سالم آل تويّه
ما معنى أن تتدخل الدولة في أسماء مواطنيها؟.
ما الخطورة التي تمثلها تسمية المواطنين أبناءهم بالأسماء التي يريدونها؟.
هل لهذا الانتهاك الخطير لحرية التعبير علاقة بأمن الدولة؟.
ما السِّرُّ إذن في دسِّ الدولة أنفها في كل صغيرة وكبيرة تخص المواطن؟.
إيدا عبدالله خميس البلوشي طفلة تبلغ من العمر ستة أشهر، لكنها بلا اسم معترف به حتى اللحظة، بلا شهادة ميلاد، والسبب شرطة عُمان السلطانية التي منعت والديها من تسميتها باسم إيدا!. عندما تكبر إيدا ستعرف أن شرطة عُمان السلطانية رفضت اسمها واستكبرت وطغت ورفضت الطلبين الرسميين اللذين تقدم بهما والدها لتسميتها بهذا الاسم. عندما تكبر إيدا سيكون إخبارها برفض اسمها بمثابة طرفة حدثت في عهد المماليك في دولة تُسمَّى سلطنة عُمان؛ هل هذا ما سيحدث حقًّا أم أن عهد المماليك سيستمرّ؟!. لنتجاوز هذا ونكمل: ستعرف إيدا أن مجيئها كان منتظرًا منذ زمن طويل، فهي مَنْ سيلغي عنجهية الدولة وغطرستها وشرَّها في التدخل في خصوصيات الناس إلى هذه الدرجة المريبة التي لا تفسير لها إلا الديكتاتورية والرغبة الشيطانية المريضة في ممارسة السلطة وانتهاك حقوق الناس.
الحق المنتهك لا يُوهَب، ينتزع بالمطالبة والإصرار والوعي ورفض كل أشكال انتهاكه. عندما يصل طغيان الدولة إلى هذه الدرجة فيجب أن يقال لها بوضوح: عليك أن تكفي عن التدخل في حياتنا. لقد خربت البلاد وأخلاق العباد، زرعت الرعب في قلوب المظلومين عن المطالبة بحقوقهم، وبعد كل جرائمك المتوالية دائمًا تظهرين بمظهر المهتم بالإنسان وتتشدقين بأن الإنسان طليعة التنمية!. ألا يكفي جميع مظاهر احتقار المواطن في الرواتب والمستشفيات والخدمات؟.
في سلطنة عُمان قوانين لا تطبق إلا على المستضعفين، وفيها قوانين لا توجد في أي بقعة أخرى في العالم. الأهم دائمًا هو تكبيل حرية المواطنين سواء بقانون أو بغير قوانين، ولأن المواطنين يرضخون لكل شيء أصبحت الحكومة لا تتورع عن التمادي حتى بلغت هذا المبلغ الخطير: التدخل في الأسماء. والعجيب الغريب كالعادة أن هذه القوانين بكل ما يعتورها تُنتهَك من مؤسَّسات الدولة -أوَّلاً وثانيًا وبلا توقف- التي يفترض أنها حامية القوانين أصلاً!، فشرطة عُمان السلطانية بمنعها تسمية الطفلة إيدا ضربت بـ"النظام الأساسي للدولة" عرض اللامبالاة، فالمادة 29 من "النظام الأساسي" تحفة التحف هذا الذي يُعاني هو الآخر من عقدة الاسم تنص على أنَّ: "حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون"!.
فقط لو يكون هناك سبب منطقي واحد لإجبار المواطنين على تسمية أبنائهم بالأسماء التي يريدونها!. وحتى إن ساق أي مسؤول غبي فاشل ألف سبب فإن منطقه سيخصه وحده فقط، لأن تبريره سيخالف مرة ثانية ما يُسمَّى "النظام الأساسي للدولة" الذي تنص المادة (80) منه على أنه "لا يجوز لأية جهة في الدولة إصدار أنظمة أو لوائح أو قرارات أو تعليمات تخالف أحكام القوانين والمراسيم النافذة أو المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي هي جزء من قانون البلاد". فهذا يعني أن انتهاك حق الطفلة إيدا في تسميها بهذا الاسم يتعارض تعارضًا مطلقًا والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تنص "المادة 19" منه على أن "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية". ويُصنَّف الحق في الاسم باعتباره حرية تعبير، أي أنه يدخل في إطار المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي –حسب النظام الأساسي للدولة- "يعتبر جزءًا من قانون البلاد"!. والسؤال هنا لماذا استمرت شرطة عُمان السلطانية كل هذه السنوات في انتهاك النظام الأساسي للدولة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية؟، وباعتبارها جهة منتهِكة لماذا تُمكَّن من استمرار الانتهاك؟، وماذا بشأن من انتهكت حقوقهم، ألن ينصفوا؟ ألن يعوضوا؟ ألن يُعاقَب المنتهِكون؟!.
وبينما ينام منتهك الحق قريرَ العين يُعاني المنتهَك حقُّه من الانتهاك ومما يترتب عليه، وما يترتب عليه قائمة تطول كلما طالت فترة انتهاك الحق، فالطفلة إيدا بلا اسم رسمي منذ ستة أشهر، وترتب على هذا أنها ما زالت بلا شهادة ميلاد، وترتب على هذا إنذار والديها بعدم تطعيمها في المستشفى بسبب عدم احتواء قاعدة بيانات الأسماء على اسمها، ويترتب على عدم تسميتها أيضًا عدم إمكانية استخراج جواز سفر لها، وهذا بدوره يعني عدم إمكانية سفر والديها أو والدتها.
تراهن الدولة على إجهاد مواطنيها وتتحدَّاهم لتجبرهم على تغيير الأسماء التي يحبون تسمية أبنائهم بها، وفي حالة إيدا يظهر الوجه القبيح للدولة في أنها تقول بصمت: حسن إذن إننا نجبر والديك على تغيير اسمك، فزمام الأمر بيدنا، لا يمكنك السفر، وسنحرمك كل شيء ما دام اسمك موجودًا!.
والحل بالنسبة إلى قضية إيدا وقضية العشرات أو المئات المشابهة لها هو الرفض القاطع لمبدأ الدولة. الحل أن يتكاتف المواطنون ويعلنون رفضهم لهذه الانتهاكات الخطيرة وإلا فإن المهزلة ستستمر كما هي مستمرة حتى هذه اللحظة. لا يطالب أصحاب الحقوق إلا بإحقاق حقوقهم، لا يدعون إلى فوضى ولا إلى عنف ولا إلى ما يؤدي إلى تخريب، ويطالبون بحقوقهم انطلاقًا من كونها حقوقهم التي لا يمكن لأحد مساومتهم عليها، ويسعون إلى نيلها بكل الوسائل السلمية والمشروعة.
ومن العار الآن إيجاد أعذار للدولة وإلقاء اللوم على والدي الطفلة والتذرع بأن الأسماء كثيرة وعليهم تغيير اسم ابنتهم إلى أي اسم آخر!؛ أليس هذا هو النكوص والتقهقر والتصفيق للديكتاتورية؟. ليس للدولة أي عذر فانتهاكها واضح وضوح الشمس، وما يستدعيه الأمر هو توجيه إدانة مباشرة إليها ومطالبتها بتطبيق مواد النظام الأساسي للدولة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية.
لن تجد تلاعبًا باللغة والحقائق كما تجده في عُمان. مرض غريب يجعل المسؤولين المتغطرسين مهمومين مهووسين بتغيير الأسماء وتمييعها، وحتى المصطلحات المتعارف عليها عالميًّا غُيِّرت في عُمان!، هل هذا هو إنجاز الدولة العُمانية؟. أن تضع قائمة أسماء للمواطنين تجبرهم على تسمية أبنائهم بما تحتويه فقط وتمنعهم عن التسمي بأي اسم لا تحتويه؟. لماذا؟. هذا الإجبار احتقار للمواطن يضعه في منزلة أدنى تلغي حقه في المواطنة، بل تلغي حقه الإنساني ووعيه وتقوم مقام الوَصِيِّ عليه، فكأن هذا المواطن بلغ من الجهل درجة لا يعرف معها حتى اختيار اسم لولده.
إنها عقدة.
دولة تُعاني من عقدة الأسماء: أسماء الأماكن، وأسماء البحار، وأسماء الأجهزة وأسماء القوانين، وأسماء البشر. على أسماء البشر –مثل الأماكن والبحار والأجهزة والآلات والمصطلحات- أن تخضع للدولة. الدولة لا تستطيع الشعور بأنها دولة إن لم تجبر الناس على التسمي بأسماء تختارها هي. الدولة عاطلة عن العمل لذلك تجد وقتًا طويلاً جدًّا لتدس أنفها في كل شيء، حتى في أسماء الناس!، تجد وقتًا طويلاً لإلهاء مواطنيها بمشكلات تجاوزها العالم قبل عشرات ومئات السنين.
تُعتَبر تسمية المواليد حقًّا طبيعيًّا للوالدين، فهما الوحيدان اللذان يختاران الاسم الذي يشاءان لمولودهما. يمثل الاسم أمرًا بالغ الحميمية والخصوصية في حياة أي زوجين. وأي زوجين حتى قبل زواجهما يتداولان في الأسماء التي يريدان أن يُسمِّيا أطفالهما المقبلين بها، فلماذا تسن الدولة تشريعات مجحفة ظالمة تنتهك هذه الخصوصية وتحولها موضوعَ طلبٍ ولجان وواسطة ورواح ومجيء، وتغتصب الفرح من قلوب الآباء والأمهات باصطناع هذه القضية السخيفة سخف من وضعها وطبقها وسمح لنفسه بدم ساديٍّ بارد مقرف بمصادرة حرية الآخرين؟.
سلطنة عُمان دولة في منتهى الغرابة. إن سن شروط قمعية كهذه تجعل عُمان أضحوكة أمام بلدان العالم. لن يؤيد أيُّ أحد فكرةً ليس لا معنى لها فقط، بل إنها تقوم على انتهاك حرية التعبير وحق الهوية، تنتهك حقًّا أصيلاً من حقوق الإنسان. من حق أي مولود يولد في أي مكان في العالم أن يُسمَّى منذ اليوم الأول لولادته بالاسم الذي يختاره له والداه. وما تمارسه شرطة عُمان السلطانية الآن هو انتهاك لـ"إعلان حقوق الطفل" الذي اعتمدته الأمم المتحدة عام 1959م، والذي نص "المبدأ الثالث" منه على أن "للطفل منذ مولده حق في أن يكون له اسم وجنسية". ناهيك عن أن ما قامت به شرطة عُمان السلطانية بحرمانها الطفلة إيدا التسمي بهذا الاسم يعتبر خرقًا واضحًا لـ"اتفاقية حقوق الطفل" التي بدأ نفاذها في سبتمبر 1990م، وانضمت إليها سلطنة عُمان في 1996م. وتنص مواد "اتفاقية حقوق الطفل" على احترام حقوق الطفل دون تمييز مهما كان نوعه، ومن هذه المواد: "المادة 7:
1- يسجل الطفل بعد ولادته فورًا ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية، ويكون له قدر الإمكان الحق في معرفة والديه وتلقي رعايتهما.
2- تكفل الدول الأطراف إعمال هذه الحقوق وفقًا لقانونها الوطني والتزاماتها بموجب الصكوك الدولية المتصلة بهذا الميدان، ولاسيما حيثما يعتبر الطفل عديم الجنسية في حال عدم القيام بذلك.
المادة 8:
1- تتعهد الدول الأطراف باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويته بما في ذلك جنسيته، واسمه، وصلاته العائلية، على النحو الذي يقره القانون، وذلك دون تدخل غير شرعي.
2- إذا حرم أي طفل بطريقة غير شرعية من بعض أو كل عناصر هويته تقدم الدول الأطراف المساعدة والحماية المناسبتين من أجل الإسراع بإعادة إثبات هويته".
باسم الحق والواجب والضمير تضامنوا مع الطفلة إيدا.
هناك 3 تعليقات:
آل تويه لك التحية العطرة والسلام
عجبت مما كتبت وعجبت مما قرأة
أخي العزيز إن الكلمة الطيبة معدنها نفيس ورأيك هذا ينم عن كم هائل من التسؤلات والنظر لابعاد أخرى لم تتطرق عليها ، فهل ياترى إيدا إسم ذا معنى وهل ياترى مانراه من العزيزه حكومتنا تنظيم وليس تعتيم.
آل تويه قلمك يفيض بغزارة
كان الله في عونك عزيزي ابا إيدا. في الحقيقة يضجر ويأسف الحر على ما يحصل في بعض البلدان العربية. سبحان الله، يريدون ان يسيطرون على كل شيء ليس فقط على بلادنا ومواردها بل حتى على أقل الحقوق المدنية البسيطة والتي ليس لها أي تأثير على زحزحت كراسيهم المهترئه. تسلطهم على حقوقنا يعطيهم طابع الهيمنة و القوة والتسلط، هم يسعون لها على حساب شقاء الناس المساكين.
لنا الله،،،
تحية لك أخي سالم،
التفات شديد الخطورة تكشف المفاهيم التي يسعى البعض لتقديمها كما لو كانت منجزا، أتذكر كيف كان الزملاء الذين أنجبوا يضطرون للبحث في دليل تم إعداده بأسماء بعينها يتم قبولها عند تسجيل شهادات الولادة، دون انتباه إلى أن في ذلك منتهى التدخل في الحقوق الشخصية للبشر، وأولها الحق في حرية اختيار الاسم.
ولا أدري حقيقة الخطر الذي ترتجف له الشرطة من اسم إيدا، وما قد ينجم عن قبوله من كوارث قد تفوق ما أسفر عنه "جونو" واسمه بالمناسبة ليس على قائمة المطلوبين من شرطة عمان السلطانية، ولا على قائمتها أيضا
إرسال تعليق