02 مارس 2011

عُمان العهد الجديد

محمد السناني

"ما أبهى النضال
وأقبــح الراحــة"
سعدي يوسف

         ها قد ولت الأربعون عاماً من النهضة الموهومة المزعومة بكل أسفارها المزورة للتاريخ والنهضة والإنسان، بكل صمتها وخنوعها، وبلغت رائحة الياسمين التونسي أرضَ عُمان، ليفتتح العهد الجديد على يد الإنسان العماني الحر الناضج المطالب بالحق التاريخي باستعادة وطنه المستباح من يد الطغمة الفاسدة ومنظوماتها السرطانية. وها هي مسقط وصحار وظفار وصور والمدن العمانية تنضم إلى أخواتها الحرة العربية: سيدي بوزيد، السويس، القاهرة، الإسكندرية، عدن، بنغازي... إلخ ناهضة نافضة عنها غبار الذل وكاسرة طوق العزلة والصمت إلى الأبد.

     آن أوان النهضة الحقة، والدولة المدنية الحقيقية بمؤسساتها المدارة من قبل رجال ونساء وطنيين شرفاء، العاملين وفق دستور تعاقدي يُشرك المواطنين جميعاً في بناء الوطن المبتغى. وآن أوان محاربة الفساد المستشري في جسد الوطن، ومحاسبة المفسدين واحداً واحداً.

      لن يقبل مواطنٌ عمانيٌ واحدٌ بعد اليوم أن يتحدث أحد باسمه، مصادراً صوته ووجوده وحقه في التعبير والرفض. بلى، لقد رفعت الغشاوة عن أعين الشعب العماني، بعد ما شاهده من قمع للمتظاهرين الشرفاء في صحار، وما رافقه من اعتقال وقتل ووحشية. فهذا النظام المدار من قبل الوزراء الفاسدين الممثلين لأكثر النماذج قتامة لتحالف المصالح والسلطة قد انتهت شرعيته تماماً عند الشعب العماني. وما تعطيل السلطان قابوس للمرسوم الصادر بتاريخ 26 فبراير والقاضي بتعديل وزاري، وما هو إلا لعبة كراسي مفضوحة، إلا خطوة أولى على طريق الإصلاح والمحاسبة، الواجب على السلطان الاستمرار فيها، مصغياً لصوت الشعب ومطالبه العادلة في دستور تعاقدي حر يضمن المشاركة الشعبية في بناء الدولة، ومنح مجلس الشورى صلاحياتٍ واسعةً، ومحاربة الفساد واجتثاث كل بؤره وجحوره وأوكاره المتمثلة في زمرة فاسدة معروفة من الوزراء.

      إن دم الشهداء الذي سفك في صحار سيروي ويغذي عروق الروح الوطنية العمانية الطامحة لاستعادة كيانها وكينونتها. وإن الشعب العماني بأسره ليتضامن مع أسر الشهداء، داعياً إلى محاسبة المتسببين في العنف، رافضاً في الوقت ذاته كل مظاهر التخريب التي مارستها فئة لا تمثل الشعب العماني وأسس التظاهر والحوار الإنساني الرفيع.

      إن المطالبة بالإصلاحات الفورية قد تأخرت وأخرت حركية التطور والنماء في عُمان، حيث استحكمت أجهزة الإظلام والتعتيم الرسمي، وما زالت، في إظهار صوتٍ وهمي متهافت، يتشبث بالولاء المزيف، وتعزيز ثقافة القطيع والسير على خطى القائد الملهم الذي استحمل وتحمل إدارة بلادٍ موغلةٍ في التاريخ والتعددية والاختلاف، ليجعلها صوتاً وجسداً لا يمكن له أن يتوافق والتطلعات لشعب بكامله، مما خلق خللاً بنيوياً هائلاً، تمثل في استشراء روح الفردية في اتخاذ قرارات وخطوات كان من شأنها إصابة روح الدولة المدنية في مقتل. حيث اختصر المشروع النهضوي على مناقصاتٍ ومشاريعَ بعشرات المليارات أتخمت كروشاً وجيوباً، لم تكمل حتى الآن البنية التحتية للدولة!!

      ناهيك عما تسببت فيه النهضة المزعومة من تفكيك لبنى المجتمع الثقافية والحضارية والإنسانية، حيث حاولت منظومة الحكم العمانية تقديم صورةً مشوهةً عن الإنسان العماني، من حيث مسالمته المبالغ فيها حتى الخنوع، وتبعيته المطلقة للنظام القائم، ونسيانه لماضيه بكل طبقاته وتراكماته وتعاقبه، وحاضره بكل همومه وانشغالاته، ومستقبله بكل تطلعاته ورؤاه، مسجوناً في لحظته الآنية الهشة المتذبذبة بين مطالب خدمية مؤجلة ومكرمات وهبات سامية، امتهنت روح المواطنة لديه
 
      أما الآن، وفي هذا المنعطف التاريخي الذي استلهم منه العمانيون روح ونضال الشعبين التونسي والمصري العظيمين، فقد انكفأ الصمت وافتتح الأفقَ المغلقَ رجالٌ ونساءٌ صدقوا الوطن ما عاهدوا، ولن يقبلوا بسوى الحق والعدالة والمواطنة بديلاً.

      رحم الله الشهداء وطهر بدمائهم الزكية أوطان الإنسان العربي. وعلى خطاهم الحرة الواسعة نسير، من أجمل الشهداء سيدنا ومولانا محمد البوعزيزي، أيقونة الثورات العربية، إلى أولهم على أرض عُمان الشهيد عبدالله الغملاسي.

عاشت عُمان وعاش أحرارها.

28/2/2011م
مسقط

هناك تعليق واحد:

منصورة يقول...

رحم الله شهداءكم يا سيدي الفاضل، وأكرمهم وإيانا بكرامات انتفاضتهم الغاضبة ضد الظلم والتبعية لغير الله..
...
المقال مؤثر للغاية، وشديد القوة أيضا. أتمنى أن يصل لأكبر عدد ممكن من العمانيين للمشاركة في التظاهرات.. نصركم الله :)