يحيى الناعبي
ميدان التحرير ذلك المكان البهي الذي ضم مليونيات عدة من المصريين، في ساحته الصغيرة وكان قلبه واسعا للمظلومين والمكلومين والبؤساء، الذين طحنوا بين رحى الظلم وأنياب الظلال، فكلّ شيء هناك كان ظلهم وظليلهم، وكنت أرى تلك الوجوه الآمنة على نفسها، حيث إنه وبحكم معرفتي المتواضعة بقاهرة المعز وأم الدنيا كاملة بمحافظاتها المتعددة، كنت سابقا أقرأ الوجوه التي أتعامل معها وكذلك التي تمرّ أمامي بنظرة الخوف وعدم الثقة والجشع والمراوغة والنكتة المفتعلة بدافع "تمشية الحال والأجر على الله"، أما في الزيارة الأخيرة قبل أسبوع فأصبحت القراءة مختلفة، حيث الوجوه المطمئنة الودودة تحمل ثقة مواجهة المستقبل بكل تحدياته سواء على المستوى المعيشي وحتى على مستوى مواكبة التقدم في العلوم والتكنولوجيا، أصبح الجيل يعي الدور المنوط به وماذا عليه أن يصنع، وعلى خلاف السابق كما يذكرون هم من خلال استطلاع شخصي مع مجموعة من الناس الذين التقيتهم، حيث إنه كان سابقا يحمل تناقضا رهيبا في تصرفات وسلوك الجيل الجديد، فما يحمله من وعي معرفي عام يقابل بقمع من قبل جيل الحكومة القديم الذي لا يحسن التصرف حتى مع أبسط الأجهزة الإلكترونية وتسخير تقنياتها خدمة للانتفاع بها، وهنا وقعت اشكالية الحكومة السابقة مع الجيل الناهض بقوة نحو الحياة، وبحسب تحليلي الشخصي لم يكن الفقر والجوع هما فقط من أقام الثورة، بل أيضا النظرة نحو الحياة بأسلوب مغاير وباستخدام براجماتي بما سخّرت لهم الدول الصناعية المتقدمة من علوم وتكنولوجيا، لأن المصريين بكل قوتهم استطاعوا قهر الفقر وتحايلوا عليه في مراحل كثيرة من الحياة، كونهم شعبا منتجا من خيرات تلك البلد وصبورا، ولكن المعرفة هي جنون البشر التي لا يستطيع أي نظام مهما بلغت قوته أن تقهره وترجعه إلى الوراء، وبالتالي استخدمت الحكومة المخلوعة المقولة الشهيرة لوزير الدعاية النازية بول جوبلز: "كلما سمعت كلمة مثقف أتحسس مسدسي"، إلّا أن العلم والمعرفة هما طريق الانتصار. وفي لقاء مع أحد المثقفين الأصدقاء كنت أسأله بدهشة واستغراب، كيف استطاع هذا المجتمع فك رباط حزمة القبضة الأمنية المهيمنة بجبروتها وغطرستها؟ وطبعا تحدث كثيرا عن تلك التجربة، إلا أن أهمها هو التنظيم حيث شرح الكيفية المنظمة والعاقلة والمتزنة التي أجبرت ذلك الهرم على السقوط، ومن هنا جاءني التفكير حول الأحداث الأخيرة في مسقط، حيث إنه لا تستطيع أي قوة أن تكمم الأفواه، ولكن علينا بالاتزان في طريقة الطرح والحديث، وليس ذلك بجديد بل هي قاعدة ثابتة، تعلمناها في أدب الحديث، فمع الثقة بالنفس وتحليل الواقع، تجبر الآخر على النزول إليك والتحاور معك، لأن منظومتنا الاجتماعية صعبة التفكك وتصنيفها في طبقة السلطة وطبقة المحكومين، فصاحب السلطة هو من أبناء القرية التي ينتمي إليها آلاف من أبناء عشيرته، يعانون من أخطاء المؤسسات وجورها، وبالتالي لا يستطيع أن ينفكّ عنهم مهما حاول، ودورة الحياة مستمرة، والقدر له لعبته ولكن علينا أن نلعب معه بنظام دون تهكم ولا قدح شخصي ولكن بتحليل الواقع والنتائج التي آلت إليه، وألّا يتم تعليق الشماعة على فرد، بل على منظومة، فكما ألقى الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي اليمين في المحكمة الدستورية، كان الرئيس المخلوع يرقد في المستشفى على بعد 18 مترا، فما يفصلهما هو شارع، والذي بدوره فصل بين عصرين بتاريخ مصر. لذا نتمنى أن يكون هناك حوار بنّاء نحو الإصلاح وبنظام، وليس بمجرد أفعال فردية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق