عادل الكلباني
حديث المطر
مقنيات لؤلؤ إذا ابتسمت/ كالشمس مشرقة في فرح/ بازغة كالفجر/ ساطعة كسماء/ يموج فيها روعة اللون والحسن.
***
في مقنيات مرت ايام طويلة شوقنا يجرفنا اليك وقد تخثرت السواقي وجف ينبوع الفلج/ والوديان كساها الغبار بعد ان فاضت بمدك... تدفق ايها المطر الجليل قبل ان تهرب الذكريات منا وترحل/ فكل قطرة منك توقظ في القلب ذكرى/ وكل قطرة منك يخضر منها شجر الحب والروح.
***
في مقنيات انتظرناك طويلا ايها المطر/ الذي يأتي بهداياه الينا / انتظرناك / لا نخلف لك وعدا ان قلنا إن لك في القلب فرحاً لا تضاهيه الا فرحة الطفل الرضيع بأمه حين تغيب/ وعن قريب تأتي تحمل في حناياها كل شوق في الحياة اليه.
***
وانتظرناك طويلا ايها المطر الذي يؤوب كالكريم/ ينادي على الناس وتأتي
تأكل الحلوى وترتوي من نبع يديه .
***
ايها المطر الذي رسمناك فوقنا باسمك دائما غيمة وسحاب/ ننظر اليها في السماء البعيدة نرسل لها التحيات ونبارك لونها الغامق عله يقترب منا ونتوسل اليها ان ترحم الشجر وبلداً أتعبه العطش لكن الغيمة ترحل وتتركنا وحيدين مع الظمأ والسراب.
***
ونقول ايها المطر لعلك تأتي إلينا/ نرقص مع اشجار الطفولة التي مازالت باسمة
فرحا بك في كل طريق نهتدي اليه / نرقص بكل نشيد حفظناه عن ظهر قلب
منذ الطفولة حتى اشتعلنا بالمشيب/ والفجر يتصدع في وجه النخيل يسيل الضوء في الضواحي نوراً قلما رأينا مثله ونحن نجوب الأقاصي بحثا عن تلك الظلال.
***
حلمنا بك في المنام/ وانتظرناك طويلا/ صورك/ وأنت تهطل على الجبل
فوق أوراق الشجر والنخيل/ ظلالها ملاذ لنا من وهج الهجير/ على أجنحة اليمام
واختبأت -أثقلها ودك - فوق الغصون/ فوق البيوت/ فيصدح صوت المزاريب بالمياه/ رفعنا الصلاة وابتهلنا إليك/ من يُحيي الارض غيرك/وترقص كل الكائنات على وقع لحنك / فلحنك /علمنا كيف نغني ونرقص / إذ سحرك باذخ بالموسيقى والقصائد.
***
في انتظارك / كل شيء يفتح نوافذ الجسد والروح / ويقف الناس منتظرين قدومك بفارغ الصبر / الشيوخ برؤوس حافية جللها الشيب / وعجائز تكبر وتحمد الله / واطفال يلاحقون غمامك بأعينهم علها تسكبك فيـنا .
يكفيك كل هذا الغياب الطويل
كي يفجرك الحنين .
***
يتوقف الشعراء عن القول اذا انسكب المطر/ لا شيء في الارض يضاهيه شاعر عظيم مثله / من اين للشعراء كل هذا النظم والقوافي؟/ لا سبيل أن يأتي الشعر اذا انهمرت قطراته وتفجر لفظه / ولا يتبقى لهم الا الصمت / الصمت في حضرة المطر لهيبته وجلاله... شعر/ قطراته موسيقى وأوزان/ ترقص الطبيعة بكل مافيها / مأخوذة بكل هذا الايقاع المنقطع النظير / الشجر ينوس والطير يصدح والجماد يتألق فيه الفرح والبريق/ والبشر يتعلمون الرقص في حضرته الكبرى/ والارض وحدها من تحضنهم جميعا / خضراء الوجه والجسد في زفاف الحب الجميل.
***
المطر شعر / حين تنهمر قطراته تكتمل القصيدة.
المطر حب / حين تلتقي نظراته بأفق أبيض / يسافر اليتم في الشرايين.
المطر سفر / تخضل الذكريات إذ آن الرحيل.
المطر / روح / يحرث أرضاً خصبة فيكتمل الجنين.
المطر / نور / ينبجس فردوس في قحط الصحراء.
المطر/ عشق / كلما فاض اينعت وروده/ قطافها مزار وعبور.
المطر/ حنين/ في ازدحام الذاكرة بالوجوه والجفاف.
المطر / قمر / كلما طاف الغمام عليه وانسكب / اشرق بضياء كالذهب بلله الماء.
المطر/ شوق / اذا غاب طويلا يتهشم القلب / بينما توقظه قطراته كالبعث إذا آب.
المطر/ حيــــــــــــــاة.
حديث الحب
لو صدحت تحت سدرة النبق / نشيدا يعيد طفولتنا / في المهد / لطار اليمام / بعيدا.. طار / من فوق شجرتنا / أصداء كالشجن / عاد بقوافله / ليضرم حنينه فينا
***
البيداء التي غمرت / كثبانها الحب / وانت تنقبين / عن عشق في القلب / مخضب
بالغياب والحزن / ينبجس / أصيلا يتألق كعسجد / لا يصدأ.
***
سأقطفك من الذكرى وردة اشتعلت حنينا بي / في زمن اخضر عبر كل الفيافي والافياء اليك / وما أبقى عدا الشجن في صورته الكبرى / مزجني الحزن بحنينك
قطرات من الدمع تطفر في ذكراك / تنحدر كالوهج كآخر خلاص لي أرتجيه وأنتظره من وردة قطفت / أقحمتني كل هذا الجحيم.
***
اقترب من بابك مضرجا بآثار رمد وغبار /الصاعد من الصوت والصدى لا اكاد ابين الا في الهجرة والرحيل / اقترب كشوك جارح/ تبدو الصورة كماض تشكل منذ الصغر شجرة في صحراء يحتويها القحط والمرارة لا سبيل الى ولوج حريتها الا بوهج معتق/ فيما تبدو السماء غارقة في الزرقة وغيم لا يحتضن احدا، طيفه الاخضر دائم الترحال لا يستقر به الحال على جبل مزقت احجارة قسوة العطش، في تشابه لأشجار تموت.
***
الجفاف هو وحده السلطان على هذه الصحراء وما سواه خلا ثرثرة وسراب، هو وحده من يمسك بالصولجان العتيد ويضرب به جسد الارض اصقاع جثث وهشيم، والسماء كقرصان ازرق تنضح ببروق خلب وهزيم رعود.
***
تأتين من خلف الضباب أسواراً ومنايا / تحركين اغصان الشجر الباقي على ضفة القلب / قلب عهدته قويا ايام كان على الضفاف وحيدا قبل ان يسقمه العشق.
***
القلب يانع بك/ وتمر تحت النخيل وحيدا يمطرك الحب/ وإذ شجرك يمتد حتى تخوم الصحراء التي بعدها يبدو كل شيء يتيما/ الامكنة التي تركنا فيها الذكريات كطيور مزركشة اللون تحلق في اعالي سماء رسمنا زرقتها معا / ..... في قادم الايام لن يتبقى من هذه الطيور الكثيرة التي رأيناها /عدا هذه السماء التي لم نصلها برغم كل تلك الاحلام المبهرجة في الطريق اليها.
***
اللون لا يتغير الا بمزيج آخر قابل للفناء فيه / تغيب كل ملامحه وصفاته ليصبح شيئاً آخر غير ما سبق/ وانا وإياك/ كلما اقتربنا زادت فينا شعلة الاختلاف / وقبل الانصهار بما فيه الكفاية / تفرقت بنا سبل اللون والصفات.
****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق