محـمَّـد السِّـنـاني
قصـــيدة
كُتِبَتْ إبّان فترة الاعتصامات في عُمان عام 2011م
قصـــيدة
كُتِبَتْ إبّان فترة الاعتصامات في عُمان عام 2011م
من شقوق الليل
من صحراءَ إسمنتيةٍ في الروح
من قبر النهار
ومن صليب الماء والأسماء جاؤوا
يفتحون البابَ والأسوارَ للوطن الأسير
تحرَّروا من ربقة الخوف الطويل
وكسَّروا قيدَ التقاليد الطويل
وغادَروا وهمَ الولاءات الهزيل
اليومَ تنفتحُ القصيدةُ عن صغارٍ
يكتبون الحلمَ والتاريخَ بالأرواحِ والمهج الكبيرة.
دُلَّنا يا أيها الطاووس
أين الريشةُ الملأى بألوان الطبيعة؟
أين صرختُكَ الطويلةُ توقظُ الأحياءَ والموتى
وتكتبُ عزلتك؟
حُلمنا جرحٌ سينزفُ من شرايين البلادِ النفطَ والبارودَ
كانوا نصفَ آلهةٍ وكلَّ الحبِّ
كانوا لحظةَ الخلقِ الجديدِ
المستحيلاتُ الثلاثةُ نحن:
الله/ البلادُ/ الشعبُ – قالوا،
ثم صلُّوا للحياةِ صلاتَهم قبلَ الأخيرةْ:
لا النارُ
لا الأسوارُ
لا الوحشُ الذي ربيتموهُ يخيفنا
نحن احتضار الليل
ميلاد النهار
السرعة القصوى لضوء الشمسِ
من يكُ ثائراً
يهدِ لكلِّ حمامةٍ طوقاً
لكلِّ حبيبةٍ سمراءَ أغنيةَ الغريبِ
لكلِّ طاغيةٍ رحيلا
ما زلتُ معتصماً
وما زالَ المدى العربيُّ مفتوحاً
لفرسان الندى والسيفِ
هبُّوا أيها الباقون..
مكسورةٌ كبنادق الثوّار في أعلى جبال ظفــار
أجسادُ الرجال السمر
أما الروح في ملكوتها العلوي
ترقى نحو أبواب السمــاء
لم يبق بابٌ لم تضرجْهُ يدُ الأحرارِ بالطَرَقات
حُمراً كانت الطرقاتُ
فافتحْ أيهـا المجهولُ
إنَّ الحقَّ مــوالٌ
وإنّا منشـدون
حافٍ كأسلافٍ مضوا وتناثروا
في الريـح والصحراء جئتُ
أنا البشارةُ والإشارةُ
لا سمـاءَ تحدُّني، لا أرضَ
إني الخالقُ المخلوقُ
من أسمائنا نبتتْ زهورُ النارِ
والبَتَلاتُ فيّ تفتّحتْ
فاضربْ بكلِّ مخاوف الطغيان
عرضَ الحائط المكسورِ
واعبرْ فوق جسر الخوف للزمن البهي
ولتكن قرطاجُ أرضَ الفاتحين وقبرَ أعدائي
سيتضّحُ التماهي بين [بوعزيزي] و[حنّيبعل]
نلتمسُ الخطى ونسيرُ خلفكما
الغوايةُ دربُنا
والريحُ لا تتذكرُ الأسماءَ والأفعالَ
دوِّنْ أيها التاريـخ إنّا قارئـون
وقارئون لما يسطّرهُ الطغاةُ من المذابح
قارئون لما يدبِّجهُ الذبابُ من المدائح
قارئون فلن نسامح
قارئون فلن نبارح
لن نبارح ساحةَ الشعبِ الأخيرةَ
هاهنا سيجيءُ للأرض المخاضُ الرحبُ
يولدُ شامخاً ومباركاً طفلُ الخيالِ المستحيلُ
هزّي إليكِ الجذعَ يا أُماهُ
يسّاقطْ عليكِ الضوءُ والشهداءُ
من روّوا عروقَ الأرضِ أولى بالسلام وبالتحيةِ
هاهنا الشهداء يصطفُّونَ جسراً فوق هاوية الخراب
لتعبرَ الأعـرابُ صوبَ الضفة الأبهى
فطوبى للرصاص وللأغاريـد الطويلة
تُشهدُ الأحـياء والأمواتَ أنّا خــالدون
مَسدَّتُ روحَكَ أيها المعـنى
القصيدةُ غادرتْ أبراجَ عاجٍ في الخيالِ
وزاحمتْ أجسادَ من عبروا النفقْ
حتى تخــوم الفجرِ
ثمَّـةَ شاعرٌ يغوي النهـارَ
لكي يحطَّ على الورقْ
هل غادر الشعراءُ ميدانَ الحقيقةِ؟
غادروا، لكنهم يبنون من جسد الشهيد مدارجاً
للروح تصعدُ منه أرواحُ الضحـايا
غادروا، لكنَّ ثمةَ خنجراً يغتالهم
يتساقطون كما المطر.
صحراءُ قاحلةٌ سـماءُ الله
فلتكُ نجمَها والنبعَ والواحاتِ
واغمسْ ريشةَ العدمِ المزخرف في دمائك
وانتفضْ واكتبْ نشيدَ الدم
في الروح رائحةٌ
ولاسمكِ ملمسٌ
ولما يجيءُ الآنَ من وحي شهيٍّ صورةُ الذكرى
القيامــة آذنتْ
فاغرسْ لها الأشـواكَ تجنِ الجرحَ والآلامَ
والتـاجَ المعوسجَ والصليب
وانجُ الآنَ تكتبْ
سيرةَ الطوفان والطــاعون
ماضون خلفَ الشمسِ
نشتقُّ الحقيقةَ من رؤى الإصـباحِ
تفتننا المآذنُ وهي غارقةٌ ببحر النــور
ما زلنا هـــنا في الأبجدية نعبد الإشراقَ
نؤمنُ أنَّ للمدن الضريرة ساعةً
ستعاود الإبصــارَ
تغسلُ جلدَها بالضوءِ
تخطفنا طيورُ ظلامكَ العمياءُ
يا ملك الخرائب
قل لمن وهبوك وهمَكَ
دَقَّتِ الساعاتُ معلنةً رحيلَ الليلِ
من طنجيسَ حتى مسقطَ الليلُ انتهى
وطيورُكَ العمياءُ تسقطُ في الخرائبِ
وحدَهُ الوطنُ الذي يبقى
وإنّا الوارثون
ليلُ المومسِ العمياءِ قد ولّى أخيراً
والبصـيرةُ أبصرتْ
وبناتُ آوى قد فررن من المدينة
بات يحرسُها كلابُ الحي
إني الحارسُ الشخصيُّ للوطن الجديد
-يقول بوعزيزي من الفردوس-
جسمي النارُ والأنوارُ
فاسرقْ أيها العـربي نارَكَ
إنني آنستُ ناراً في الضـلوعِ
وسوف يبلغُ ياسمينُ الحبِّ أرجاءَ البسيطةِ
يا نبيَّ الثائرين الحالمين السائرين
على هدى البيت الشهير
الشعب يختارُ الحياةْ
الشعب مولانا ولا مولى لهم
الشعب ظلُّ الله
روحُ الله حارسةٌ
وهذا الغيمُ أقربُ لليد المرفوعة الرايات حمراً
حانتْ ساعةُ الإنسان حرّاً هازماً
كلَّ الزنازن والسجون
قَمَرَانِ فوقَ صُحارَ يقتسمان ليلَهما
المحاصرَ بالبعوض وبالرصاص
النجمُ معتقلٌ، ولكنَّ الضياءَ الحرَّ يبلغُ منتهاه
الآنَ يتضحُ العدوُّ من الصديق
الشمسُ غربالٌ ينخِّلُ جوهرَ الإنسانِ
أجسـادٌ بلا روحٍ،
وروحٌ ضاقت الأجسادُ عن أحوالها
والآنَ قطرةُ ماءٍ والمدى عطشٌ
أفاضتِ الكأسَ طوفاناً من الغضبِ
كلُّ الميادين والساحاتِ فائضةٌ
كأننا مطـــرٌ يُســتلُّ من لَهَبِ
كأننا النيلَ فُضْنَا فجأةً بشراً
وليس يردعنا جيشٌ من الكُتُبِ
كأننا بَرَدَى ينشقُّ عن أمـــــمٍ
نهراً سيجــرفُ كلَّ الزيفِ والكذبِ
كأننا دجلةٌ طميٌ يفيضُ ردىً
تعشوشبُ الروحُ فيها دونما تَعَبِ
عُدنا، فكلُّ عروش الأرض مزبلةٌ
والآن نكتبُ، مجداً، ســورةَ العَرَبِ
حفاةً عراةً مجاذيبَ نمضي إلى الساحة المقفرة
عما قليلٍ ستغدو الميادينُ أضرحةً للطغاة
شهاداتِ موت النظام
موازينَ تقلبُ كلَّ العروشِ
ويكتسـحُ العـتمـةَ الأبديةَ طوفــــانُ نــــور
هَرِمنـا
وها قمرُ الليل من جسد النار يطلع
سنفتحُ كلَّ الشبابيك كي يدخلَ الحُبَّ من دون خوف
الحبيباتُ يسهرنَ في الشرفاتِ
الأغاني تجيءُ مع الليل رقراقةً
والمدى واسعٌ للطيور التي تستعدُّ لعودتها للوطن
والمنافي من الآن شاغرةٌ للطغـاةِ
فيا أمُّ سوف أعودُ مع الفجرِ
شعري تداعبه النسماتُ
تلتفُّ حولي الفراشاتُ
يا أُمُّ كم أشتهي الشايَ والخبزَ من يدكِ الطاهرة
كم أشتهي الصلوات الطويلةَ تغمرني بالسلام
يا أمُّ كم كنتُ ميْتاً هناك
وكم أنا حيٌّ هنــا
البيتُ رحمٌ أخرجتني يدُ الليل منهُ
وها أنا من شقوتي عائدٌ للطفولة
للحــبِّ، للضـــوء...
يا أمُّ كم أشتهي أن أنـــــام
يا أم إني شهيدٌ فلا تحزني واقرئيني السلام
السلامُ على الطالعين سنابلَ تحت الركام
السلام على النار تأكل أجسادنا
جملةً جملةً في كتاب الغرام
ستنهض عنقاؤنا من رماد الكـلام
السلام على السائرين من الماء للماء
في درب جلجامش المستحيل
ولا يرجعون إلى الخلف شـبرا
فمهما يكـون الطريق
ومهما يكون الختام
السلام على الأنبياء بغير سماء
يخيطون أكفانَهم باسمين لأعدائهم
ولا يحلمون على خشبات الصليب سوى بالسلام
السلام على الحب
علَّمنا كيف نهزمُ أعداءنا بالســلام
السلام على الشهداء
سيحيون أكثرَ من مرةٍ في الحياة
القلوبِ/الدروبِ
وفي الضوء أيقونةً
تتوهجُ في عزلة الرَّبِّ
أو في أناس الزحـــام
يا بحرُ ما اسمُكَ في الحقيقة غيرُ إسمي
فأنا وأنتَ السطحُ والأعمــاقُ
أمـواجٌ تسافرُ من سواحلَ في الخيال
إلى ضفـاف الأغنية
للبحر أشرعنا النوافذَ كلَّها
فادخلْ برائحةٍ وأرواحٍ وخلِّصنا من اللا حبِّ.
دهراً كانت المدنُ القديمةُ تنتظرْ
أن يفتح البحَّارُ باباً للرجاء أو للرحيل.
السـندباد يعود للأرض القصيدة في مجاز صُحارَ
ما يجدي السفر؟
فاظهرْ على ظهر السفينة
لن ترى في الأفق غيرَ مآذن الأشواق
تسند ذلك الأفقَ الجريحَ من البشر.
وصحارُ تصحو كالعمانيات عند الفجر
توقظُ الشرقَ المريض
وتعدُّ إفطاراً لثوّارٍ على عجلٍ
حراباً كانت الأسماءُ والأصواتُ والنظراتُ
عادوا بالمدينة والسفينة من يد القرصان
كان السندباد وراءهم يلهثْ
تلك الرحلة الكبرى يقول السندبادُ
مزّقتُ أشرعتي
وكسَّرتُ الصواريَ
فالمدى اختصرتهُ في سطرٍ صحارُ
هذه ليست بلادي
وأنا لستُ المواطن
ربما نحتاجُ نوحاً آخرَ
سوف نبني من جذوع الماء
في الروح سفينة
علّنا نخترقُ الليل وطوفـان المدينة
وطنٌ تحكمهُ الأسوار والعزلة
لا روحٌ ترفُّ على سطوح الغمر
لا تكوينَ
لا أسماءَ
لا زمنٌ بدائيٌّ لهذي الأرض، إن كانت
هـيولى...
جوهر اللا شيء
نسيَ الخالقُ أن يجعل فينا صورةَ المعنى
الحجارةُ من حنين النهر للمجهول فيَّ تفجرّتْ
ولسوف نكتبُ سورةَ التكوين شئنا أم أبينا
شاعرٌ منّا سينسى فوق طاولة الزمان
قصيدةً أخرى عن النسيان
هبنا يا زمانُ قصيدةً
أنكونُ ذكرى أم زماناً آخرَ
اتّحدَ الزمانُ مع المكان فأنجبا الإنسانَ
إنّا هاهنا
نحمي حمى الأوطـان...
- قل ما هيَ الأوطانُ؟
- ما تستجمعُ الأحلامُ من فأسٍ
وقبضة ثائرٍ في الحلم يهدمُ هذه الأوثـان.
السماءُ بلا كهرباءٍ
فلا نجمةٌ في الدجى الأبديِّ تضيءُ
وصحراء مسقطَ بالليل مشغولةٌ
والنعاجُ اختبأن بمزرعة الرب
الرعاةُ بأصوات ناياتهم في المراعي مقدسةً
يرجعون القطيع....
خلعتُ أنا الثائر الطائر الحائر
المستحيلُ بلاداً من النار والريح والوثبات
امتثلتُ لما لا تقول القبيلة والله حتى عصيتُ
فكنتُ صديقَ الشياطين
ملعونةٌ خطوتي
والقبائل تشري دمائي بأموالها
فمن يقتفي أثرَ الحلم في الدرب
يلقَ السـراب دليلا
فخذني إلى لجَّةٍ وامتحنّي
هنالك يا أيها الموج
إني إلى صورة الموت أقرب
لكنّ روحيَ لن تترك الأرضَ
حتى تعودَ إلى جسد الفكرة الأبدية
حتى تعودَ إلى حجرٍ أو بشـرْ
الليل صورةُ أرحامنا
منه وفيه وعنه صدرنا
إليه نعود...
في آخر الليل ينزل ربُّ السموات
عن عرشه منصتا للعبيد
عراةً حفاةً يئِنون من لذةٍ أو ألم
وتصعدُ أرواحُنا حائرة
لا طريقَ إلى الله
من فرط ما مسح السائرون
خطى السائرين إلى الله
فكن منجمَ الملحِ يا أيها الليل
نحفرْكَ بالجرح...
حتى يطهّرَ منّا الألم
جسداً من ندم
جَدَثٌ فارغٌ
لم يعد صوتُنُا راغباً بالتوابيت
خرجنا بمنتصف الليل صوبَ الميادين
المقابرُ مهجورةٌ
والحياة ستختارنا رايةً للحياةِ
اتّكلنا على ساعةٍ تسبقُ الفجرَ.. انفُدي
حانةُ الليل مهجورةٌ
والندامى بكأس صباحاتهم يثملون
صِلِ الأرضَ بالأرضِ
وافتحْ لرائحة الياسمين الطريقَ
لتعبقَ أجواؤنا بالأغاريد والنصر
ساعةَ تُفتتحُ الأرضُ حتى تحدِّثَ أخبارَها:
ها همُ صبيتي يولدون
من رحمي يخرجون
السجون تعجُّ بهم
والمنافي تضجُّ بهم
لكنهم قادمون كما الصبح
يندحرُ الليلُ
أصنامُهُ
والخفافيشُ من فرط إشراقهم تتهاوى
صلِ المستحيلَ بما في يديكَ من الحلم
دع الخيل تركضُ حتى حدود الصهيل
حتى بلوغ السبيل
في حاجز الليل أسقطُ مُخترقاً بالرصاصِ
تمترستُ بالضوء
لم أجد غيرَ قلبيَ درعاً
لم أجد غيرَ حلميَ حصناً
لم أجد غيرَ حزن الرفاق سلاحاً
واحدٌ من حجيج القيامات كنتُ
شهدتُ انشقاقَ القـبورِ/
النشورَ/
الحسابَ/
الصراطَ/
النعيم/
الجحيمَ/
فناءَ الفناءِ/
الخلودَ/
التجلي الأخيرَ/
ولم أجد الله إلا المحبةَ معمورةً بقلوب البشـر
لماذا تموتُ الخيولُ على حافة البئر؟
لماذا يموتُ الضـياءُ عل ساحل الفجر؟
لماذا يموت الكلامُ على شفة الشعر؟
لماذا وألف لماذا ستولدُ في وطن القهر؟
وتولدُ نجمةُ الثورة
سنتبعها
سنعبدها
سنكتبها
كما تبعتْ
كما عبدت
كما كتبت هنا أسلافُنا الزُّهرة
ويسقطُ من يد السَّياف
سيفٌ يقطعُ الزَّهرة
مدارسنا
مساجدنا
كنائسنا
مقاهينا
متاجرنا
تعلِّق نجمةَ الثورة
وتحفرُ صورةَ الشهداء
في أحداقها جمرة
فتحنا للضـياء البهو
حفرنا للدجى قبره
ملُّوا
وما ملَّ الضريرُ الصبحَ
يرقبهُ بعينيْ حالمٍ
يستكشفُ الأنوارَ والأزهارَ والأنهارَ والأحجارَ
باللون الذي يختاره في الحلم
ثمّةَ حالةٌ بين البصيرة والبصر
بين الحقيقة والخبر
بين الهواجس والخطر
بين الكواكب والبشر
صوفية الإدراك بين الحسِّ والتجريد
في قلب الضرير المبصر الأشياءَ عاريةً من اللاهوت
مبلغُ علمنا أن نقرأ الألفاظَ
في سفر الحياة الغامض السري
لا تأويلَ إلا باجتياز الخوف
في أرض المجاز الجامع الأضداد
بين الخصب والجدب
الإشارة غادرتْ من يقرؤون الغيبَ
والمعنى ببطن الحوت
في ملكوت هذا الكامل الأسماء والأوصاف
غيرُكَ لم أكن
إني الوريثُ القاتلُ المقتولُ
والمطرودُ من كل الجنان
الأرض لا تسعُ الشريكَ
ولا شريكَ سواكَ يا من أنت...
لم أعرفك
لم أفهمك
لم أبصرك إلا في الدم المسفوك بين الإخوة الأعداء
هل كنتُ النَفَسْ؟
أم أنني الموجود والمفقود في كل العصور؟
الآن ما نفع الحقيقة؟
لا ســــؤالَ
الأصلُ مختلقٌ
وهذا العالمُ الحسيُّ وهمٌ أو خيال
لكنَّ أقداراً بظهر الغيب لا تأتي
لأنَّ الريحَ من جهة الغد المصنوع بالأيدي
تهبُّ الآن، ريح القادمين زلازلاً وصواعقاً
تجتثُّ هذا الواحدَ الأحدَ الصمدْ
لا عرشَ يبقى يا إله الصاغرين
الله حـــرية
ونحن المؤمنين بحقنا
والكافرين بخوفنا
والفاتحين بضوئنا الآفــاقَ
كنّا للضياء حكايةً
للعاشقين الوردَ
للنسَّاكِ صومعةً
وللشعراء خمراً خالصاً
للعابرين الليلَ قنديلاً
لمن يأتي طريقاً واضحاً يستجمعُ الخطوات
وللشهداء أن يتحرروا من مدحنا
وليستطيلوا كيفما شاءوا مآذنَ أو شجر
للأرض رحلتنُا الطويلةُ
حاملين الروحَ والذكرى روائحَ أو صور
للأرض أغنية الغجر
عن جوهر المعنى/ الحقيقة/ والسفر
ما لم نكن بشراً ولا شجراً ولا حجراً
فإنّا الآن لحنٌ في وتر
تمتصُّهُ الصحــراءُ حلماً من مطر
هُزّي إليكِ العرشَ يا ثوراتُ
يسّاقطْ ملوكاً من ورق
ارتجَّتِ الأركان يا طغيانُ
والخوفُ الذي كرّستَهُ قد زال
إنّا الآنَ نخرجُ من قبور الليل أحياءً
ونمشي نحو ما نثرتْ يداك من الرصاص الحي
أحراراً نمرُّ إلى الغد الأخضر
والأرضُ تولدُ مرةً أخرى بأيدينا
التي تستفتحُ الأبوابَ
بابَ الحقِّ
بابَ النورِ
بابَ النصرِ
بابَ الحُبِّ
بابَ الشعبِ
بابَ الله
لكنَّ ثمةَ حارساً آخر
الليلُ فينا لم يزل حيّاً
به رمقٌ من النفط المدجَّجِ باللحى والغيب
باسم الله يغتالُ الظلامُ الضوءَ
يا تجارَ دينٍ لم يزل يحيا على البترول
والوحي الذي يأتي من القصر المعظَّم
يا صيارفةَ المقدَّس قدِّسوا أصنامكم
سيجيءُ معولُنا
وعائلةُ النهــار تجيءُ
أين نصوصكم ملويَّة الأعناق؟
لا تاريخَ يذكركم
ولا مستقبلٌ صنعتُهُ
أجيالٌ من الأحرار يقبلكم
فبوؤا بالعــــدم
الله ربٌّ للجميع
ولم يزل فينا دثارُ الوحيِّ حُبَّاً خالصاً للكائنات
ولم نزل نحيا ونعشق كلَّ وجهٍ للحـــــياة
ويا قطعان تتبعُ راعياً ضلَّ الطريق
إنَّ التمردَ والتفردَ في الحياة هو الرفيق
فانهضوا من نومكم
من خوفكم
من صمتكم
من موتكم
ولتتبعوا هذا الحريق
النارُ ملءَ القلب
ملءَ الكون
ملء الشارع المفتوح للشهداء
مُرّوا فوقَ أجسادٍ من النور الأصيل نَمَتْ
ولا تتسولوا من حاكمٍ وطناً
واستمسكوا بالعروة الوثقى؛ الكـرامةِ
نحن من قد أيقظَ العنقاءَ من نومٍ عميق
لا مستحيلَ
قد انبعثنا من رماد الخيبة الكبرى
أُباةً مشرقينَ كطائر الفينيق
مثلما يتجلّى الإلهُ
تجلّى لنا الوطنُ المستعر
ساعةً في البشر
عبرتْ غيمةٌ في سماء الحَجَرْ
فغنّى لها عطشٌ في قلوب الغجر
امطري يا سحابةُ
في حفرة الروح حُبَّاً
ظمأي خيمةٌ تسع التائهينَ
وأرضي بها صبوةٌ للسفر
ارتفعْ يا شجر
ولامس بأطراف حزنك
هذا الغبيَّ المنافقَ
هذا القمر
فلا بُدَّ من ليل
لا بدَّ منّا
ولا بدَّ أنْ يستجيب
لأصواتنا في ربيع الصحارى
القــــدر
صعدنا إلى مسرح الليل
كان المؤدي أصماً
وكان المشاهدُ أعمى
لكنَّ ثمةَ ضوءاً من الجانبين
ينيرُ هنا عتمةَ المسرحيةِ
كنا خلاصةَ ما اعتصرَ الحالمون من الحب
كنا شواهدَ ما استصوبَ الشارحون من الغيب
كنا بقيةَ من آمنوا بالوطن
منفايَ في لغةٍ لم تعد لغةً
كفّتْ عن الصوت والصمت
آنَ لها أن تكون الوطـن
زمنٌ في الزمن
يحاولُ أن ينسجَ الآن هذا الكفن
لما قد تبقى من الليل
في جثة العفن الخالدة
ومعتصمون بحبل الذي لا يجيء
ومعتصرون الحقيقةَ في كأس أوهامنا
ومعتقدون بأنَّ الحكايةَ تغوي مزاميرَ أشعارنا بالغناء
هل كان لي أن أصدِّقَ عرافةً في الطريق إلى حانةٍ مظلمة؟
شكوتُ إلى صاحب الليل ما فعل الليل بالساهرين:
يا أيها الليل ما أطولَك
خذ الليلَ يا صاحبَ الليل
واتركْ لنا نجمةً في الفلَك
إلى أين ترتفع الصلواتُ؟
ولا ربَّ في الأرض إلى الطغاةُ
على من تدور الدوائرْ؟
علينا؟
على الحالمين؟
على وطنٍ غادرتُهُ الصفاتُ؟
أبانا الذي في السماوات
صلِّ على وطنٍ لم يزل غائباً في ضمير الحياة
لا رُفاتَ
سيُمتحنُ الغيبُ
نذهبُ كلَّ صباحٍ إلى مرفأ الوجدِ
علّ الذي غيَّبتهُ الجهاتُ يعود
يقولُ الذي ليس يُسمى:
أنا وطنُ الكائنات الشفيفة كالماء
من فرط تقية أحلاميَ المستحيلةِ
آمنتُ بالصمت ديناً
وبالمستبدِّ إلهاً
وبالمستحيل كتاباً
وبالصبر أغنيةً من زمان الرُّعاة
آهِ يا وطناً
من جماجمَ مرصوصةٍ
من بيارقَ موطوءةٍ
من بنادقَ محشوةٍ
من مآذنَ مكسورةٍ
من خنادقَ بالليل محفورةٍ
من حدائقَ بالشوك مزروعةٍ
من مجاهيلَ قادمةٍ
من شبابيكَ ميّتةٍ
من زنازينَ مشرعةٍ
من مواويلَ مذبوحةٍ
من قناديلَ مطفأةٍ
من مقابرَ جاهزةٍ
من تواريخَ مكذوبةٍ
من هباء الهــباء
كن كما شاءك القلبُ لو مرةً
وطناً قادماً من بعيد
صادقاً في المواعيد
خالقاً لحظةً تبلغُ العيد
حانقاً من ملوكٍ رعاديد
باصقاً في وجوه القواويد
واعتزلْ مهنةَ الطهرِ والعُهرِ باسم الولاء
لا ولاءَ
سوى للضياء المسافر في الكون
والروح والقلب في دفقات الوريد
خالقاً فجرَ عصرٍ جديــــــد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق