19 فبراير 2012

أنور الرشيد يطلق صرخة 14 فبراير في وجه مثقفي الخليج‎

أنور الرشيد الأمين العام للمنتدى الخليجي لمؤسسات المجتمع المدني
مرآة البحرين:GDF

 
    هذه المقالة لا أعني أحداً بها بقدر ما أعبر عن ما يجول بخاطري وما بين أضلعي التي بدأ التعب والملل والقرف يتسلل منها ولها، نتيجة للمعالجة الغبية التي لا أعرف إلى أي مدى سوف تستمر.

    في كل الانتفاضات السابقة والملاحقات، ملاحقة النشطاء دون غطاء حقوقي كما يحصل اليوم، كان التفاعل الخليجي يظهر بوضوح رغم التعتيم الإعلامي، ويمكن متابعة ذلك من خلال الأرشيف البريطاني وأرشيف الصحافة المصرية والكويتية خصوصا مجلة الطليعة الكويتية ومنشورات النشطاء مثل مجلة الخامس من مارس.

   ورغم ذلك النشاط بذلك الوقت وقسوة الكبت والتشرد بمختلف العواصم العربية والدولية لم ينقطع  الدعم الشعبي الخليجي سواء من ساسة خليجيين أو من مثقفين، وإزاء ذلك يمكن أن نعذر المثقفين الخليجيين بتلك الفترة لظروف الكبت والاستبداد وعدم توفر المعلومة بشكلها الحالي السريع وعدم وجود أدوات التواصل الاجتماعي الموجودة، وعدم وجود فضائيات تنقل الحدث أولاً بأول وعدم وجود نت يحتوي على كل ما يمكن أن يتخيله العقل البشري، ولكن في انتفاضة البحرين الحالية لا يمكن أن نلتمس لمثقفي الخليج العذر على تخاذلهم، وليسمحوا لي بهذه الكلمة القاسية أقولها بكل صراحة لقد خذلتم انتفاضة الرابع عشر من فبراير ولن يغفر لكم التاريخ هذه السقطة التي ما كان يجب أن تقعوا بها، فأنتم لستم من البسطاء أو من ذوي التفكير المحدود والضيق لكي تنطلي عليكم النغمة الفئوية، هؤلاء شيعة يريدون ولاية الفقيه وجمهورية إسلامية، أتفهم موقف البسطاء ومحدودي التفكير ممن تنطلي عليهم هذه الأسطوانة التي نفاها السفير الأمريكي وتقرير بسيوني.

   لا أستطيع أن أتفهم موقفكم وصمتكم من انتفاضة الرابع عشر من فبراير وترديدكم الأسطوانة المشروخة بالبعبع الإيراني، فبكل المقاييس يجب أن يتم مواجهة حقيقة موقفكم وسكوتهم عن آلة القتل التي تعمل في الجسد البحريني الذي أنهكته تلك الآلة القمعية الجهنمية.

   لماذا التزمتم الصمت عن ما يحصل بالبحرين؟ هناك رأي يقول إن مثقفي الخليج، وأعني كل مثقفي دول الخليج دون استثناء قد عانوا ما عانوه على إثر نضالهم في فترة النصف الأخير من القرن الماضي ولا يزال البعض منهم يدفع ثمن مواقفه من تشرد وسجن ومحاربة بالرزق وكل ما يخطر على البال من ممارسات تدينها كل الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، فهؤلاء لا يلامون كجيل قدم ما لديه ولايزال يؤدي ما عليه أمام الجيل الذي يتتلمذ على يدهم اليوم وفي الأمس  ليتشرب الوطنية والنضال على يديهم، أما مثقفو الجيل الحالي فلا عذر لديهم بكل صراحة بأن يقفوا هذا الموقف المتخاذل أمام كل تلك الانتهاكات التي تحصل للشعب البحريني على يد مرتزقة تجلبهم السلطة لقمع شعب كامل بمن فيهم السنة المعارضين وليس الشيعة فقط.

انتفاضة الرابع عشر من فبراير وهي تنهي عيد ميلادها الأول تتساءل أين دوركم يا مثقفي الخليج؟ أو يا من تدعون الثقافة، لم نسمع منكم أي بيان يندد بتلك الممارسات القمعية التي تحصل بين بيوت المدنيين؟ لم نسمع منكم صيحة أو صرخة استغاثة لشعبكم في البحرين وهو ينحر على القبلة دون حتى أن تسموا عليه، أين النخوة الخليجية؟ هل أصبح الدم البحريني رخيصا لهذه الدرجة حتى تتجمد أحاسيسكم، أم أنه لا يعني لكم سوى لقاء في فندق خمس نجوم تتحدثون به لأنفسكم عن أنفسكم وتسمعون به أصواتكم وصداها داخل قاعة مغلقة عليكم وتعيدون نفس الأسطوانة كل سنة حتى بدون أن يعرف الشعب البحريني الذي تلتقون على أرضه كل عام منذ أكثر من ثلاثين سنة عما تتحدثون، ألا تخجلون من أنفسكم أمام تاريخكم الذي يسجل عليكم هذا التخاذل الممجوج والفج والذي يدعو إلى الاشمئزاز.

   واأسفي على مثقفي الخليج اليوم وهم يشاهدون كل هذا القتل الذي يحدث لأشقائهم وهم صامتون ينظرون إليهم وهم يسحلون ويلاحقون ويجرجرون وينفون وتقطع أرزاقهم وكأن على رؤوسكم الطير فاغرين أفواهكم دون أن تتحرك  شُعيرة من مشاعركم التي تمسخت على ما يبدو وأصبحت أصلب من صخر جلمود، تبا لكم يا مثقفي الخليج يا من انتزعت منكم مشاعر الإنسانية يا من تجردتم وتعريتم أمام شهداء انتفاضة الرابع عشرمن فبراير، سوف يسجل عليكم التاريخ موقفكم المتخاذل هذا وأسجل أنا هذا الهروب الكبير من مسئوليتكم لأحضان السلاطين ليلقوا عليكم فتات الذل والهوان متخلين عن مسئوليتكم التاريخية والإنسانية التي يتحتم عليكم تحملها في مشهد أقل ما يقال عنه إنه مشهد بائس على خشبة مسرح المثقفين الخليجيين مع الأسف الشديد أكرر وأعيد فنقطة من دم شهيد وشهيدة في قرية الدراز وسترة وجدحفص والدير وكل القرى المنتفضة للكرامة تساوي أكبر رأس بكم يا مدعي الثقافة، نعم أقولها بكل فخر وعزة وكرامة ولا أخبئ رأسي بالرمال كما تفعلون بتهربكم من هذا الواقع المرير الذي يمر به شعب من شعوبكم المسكينة الذين ينظرون إليكم باحترام لا تستحقونه في الحقيقة.

   نعم أقولها بكل فخر إن نقطة دم نقطة دم شهيد وشهيدة تساوي كل رؤوسكم الفارغة، اللعنة على تلك الثقافة التي لا تنجد مغيثا ولا تأخذ بخاطر أم فقدت ولدها ولا بكلمة زوجة ترملت بعز شبابها ولا نخوة لبنت هتك عرضها ولا عطف على أب فقد أسرته، أعرف وأدرك مدى قساوتي بهذه الكلمات ولكن هذا هو مشهدكم الحزين الذي يستحق أن ندينه ونستنكره.

   وختاما أقولها بكل صراحة يا شعب البحرين لا تعولوا على مدعي الثقافة الخليجين الذين أسقطتموهم وأغرقتموهم ببحر دماء شهدائكم. على الرغم من القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي والرصاص المطاطي والانشطاري والسجن والاعتقال والتعذيب والتشرد وقطع الأرزاق، فمعركتكم اليوم تتجسد بنضالكم الإنساني، فحافظوا على سلمية نضالكم. نعم حافظوا على سلمية نضالكم فأنتم المنتصرون طال الزمن أو قصر، الديمقراطية والحرية لن تحصلوا عليهما إن لم تعمدوهما بدمائكم الزكية التي تدفعونها.

    تحية إكبار وإجلال لشهداء انتفاضة الرابع عشر من فبراير.
 * الأمين العام للمنتدى الخليجي لمؤسسات المجتمع المدني.

ليست هناك تعليقات: