عادل الكلباني
يبدو أن ما يحدث في العالم العربي، حسب معتقد هؤلاء الملوك والأمراء والسلاطين في دول الخليج، سيكون بمنأى عنهم، وهذا في اعتقادي نظر قاصر ستثبت الأيام القادمة مهما طالت خطأ نظرته الدونية التي ينظر بها هؤلاء إلى شعوبهم. إن هذا الاحتكار في السلطة والنفوذ والنظر إلى الشعوب على أنها تحصيل حاصل سيجسدان عمق الشرخ الذي أحدثته هذه الأنظمة في طبقات الشعوب، وعندما يتصدع الجبل الذي كان حسب معتقدهم صلب البنيان عتيق الأركان لا تهزه الريح وقائماً على نظرية معاوية بن أبي سفيان "فرِّق تسد" في التطبيل والتمجيد على أنها أسر تحكم البلاد والعباد منذ مئات السنين، أي بالفصيح ورثونا كما تورث المزارع الخاصة والقطيع، فإن الانهيار لاحقاً ستكون عواقبه سيئة الحال، وسيحدث هذا مهما طال الزمن إن لم يكن في عهدنا الذي أتوسل إلى الله في كل صلاة أن يحدث هذا التحرير لأموت قرير العين، لأن الحياة بطبيعتها توق إلى التجديد. الغروب والظلام والسواد مهما طال انهماره فإن الشروق لا بد قادم، وإن الشمس في يوم جديد لن يوقفها أبداً من سيكون على فراشه في احتضار طويل، وهذه الأسر ليس لديها أي نية في إصلاح سياسي يذكر أو علمي ينهض بالشعوب، ومهما قيل من فنون الكلام الإعلامي –عليه لعنة الله والناس أجمعين- الذي تتقنه هذه الأسر، فإنها ما تقدمت خطوة إلى الأمام أبداً إلا وعادت إلى ما كانت عليه من ضلال قديم.
***
الغريب والمريب والمضحك في آن إذا جاز فعلا تحويل البلية إلى سخرية، أن لا تفكر هذه الأنظمة –وإن كانت والحق يقال أقل قمعية وقتلًا مما حدث في بلاد عربية أخرى. لا أدري إن كان ذلك سيحدث بدموية أكثر عنفا إذا حاولت الأجيال الجديدة التحرر من هذا المأزق التاريخي والفشل الحضاري الذي تقودنا إليه هذه الأسر الجاهلة والمدمنة على تمجيد باطل اجتازته الأمم الأخرى نحو التحضر والحرية والعدالة، وإعادة السلطة إلى الشعوب بانقلاب سلمي، إلا أنها متخمة بالفساد لدرجة أن كل إنسان فيه ذرة من ضمير يرى في وضح النهار إهدار المال العام دون حسيب أو رقيب في احتفالاتهم العسكرية أو توزيع ثروة الشعوب على الأسر صاحبة الحسب والأصل العريق والتاريخ المجيد الملطخ بالدماء لدى أكثر هذه الأسر.
انعتوني بالغبي والجاحد، واقرأوا تاريخكم جيدا ولو مرة واحدة بإنصاف، أما الشعوب فهم العامة والسوقة وعبيد لهم، إذ لا يجب التفكير إلا في كيف تفرحهم هذه الشعوب بالتطبيل والتزمير والتمجيد، وإن لم تكن في هذه الزمرة فأنت تدعو إلى الفتنة والخروج على النظام العام، حسبما يتفوه به رجال الدين والإعلام الأكثر فجاجة منهم، والدين بريء من هؤلاء المنافقين والدجالين، فالأجدر بهؤلاء أن يصلحوا أنفسهم المهتكة بالنفاق والفساد، وإلا فليقل لي رجل رشيد ماذا فعل هؤلاء الذين ينعتون أنفسهم برجال الدين تجاه هذا الفساد والظلم والقهر الذي يرونه رأي العين من هذه الأسر الفاسدة والمستبدة؟ عدا أنهم يخرجون علينا بوعظهم الجاف ناعقين علينا كالبوم، (اتقوا الله يا عباد الله وإياكم والفرقة فإنه حرام الشغب والإضرار بالناس). أما ما تفعله الأنظمة تجاه الشعوب من فساد واستبداد وظلم فهو حلال وإن لم يقله هذا المتفيقه في الله وهو مكفول براتب ومنزل وحياة (ريلكس)، لولا الشباب الأحرار الذين ثاروا على أوضاع لا ترضي الله ولا رسوله، وأجبروا بعض الأنظمة على أن تغير وجوه منظومتها السياسية الفاشلة، لأن هؤلاء السلاطين والملوك والأمراء لم يدر في خلدهم أنه في يوم من الأيام سيأتي من هذه الشعوب من يستطيع أن يقف ضد ما يفعلونه من عبث واستهتار، وعدم مبالاة أو حتى مجرد الاهتمام بأن ما يقوم به خطأ أمام الله سيحاسبه عليه لاحقاً بعد الموت، إذا كان الله له حساب عند هذه الأنظمة المستبدة.
***
عندما تولى محمد محاضر رئاسة الوزارة في ماليزيا، قبل ربع قرن، كانت ماليزيا في حالة يرثى لها في كل النواحي الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية، هذا الرجل بنظره الثاقب، لأنه يحب شعبه أن يتعلم ويخرجه من ظلمات الجهل إلى نور العلم والحرية، كان أول استراتيجيه طبقها هذا الرجل، هي التنمية في التعليم، نظر إلى شعبه فوجده يغط في سبات عميق من عدم بزوغ شمس العلم على أرضه مع أن ضياءها متاح للعالم وينتظر من ينهل من نوره، فبقرار سياسي منه استطاع أن يبعث سنويا ما يقارب عشرين ألف طالب في بعثات دراسية علمية في كل أنحاء العالم، ليتعلموا حضارة الآخرين في حداثتهم ويتعرفوا منجزاتهم العلمية في كل فنون الحياة، للفهم والاستيعاب، كي تكون تاليا بذرة للتقدم الاقتصادي الذي أراده هذا الرجل العظيم لشعبه، وأنه بمستطاع كل شعوب الأرض أن يكون لها أرض صلبة في التعليم إذا كان حاكمها يرغب في أن يكون له أمام الأمم شعب حر ومتعلم.
نجح هذا الزعيم العظيم في أن ينقل بلده ماليزيا نقله حضارية، ويطبق ما تعلمه الشعب من هذه المخرجات والكوادر العلمية بعد عشرات السنين من الجهد المضني والشاق والظروف الاقتصادية والإثنية، ذلك أن ماليزيا مجتمع متعدد الأعراق استطاع أن يبني دولة حديثة في مجتمعه، كل العالم بما فيه الغرب شهد بحداثتها وتقنيتها، بدليل أن ماليزيا من قوتها الاقتصادية التي أرساها هذا الزعيم لم تحدث لها أية صدمة في منجزها الاقتصادي في الأزمات التي هزت العالم في السنوات الأخيرة، لأنها –أي ماليزيا– كانت حلماً وطموحاً تفجرا بالمصداقية والحقيقة التي فكر بها هذا الرجل تجاه شعبه، وظل يثابر على الاشتغال بها كهم وحيد حتى حقق منجزه الحضاري واقعاً في بلده، ثم سلم السلطة في يسر وسلم وسلاسة إلى الجيل الجديد بعد سنوات التعب والحلم الكبير.
***
ماذا حققت هذه الأسر الخليجية من منجز حضاري وعلمي لشعوبها برغم الثروات العظيمة التي حباها الله هذه الشعوب، لتكون مثالًا تحتذي به الأمم القادمة في عصور التاريخ؟. مجرد سؤال والإجابة عنه ستكون مفجعة بحزن وألم...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق