الشارقة - “الخليج”:
|
الشاعر الراحل أحمد راشد ثاني |
|
آخر تحديث:الثلاثاء ,21/02/2012
غيب الموت ظهر أمس الشاعر الإماراتي أحمد راشد ثاني عن 50 عاماً
في مستشفى خليفة إثر أزمة قلبية مفاجئة، والشاعر الراحل ولد في 1962 في
خورفكان وله ثماني مجموعات شعرية، واللافت في المجموعات الشعرية التي كتبها
على مدى ربع قرن هو محاكاتها لكثير من تفاصيل تجربته الشخصية بحلوها
ومرها، أما المستوى الشعري في هذه المجاميع فيتصاعد طردياً لمصلحة الجملة
المختزلة، التي تنأى بنفسها عن الحشو يتضح ذلك في ديوانه الأخير (الفراشة
ماء مجفف) وهو عبارة عن قصيدة واحدة ب 61 جملة شعرية مرقمة تفصل بينها
مساحات واسعة من البياض، فتظهر الجمل والكلمات كسطور قليلة من كلمات، تدب
على صفحة كثيرة البياض.
القريبون
من أحمد راشد ثاني يؤكدون انخراطه في اللعبة الشعرية إلى آخرها، ليس
بوصفها كتابة جديدة فقط، وإنما أيضا بوصفها ترجمة لحياة ذات نكهة تليق
بعالم الشعراء الأصلاء، فرائحة الشعر عنده طازجة كما ينبغي للحظة أن تكون،
مفارقة ومدهشة وقابلة للتأويل، وهذا يعني أن حرارة الشعر التي ستظل دافئة
من بعده، لن تبخل عليه بقراء جديدين يحملون هم الشعر وينادون بنكهة أخرى
تليق بالحياة .
يشار للشاعر الراحل بأنه أحد أعلام الإمارات وكتب إلى جانب الشعر بحوثاً في التراث، كما تتبع حياة شخصيات مؤثرة في تاريخ الإمارات .
كان
لطفولته في خورفكان أثرها في شعره حيث تمتاز هذه المدينة بتضاريسها التي
تتمدد بين البحر والجبل، ويصف طفولته فيقول عنها “تعرفت إلى أفضل إدمان
أصبت به على الإطلاق وتمرنت على أفضل موهبة، أفضل قدرة، أفضل ما تعلمته في
الحياة: قراءة الكتب، التفكير مع القراءة، الحياة في القراءة، والموت
أيضاً” .
يروي
الكثيرون عن أحمد راشد أنه تحدث عن والده الذي كان يعمل في البحر فأهداه
أسفاراً تراثية في صغره، سرعان ما اصبحت زاده اليومي، ليكتشف في ما بعد انه
منذور للكتابة والكتب .
من
مجموعاته الشعرية نذكر: (دم الشمعة) و(يأتي الليل ويأخذني) الذي يصف
معاناة الشاعر الوجودية و(هنا اللذة) الذي يزاوج بين عالمي الحب والبحر
و(الغيوم في البيت) .
هل
كان الحريق الذي شب في بيت الشاعر أحمد راشد ثاني قبل نحو خمسة أشهر
بمثابة انذار وفاة، يقينا أن أحمد راشد ثاني الذي توفي بسبب أزمة قلبية ولم
يكن يفكر على هذا النحو، بل كانت جوارحه معلقة في طيف قصيدة يراودها حتى
تكتمل .
هو
إذن في عمق مكيدة الموت، الموت الذي يذيب الضغائن، ويفرغ المتناقضات،
ويذيب شحنات الأسى، ويفتت غمامة الحزن، ويكتب فكرته مجردة، ولا تشبه إلا
نفسها .
منزله الأول*
منزلك الأول، أين كان في خورفكان؟
أنا
ولدت في فريج ملتبس، وهذه عتبة لالتباسات عديدة حدثت فيما بعد، هو فريج
جديد، أبي وأمي وبعض الجيران هم أول سكانه، وهو يقع خارج خورفكان القديمة
التي أحاطها البرتغاليون بسور، هذا الفريج يقع في الطرف، والأطراف في القرى
القديمة تتمثل في أربعة معالم هي: المرعى ومصلى العيد والمقيظ والمقبرة.
أما
الالتباس الذي أشرت إليه فيتمثل في أن للفريج الذي ولدت فيه اسمين، الاسم
القديم هو “الفصيل”، والاسم الحديث “المديفي”، وهو اسم غامض لا أعرف معناه.
ما ترتيبك بين إخوتك؟
أمي أنجبت طفلاً مات قبلي، وأنجبتني، ثم أنجبت طفلاً مات بعدي، ثم كفت عن الإنجاب إلى الأبد.
هل حدثك الوالد رحمه الله، أين كان يسكن قبل مرحلة فريج “المديفي”، أو أين كان يعيش جدك من جهة والدك؟
أبي
غريب في خورفكان، وهذا واحد من الالتباسات، هو فلاسي من دبي، كان يسكن في
جزيرة اسمها “نيام”، صارت فارسية الآن، كانت له مزارعه في كنف جدي، وجدي
غرق في البحر حسبما سمعت، وصار لي ثلاثة أعمام وعمة تعيش حالياً في دبي،
أحد أعمامي كان بحاراً مغنياً، مات في دبي.
وذات
مصادفة بحرية دخل أبي خورفكان بحاراً في صحبة نوخذة في المدينة نفسها،
أثناء ذلك تزوج أمي، ومن ذلك اليوم تحكمت في حياته، وزوجت أخاه ابنة أختها،
وتوطد لها منذ ذلك الحين “استعمارها” لهذين الشخصين المسكينين أبي وعمي.
* مقطع يلقي الضوء على طفولة الشاعر الراحل من كتاب “أول منزل” للزميل عياش يحياوي
اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات ينعى الشاعر الراحل
نعى
اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات الشاعر الراحل أحمد راشد ثاني، وجاء في بيان
النعي: “ببالغ الحزن وعميق الأسى، ينعى اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ابناً
من أبناء الإمارات الذين حملوا لواء الريادة في مجال الأدب، وأديباً من
أدبائها الذين رفعوا راية التفرد، وروائياً من رواتها الذين حازوا قصب
السبق، ومبدعاً من مبدعيها الذين تشربوا حب وطنهم فأخلصوا له، وحملوه بين
حنايا قلوبهم، وتلافيف عقولهم، الأديب الإنسان، أحمد راشد ثاني، رحمه الله
وجعل الجنة مثواه، الذي وافته المنية إثر مرض لم يمهله .
ويعبر
رئيس وأعضاء مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات عن خسارة الاتحاد،
وخسارة الإمارات لواحد من مؤسسي اتحاد الكتاب الذين أعطوا الكثير، ولم
يطلبوا شيئاً، بل ولم ينتظروا شيئاً، وكان من السباقين في السعي نحو رفع
راية وطنه في مجالات الأدب والرواية والمسرحية والشعر، وكان شغوفاً
بالتجريب والتحديث والإبداع، وصولاً إلى ما يحقق طموحه نحو وطنه وأدب هذا
الوطن .
لقد
كان أحمد راشد ثاني، رحمه الله، أنموذجاً للأديب الصادق مع نفسه، واحتفظ
لنفسه بمكانة فريدة بين أقرانه، واشتغل على مشروعه الثقافي بقدر ما أوتي من
جهد، وبكل ما أعطي من موهبة، الأمر الذي سيجعلنا نذكره بالخير ونترحم عليه
دائماً .
وإن
اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وهو يدرك حجم خسارته، وخسارة الساحة الثقافية
في الدولة بفقد هذا الأديب المتميز ليؤمن في الوقت نفسه بقضاء الله، ويسلم
بحكمته، وبأن كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام .
فللفقيد الرحمة، ولأسرته وأحبته ولكتاب وأدباء الإمارات كافة الصبر والسلوان” .
“إنا لله وإنا إليه راجعون”
اتحاد كتاب وأدباء الإمارات
كتّاب إماراتيون: شريك ثقافي مثابر مدفوع بموهبة نقية
أعرب
عدد من الشعراء والكتّاب الإماراتيين عن حزنهم على رحيل الشاعر أحمد راشد
ثاني مشيرين إلى أهمية مشروعه الثقافي الذي راوح بين الشعر والمسرح والبحث
في الثقافة الشعبية .
وقال
الشاعر حبيب الصايغ رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات “كأن
الذين يحيون شعراء يأبون إلا أن يموتوا بطريقة شعرية أيضاً” .
وأضاف
الصايغ “أنا من القلائل الذين سيشعرون الآن بمرارة فقد أحمد راشد ثاني فقد
نشأنا معاً وكنت شاهدا على أيامه الأولى في الكتابة منذ أن كنا نصدر
الملحق الثقافي في جريدة الفجر الإماراتية الذي كان أول ملحق مختص بالثقافة
في حينها، وبالرغم من صغر سنه إلا أنه كان محملا بالوعد والموهبة
والإصرار” .
وأضاف
الصايغ “في تلك الأيام التي كنت أشغل فيها منصب مدير تحرير الصحيفة وأسسنا
معا الملحق الثقافي فيها، وكان أحمد يصغرني سنا، كنت أتابع ما يكتبه وأرى
فيه صاحب موهبة حقيقية وواعدة، وبعد ذلك استمر معنا في اتحاد كتاب وأدباء
الإمارات وكان عضواً مؤسساً واليوم نشعر بأن لقاءاتنا كأسرة أدبية وثقافية
في الإمارات ليست بحجم المأمول، فقبل دقائق من سماع خبر رحيل أحمد كان
الصحفي عبده وازن يسألني عنه، ومن المؤلم حقا أن تكون أخبارنا عن بعضنا
ليست بالحجم المرغوب، فليس من المحمود أن نصحو فجأة لنعرف أن أحدنا قد رحل
عنا، وفقدناه إلى الأبد” .
وقال
الصايغ “أنا حزين لأننا فقدنا شاعراً بحجم أحمد راشد ثاني وحزين أيضا لأن
المقبل من تجربته لم يأت بعد بالرغم من أن ما أنتجه من شعر مسرح ورواية يعد
إضافة مهمة لمشهدنا الثقافي، وكل ذلك النتاج كان مرشحاً أن يكون أكبر لو
عاش فترة أطول ولكنه قضاء الله وقدره ونحن نؤمن به” .
وتمنى
الصايغ أن تخلّد تجربته لما تمثله من أهمية وحضور، مشيراً إلى أن هذه مهمة
لا بد أن يتابعها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات و”سنتصدى لهذه المسؤولية،
ونحن كأسرة إماراتية خسرنا اليوم مبدعاً مهماً على مستوى الكتابة والأخلاق
والوطنية، وما يسجل لأحمد راشد ثاني أنه أمضى حياته مبدعاً ومخلصاً لثقافته
وأدبه ووطنه” .
وقال
الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم “لقد فقدنا واحداً ممن شاركنا الهم والموهبة،
وكان مثالاً في العمل والخلق والكتابة، وشريكاً ومثابراً ومدفوعاً بموهبة
نقية”، وأضاف إبراهيم إن فقد شاعر كأحمد راشد ثاني هو خسارة ليست عادية لنا
كشعراء وأسرة أدبية وثقافية، ونسأل الله أن يرحمه ويسكنه فسيح جنانه .
وقال
الفنان محمد المزروعي خسرنا مبدعاً كان على الدوام مشغولاً بالقراءة
والثقافة والتراث، وهو واحد من رواد الحراك الأدبي في الإمارات الذين
أخلصوا لثقافة الإمارات واشتغلوا على تطوير المفاهيم والأسس التي من شأنها
أن ترتقي بمشهدنا الثقافي والأدبي .
وأضاف “عندما نؤرخ الحياة الثقافية، فلابد من الإشارة إلى أن أحمد راشد ثاني هو من أصحاب الريادة الحقيقية في العمل الأدبي” .
وقال
الفنان السوداني علي الجاك: أحمد راشد ثاني خدم المشهد الثقافي الإماراتي
بإخلاص ووفاء، وكان دقيقاً دائماً في هذا الشأن، وكان دائم البحث عن كل ما
يقدم إضافة لهذا المشهد، ورحيله اليوم يشكل لنا خسارة كبرى ولابد أنه ترك
لنا قيمة إبداعية لا تنسى .
وقال
الشاعر والباحث الجزائري عياش يحياوي “يأتي خبر الموت مثل البرق صاعقاً،
مدهشاً، ماحياً المسافة بين اليقين والشك، ومثبتا لحقيقة واحدة، هي انتهاء
رحلة حياة إنسان على الأرض . وحين يكون المفقود شاعراً وباحثاً ومسرحياً
يتضاعف معنى الموت، ورغم أن الحياة تعبت كثيراً في تدريبي على استيعاب
تراجيديا الفقدان إلا أني خيبتها كثيراً، إذ لايزال الموت يشعل في ذاكرتي
الحرائق والأسئلة . وها هو خبر رحيل الصديق الشاعر الباحث أحمد راشد ثاني
يأتي قاسياً مثل طعنة خنجر صدئ قديم لفداحة الرحيل، فهو شاعر مجدد في النص
الشعري الإماراتي، وأهم ناثر على الإطلاق في الثقافة الإماراتية، تتداخل في
نصه النثري - وهنا أشير إلى مذكرات طفولته التي نشرها في الملحق الثقافي
ب”الخليج” حدة مزاجه الشعري
وقدرته على ربط الأفكار والمعاني بطاقته الحيوية المستمدة من قراءاته للمتن
الحداثي المسطور، وتتجلى في نثره قدرة عجيبة على السخرية من الحياة
وتناقضاتها، وآمل أن يهتم النقاد مستقبلاً بهذه الملكة التي لا تقل عن
ملكته الشعرية، يُضاف إلى ذلك أن أحمد راشد ثاني يتسم بصفة معرفية جديرة
بالتنبيه إليها هي أنه طارح أسئلة من الطراز العالي في الشأن الثقافي .
بدأ
أحمد، رحمة الله عليه، رساما ينقل ملامح الطبيعة في بيئته البحرية
والجبلية على خورفكان إلى لوحاته، حتى إن إحدى لوحاته نالت الجائزة الأولى
في مسابقة تشكيلية بالمنطقة الشرقية لإمارة الشارقة وهو بعدُ في المرحلة
الإعدادية . ولتأثره بحادثة رواها لي في كتاب “أول منزل” ترك الفرشاة
والألوان واتجه إلى الشعر، ثم إلى المسرح في المرحلة الجامعية حيث كان من
مؤسسي “المسرح الحر” في جامعة الإمارات يوم كان طالباً . وقد ترك الفقيد
مسرحيات عديدة ومجموعات شعرية وكتبا بحثية في التراث الشعبي الإماراتي
أسهمت في ثراء المكتبة الثقافية والإبداعية المحلية .
منذ
فترة قصيرة، هتفت له وسمعت صوته متعباً، لكنه أكد لي أنه بخير وقد بدأ
يتعافى، غير أن إرادة الله فوق الجميع . غداً، حين يهترئ حجاب المجايلة ولا
تبقى سوى النصوص ستخضر شجرة أحمد راشد ثاني في ذاكرة الأجيال الإماراتية
والعربية، وقريباً منها لافتة مكتوب عليها: “هذا رجل مختلف يحتاج إلى
الإنصات لمخزون كتاباته” .
وقال
الشاعر أحمد المطروشي “قبل شهرين من الآن كنت جالسا مع أحمد راشد ثاني
والشاعر أحمد يعقوب حيث تبادلنا الكثير من الحديث الشعري في الساحة
الإماراتية والعربية بشكل عام، توقفنا كثيراً عند موضوع ترجمة الشعر
الإماراتي إلى الإنجليزية وقد كان لراشد ثاني تعليقاته المثيرة للجدل في
هذه الجلسة، يتساءل المطروشي هل كانت هذه العبارات التي نطق بها أحمد خير
مثال على حياته الاستثنائية التي لم تكن تقبل أنصاف الحلول في القصيدة التي
كان يريدها أحمد ثاني مغايرة تماماً وعلى صورة الحياة في نسغها الشفاف،
كما هي عند لحظة الولادة، وكما هي عند يقظة الموت التي هي اليقظة الجريئة
المحزنة التي فاجأتنا كثيراً، لكنها برغم خسارة الفقد الكبيرة ستجعلنا أحرص
على تذكر قصائده ومعانيها ودلالاتها، “ستبقى هذه القصائد نابضة بالحياة” .
الشاعر
خالد الظنحاني وصف الراحل بأوصاف كثيرة، ومثل هذه الشخصية التي تمتع بها
الراحل كانت حديث الوسط الشعري في الإمارات فأنت نادراً ما تلتقي مع أحمد
راشد ثاني ولا يبادرك بنكتة تلخص مرارة اللحظة وتهز كلماتها أعماق أصدقائه
فينبشون في مراميها ودلالاتها .
لقد
كان الراحل بحسب خالد الظنحاني ينأى بنفسه عن الشهرة، “وكثيراً ما هاتفته
ودعوته ليشارك في أمسية شعرية وكانت إجابته في كل مرة هي الرفض الذي ينبئ
عن تصور خاص للحياة التي عاشها على نحو شعري، كما يتفق جميع محبيه” .
وقال
الشاعر عبدالله السبب: رحيل أحمد راشد ثاني خسارة فادحة على المستويات
كافة الإنسانية والشعرية، علاقتي به تعود إلى عام 1989 وجدت فيه الإنسان
الصادق والودود والجريء في الرأي، تميزت أشعاره بالجدة فضلاً عن اهتماماته
البحثية وكتاباته الجيدة في المقال النثري، الآن تواجهنا مشكلة العزاء،
فآخر بيت لأحمد احترق منذ فترة وجيزة ونحن لا نعرف كيف نقدم واجب العزاء
فيه، ولذا أقترح أن يتبنى اتحاد الكتاب هذه الفكرة .
وقال
الباحث والشاعر أحمد محمد عبيد: جمعتني بالراحل صداقة عميقة وكنا نجتمع
بصورة شبه يومية تقريباً للحديث في شؤون الثقافة المختلفة، أحمد راشد ثاني
باحث قلق اهتم بالتراث الشعبي وكان ينوي في الفترة السابقة لرحيله إعداد
كتاب عن تاريخ وعادات الطعام في الإمارات .
أخيراً
يسألني عن دوافِعِ الموجِ
وأخبرُهُ عن حذاءِ البحرِ
يسألني عن أسباب السماءِ
وأخبرُه عن قبعةِ القَمرِ
أخيراً صَمَتَ،
فأخذتُ أجمعُ الحصَى
من على شطآنِ الكلامِ
وأضعُهُ في كأس القصيدةِ
أخيراً توقفَ عن رثاء المرآةِ
ونامَ على الماء
كظل وردةٍ
أخيراً شُفيَ من الدّم
أي موجة
يصفونَ لي الصحراءَ
وينسونَ حبةَ رمل
في موجةٍ مازالت تركضُ
على البحرِ
يصفونَ خطواتي الكثيرة
على شاطئ البحر
بينما لا يعرف البحر
في أي موجة غَرِقْت
الطائر الذي أكل
أنهضُ وأرحلُ
عن البيتِ
في البيتْ
أكتبُ موجةً
وعليها ظل غيمةٍ
كان يَظُنها سمكةً
الطائرُ الذي أكلْ
ابن الحياة
لم يكمل السطر الأخير على ورقته البيضاء . .
الجملة الفعلية القصيرة، الجملة الشعرية النقية مثل نقاء بحر خورفكان . . لم تكتمل .
القصيدة التي لم تكن الأخيرة . . لم تكتمل أيضاً .
هكذا
رحل الشاعر أحمد راشد ثاني أمس، بعدما خذله جسده، ولم ينفع الطب في إعادة
الشاعر إلى الهواء الطلق، وإلى جلوسه الفضيّ على حافة البحر .
رحل أحمد راشد ثاني، وهو يتألق شعراً وحياة ومرحاً حتى في ذروة مرضه .
هذا
الرحيل خسارة للمشهد الثقافي في الإمارات، وفي منطقة الخليج العربي .
الرحيل الذي ختم ببياض الموت وجلاله على سيرة شاعر كلّه قصيدة .
صباح
أحمد راشد شعر . ظهيرته شعر . مساؤه شعر . كتب الشعر الشعبي وأبدع في هذا
النوع من الفن القريب من وجدان وذاكرة الناس في الإمارات وفي الخليج العربي
.
كتب قصيدة التفعيلة، ثم وجد أن روحه تتحرّر أكثر فأكثر بالخروج على الوزن، فذهب إلى قصيدة النثر .
أحمد
راشد ثاني من روّاد قصيدة النثر في الإمارات وفي الخليج العربي . كتبها عن
ثقة وعن ثقافة عميقة، وهو القارئ النهم . القارئ المتذوّق لما يقرأ . .
هذا التذوّق الرفيع الذي من شأنه أن يعيد إنتاج القراءة في عمل شعري أو في
عمل نثري يظهر فيه ذكاء كاتب يعرف من أين يسقط ماء الشعر .
في
قصيدة النثر، انفتح أحمد راشد ثاني على نوع من الكتابة يمكن أن يطلق عليها
الكتابة الأفقية . إنه تأملي بالدرجة الأولى . غنائيته لا تستولي على
شعريته، قليل الإنشاء البلاغي . ولا يذهب إلى الكثير من التوريات والكناية
والمجاز . يغرف من الحياة، وبالأحرى، يغرف من ذاكرته ومن طفولته ومن
مرجعيات ثقافية محلية، إضافة إلى مرجعيات مشهدية، وأقصد بالمشهدية هنا، تلك
الصور، وتلك الحياة، وذلك الولع بالحياة والاحتفاء بها الليل كلّه والنهار
كلّه .
لذلك،
فمن الطبيعي أن نلاحظ، وهو بكل هذه المحمولات الحياتية والثقافية، كيف أنه
كان غزير الإنتاج الشعري في السنوات الأخيرة، هذا النتاج الذي أشاد به
شاعر كبير مثل أنسي الحاج .
بين
الشعر والحياة، ذهب أحمد راشد ثاني إلى اهتمام آخر، وبالولع نفسه المعروف
عنه تجاه الشعر، فهو عاشق كبير للمسرح، كتب للمسرح، وغالبية العناصر
المسرحية الإماراتية والخليجية تعرفه عن كثب . تعرف ثقافته المسرحية وتعرف
لغته المسرحية . . تلك اللغة المشدودة إلى شعريته الغنية بكل مفردات الحياة
المرحة والمملوءة بالمسرّات .
لم يكتف بكل ذلك . .
ذهب
أحمد راشد ثاني في السنوات الأخيرة إلى البحث بل السفر في الثقافة الشعبية
الإماراتية والتراث الشعبي الإماراتي، لقد عمل مسحاً ميدانياً واسعاً في
هذا الحقل، وأغنى المكتبة الإماراتية بعناوين محلية حيوية يعود إليها كل من
يريد أن يفهم ويدرك جيداً ثقافة المكان .
أحمد راشد أكثر من ذلك . . إنه أولاً وأخيراً ابن الحياة . . حياته التي تذرف عليه دمعة اليوم .
المحرر الثقافي