عادل الكلباني
يأتي حسن نصر الله بعد كل هذه السنوات المفخخة بالشعارات والصوت العالي، من خلف زمن كنا نحسبه أخضر وأن بذور السماحة والعدل والأخوة التي كان يتشدق بها من فوق المنابر ستترعرع في براري العرب مروجا وسلاما. لم يتأخر الوقت كثيرا كي نعرف هذا الرجل، فمرآة الأيام عكست نفسه على حقيقتها، ماهية رجل لم يكن أحجية أو أسطورة كما يدعي البعض الذي يكيل له هالة من التقديس لا يستحقها البتة، كزعيمه القابع في طهران، ربيع الأحرار سيقلب عاليه سافله لاحقا، بقدر ما كان دمية من قش ربما، يحركها الآخرون من وراء المسرح الأسود أو خلف الكوابيس إن صح التعبير حيث لا وجوه يمكن تعرفها أو شخوص يمكن التعامل معها، أو مبدأ يمكن التعلق به إذا اجتاح الطوفان العالم كي يكون طوق نجاة وملاذاً أخيراً إنما كان ذلك السواد... نفوساً لا ترى أكثر من المصلحة والشخصنة والطائفية رصيداً لها في الحياة. وفي حالة زال عنها كل هذا الغطاء أو الصبغة التي صبغوا بها أنفسهم، ورأوا أنهم فقط حقيقة مطلقة تمشي على الأرض بينما الآخرون في نظرهم خونة وعميان وهم أصحاب الصفوة من عباده المؤمنين.
***
لا يخرج علينا حسن نصر الله في كل خطبة إلا كمتوعد يهدد الآخرين –وأعتقد أن الآخرين هم من لا يقدس كلماته الممجوجة التي سئمنا منها، استمعوا إلى كل خطبه فليس فيها شيء جديد سوى الترهيب والتهديد والوعيد والمن والأذى، إذ يمن علينا دائما بنصره على إسرائيل في حرب تموز عام 2006م، وبحربه تلك غير المحسوبة، وربما المدبرة بينه وبين إسرائيل لميزان القوى بينهما، دفع فيها لبنان النفس والنفيس، كي تنتهي الحرب لصالح إسرائيل، وبعدها يطل علينا حسن نصر الله من وراء حجاب بأنه الظافر والناصر صلاح الدين العصر الحديث كما يظن. الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد منذ أكثر من ألف سنة كان أكثر عمقا منا:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً... ويأتيك بالأخبار من لم تزود...
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً... ويأتيك بالأخبار من لم تزود...
***
هذه هي حقيقة هذا الرجل المتخذ من زيه الأسود حزنا ومن حزبه المسمى باسم الله رسولاً، فـ"حزب الله" أعظم شأناً من هذه الرقية أو المحو أو التعويذة التي تتخذ دائما سبيلا لعلاج المرضى بالوهم، و"حزب الله" أرفع مكانة من أن يدنس باسم حزب أو زعيم أو مذهب، و"حزب الله" تكون فيه الكلمة العليا لله، ولا يخشون في الله لومة لائم، فكيف بالساكت عن الظلم والقتل والموت وإهدار ومحو كرامة الإنسان وإذلاله في كل ساعة وحين في الوطن السوري العظيم على رمية حجر من هذا المدعي.
***
الطامة الكبرى التي خرج بها علينا هذا الأمين العام لحزب كثيرا ما سامونا باسمه سوء العذاب وسلخوا جلودنا وذبحونا كالبهائم باسم الله وأهدروا كرامتنا وضيعوا أوطاناً وشعوباً باسم الله – حاشا لله – أن يرضى الله بهذا الظلم والقمع والقتل والفساد جهارا نهارا، فالعالم كله اليوم بصره من حديد على جرائم النظام السوري النازي، عدا أعين حسن نصر الله ومن سار سيرته. قال الله المنتقم في سورة الكهف: "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا". وحسن نصر الله وزبانيته ومن سار في ركبهم بموقفهم ضد الشعب السوري العظيم واصطفافهم مع القتلة والمجرمين في حزب البعث "يحسبون أنهم يحسنون صنعا".
***
خرج علينا في يوم عاشوراء بزيه الأسود الحزين، يتباكى على الحسين رضي الله عنه الذي سجل بموقفه الشريف ضد القتلة والظالمين تاريخاً خلده الدهر، ماذا يريد حسن نصر الله أن يعلمنا وهو يتلو علينا سيرة الحسين رضي الله عنه (كلمة حق يراد بها باطل) عندما أعلن أمام الأشهاد أن النظام السوري المقاوم لا يراد منه إصلاح أو ديمقراطية وإنما إسقاط هذا النظام الممانع والمقاوم أمريكا وإسرائيل والغرب -حسب وصفه، وهذا ضوء أخضر للقمع والقتل ضد شعب لم يطلب أكثر من الانعتاق من أسر عائلة طاغية ظلت تحكمة نصف قرن بالقهر والتخوف والإذلال، هذا الشعب العظيم الذي قدم التضحيات من أبنائه ولقمة عيشه كي يقدم المجد والانتصار الذي يتبجح به حسن نصر الله بأنه كان من صنيعة حزبه وحزب البعث.
***
لم يكن الحسين رضي الله عنه يساوم على مبدأ أو موقف اتخذه حياة ومصيراً، ولم يكن يرضى لنفسه أبدا أن يكون مع الظالمين والقتلة في سره وعلنه وقوله وفعله، ودفع حياته وأهله ثمناً لهذا الموقف العظيم على مدى الحياة، لا مساومة في الحق، إما أن تكون مع الحق أو ضده، لا وجود لمنزلة بين منزلتين، لقد وضع حسن نصر الله حزبه في منزلق تاريخي خطير فهو من أولئك الذين يقلبون الحقائق رأس على عقب باسم المقاومة والممانعة والعمالة والخيانة، ويرفع شأن الطغاة والجبابرة على حساب مبدأ دفع الحسين رضي الله عنه ثمنا له.
***
وأيم الله لو عاد الحسين من قبره لتبرأ من حسن نصر الله وحزبه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق