛ حينما جلسنا أمام شاشات التلفزة؛ لنشاهد مذيعا أو آخر يثرثر كعادته يلوك بعض الكلمات التي ظاهرها الرحمة والوطنية وباطنها التزلُّف والبعد عن الموضوعية والشفافية، إنه - كغيره ممن يدبّج الرسائل القصيرة يرسلها في الآفاق يعلن وطنيته وولاءه الذي لا نعرف شيئا عن حقيقته فالقلوب بيد الرحمن- لا يحس بنبض الشارع تماما كالكاميرا التي يجلس أمامها، حيث كان الطرح في كل جوانبه أبويا متعاليا يبوح بما حدث من تخريب، بعد الاعتصامات والمجموعات الاحتجاجية بالاصطلاح الذي تداولناه كعادتنا في كل حادثة ننحت مصطلحات خاصة ربما تشبع خوفنا النابض في قلوبنا من القادم.
وكان المذيع أو الآخر في كل مرة يحاور عن التخريب، وما آل إليه الأمر من خراب، وهو مخالف للوطنية والقيم الأصيلة في المجتمع، وكيف يحدث؟ وأين المسؤولية؟
وكنا ننتظر منهم أن يناقشوا بكل شجاعة وشفافية، ويسائلوا أنفسهم وغيرهم ممن يحاورون ما الأسباب التي كانت وراء التخريب والاحتقان؟ لقد كانت الاحتجاجات والاعتصامات مسالمة إلى أبعد الحدود، يكفلها القانون، وتستظل بحلم القائد المفدى وحكمته البعيدة الآفاق؛ ولكن... لعلي أجيب عن شيء مما يكمن وراءه؛ إننا إذا اقتربنا منه فما هو إلا ردة فعل انتقامية ممن شاهد مشهدا دمويا مريعا مخيفا، فأنت أيها الأمنُ تملك القوة والسلاح وبجانبهما لا بد أن تملك الحلم والأناة، أما الآخر إذا خلا منهما فلا مضرة في تصرفاته ولكنك إن خرجت من دائرتهما فالعاقبة وخيمة مروعة.
وما التخريب للمنشآت العامة والخاصة أمام قطرة دم من مواطن عماني واحد؟ لعمرك لن تستطيع أن تجد ميزانا إلهيا أو بشريا يستطيع الموازنة والمقارنة، إذا انتهكت حرمة الدم فقد انتهكت البشرية في تاريخها كله، وروح المواطن العماني أغلى من تخريب في منشأة أو أخرى، ومن هنا كان لا بد من تقديم شيء من الإجلال والاحترام لأرواح من فقدناهم من شبابنا ربما كانوا في سبيل البحث وراء الحياة، وربما لو أننا تأملنا الموقف وتريثنا لكان هذا المقتول من الخمسين ألفا الذين سيعملون من أجل عمان الغالية.
إنني أوجه السؤال إلى من أطلق النار فقتل مواطنا بريئا هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما". إن الدماء مقدسة محرمة في الشرع والقانون، محاطة بسياج قوي لا يهتك ستره أبدا، إن هذه الخطوة المقيتة لم تكن مسؤولة أبدا ولم تتعلم من أبجديات الأحداث في بقاع أخرى، وكانت متعسفة بعيدة عن العقلانية وحسن إدارة الأزمة، ولاسيما أن الفكر السامي بعيد كل البعد عن هذه النظرة المشؤومة الدامية، يحيط به الحلم والأناة والحكمة من كل جوانبه كما أسلفنا.
إن الشباب المعتصم والمحتج إنما هو شخص القائد المفدى، ومن تراب الوطن وجزء لا يتجزأ من هذا البناء الشامخ وانتهاكه انتهاك لذلك كله، إن نبض الشارع في الأحداث الماضية إنما هو نتاج البناء والتعليم للمواطن العماني الذي أصبح قادرا على المساءلة والمشاركة في الحكومة، وهو نبض يكاد يتوحد مع نبض مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان المفدى حفظه الله ورعاه، حيث أشار في كل خطاباته إلى ضرورة مكافحة الفساد والمحاسبة؛ لذا فلا بد إذن من تغيير كثير من المسارات ولا بد من كشف الكواليس لنبصر عن قرب السيناريوهات الحقيقية التي تتعلق بالذين يعملون لمصالحهم الشخصية، وتركُ الفساد يستشري أو إنكاره بعيدا عن الشفافية؛ يؤدي بنا إلى داء عضال لا يمكن علاجه البتة.
لا بد من مراجعة كثير من الأمور ومراقبتها، ولا بد من مساواة المواطنين في الواجبات والحقوق والعطاءات ومنح الأراضي التي لا بد من فتح ملفاتها، ومساواة المواطنين في الوظائف وحقوقهم، كل ذلك في ظل استقلال القضاء وبناء المؤسسات.
إنني على يقين شديد غاية في التطرف أن هؤلاء الشباب الذين كانوا ينعتون في كثير من الأحيان بالغوغاء من الآخرين أو بعضهم الذين كان دورهم يقتصر على تدبيج الرسائل القصيرة والانتقاص منهم وتهويل المواضيع وكأننا في مأزق حضاري – على درجة عالية من الوطنية والمسؤولية
آن الأوان للقراءة الصحيحة والواقعية للأحداث بعيدا عن السوداوية المقيتة فلنتعمق بين السطور لنكون أكثر نقاء وشفافية ووطنية لنبصر الشمس البعيدة وسط الظلام...
علام يستحق هذا التبجيل كله من الجماء الغفير رغم ما نُعت به من العقليين؟ (المذهب العقلي عند الفلاسفة هو المذهب الذي يقابل المذهب التجريبي الذي يعتمد الحواس في العلم).
وللإجابة عن هذا التساؤل المنولوجي الذي قد اعتلج فينا لتوه؛ فإن صاحب البراجماتية يرى أن ضجيج الحقائق والوقائع كان يصلصل مدويا في كتاباته، وهذا القرب من الواقع هو السبب الرئيس لهذا التبجيل والاحترام ليثوي بعد موته في كنيسة من الكنائس.
أحيانا كثيرة كنا نحاول البحث لاهثين عن هذه الوقائع والحقائق؛ حينما جلسنا أمام شاشات التلفزة؛ لنشاهد مذيعا أو آخر يثرثر كعادته يلوك بعض الكلمات التي ظاهرها الرحمة والوطنية وباطنها التزلُّف والبعد عن الموضوعية والشفافية، إنه - كغيره ممن يدبّج الرسائل القصيرة يرسلها في الآفاق يعلن وطنيته وولاءه الذي لا نعرف شيئا عن حقيقته فالقلوب بيد الرحمن- لا يحس بنبض الشارع تماما كالكاميرا التي يجلس أمامها، حيث كان الطرح في كل جوانبه أبويا متعاليا يبوح بما حدث من تخريب، بعد الاعتصامات والمجموعات الاحتجاجية بالاصطلاح الذي تداولناه كعادتنا في كل حادثة ننحت مصطلحات خاصة ربما تشبع خوفنا النابض في قلوبنا من القادم.
وكان المذيع أو الآخر في كل مرة يحاور عن التخريب، وما آل إليه الأمر من خراب، وهو مخالف للوطنية والقيم الأصيلة في المجتمع، وكيف يحدث؟ وأين المسؤولية؟
وكنا ننتظر منهم أن يناقشوا بكل شجاعة وشفافية، ويسائلوا أنفسهم وغيرهم ممن يحاورون ما الأسباب التي كانت وراء التخريب والاحتقان؟ لقد كانت الاحتجاجات والاعتصامات مسالمة إلى أبعد الحدود، يكفلها القانون، وتستظل بحلم القائد المفدى وحكمته البعيدة الآفاق؛ ولكن... لعلي أجيب عن شيء مما يكمن وراءه؛ إننا إذا اقتربنا منه فما هو إلا ردة فعل انتقامية ممن شاهد مشهدا دمويا مريعا مخيفا، فأنت أيها الأمنُ تملك القوة والسلاح وبجانبهما لا بد أن تملك الحلم والأناة، أما الآخر إذا خلا منهما فلا مضرة في تصرفاته ولكنك إن خرجت من دائرتهما فالعاقبة وخيمة مروعة.
وما التخريب للمنشآت العامة والخاصة أمام قطرة دم من مواطن عماني واحد؟ لعمرك لن تستطيع أن تجد ميزانا إلهيا أو بشريا يستطيع الموازنة والمقارنة، إذا انتهكت حرمة الدم فقد انتهكت البشرية في تاريخها كله، وروح المواطن العماني أغلى من تخريب في منشأة أو أخرى، ومن هنا كان لا بد من تقديم شيء من الإجلال والاحترام لأرواح من فقدناهم من شبابنا ربما كانوا في سبيل البحث وراء الحياة، وربما لو أننا تأملنا الموقف وتريثنا لكان هذا المقتول من الخمسين ألفا الذين سيعملون من أجل عمان الغالية.
إنني أوجه السؤال إلى من أطلق النار فقتل مواطنا بريئا هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما". إن الدماء مقدسة محرمة في الشرع والقانون، محاطة بسياج قوي لا يهتك ستره أبدا، إن هذه الخطوة المقيتة لم تكن مسؤولة أبدا ولم تتعلم من أبجديات الأحداث في بقاع أخرى، وكانت متعسفة بعيدة عن العقلانية وحسن إدارة الأزمة، ولاسيما أن الفكر السامي بعيد كل البعد عن هذه النظرة المشؤومة الدامية، يحيط به الحلم والأناة والحكمة من كل جوانبه كما أسلفنا.
إن الشباب المعتصم والمحتج إنما هو شخص القائد المفدى، ومن تراب الوطن وجزء لا يتجزأ من هذا البناء الشامخ وانتهاكه انتهاك لذلك كله، إن نبض الشارع في الأحداث الماضية إنما هو نتاج البناء والتعليم للمواطن العماني الذي أصبح قادرا على المساءلة والمشاركة في الحكومة، وهو نبض يكاد يتوحد مع نبض مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان المفدى حفظه الله ورعاه، حيث أشار في كل خطاباته إلى ضرورة مكافحة الفساد والمحاسبة؛ لذا فلا بد إذن من تغيير كثير من المسارات ولا بد من كشف الكواليس لنبصر عن قرب السيناريوهات الحقيقية التي تتعلق بالذين يعملون لمصالحهم الشخصية، وتركُ الفساد يستشري أو إنكاره بعيدا عن الشفافية؛ يؤدي بنا إلى داء عضال لا يمكن علاجه البتة.
لا بد من مراجعة كثير من الأمور ومراقبتها، ولا بد من مساواة المواطنين في الواجبات والحقوق والعطاءات ومنح الأراضي التي لا بد من فتح ملفاتها، ومساواة المواطنين في الوظائف وحقوقهم، كل ذلك في ظل استقلال القضاء وبناء المؤسسات.
إنني على يقين شديد غاية في التطرف أن هؤلاء الشباب الذين كانوا ينعتون في كثير من الأحيان بالغوغاء من الآخرين أو بعضهم الذين كان دورهم يقتصر على تدبيج الرسائل القصيرة والانتقاص منهم وتهويل المواضيع وكأننا في مأزق حضاري – على درجة عالية من الوطنية والمسؤولية
آن الأوان للقراءة الصحيحة والواقعية للأحداث بعيدا عن السوداوية المقيتة فلنتعمق بين السطور لنكون أكثر نقاء وشفافية ووطنية لنبصر الشمس البعيدة وسط الظلام...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق