10 يناير 2012

قراءة حرة في الواقع السليط

26 يومًا دون طعام.. ما أشد آلة القمع.. وما أقواكم.. والله إنهم منكم لخائفون
26 فبراير كابوس كبير لكم.. كابوس لن يأتي مرة واحدة فحسب.. فالزمن يدور.. والدوران يُحتِّمُ العودة دائما.. هكذا تقولُ الرياضيات
 
يوسف بن عبدالله الزدجالي
10 يناير 2011

      مهما حاول الإنسان أن يتهكم على قانون الطبيعة البشرية في رغبته الأزلية في الاستقرار، فإن التاريخ يثبت أن حقب إنكار ذلك تنتهي دائما عندما تخرج مجموعة ما فتنادي بترتيب النظام (الإنساني) للإنسان، ولن أقول السياسي متعمدا، لأن السياسة ببساطة شديدة هي التهذيب المعوجّ لحياة البشر، أو تنادي بترتيب حياتهم اليومية البسيطة، أو جزء معين من حياتهم، أو إصلاح أي شيء تم إفساده من قبل نظام ما ارتبط بهم بسطوة السيادة والسلطة. وقد ظهرت هذه المجموعات في كلِّ مكان: في التاريخ القديم السحيق، وفي أزمنة الإنسان المتمدن التي عرفناها، ثم في الحقب التالية، ظهرت في أمم عرفناها، وبالطبع ظهرت أيضا في أمم لم نعرف عنها حتى الآن. لا يهم، أعني لا يهم أننا لم نعرف عنها، إلا أن ظهورها هو أكثر مناطق التاريخ ضوءًا.
***
     مقدمةٌ إنشائية غير مفهومة، فالحال في المكتوب أشبه بالحال في المُعاش غير المفهوم والغريبِ جدّاً على الإنسان والأخلاق والحياة والقانون، غريب على كلِّ شيء، غريبٌ بموجب القانون، ووقح بموجب القانون، متغطرس، ومتسلّطُ بموجب القانون. هكذا وصل الحال بالضعفاء جدّاً من أرباب السلطة والقانون، بعد أن أغلقت أفئدتهم خوفا من غضب الشارع، حين انعدمت عندهم كل وسائل التواصل وبقي الخوف فقط، كأداةٍ تولِّد منهم الرد غير المحسوب تجاه العدو (عدوهم/ نحن)، كطفل لم يبلغ شهره الأول، لا يعرفُ من أدوات الاتصال غير البكاء.
***
    دخول إلى المتن غير مفهومٍ أيضا، أعرفُ ذلك يا أصدقائي، فكيف نقول في قضيتكم الواضحة جدّاً؟ كل شيء واضح وبيِّن، -لنا ولهم. لهم أكثر منا... حكمنا بالسجن خمس سنواتٍ على من دخلنا بيتهُ وانتهكنا حرمتهُ، فرفع سلاحا في وجهنا، حكمنا عليه خمسَ سنوات، لأنه لا يلتزمُ أدب الرضا، لأننا منهُ خائفون... حكمنا بالسجن على من قالَ: ذاكَ قد مد يده إلى جيوبنا ونهب من ثروة الأرض ما ليس له، حكمنا عليه بالسجنِ، لأنه قد حرَّض الناس على اتباعنا في نهب الأرض، لأننا منه خائفون... حكمنا عليهم جميعًا بالسجن، فليبقوا في سجنهم – لا ضير- حتى نرتب جيدا لأنفسنا أوراق اللعبة.
***
     عندما بدأ النظام يخبر الناس أنه كفيل الحريات، وراعي الديمقراطية، ومخلِّص الإنسان، فهمَّ بإحداث تغييرات -حدثت مثلها في العالم المتحضر قبل 3 قرون- كان أيضا هنا كالطفل الغيور... ألم يزج بكم يا أصدقائي في السجن البعيد هناك ليقول: أنا المُغيِّر الأول، أنا المصلح دون جميع الناس؟.
***
     يا رعاة القانون والحق: عندما بدأت الحريات تأخذ نزعة إنسانية مختلفة في العالم، والديمقراطية بدأت تتنفس، كان الإنسانُ هو مسندُ القنطرة الأول، بريئا كان أم متهما، فقيرا أم غنيا.. عندما يجوع ترتجفُ الأنظمةُ لجوعه حتى لو كان مكبلاً في زنازينه.. يا رعاة القانون في بلادي: خذوا من ذلكَ أسوةً هذه المرة، ليس من أجل الإنسان والأخلاق والقانون، ولكن من أجل أن يقولوا: إنهم بلدُ الأمن والأمان، والعدل والعدالة، من أجلكم، أليس هذا ما تريدون؟.
***
     إن جوع الإنسان من أجل الحق والحياة، هي قيمة عليا، عظيمة الدلالة، وفي ذلك، قد وضع أولئك الشرفاء خلف زنازين القمع، وحبس النفس، كي لا يكون لهم ولألسنتهم فضاءٌ يحملُ أوكسجين الحرية، ربّما لأننا نحنُ العمانيين لا نفهم العربية بشكلٍ جيد، فالفرقُ واضحٌ جدا بين (حرية التعبير) وبين (منع مصادرة الفكر)، الفرق واضحٌ صدِّقوني، نحنُ/ أنتم فهمنا الأمر بشكل غير الذي هو عليه، إنكم أذنبتم يا أصدقائي وبقوة: فكيف يسمحُ لكم القانون بـ: التفكر والتأمل والتدبر، ويحمي ذلك لكم، ويمنع كائنا من كان بمصادرة هذا الفكر، في حين إنكم تخرجون إلى الشارع وتمارسون (حرية التعبير).. إن ذلك لبهتانٌ عظيم.
***
     تُرى هل سيكون لأرباب القانون شجاعةٌ إن طُلبَ منهم في مجلس الشورى عرض قضية سجناء الرأي في جلسة علنية؟ أعرفُ أن المجلس يحوي من الشرفاء من يكفي لكشف تعدي رجال القانون على القانون، وكشف تعديهم على هؤلاء الأحرار، لكن، لنقلب المعادلة: هل سيكون لمجلس الشورى شجاعةُ طلب ذلك من الموقر وزير العدل؟
***
     26 يومًا دون طعام، ما أشد آلة القمع، وما أقواكم، والله إنهم منكم لخائفون.
***
     لم يعرف البوعزيزي أنه سيصنعُ من رماد جسده الطاهر وقودا لا ينتهي لثورات الشعوب الحرة، ربما هو انعطاف التاريخ ليصحح مسار الشعوب، هنا أيضا، حرمتم أنفسكم يا أصدقائي من الخبز والماء، إنه احتراق الجسد دون نار، هو انطفاء الطغاة إلى الأبد.
***
    إلى أرباب القانون من جديد، إلى أمعائهم الدقيقة، لم يشأ الله أن تكونوا جزءا من الشعب، يحيطُ بكم الشبع أنى ذهبتم، أي غرابة إذن أن تغضوا أبصاركم عن جوعنا، عن جوع مسجونيكم، أي غرابة أن يكون القانون في صفكم كي تكتمل فصول اللعبة القذرة.
***
    26 فبراير، كابوس كبير لكم، كابوس لن يأتي مرة واحدة فحسب، فالزمن يدور، والدوران يُحتّمُ العودة دائما، هكذا تقولُ الرياضيات.                          

ليست هناك تعليقات: