17 مارس 2011

ما حدث في عبري

               عادل الكلباني

      المأساة التي حدثت في عبري إذا جاز أن نطلق عليها هذا الاسم كتنديد واحتجاج يطلقه الكثيرون، القابعون وراء بيوتهم الذين لا ينقصم شيء من زاد ومال ويراقبون الأحداث عن بعد ثم يكيلون الاتهام والشتائم والألفاظ النابية عن بعد كذلك، ويزجون بكثيرين لم يكونوا سعاة حرق وتخريب بل  كانوا ينادون بحقوق لهم مجهضة ولم يعترف بها المجتمع طيلة السنوات التي مرت، دون اهتمام بهم أو بمطالبهم البسيطة جدا كتوفير وظائف ينادون بها للعيش الكريم دون مذلة أو أذى من أحد، المظاهرات أو الاحتجاج أو الاعتصام، وهذه مفردات كفلها النظام الأساسي للدولة كحق لكل مواطن على ما تراه العين من وضع غير صحيح لتقييمه وتركيب الصورة بكل بساطة دونما بهرجة أو تلميع أو تزييف كي تشرق  بالضياء والنضج  وما تلمسه الأيدى من قهر وفقر ومعاناة للفقراء الذين دائما يسحقهم الآخرون تطبيقا للغاية التي تبرر الوسيلة، ما حدث في عبري - بلادي العزيزة على القلب - كانت بدايته مشروعة للمتظاهرين الذين أحسوا بأن كل شيء بدأ يتغير وأن الزمن يبزغ بفجر جديد، وأن الكبت والاضطهاد ومصادرة الرأي والفكر سواء من الناس الذين لا يفكرون إلا بأنفسهم ويساومون الآخرين بالوطنية والرجولة، وهم بعيدون عن الوطن وأهله إلا عما يخدم مصالحهم الخاصة، أين كان هؤلاء – العظماء –  بالوهم طبعا من الحديث عن مطالب الناس والسعي إلى الوقوف بجانب البسطاء وتذليل حوائجهم عند أولي الأمر سابقا، هم فقط الرقم الصحيح – كما يزعمون- في معادلة منقوصة الوزن من الفقراء حصيلتها كما قال السيد المسيح (ما يجديك نفعا إذا ربحت العالم وخسرت نفسك)، أو من الإعلام الذي  استمرأ لمدة أربعين عاما على حال يرثى لها، هذا الإعلام والتعليم والمجتمع والمثقفون – بمن فيهم نحن الذين نتشدق بالثقافة- يجب أن يتحمل الكل  المسؤولية عن الانفجار الذي حدث، فالإعلام الذي كبت طوال هذه العقود حرية الرأي ولم يقدم لعمان الحضارة، عمان التي فوق الجميع إلا الإصرار على إعادة البلد إلى الوراء وكأننا ما زلنا في عصر السبعينيات وأن هذا الشعب غير ناضج لتحمل المسؤولية وإعطائه الدور الذي يستحقه بما فيه من كادر بشري أصيل محب لأمته، وظل على الموال إياه، على مونولوجه الخاص والعزف على سيمفونية رثة مهلهلة أنتجت ما نراه الآن من غليان، ناهيك عن كارثة التعليم الذي إن لم يتم تغييره وإعادة بناء المنهج التعليمي بالكامل - وهذا ما نأمل أن نرى تفعيله من الوزيرة الجديدة - فإن هذا الوطن عليه السلام.
***
لو كانت هنالك منظومة تعليم حقيقية تراعي العقول ومصلحة الوطن لتخريج الكفاءات وأصحاب الخبرات وتقديم الدعم العلمي والمادي والمعنوي لهم وتسهيل العقبات في سبيل العلم الذي سيكون مردوده بالتالي حصن الوطن والشعب، ولو كان هنالك إعلام حر يعرف المجتمع بماله وما عليه من حقوق وواجبات وصحافة نزيهة إذا قدمت أدلة دامغة ضد مسؤول في البلد تورط في اختلاس المال العام أو فساد إداري في المهام الموكولة إليه لتتم محاسبته ومحاكمته أمام الشعب بشفافية وعدالة وإحالته إلى القضاء النزيه طبعا لمعاقبته واسترداد المال المنهوب.
ولو كانت هنالك ثقافة وعي ينطلق منها المواطن في مجتمعه وأسرته وبين أصدقائه في المدرسة أو الجامعة لما حدث للأسف الشديد تخريب وحرق في المجتمع، وصب الغضب والقهر على الممتلكات العامة والخاصة، والذي ندينه ولا نقره أبدا حيث لا يرضى إنسان عاقل أن يقوم بحرق بيته أو الإضرار بممتلكاته، لأن ذلك يحيد عن المطالب المشروعة إلى تجريم وإدانة واحتجاج من المجتمع عامة، وهذا ما حدث في ولاية عبري، حيث إن الأكثرية لم تكن لديها النية في الشروع بمثل هذا التشويه الذي قامت به فئة قليلة سلبيتها الخطيرة أفقدتها سند  الناس المتعاطفين معها.
***
     في بعض المظاهرات السلمية التي حدثت في عبري طالب شبابها بإسقاط الشيوخ الذين تصرف لهم موازنة ضخمة من ديوان البلاط السلطاني، فأكثرهم لا يعرف حتى القراءة والكتابة ويصرف له راتب شهري من وزارة الداخليه (500) ريال عماني. ولو كان على الراتب لهان الأمر ولكن يصرف لكل شيخ قبيلة سنويا ما يقارب من عشرين إلى خمسين ألف ريال عماني + سيارة لكزس استيشن أو لاندكروزر ويتبجح أكثرهم بذلك دون حياء أو خجل أمام المعوزين والفقراء، وهذا ما يراه الشعب بعيونه المجردة من العماء والرمد، كأن هؤلاء الشيوخ المصروف لهم كل هذا المال - ليس عن جدارة واستحقاق - اخترع أحدهم الذرة أو اكتشف للجاذبية قانوناً آخر فماذا لو كان في السلطنة أكثر من عشرة آلاف شيخ؟! الله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. إن كانت الحكومة تداريهم خوفا منهم من جماعتهم سابقا ومحاولة إكرامهم على حساب المال العام، في هذه الفترة خاصة سقط هؤلاء ولم يعرهم أحد اهتماما فلم يقل أحد من المتظاهرين أو من المعتصمين إنه سيأخذ الإذن من شيخه للخروج. أكاد أجزم أن أكثرهم لا يعلم ما يحدث في عمان.  لنجر استفتاء على الشعب إن كان أحد منهم لا يطالب بإسقاطهم وتخليص البلد من إهدار المال العام لهم وتحويلها إلى ما ينفع الوطن في شبابه الذي لن يرتفع الوطن إلا بهم، وإذا لم يتم تفعيل هذا المطلب فعلى الأقل يجب من الآن فصاعدا -وهذا نداء نقدمه نحن المثقفين إلى السلطان- حجب هذه الإكراميات والمنح الباذخة الباهضة على ميزانية العامة للدولة للصالح العام.
***
رسالتي الأخيرة أوجهها إلى معالي وزير الإسكان، لماذا بالذات تم حرق إدارة الإسكان الذي كما قلنا لا نقره ولا ندينه، ونشجب هكذا تصرف غير مسؤول وغير مقبول والذي قامت به فئة غير محسوبة على  المتظاهرين الذين خرجوا بمطالب مشروعة ومسموح بها، كنقل كل الموظفين من مديرهم العام حتى أصغر موظف من عبري وتوزيعهم على مختلف ولايات السلطنة، وإلغاء رسوم الملكيات للنساء، وفتح  تحقيق مع الموظفين بالأسباب التي أدت إلى أن تصل كراهية بعض الناس إلى فعل الحرق دون باقي الإدارات في الولاية، لأن هنالك وكما يقول الكثير من المواطنين فساد إداري متفش في هذه الإدارة منذ سنين، فلماذا لا يقوم معاليكم بتطبيق مبدأ التنقلات للموظفين مثلما يفعل جهاز الشرطة بأفراده وضباطه، بحيث ينقل الموظف إلى إدارة أخرى خارج حدود الولاية لمدة أربع سنوات، ثم ينقل بعدها إلى ولاية أخرى بنفس المدة، عل ذلك يحد من ظاهرة الفساد الإداري الذي دائما مثار جدل وخلاف في ولاية عبري لهذه الإدارة بالذات، وكذلك نطالب معالي وزير البلديات الإقليمية وموارد المياه  والوزارات الخدمية الأخرى إذا أمكن تطبيق نظام التنقلات المعمول به في نظام الشرطة كمقترح لتحسين الوضع العام والحد من ظاهرة الفساد الإداري الذي يطالب به المواطنون.

ليست هناك تعليقات: