15 أبريل 2011

قصائد لأحمد منصور الشاعر الإماراتي المعتقل

من مجموعته الشعرية الأولى "أبعد من عدم"

 
في سبعةِ أيام

يومٌ أوَّل:

بيدي
حفرتُ حفرة صغيرة
وضعت في الحفرة إناءً
وملأت الإناء بالماء.
أمام الإناء،
مهّدت الأرض،
وعلى جنباته،
غرست حجارة ناتئة.

 خلف الأرض الممهدة،
كومت كثبانا
وخلف الكثبان،
خبّأت سرِّيَ.




يومٌ ثانٍ:

من سِرِّيِ،
صنعتُ غيومًا صغيرةً،
ونثرتُها فوقَ الحجارةِ والماءِ والسُّهوب.

خلفَ الغيومِ
ألصقتُ نجومًا صغيرةً وقمرًا وحيدًا.

نفختُ في المشهدِ برقَّة؛
سَرَتُ رعشةٌ خفيفةٌ فيه،
فثبتت النَّفخةَ في الجبين.




يوم ثالث:

بين الحجارة الناتئة والماء،
شققت بعض الأخاديد،
ومن إحداها،
أوصلت قنالين الى السهوب والكثبان.
وبدون عناية شديدة،
حفرت بقعا متفرقة في المكان.

حول الحجارة الناتئة والبقع،
نثرت هشيم الأعشاب والطحالب،
ثم غرست أعواد قصب حولها.

كررت ذلك،
وتركت الكثبان تستوعب النفخة.


يومٌ رابع:

قرب الماءِ
بنيتُ كوخًا من الأعواد.
للكوخِ نافذةٌ في كلِّ جهة،
ولسانٌ على الماء.

في الدَّاخلِ
وضعتُ أريكةً لشخصينِ وموقدًا وحيدًا.

للماءِ،
صنعتُ قاربًا بشراعٍ،
وشددتُ القاربَ في اللِّسان.



يومٌ خامس:

أصلحتُ خطأ في غيمةٍ وعطبًا في قنال.

قلَّمتُ حوافَّ الأعوادِ،
ورتَّبتُ بعضَ الجداول.

بين أعوادِ القصب،
أنزلتُ عاشقينِ،
وغلَّفتُ المشهدَ بعتمةٍ شفيفةٍ.


فوق العاشقينِ،
 أمطرتُ الغيوم.
وعبر السُّهوب
جرتِ الوديانُ من الجبالِ النَّاتئة،
وامتلأتِ الجداولُ بالماء.

أعوادُ القصبِ اخضرَّتْ
واهتاج هشيمُ الأعشاب،
وتبرعمتِ الطَّحالبُ على البِرك.

النَّفخةُ أخذتْ تلهو،
فأنجبتْ ريحًا تدغدغ الشِّراعَ المسدل عند اللِّسان.


يومٌ سادس:

العاشقان لاذا بالكوخ،
جلسا على الأريكة قبالة البحر
وأشعلا الموقد،
والقُبل.



يومٌ سابع:

بقيتْ شمسٌ؛
سأضيفُها،
ريثما يفرغ العاشقان،

من القُبلة.
Feb 06




البحَّارُ والأرض

البحَّارُ المتعبُ
غرس شراعَه المبتلَّ على الأرضِ،
واستراح خلف ظِلِّه.

الشَّمْسُ جفَّفتِ الشِّراع.

هَبَّتْ نسمةٌ،
فغفا البحَّار.

ثُمَّ هبَّت ريحٌ،
فنسيَ أنْ يستيقظ.

الرِّيحُ اشتدَّت على الشِّراع،
فتحرَّكتِ الأرضُ وئيدًا وئيدًا،
حتَّى تلاشتْ خلف الأفق.

الأرضُ
تلاشتْ
خلف
الأفق.



يمشي كالنَّسيمِ وينفثُ غليونَه

على ناصيةِ الميناءِ
يجلسُ كلَّ يومٍ،
محدِّقًا في المدى
يلعنُ الرِّيحَ ويُردِّد:

بشاربي المعقوفِ هذا
سأربطُ سفينتَهم،
ثمَّ لن يرحلوا مجَّدًدا.



يغفو قليلاً،
ثمَّ بخفَّةِ النَّسيمِ يمضي قافلاً
ينفثُ غليونَه عبر الحقول
ممسِّدًا شاربَه الخلاسيّ
بينما وهنُ السِّنين
يتدلَّى  خلف ظهرِه
كجوربٍ مثقوب.



عند الحقول يجلس أيضًا كلَّ يومٍ،
يرمق طيورًا رماديَّةً ويُردِّد: 

زقزقي، أيَّتها العصافيرُ، زقزقي،
وكُلي من حبوبِ الحقلِ ما شئتِ،
فعلى بعد فرسخٍ أو اثنين،
نسيمُ الوادي عليلٌ
والفزًّاعاتُ ترفرف

أمَّا أنا
فسأصنعُ فزَّاعات للغيابِ
ومصيدةً عظيمةً للرِّيحِ عند المنحدر.




كلَّ يومٍ أيضًا،
صوتٌ من خلف الحقولِ يتهادى إليه:

لا تُمسّدْ شاربيك، أيُّها السِّنيور لا تُمسِّدْ،
فالمركبُ المفتونُ رحل
و شارباك بلا دموعٍ الآن.
فلا النَّوارسُ،
التي علَّقت على أرجلها الكرز الأحمر منذ سنين
آبت محملة بالحنين،
أو بخلخال اللهفة الفضي
ولا الغيمة أسدلت ظفائرها إليك.
فما بالك لا تلتفت إذا،
ومهماز السنين يلكز قلبك العجوز!.




في مقهى الفراغ يجلس أيضا كل يومٍ،
متكئا على جدار المقبرة القصير،
حيث يتاخم الموتى قتلى الحياة
يجلس،
مطقطقا أصابع الوهم الأصلع،
وزاجًّا بروحه في شظايا الأمل البعيد.
يجلس،
منتظرًا الذُّبابة التي ستسقط في كأسِه كالمعتاد،
بينما غليونُه يَطلي الهواءَ بفورةٍ
تُشير إلى عطب الحياة.




في المساء،
يخلد مجدَّدًا إلى أيامِه القادمة،
يُهيِّئ فقرات أحلامه لليلة؛
ستمضي هي الأخرى كسابقاتها:

عودة المركب المثقل بالحنين،
تجره نوارس الكرز إياها
تتبعها غيوم صغيرة بيضاء،
كتلك التي تسربت إلى غليونه.
بينما
يحشر الغياب نفسه في المقبرة، و في آخر الحلم؛
يصطاد الرِّيح عند المنحدر.
2005 August   

ليست هناك تعليقات: