26 أغسطس 2008

سالم الكثيري وحرية الكتابة المصادرة.. والفساد على طول البلاد وعرضها

    مقال بعنوان "عمَّال ميناء صلالة يستنجدون"، منشور في جريدة الوطن بتاريخ 5/7/2008م للكاتب سالم الكثيري، كشف الظلم المسكوت عنه الواقع على عمَّال ميناء صلالة، كان الحدث الأبرز هذا الأسبوع، بعد شكوى تقدَّمت بها وزارة القوى العاملة من خلال الادعاء العام في صلالة.  
    كما جرت العادة لا تنشر صحفنا الحكومية- حكومية وخاصَّة جميعها ينظر بمنظار الحكومة ويعتاش عليها- مثل هذه الأخبار، ويقتصر نشرها على المنتديات وبأسماء مستعارة، الأمر الذي يبقى عرضة لشتى التوقُّعات، مثلما حدث في هذا الموضوع حال نشره في موقع منتديات "سبلة عُمان" يوم السبت الماضي 23/8/2008م.  ورغم ذلك أصبحت المنتديات وكتَّابها المصدر الوحيد للمعلومة واستقصائها ومتابعتها، وهو ما شكَّل ضغطًا كبيرًا على السُّلطات، وهو أيضًا ما فعل فعله هذه المرَّة وأثمر ضغطًا فعَّالاً أدَّى إلى غلق باب هذه القضية، ولو كان الحظُّ سيئًا وأحكم الكتمان أطواقه حول القضية فلنا أن نتوقَّع المصير الذي ستؤول إليه ويؤول إليه الكاتب سالم الكثيري.
    تحت عنوان "قضية سالم الكثيري نكسة لأعداء الحرية ودعاة الظلام" كتب الكاتب "أبو عماد" على موقع مدونته "سعيد جداد/ أبو عماد
http://jadad.katib.org/node/64":  "لم يكن التاسع عشر من أغسطس لهذا العام 2008م يوما كبقية أيام الخريف حيث تتبرج ظفار بثوبها القشيب وألوانها الزاهية وتتلحف بالضباب ويتغشاها الرذاذ الأخّاذ بنسماته، متخللا أوراق الشجر ورؤوس الهضاب، على أنغام الموسيقى الشرقية وليالي مهرجان صلالة الصاخب، إذ إن التاسع عشر من أغسطس لهذا العام كان مختلفا ومميزا عن كل أيام أغسطس الماطرة ليس للكاتب العماني سالم الكثيري فحسب بل ولكل عمان ومثقفيها وكتابها وقرائها، ففي هذا اليوم توقف التاريخ في عمان ليسجل على صفحاته ملحمة التدافع بين النور والظلام، وبين الحق والباطل، وبين حرية التعبير وتكميم الأفواه، ملحمة دارت رحاها تحت زخات رذاذ الخريف ونسماته، وعلى تراب ظفار الطاهر،
ففي هذا اليوم تعرض الكاتب العماني سالم الكثيري الذي تجرأ وكسر قاعدة الصمت الرهيب وانتقد مؤسسة حكومية أدمنت الاستهتار بحقوق العمال البسطاء وأمعنت في التعنت وغض الطرف عن انتهاكات خطيرة لحقوقهم، وصمَّت آذانها عن ضجيج الشكاوى وضربت بها عرض الحائط ، بل وأقدمت على تفاهمات من تحت الطاولة مع الشركة التي تدير ميناء صلالة  لتخفيض أجور العمال حتى يتساووا مع غيرهم من العمال المسحوقين في شركات الهوامير".

    هذا يعني أن من يجب استدعاؤه للتحقيق هم المسؤولون في ميناء صلالة ووزارة القوى العاملة وعلى رأسها وزيرها وليس الكاتب سالم الكثيري الذي نؤازره قلبًا وقالبًا في حقِّه في فضح جميع الانتهاكات أمس واليوم وغدًا.
     
    أحد كتَّاب منتديات "السبلة" تساءل في بداية بروز قضية الكثيري يوم السبت الماضي:  هل ستتدخَّل جمعية الكتَّاب؟ 
    انتهى الأمر الآن! لكن الأحداث الماضية أكَّدت أنه لا بد أن يتعلق الموضوع بالمريخ كي تتدخَّل جمعيَّة الكتَّاب أو جمعيَّة الصَّحفيِّين، أو لا بدَّ أن تأتي أوامر من الحكومة كي تدين الجمعية لصالح الحكومة!
    إن التاريخ يعيد نفسَه وسيعيد نفسه مرَّاتٍ ومرَّاتٍ في بلد تُصادَر فيه الحرية، يُصادر فيه الفكر، تُصادَر فيه أدنى حقوق الكاتب.  جمعيَّة الكتَّاب وقفت متفرِّجة عندما جرت أحداث تمثيليَّة محاكمة عدد من كتَّاب موقع "سبلة العرب" السَّابق، وحُوصِر الكتَّاب في قفص الاتِّهام، وبدلاً من التَّحقُّق على الأقلّ ممَّا كتبوه عن مجموعة مسؤولين حصَّنتهم السلطات بسبب مناصبهم، جُرجِروا وخُوِّفوا حتَّى أجبروا واضطروا اضطرارًا إلى تقديم اعتذارات شفهية ومكتوبة. 

    لم يُساءل ولا مسؤول واحد! وهكذا أُقفلت المحاكمة على تلك الأحكام الإرهابيَّة الغريبة المضحكة المبكية، وباستثناء الإدانات الفردية في موقع "منتديات فرق" آنذاك لا أحد أدان الاستفراد بكتَّاب لا يملكون مدافع ولا رشَّاشات ولا سلطات بل أقلامهم فقط:  لا جمعيَّة الكتَّاب ولا الإعلام ولا الصحافة ولا يحزنون.  حتَّى "يحزنون" لم يتحرَّك! وارتفعت راية الشِّعار الغابويّ:  البقاء للأقوى! وأُقفلت "السبلة" القديمة، ثم عادت بشكل آخر محاط بالحذر والتَّوجُّس، فقد حقَّقت المحاكمة أهدافها بامتياز باذخ، لكن، الآن، واليأس تلو اليأس أقام وتوالد بين ظهرانينا، عاد كتَّاب المنتديات العُمانية ليكتبوا من جديد عن "البلاء" المستشري على طول البلاد وعرضها دون حسيب ولا رقيب، وكأن الحسيب والرَّقيب لا يعملان إلا عندما يتعلَّق الأمر بالكتَّاب، بمن يفضح الجرائم والمجرمين، وكأنَّ مسؤولين كبارًا- وهم أساس البلاء- لم يسرقوا ولم ينهبوا ولم يُخرِّبوا ولم يظلموا ولم يُعرِّضوا مستقبل البلاد والأجيال القادمة لأخطار واستنزافات بدأ حصادها المُرُّ منذ زمن.
  
    كم مسؤولاً ومسؤولاً في بلادنا فلت من العقاب؟
    ملف الفساد في الحكومة ينتفخ وينفجر ويتقيَّح وتفوح رائحته.  أن تكون وزيرًا أو مسؤولاً كبيرًا سببٌ كافٍ جدًّا لتدخل نوادي المليونيرات والظَّلَمة، ومن يعترض، من يقول الحقَّ، من يكتب و"يشوشر" ويفضح فإن السلطة له بالمرصاد، وسوف يندم ويُلقى به في غياه

ليست هناك تعليقات: