27 أبريل 2012

صباح لا يحتمل

يحيى الناعبي

الشاعر يحيى الناعبي
    على السرير ممدد، أصحو محملا بكسل شديد وأعباء كثيرة، أنوي إنهاء إجراءات هامة، وفجأة تتلبسني شخصية أخرى، فتتنازع شخصيتي ويبقى السؤال أيهما أنا؟!!. أتذكر رواية "المسخ" لكافكا عندما تحول بطل الرواية جريجوري إلى صرصار، وكان يتنقل في أرجاء الغرفة، وأسئلة حائرة مع هروب دائم في أحداث كثيرة، ثم أتذكر أيضا رواية "المترجم الخائن" للسوري فوّاز حداد، وبطل روايته حامد الذي تآمر عليه المتنفذون في السلطة من نقّاد الأعمال الأدبية والصحفيين، واصبح تهميشه وتدميره ضرورة حتمية حتى يموت موتا بطيئا ويختفي من عالم الترجمة والصحافة، فما كان عليه سوى أن يتحول إلى شخصيات أخرى تحمل أسماء مختلفة، ليكون مترجما وصحافيا و...
    إذن من أكون في هذا الصباح الباكر؟ هل هو أنا الذي قرر البارحة أن يصحو باكرا لإنجاز بعض الأعمال الواضع فيها بصيصا من أمل الحياة، طالما أن اليوم عطلته وعليه اتمامها لضرورتها الحياتية ولا يمكن تأجيلها حتى عطلة الأسبوع المقبل؟ أم أنا الحالي ممد وغابة من الكسل تفرش أشجارها عليّ بساطا من الظل، لتقول لي اهنأ فأنت في مملكة النوم وعليك أن تستمر، لأنها فرضت عليك إتمامه بعد أرق البارحة، وأن لا تعلّق مشاريعك داخل أسوار المملكة؟ .. إذن من أنا؟
    مشاهد كثيرة تمرّ وعليّ أن أتخذ قرارات سريعة فالعمل لا يحتمل التأخير، والنوم لا يحتمل اليقظة الطويلة، فهل أستجيب لأنا البارحة، أم أسلم نفسي لأنا الحالي؟ لا بد أن أجهز على القرار ولا أماطل... وفجأة تتلبسني شخصية أخرى تحاول أن تنتشلني من حيرة شخصيتّي اللتين تنازعتا عليّ، وتنصحني بأن أتناول جهاز تشغيل التلفاز الذي بجانبي وبالقرب من " أباجورة" القراءة، وأشغل التلفاز مختارا إحدى قنوات الموسيقى، حتي أستطيع التفكير جيدا واتخاذ القرار، وفعلا هي كبسة زر لتنساب الموسيقى، كما لو أنها عاشقة تخرج من الجدار المقابل للسرير، حينها انتفض جسدي مسّرحا بفكري إلى عوالم كثيرة، وأماكن أنتقل فيها بين ثمرات الحياة، وأجدني ارتحلت إلى تلك الأماكن في دقائق معدودة على بساط الذاكرة، والحقيقة ربما هي استمرت قرابة الساعة دون أن أشعر، حيث إن شخصيتي الأولى التي كانت البارحة، حرضتني وهي تتعارك مع شخصيتي الثانية الصباحية أن أنظر للساعة المعلقة بالحائط لأحدد الزمن وأهمية أن أصحو فورا لإنجاز المعاملات.. يا إلهي لقد تأخر الوقت وعلي أن أقوم بالرغم من أن مسامير النوم لا تزال ملصقة بجسدي في السرير، وأقول لنفسي مبتسما كأنني المسيح المصلوب بآلام النوم والصحو والموسيقى والبنك و... إذن لا بدّ أن أقوم، لأن ما حدث هو انتصار الأهم، ولا ضير في قليل من الصداع، وحان توديع الموسيقى.
   بعد الإجراءات التي تنازعت عليها شخصياتي لأقوم بها، صدمتني فكرة عمق الانتماء لهذا الوطن العزيز، مربوطة بالديون البنكية، خشية الهجرة وملاحقة الإنتربول بسبب قرض إيواء الأطفال، وأعود للفيلسوف الأعمى العظيم أبي العلاء المعري، وأستسمحه في تحريف بيته الشهير: هذا ما جناه أبي عليّ      وقد جنيت على أحد

ليست هناك تعليقات: