ومَنْ جهلتْ نفسُه قَدْرَهُ
يرى غيرُهُ منه ما لا يرى
26 ديسمبر 2011
حقوقي إماراتي يروي قصة محاكمته
أحمد منصور المدون الإماراتي في أول يوم لخروجه من السجن، مع ابنه (الجزيرة نت)
شرين يونس-أبو ظبي
أحمد منصور، ناشط حقوقي ومدون إماراتي، انتشر اسمه خلال
الشهور الأخيرة، وواجه تعنيفا وتشهيرا، ونددت منظمات حقوقية بمحاكمته
هو وأربعة آخرون، بسبب قضايا وصفت بأنها تتعلق بالرأي.
يروي منصور للجزيرة نت تفاصيل اعتقاله، ومحاكمته، والحكم
عليه بالسجن ثلاثة أعوام، وصولا لقرار العفو الرئاسي عنه، مشيرا إلى أن سبب
اعتقاله يعود إلى توقيعه مع آخرين لعريضة تدعو إلى تبني مطالب إصلاحية
للمجلس الوطني الاتحادي، بالإضافة إلى وجوده الإعلامي المكثف للدفاع عن
مطالب الإصلاح السياسي.
كيف كان التعامل معكم خلال فترة الاعتقال والحبس؟
أحمد منصور: تم إيداعي بداية
بمركز توقيف منطقة "القصيص" لنحو ثلاث ساعات، وهو مكان صغير غير معد
للجلوس، وبحسب ما أذكر، كان به فقط كرسيان، وأكثر من عشرين فردا، كما لم
يكن في الغرفة حمام أو ماء نظيف للشرب.
ثم تم تحويلي مقيد اليدين، إلى القيادة العامة لشرطة دبي،
حيث تعرضت قبيل إيداعي فى زنزانة انفرادية، لعملية تفتيش، أقل ما يقال
عنها إنها مهينة، وهو التفتيش الذي يمارس على الكل، وهو أيضا ما اتبع معنا
بسجن الوثبة بأبوظبي، حيث نجرد من ملابسنا بالكامل، ويطلب منا القيام
بحركات، تشبه حركات القرد، كالنزول والصعود مرارًا، مباعدًا ما بين
القدمين!
عدا ذلك جرى التعامل خلال اليومين في الزنزانة الانفرادية
في دبي جيدا، ثم حولنا أنا وزملائي، إلى أبوظبي، للتحقيق معنا في نيابة
أمن الدولة، ثم أرسلت مقيدا إلى سجن الوثبة بأبوظبي، حيث تم إيداعي في
زنزانة انفرادية قذرة بدون تكييف أو إضاءة داخلية أو حمام، وطلب مني ارتداء
ملابس السجن التي كانت سببا لإصابتي بمرض جلدي لعدم نظافتها.
وبعد تسعة أيام، تم تحويلنا إلى عنابر، تعرف باسم
"الأحواش"، وقامت إدارة السجن بتحذير المساجين من التحدث في "السياسة"، أو
حول قضيتي، كما طلبوا من مسؤولي العنابر –وهم من المساجين ويسمونهم
"الفورمانيه"- بمراقبتي، وكتابة التقارير اليومية.
وتوالت التضييقات سواء التنقل بين العنابر بشكل
تعسفي، والحرمان من الذهاب إلى المكتبة وممارسة الرياضة، وعدم السماح لنا
بالاطلاع على أوراق القضية، وبتوقيع التوكيلات العامة أو الخاصة، وكذلك
اشتراط الحصول على إذن للزيارة من النيابة في كل مرة، وكلها أمور لا تتبع
مع بقية المساجين.
وعرفت لاحقا من أحد ضباط السجن أن كل تلك الممارسات كانت بناء على أوامر غير مكتوبة من نيابة أمن الدولة!
ولكن أسوأ ما تعرضت له، حرماني من العلاج، حيث أصبت بمرض
جلدي ثانٍ، بعد مرضي الأول بسبب الثياب الملوثة، ولمدة ثلاثة شهور، حاولت
الوصول للطبيب المختص دون جدوى، وبعد وصولي –بالحيلة- إلى الطبيب العام،
وبالكشف المبدئي عليّ، أخبرني بأنني مصاب بمرض الجرب، وتم إيداعي في العزل
الصحي لمدة أسبوع، وكان أكثر قذارة وسوءًا من الزنازين الانفرادية.
أرسلت
بعض الجهات الرسمية مبعوثين لتقصي الحقائق، كوفد من نيابة أمن الدولة،
ولجنة جمعية الإمارات لحقوق الإنسان التي رفضت الحديث إليها عن قضيتي،
لأنهم تأخروا جدا، ولأنني أجزم بأن مجيئهم كان بإيعاز من جهة ما
وكيف كان ردكم على تلك المعاملة؟
أحمد منصور: حاولنا اتباع الطرق
الرسمية لنيل حقوقنا كمساجين، ثم قررنا الوقوف متحدين ضد هذه الممارسات
التمييزية ضدنا، فرفضنا النقل بين العنابر وطلبنا الحديث مع الإدارة، وقمنا
بتسريب بيانات توضح المعاملة السيئة والتمييزية ضدنا إلى خارج السجن،
وقمنا كذلك بمقاطعة جلسات المحاكمة.
وطلبنا كذلك من محامينا التقدم ببلاغات ضد انتهاك الحقوق
كسجناء، وأرسلت بالفعل بعض الجهات الرسمية مبعوثين لتقصي الحقائق، كوفد من
نيابة أمن الدولة، ولجنة جمعية الإمارات لحقوق الإنسان التي رفضت الحديث
إليها عن قضيتي، لأنهم تأخروا جدا، ولأنني أجزم بأن مجيئهم كان بإيعاز من
جهة ما، فاقتصر حديثي معهم حول أمور أخرى بالسجن.
في الشهر الأخير تقريبا من التواجد في السجن، سمح لنا
بارتياد المكتبة، لكنه لم يدم سوى أسبوعين تقريبا، حيث دخلنا بعدها في
إضراب مفتوح عن الطعام.
وجهت إليكم تهم تتعلق بالتعدي على قادة الدولة، وقلب نظام الحكم، فكيف كان دفاعكم أو دفاع محاميكم أمام تلك التهم؟
أحمد منصور: أؤكد أن التهم
الموجهة إلينا لم تكن لتخرج عن كونها تعبيرا سلميا عن الرأي، وهي انتقادات
لم توجه لأشخاص، وإنما لسياسات معينة، كما أنه لم يثبت بشكل قاطع أن من كتب
تلك المشاركات في المنتدى هم بالضرورة الأشخاص الذين تم اتهامهم بها.
وبصفة شخصية، لم يتم اتهامي بكتابة أي شيء سوى دعوة
لمقاطعة انتخابات المجلس الوطني الاتحادي، اعتبرتها السلطات جريمة من
الجرائم الماسة بأمن الدولة.
ولماذا جاء قراركم بمقاطعة جلسات المحاكمة؟
أحمد منصور: مقاطعتنا للجلسات
بدءا من نهاية الجلسة الرابعة وما تلاها من جلسات، جاءت على خلفية حرماننا
نحن ومحامينا من العديد من الحقوق الأساسية، كاستجواب شهود الإثبات، وعدم
الاطلاع على ملفات الدعوى، ورفض قيد دعاوى التهديد بالقتل والتحريض،
والممارسة التمييزية وإساءة معاملتنا في السجن.
إضافة لرفض عقد جلسات المحاكمة بشكل علني، والسماح لبعض
أفراد الأجهزة الأمنية بحضور الجلسات دون غيرهم بالرغم من سرية الجلسات،
وعدم السماح بالالتقاء بالمحامين بشكل منفرد وبوقتٍ كافٍ، وتغيير ثلاثة
قضاة في المحاكمة، وغيرها، وهي انتهاكات رأيناها تحد من قدرتنا على إثبات
براءتنا.
وهذا ما أكدته لاحقا تقارير اللجان الدولية المستقلة التي حضرت لمراقبة المحاكمة، وأشارت لوجود انتهاكات جسيمة في المحاكمة.
كيف كان وقع الحكم عليكم وأيضا قرار العفو عنكم؟
أحمد منصور: لم يكن الحكم صادما
بالنسبة لي أو مفاجئا، ولكنه كان محبطا، حيث كنت آمل أن ينتصر القضاء لدولة
الإمارات أكثر من انتصاره لنا نحن كأفراد، وتبددت آمالنا في عفو رئاسي،
بعدما صدر في نفس اليوم مرسوم من رئيس الدولة بإطلاق سراح أكثر من خمسمائة
وأربعين سجينا، ولم نكن ضمنهم.
ولكننا فوجئنا في اليوم التالي للحكم بإبلاغنا بأوامر
الإفراج عنا، وهو ما ثمنَاه فى بيان أصدرناه، مؤكدين فيه في الوقت ذاته،
إصرارنا على البراءة والمطالبة بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق.
هل معنى ذلك أن ملف قضيتكم لم يغلق حتى الآن، وأنكم بصدد إجراءات أخرى لإثبات براءتكم؟
أحمد منصور: قرار حكم المحكمة نهائي، وغير قابل للطعن، ولكن ذلك لا يعني إقرارنا بأننا مذنبون، لذلك طالبنا بتشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق.
وملف القضية لم يغلق حتى الآن، حيث تواصلت مع نيابة أمن
الدولة، للحصول على متعلقاتي الشخصية، فأخبرونا بأنهم لن يعطونا جوازاتنا
ولم يحددوا سببًا أو مدة لذلك، كما أخبرونا بمصادرة كل الأجهزة التي تم
حجزها بغض النظر عن علاقتها بالجريمة كما ذكر الحكم.
هناك من يتساءل عن ما دفعك لاختيار هذا الطريق، رغم أن البديل عنه هو العيش فى حياة مترفة بعيدة عن تلك المنغصات؟
أحمد منصور: لا يمكن أن تكون
الحياة المترفة، الثمن الذي ندفعه مقابل حريتنا وحقوقنا ومواطنتنا الكاملة،
فلا تناقض بينهما، بل العكس، فالحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية من
شأنها أن تعزز دولة الرفاء، وتدفعها إلى الأمام بخطوات أكثر رسوخًا وثقة.
وعودة للسؤال، فإن ما دفعني لاختيار هذا المسار -كما ذكرت
سابقا- هو التزامي الأخلاقي تجاه وطني؛ فليست لدي مطامع شخصية، ومن لا
يصدق ذلك فعليه أن يجرب العمل في المجال الحقوقي كي يعرف نوعية المكاسب
الشخصية التي يتحصل عليها الشخص، وما حصل معي ليس سوى بعض "المكتسبات" التي
يحصدها الإنسان الذي يعمل في هذا الجانب!
إن كان هناك ما أتمنى
حدوثه شخصيا فهو أن تكون الممارسة الديمقراطية أعم وأشمل وأن تتحول
الإمارات إلى ملكية دستورية نيابية، لكن هذا لم يكن ضمن المطالب التي
تقدمنا بها لرئاسة الدولة
ما هي حدود الإصلاحات السياسية التي تريد من الدولة تبنيها؟
أحمد منصور: الإصلاحات عملية
مستمرة لا تقف عند حد معين، وما طالبت به ضمن ما طالب به آخرون لم يكن حتى
يضاهي ما طالب به أشقاؤنا في دول مجلس التعاون الخليجي، فهم متقدمون جدا
عنا في مطالبهم بالإصلاح السياسي.
فكل ما طالبنا به هو إصلاح تشريعات المجلس الوطني
الاتحادي، وإعطاؤه كافة الصلاحيات التشريعية والرقابية، على أن يكون منتخبا
من كافة المواطنين، إضافة للمطالبة بحرية الرأي والتعبير والإعلام وكذلك
حرية عمل جمعيات النفع العام، وإيقاف التدخل الأمني السافر في حياتنا.
والحديث عن مطالب إصلاح المجلس الاتحادي، ليس
جديدا، فهناك من طالب به منذ السبعينيات، ومنذ تلك الأيام يخبو هذا الحديث
ويعود إلى الواجهة بين فترة وأخرى، إلى أن قمنا بتوقيع عريضة تطالب بهذه
الإصلاحات، فكانت الثورة ضدنا.
وأضيف أن هناك من يطرح نهج التدرج في تحديث العملية
السياسية، وربما لا نختلف حول فكرة التدرج، إلا أن الاختلاف يكون في ماهية
هذا التدرج وتفاصيله؛ فبينما ترى الحكومة أن التدرج يقتضي أن يبدأ المواطن
الإماراتي بتعلم كيفية الإدلاء بصوته بعد أربعين سنة من عمر الدولة، نرى
نحن أن هذا ليس تحديثا وإنما هو استهانة بوعي الشارع.
وبينما يرى البعض أن التدرج يقتضي حصر حق الترشح والتصويت
بفئة معينة يتم تعيينها من قبل الحكومة، يرى بعضنا في ذلك محاولة للتملص
من القيام بإصلاح حقيقي، خاصة مع بقاء المجلس دون صلاحيات حقيقية.
وأعتقد أن ضعف الإقبال على هذه الانتخابات التي لم يتعد
التصويت بها حاجر الـ28% من أعداد الناخبين أثبت أن الإنسان الإماراتي لم
يعد يحتمل المشاركة في ممارسات كهذه عديمة الجدوى، وأثبت أنه أكثر وعيًا
مما يظن البعض.
هذه المطالب الإصلاحية تعد مطالب بسيطة جدا، وإن كان هناك
ما أتمنى حدوثه شخصيًّا فهو أن تكون الممارسة الديمقراطية أعم وأشمل وأن
تتحول الإمارات إلى ملكية دستورية نيابية، لكن هذا لم يكن ضمن المطالب التي
تقدمنا بها لرئاسة الدولة.
ما ردك على الدعوى القبلية التي أقيمت لمعاقبتك؟ وكيف سيكون تعاملك مع المجتمع الإماراتي بعد حملات التشويه التي وجهت للنيل منك؟
أحمد منصور: الدعاوى القبلية ضدي
كانت مدفوعة من قبل جهات وأجهزة رسمية، كما أن الأكاذيب والافتراءات التي
نسجت حولي جعلت أغلبية المواطنين قابلين للاصطفاف ضدي، خاصة أن من كان يصدر
تلك الأكاذيب ويروج لها ويسخر لها الإمكانيات المادية والإعلامية هي أجهزة
متنفذة في الدولة.
فتلك الحملة لم تعمل على تشويه صورة الدولة في المحافل
الدولية فحسب، بل أيقظت النعرات القبلية في صورة من أشد صورها قبحًا، وهو
ما لم نكن بحاجة إليه في ظل روح التآخي والانفتاح الذي تتسم به الدولة
وأبناؤها.
ومن نافلة القول أيضا أن الدعاوى التي تم رفعها ضدي من
قبل ممثلي القبائل، وهي ما سميت بدعاوى المطالبين بالحق المدني، لا تستند
إلى أرضية قانونية، فالقانون الإماراتي فيما يتعلق بحق التعويض عن الضرر
الأدبي (لو حدث بالأساس)، مقرر لمن أصابه الضرر مباشرة، أو ورثته في بعض
الحالات.
وحيث إن أيًّا من تلك المحددات غير متوفرة في الدعاوى
المدنية ضدي، فإنه لا شك أن الهدف منها ليس سوى مزايدة في الولاء من قبل
البعض والبحث عن الشهرة أو المكاسب المادية.
أما تعاملي مع الشارع الإماراتي، فسيبقي كما كان، بالحوار
لمن أراد، أو التجاهل لمن يريد مواصلة التهجم والسب، خاصة في ظل نزع حقي
في اللجوء إلى السلطة العامة.
يقال إنكم
أسأتم بوصفكم ناشطين في اختيار الوقت المناسب للمطالبة بالإصلاح، وإنه كان
من الممكن استغلال حدود الحرية المتاحة للتعبير بشكل أفضل، فما رأيك فى
هذا القول؟
أحمد منصور: لا شك أن الوقت الذي
مررنا به، وما زلنا، هو وقت حساس ودقيق للأنظمة وللشعوب معًا، فنفسية
المواطن الخليجي والعربي عمومًا في أعلى حالاتها المعنوية، بينما نفسية
الحكومات العربية والخليجية ربما تكون في أدنى مستوياتها، مما يعني استنفار
هذه الأخيرة وتوجسها من أية مطالب إصلاحية، وربما يفسر ذلك إلى حد كبير
شراستها في التعاطي مع هذه المطالب السلمية.
ورغم أننا لم نكن بالتأكيد مفصولين عما يدور حولنا، إلا
أن هناك مسألة يتم أحيانا تجاهلها تعمدًا ممن يحاول الزج بهذا التفسير
كتفسير وحيد لما حدث لنا، حيث إن العريضة جاءت بالأساس كردة فعل على القرار
الاتحادي رقم (2) لسنة 2011 م، وهو الذي يحدد طريقة اختيار ممثلي الإمارات
في المجلس الوطني الاتحادي، والصادر في منتصف شهر فبراير الماضي، لذا لا
ينبغي تجاهل هذه النقطة عند حديثنا عن التوقيت الزمني لهذه المطالب.
إلا أنني من الناحية الأخرى أقول إن مطالب الإصلاح
السياسي في العالم العربي تصطدم بعوائق جمة، وأعذار إيقافها أو قمعها جاهزة
على الدوام، حتى لو وردت تلك المطالب في أكثر الأوقات هدوءًا بالنسبة
للأنظمة والشعوب.
ألا ترى أن توسيع قاعدة التصويت في انتخابات المجلس الوطني الاتحادي الماضية، يمكن وصفها بأنها خطوة جيدة على طريق الإصلاح؟
أحمد منصور: لا أعتقد ذلك مطلقا،
بل هي خطوة جاءت مخالفة لدستور الدولة في مادته رقم (25) التي تنص على أن
"جميع الأفراد لدى القانون سواء، ولا تمييز بين مواطني الاتحاد بسبب الأصل
أو الموطن أو العقيدة الدينية أو المركز الاجتماعي"، حيث حصر هذا القانون
حق الانتخاب على فئة معينة من المواطنين تم تعيينها من قبل حكام الإمارات.
ولو تجاوزنا المسألة الشكلية في الانتخابات إلى جوهر أي
عملية إصلاحية، فإن المجلس ليس سوى هيئة استشارية غير ملزمة ولا يتمتع
بأدنى صلاحيات تشريعية أو رقابية، حتى لو تم انتخابه من قبل كافة
المواطنين، وبالتالي فلا يوجد إصلاح مطلقا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق