24 يوليو 2012

ما وراء قضيتي الإساءة والتجمهر


حمود حمد الشكيلي 

    ما أن يسعى أي إنسان في  الاقتراب من أحداث صيف عمان 2012  إلا ويجد قائمة طويلة من السلبيات التي أفرزتها قضيتا الإساءة والتجمهر، كانت أخطاء الأجهزة الأمنية أكثر وفرة، بينما المؤسسات الأخرى ظلت صامتة تهضم الفراغ بعيون نصف مغلقة، هنا إشارة إلى الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، بينما كتاب آخرون من خارج مجلس إدارة الجمعية، وفيهم من ليس عضوا في هذه الجمعية ظلوا ينبهون على وفرة الأخطاء، وإعادة تكرارها، لذلك حدث أن تم التنبيه على الأخطاء الفادحة التي قد لا تغتفر، بعض هذه الأخطاء تتحمله وزارة الإعلام، والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ووكالة الأنباء العمانية، والصحف المحلية (عمان، الوطن، الشبيبة). وبعضها تتحمله الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، وجمعية الصحفيين العمانية، فالأولى صمتت كثيرا، ولم تقف مع من وقف معها من الكتّاب الذين نشرت صورهم، وهم لا يستطيعون إنكار ما قدمه أحد المعتقلين للجمعية في نشاطها الثقافي أيام معرض مسقط الدولي للكتاب، لم تكتف الجمعية بالصمت، بل إنها تمادت كثيرا ولم تعلل  صمتها المريب والمعيب، والثانية اخترق أمام مرأى جميع أعضائها الصحفيين مواد من قانون المطبوعات والنشر، وبدا أن الجمعيتين راهنتا على الصمت عله يجدي نفعا... كل هذه الأخطاء جاءت نتيجة القبضة الأمنية الشرسة التي تسيطر على المؤسسات، وترهب الأفراد وتمنيهم بالمناصب بعد الصمت الطويل، أي أن الصمت نهش البلاد كما ينهش الذئب فريسته، ولم تعش عقول كثيرة حياة مستقلة، خصوصاً في ظل عدم مقدرة المؤسسات والأفراد على أن يكون لهم رأي مستقل.   
     هنا أرجح كفة أن شخوصا من تلك الأجهزة الأمنية مارسوا ضغطا بضرورة نشر الصور بجميع معلومات أصحابها، وبضرورة إلزام بعض المؤسسات الحكومية أو المدنية/أو بعض أفرادها الصمت –ليصمت إذن كل شيء هنا/مفتتح قصيدة تمرين على كتابة يوم الجمعة 14 جانفي 2011 للشاعر العربي المنصف الوهايبي- حتى يتسنى للأجهزة الأمنية أن تعمل برؤية نظر واحدة، وهي رؤية ليتها لم تكن قاصرة، ويا ليتها لو أنبتت ثمرا حلوا لعباد البلاد.   
     أفاد أحد أعضاء إدارة الجمعية العمانية للكتاب والأدباء قائلا بالحرف الواحد: "إن الجمعية تواجه ضغطا أمنيا"، أليس هذا دليلا واضحا على تدخل الأجهزة الأمنية في مؤسسات المجتمع المدني؟.
     ليس هذا فحسب، بل إن القسم الخاص ظل يستجوب كتابا عديدين، وصحفيين كثرًا طوال الأشهر الماضية في جلسات تراوحت بين الخمس والست ساعات ثم تم/ويتم إجبار كل من أُدْخِل القسمَ الخاص على إمضاء توقيع بالبصمة يتعهد فيه بعدم ذكر كل ما دار في تلك الجلسات، وعدم الكتابة في مواقع التواصل الاجتماعي (التويتر والفيس بووك). يبدو هذا محاولة جادة  لترهيب كل من قد يفكر في الكتابة/ وهنا أقصد الكتابة المُصلحة/البعيدة كل البعد عن ما يسمى بالإعابة والقذف، وكلنا ضد هذا المبدأ، وهذا ما اتفق عليه أغلب من كتب حول هذه القضية التي لم تنته حلقات مسلسلها بعد،  فما لا يرضاه الإنسان لنفسه لا يرضاه لغيره من البشر.  نرضى لأنفسنا النقد إذا ما أخطأنا، ونرحب به أيما ترحيب، نفتح لقائله آذاننا الصاغية ونُقبِّلُ صدق نواياه، كما قد نفتح عيوننا لنقرأ نقدا نواجه به، ولنتذكر أن الإنسان رافقته الخطيئة منذ أن حرَّك قدميه على الأرض.  
     لذلك حبا في عمان؛ على الجميع أن ينبه بالكلمة إذا ما أحدث شخص ما أو جهاز ما "عسكري أو مدني" أي خطاء. "عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" -رواه مسلم.
    علينا أن نكون أكثر صراحة وأكثر صدقا. على من يستطيع الكتابة أن يكتب مصححا ومصوبا ومنبها ومعاتبا، كون أننا جميعنا نستظل تحت خيمة خضراء وارفة ظلالها تسمى "عُمان"، كما آمل ممن يقرأ أي مقال أن لا تستفزه الكلمات، إن كانت فكرة الجمل والعبارات تنشد الوفاء لعمان العظيمة بماضيها وبسعة تربتها للجميع. فمنذ اشتعال نار احتجاجات الصحراء حتى صباح الغد الباكر وقعت الأجهزة الأمنية في أخطاء عديدة، هذا ليس عيبا كبيرا، إن من يعمل يخطئ، لكن الخطأ الذي لا يغتفر تكرار الخطأ ذاته، والإصرار عليه مصيبة عظيمة. إن الإنسان الحقيقي يتعلم من أخطائه، ولا يكررها، فـ" المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين" و"خير الخطائين التوابون".  
إن نشر صور الشباب ليس علاجا ناجعا للمشكلة، وإذا ما تكرر ذات الخطأ الكبير فليعلم الآمر بالنشر والموافق عليه أنهم يأخذون البلاد والناس فيها إلى حالة غضب كبير "فاتق.. أو احذر الحليم إذا غضب". 
    في هذا الشهر الكريم  أوجه دعوة أخوية لله للذي رأى أن نشر الصور حجب وضاءل نسبة الكتابات "الغاضبة" (التعبير لإبراهيم سعيد) أو تقليص للعدد المتزايد أو كتم أفواه الشباب الغاضب أن يكف عن تكرار ذات الخطأ، وليتذكر أن هؤلاء أبناؤه، وأخوته، كما أن هذه الدعوة مفتوحة للاعتذار، وبهذا الاعتذار يؤكد الآمر بالنشر، والناشر لبني وطنه شجاعته وعظيم خلقه ونبل أصله، وبالاعتذار تصفى النفوس الغاضبة.    
    إذا ما وقعنا في الخطأ فذلك ليس سبة وعارا، خصوصاً إن كانت نوايانا صادقة بالعمل ومخلصة للوطن، لكن أن نتدخل في مؤسسات البلاد فهذا أكبر خطأ، وهذا ما لحق بالإعلام مثلما أشرت سابقا، وبالقضاء، وهذا ما سأحاول المرور عليه في الأسطر القادمة. أُرْبِكَ القضاء في عمان، وأُقْلِقَ بعض أفراد الأجهزة الأمنية، حيث تم  إيقاعهم في مواقف محرجة، آمل أن يكون من أقسم بالقرآن أن لا يقول غير الحق أنه قد قال الحق وهو في رضا تام عن كل كلمة قالها، وآمل أن لا يكون قد أجبر أو أملي كلاماً غير مقتنع به.  
    إن فيما حدث تأكيد لتدخل الأجهزة الأمنية فيما ليس من اختصاصها،  وخير دليل على صحة هذا الأمر التنحي الذي أظهره القاضي يوم 22 من يوليو الجاري، جاء هذا التنحي بعد أن طلب المتهمون بالتجمهر من القاضي ضرورة التنحي؛  وذلك بعد أن صارحوه في إحدى جلسات المرافعة بأنه تناهى إلى سمعهم بأن تمت مناداته والاجتماع به من قبل بعض الأجهزة طالبين منه ضرورة إدانة المتجمهرين، لذلك فاجأ القاضي الجميع في اليوم الذي يفترض فيه أن يعلن الحكم بفتح باب المرافعة من جديد في الجلسة التي فرض فيها القاضي أن ينطق بحكمه الابتدائي من خلال إحضار شاهد في القضية وهذا ما حدث.
     كما أن اختراقات عديدة لحقت بمواد صريحة وواضحة من النظام الأساسي، وهذا في حد ذاته مخالفة علنية، أوضح من شمس صيف عمان الحار للحياة التي ينشدها الإنسان العماني، حيث يتمنى الجميع أن يعيش تحت ظل قانون يحميه من بطش أفكار تعشش في رؤوس بعض ضباط تلك الأجهزة، كما أن من بين السلبيات التي أفرزتها القضيتان تعطيل مواد قانونية صريحة وواضحة من القانون العماني، حيث تشير مواد قانونية إلى أنه يحق للفرد المحتجز على ذمة أي تحقيق أن يحقق معه مباشرة، وأن لا يرمى في زنزانة ضيقة مجهولة المكان، كما له الحق في تقديمه للعدالة في أسرع وقت ممكن، وله حق التواصل مع أهله، وله حق لقاء محاميه. إن عدم إحداث أي من هذه الأمور يوضِّح ما يفيد بأن السلطة ما عادت تحتمل أي محتج على هذه الأرض، يبدو أنها شعرت بتحقيق جميع المطالب بعد أحداث فبراير 2011، لذلك سعت جاهدة إلى تحريم أي تجمع سلمي للمطالبة بأي شأن يسعى فيه الأشخاص لتحقيق مطلب رأوا أن لهم الحق في المطالبة به، لذلك يقرأ الآخرون في تحريم التجمهر بفرض مادة قانونية تجرمه أو محاربة المتجمهرين أن السلطة تنزعج وتستفز مباشرة من أي احتجاج شعبي (مثل احتجاج المعلمين، احتجاج عمال النفط) أو نخبوي (مثل احتجاج مجموعة كتاب ومثقفين ومدوني مواقع إلكترونية على اعتقال مجموعة من شباب البلاد الأوفياء، مع بعض أهالي المعتقلين جراء كتابات على زوايا شخصية في مواقع تواصل اجتماعية)، لذلك تجد جهاز الشرطة يستنفر جل قوته العسكرية والفردية لقمع أي احتجاج.  
    إن ما حدث يعلن إعلانا صريحا أن عُمان ليست دولة مؤسسات، فالمؤسسات عُطِّلت وهمِّشت، كما أنها ليست دولة قانون، فالقانون أقصي بعيدا هذه المرة،   وبهذا أخشى وأرتعب من أن تكون الحكومة تعلن تراجعها عما أعلنته وجاهرت به مرارا وتكرارا.

ليست هناك تعليقات: