عبدالله آل تويه
"الكفاءة في النسب" بلغة معاصرة جدا تعادل عقدة النقص لا أكثر عند أولئك الذين لم يقدموا أي جديد ولم يضيفوا إلى ما سبق قوله في الكتب القديمة إضافة واحدة تمتُّ إلى العقل أو إلى التحضر بصلة. وبروز هذا الموضوع إلى الحياة الاجتماعية في عُمان في الآونة الأخيرة بكثافة دليل ممتاز يصلح مدخلا لدراسة الضحالة التي وصل إليها الخطاب الديني وحجم الفراغ الذي يعيشه بعد أن فقد كل طموحات التسلط المادي المباشر! إنها حالة فصام ميؤوس من شفائها في عصر حقوق الإنسان الذي صار يناقش الحقوق المدنية باعتبارها حقا يولد مع الإنسان وليس قيمة مضافة إليه.
وفي ضوء ما قدمه القرآن من أطروحات حول "العبيد" والإماء والغلمان واليهود والنصارى والأقليات إلخ في القرن السابع الميلادي أمكن القول إن مفهوم "الكفاءة في النسب" عصريا ما هو إلا جريمة غير أخلاقية تحط من القيمة الإنسانية الرفيعة ودلالاتها النبيلة في القرآن. ومع أن أمثال هؤلاء الفقهاء- الذين لم يقدموا أي جديد يذكر- يتحدثون عن رفعة الإنسان في الإسلام وما منحه الله من تكريم، ويزيدون ويعيدون ويقتبسون ما شئت من القرآن وما يعتقدون أنه السنة النبوية، مع هذا فعليهم أن يتخذوا من أنفسهم آلهة يفتوننا في أصولنا وذواتنا دون أن يخالجهم شك في أنهم إنما يطبقون كلام الله! فماذا يهم الله أو دينه الذي أنزله على عرب الجاهلية في القرن السابع الميلادي من الخال والعرْبي والبيسر وما شابه من خزعبلات المجتمع العماني ذي الخصوصية الخاصة جدا التي تتفوق على خصوصيات شعوب الدنيا بعاداته وتقاليده الحضارية ذات الصبغة الثقافية العالية جدا والمطبوعة بنزاهة أخلاقية لا تُضاهى؟!
لكن الطريف في الموضوع عند قراءة التراث الإسلامي بشكل عام حول مسألة الكفاءة في النسب يجعلنا نتوقف عند بؤرة الموضوع، ألا وهو المرأة. كل النصوص تتحدث عن مكافأة الرجل للمرأة ولا نقرأ العكس! مع أنه مطروح- بالطبع- بدلالة المسكوت عنه. لربما من المفيد قراءة تلك النصوص التراثية باعتبارها تجسيدا لصياغات تقف المرأة فيها "شرفا" لا بد من التحقق من "شرف" الرجل الذي سيرتبط به. كما أن المسألة تراثيا- أيضا- لا تعدو كونها قصة أعضاء تناسلية "وضيعة" وأخرى "رفيعة". "
الكفاءة في النسب" أزمة خرافات وأساطير وفقه متخلف وغير قادر على الإنتاج أو تطوير المجتمع، وكل ما يفعله هو العكس، فتراه يُحرِّم الموسيقى والفنون وكل ما هو إنساني وجميل ليعود بنا إلى عصور الحيوانية.
في عُمان على العلماء أن يكونوا "قبيليّين"، وإذا كانوا غير ذلك فلا بد من سحقهم وقتلهم وسرقة نتاجهم واضطهادهم، ومع هذا بقينا مسلمين! أما التأويل القرآني الجديد- الذي أبدعه العلماء المسلمون العلمانيون الحقيقيون المعاصرون- الذي نسانده هنا ونتبناه فهو أن المساواة شرط طبيعي لأي مجتمع طبيعي.
وعلى هذا يكون "قرار الزواج قرارا يخص الفرد؛ إنه قرارها أو قراره في أن يَسُنَّا الاشتراطات التي تُريدها هي أو هو في الحياة مع الزوج أو في الارتباط بمن شاءت أو شاء"، ومردُّ أزمة أولئك الفقهاء هو في أنهم لا يزالون "مكبَّلين بنظرتهم الذكورية إلى العالم من جهة ونظرتهم الدينية إلى العالم من جهة أخرى"، وعليه فإن الأمر لا يتعلق بمن تتزوج أنت أو هي بل يتعلق "بالحرية الفردية للإنسان" في أن يعيش كيفما شاء ومع من شاء دون تدخل الكهنوت الديني والقمعي والشيطاني والدكتاتوري الذي يشبه محاكم التفتيش في كنائس العصور الوسطى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق